بسم الله الرحمن الرحيم
لسنا في حاجة إلى أن نطيل البحث عن الأسباب التي أدت إلى إطالة وتيرة هذه الحرب المدمرة التي اشتعل أوارها قبل سبعة أشهر ونيف في عاصمة السودان, والتي حتما سوف تعيق هذا البلد المترامي الأطراف, على أن ينهض بعد انحطاط, أو يستيقظ بعد سكون طويل, هذه الحرب اليباب على اختلاف مشارب أصحابها, وتباين ارائهم, وتقاطع مواقفهم السياسية, أعادت السودان إلى دهر طويل من التقهقر والتخلف, والسودان مما لا شك فيه, يحتاج إلى أن يقطع كل ما بينه وبين التقهقر والتخلف من صلة, وأن يوثق صلاته بأسباب النهضة والتحضر, وفي الحق أن هذه الحرب الطاحنة التي سوف نتحدث عن قيمتها وعن نتائجها في هذا المقال والمقال الذي يليه, ليست وليدة اليوم ولا الأمس, إنما مضى عليها عشرات السنين, ونحن إذا ابتغينا الإنصاف في زعمنا هذا, نقول في ثقة واعتداد, أن هذه الهيجاء مضى عليها أكثر من قرن, نعم سادتي لم تخمد نار هذه الحرب منذ أكثر من قرن, بل كانت تزداد في كل يوم قوة وضراوة حتى وصلت إلى هذه الصورة الفجة والمقيتة التي نشاهدها اليوم.
من السهل علينا أن نزعم أن حرب السودان التي مضى عليها أكثر من قرن, لم تكن السياسة وحدها هي من تتحيل اجتذابها واشعال فتيلها, كلا,فبعيدا عن الأوهام, وتنميق الألفاظ, كما يقول عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين, نستطيع أن نعترف بأن من أهم أسباب قيام هذه الحرب هي العاطفة والشعور, ولعل من المعقول أن نسأل في رتابة عن سر هذه الكراهية والبغضاء بين مكونات الشعب السوداني,فطبقات الشعب السوداني على اختلافها ترزح تحت نير ضغائن وأحقاد كثيرة ومعقدة, بعضها أتحفنا بها التاريخ القريب, وأخرى جاءت من خطل الساسة الذين في العادة يجيدون العزف على أوتار المنفعة والتقريب, وبحكم الطبيعة الاجتماعية لتلك القبائل التي تسعى لخلق وشائج مع الواجهة السياسية, تذعن هذه القبائل سواء قلت أو كثرت, لتوجيهات أرباب الحكم والتشريع, ومما لا يند عن ذهن, أو يلتوي على خاطر, أن تلك القبائل قد تكلفت نظير هذه الكراهية أهوالا وضروبا من العناء, وأطيافا وألوانا من الشدة, لقد هيمنت هذه الكراهية على جميع فروع الحياة حتى شملت الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية, وبقيت أسباب هذه الكراهية والبغضاء دائمة موفورة وجذعة في حنايا القبائل والإدارات الأهلية التي تعمل على تأجيجها حتى تمتد وتستطيل, زعماء القبائل والساسة الذين لا ينزلون كل القبائل في منزلة واحدة, هم من أغرقوا الشعب السوداني في هذا المستنقع الآسن, ومن نافلة القول أن نشير إلى بعض الحكومات التي أسهمت في تأطير القبلية, وأجادت في سبك نظمها,وبلورةشخصيتها , وتعد حكومة الإنقاذ الوطني التي ظلت قابضة على أعنة الحكم لثلاثة عقود, هي أفضل دليل نستطيع أن نقدمه في طرحنا المتعجل هذا, نحن لا نستطيع أن نجيب بنفي أو إثبات عن مدى تورط الساسة في تعكير صفو النظام الاجتماعي على مدار تاريخنا الحديث والمعاصر, ولكننا نقر بقبول وتماهي بعض القبائل مع النظم السياسية التي تعاقبت على حكم السودان, سواء كانت هذه النظم السياسية معتدلة أو متطرفة, فقد تجاوبت معها هذه القبائل حتى تحتفظ بكينونة القبيلة قوية صلبة, ولعل من الحيف الذي لا يضاهيه حيف, والاعتساف الذي لا يماثله اعتساف, أن نمضي مسرعين في تهمنا التي نكيلها ضد الساسة, وضد زعماء العشائر, والإدارات الأهلية, دون أن نعضد تهمنا تلك بالبراهين الساطعة, والأدلة الدامغة, ولكن من خلال معرفتنا بطبائع شرقنا العربي والأفريقي, ومن درايتنا بالمبادئ والحقائق المؤيدة بالبرهان, لنا أن نجزم بأن صولجان الحكم يسعى دوما لحشد القبائل وأعيانها وضمهم تحت ساحته, والقبائل بدورها يسعدها هذا التقارب فهي تطمح أن ترتقي بتضافرها وتضامنها مع الرتب الرفيعة وأصحاب المجد والسؤدد, وتظهر هذه القبائل سرورها بهذه الروابط مع أهل السلطة دون حياء أو خجل. هذه العرى بين السلطة والقبائل صحيحة إذن, وعلى مدار التاريخ اندفعت معظم القبائل إن لم تكن كلها, اندفعت متجاوبة أو رافضة,اندفاعا لا حد له مع النظم السياسية, حتى أصبحت المنافع المادية هي الحالة الروحية التي نعبر عنها من أجل نصرة القبيلة, وهي الغاية التي يشاد عليها عمران الأصول في السودان, أما الوطنية والهيام بها, والحرص عليها, فليس لها في أفئدتنا نصيب وافر.
إن وتيرة الرقي في أرض النيلين بعد أن تضع هذه الحرب أوزارها, ستكون بطيئة شديدة البطء, وسيكون الانصهار مع بوتقة القبيلة, قائما على أساس منيع يضمن له البقاء والتجدد, فالعصبية التي ما هي إلا أثرا من آثار القبلية والتي تعد من أهم مقومات نظامنا الاجتماعي في السودان, ستظل على أقل تقدير محتفظة بقوالبها التي ستكون لها عواقب شديدة الخطر, خاصة بين أوساط تلك القبائل المنضوية تحت لواء قوات الدعم السريع, فهذه القبائل عصبيتها لا تخمد أو تزول, والذي آراه أن هذه العصبية وإن كانت متأصلة في كل قبائل الشرق والشمال والوسط, فهي متجذرة في قبائل غرب السودان, وفي حياة شعوبها الواقعة تحت سيطرة هذه الحمية, ومما لا ظن فيه أو جدال, أن السودان ذلك الوطن الذي تركض فيه المصائب, وتتسابق إليه النكبات, سيحتاج إلى وقت طويل حتى تكف العصبية عن نفث حممها في بواديه.
نواصل ما اتصل الأجل
د. الطيب النقر
nagar_88@yahoo.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: هذه الکراهیة هذه القبائل هذه الحرب
إقرأ أيضاً:
واقع مرير خلَّفته الحرب في كهرباء السودان
الخرطوم- كان يوما عصيبا وشاقا على عبد الله محمد فضل المولى من قرية "طليحة الحامداب" في ريف القطينة بولاية النيل الأبيض (جنوب)، عندما اضطر هو وكل أهالي قريته للنزوح سيرا على الأقدام لمدة 13 ساعة هربا من مليشيا قوات الدعم السريع التي اقتحمت قريتهم.
وبعد شهرين، عاد فضل المولى والسكان إلى قريتهم، ليكتشفوا أن محولات الكهرباء التي كانوا يشغلون بها الآبار لسحب مياه الشرب قد نُهبت، مما عرَّضهم للعطش، وكادوا ينزحون ثانية لولا أن اهتدوا إلى بديل آخر يكمن في شراء منظومة للطاقة الشمسية لتشغيل الآبار، ومن ثم توجهوا للبحث عن هذا البديل في أم درمان، حيث التقتهم الجزيرة نت.
يقول المواطن عصام الدين الإمام للجزيرة نت "بعد أن فقدنا محولاتنا الكهربائية، جئنا من ولاية النيل الأبيض إلى أم درمان لشراء منظومة الطاقة الشمسية، وعرفنا من بعض الذين جربوا أنها نجحت".
من جهته، أكد الخبير الاقتصادي محمد الناير -للجزيرة نت- أن التدمير الذي حدث في قطاع الكهرباء كبير جدا، مؤكدا أن "قيمة النحاس الذي يباع بعد سرقته من شبكات الكهرباء لا تعادل 10-15% من تكلفة إعادة هذا القطاع وإعادة المحولات والكوابل إلى ما كانت عليه قبل الحرب".
أما مازن محمد عثمان، صاحب محل لبيع منظومات الطاقة، فيقول إن مستوى الإقبال جيد على اقتناء هذه المنظومات، وربما يصل إلى 40 زبونا في اليوم الواحد رغم ظروف الحرب، ومعظمهم من الخرطوم والخرطوم بحري، وذلك بسبب الدمار في شبكات الكهرباء بالمدينتين.
إعلانويؤكد المهندس في منظومات الطاقة الشمسية، أبو الدرداء جبريل، أن السبب في توجه المواطنين إلى الطاقة الشمسية هو ضرب مُسيَّرات قوات الدعم السريع محطات الكهرباء، خاصة محطة سد مروي.
إضافة إلى الأضرار الكبيرة التي لحقت بشبكات الكهرباء في الخرطوم والخرطوم بحري جراء خلعها وتخريبها بغرض سرقة النحاس الموجود داخلها، مما جعل المواطنين يقبلون على منظومات الطاقة الشمسية لتكون بديلا.
وبرز استهداف البنية التحتية لقطاع الكهرباء كوجه آخر من أوجه الأزمة في السودان، مما جعلها واحدة من أكثر الأوجاع التي يعاني منها السودانيون جراء الحرب بالبلاد.
سرقة وتخريبويعتمد السودان في توليد الكهرباء على المحطات الكهربائية والمائية، لكن معظم هذه المحطات تدمَّرت في الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين.
ولم يقتصر الأمر على التدمير الذي لحق بقطاع الكهرباء وعديد من المنشآت على الخرطوم فقط، بل شمل كل الولايات المتأثرة بالحرب، وتعدى الدمار إلى سرقات واسعة النطاق في الشبكات الناقلة للكهرباء بهدف الوصول إلى النحاس.
وشهدت ولاية الجزيرة خسائر كبيرة في قطاع الكهرباء، تمثلت في حريق كامل للمحطات إضافة إلى سرقة النحاس من محولات كبيرة بالولاية.
ووصلت الخسائر -حسب مدير الشركة السودانية لتوزيع الكهرباء في الولاية، مصعب عبد القادر- إلى 180 تريليون جنيه سوداني (الدولار يساوي 600 جنيه سوداني) في تكلفة مبدئية.
وأشار الناير إلى أنه سبق أن طالب قبل الحرب بأن تتجه الدولة إلى فتح باب التمويل الأصغر، لكي تمتلك كل أسرة وحدة خلايا شمسية، شريطة أن تتولى الدولة إعفاء مواد هذه الخلايا من الرسوم والجمارك إعفاء تاما.
ودعا للاستفادة من مصنع لتجميع الخلايا في مدينة سوبا (شرق) به معدات جيدة إن لم يتعرض للنهب أو التخريب.
إعلان