مديرة مكتب «مصدر» في إندونيسيا لـ«الاتحاد»: الإمارات أسست أنظمة لدعم الطاقة النظيفة عالمياً
تاريخ النشر: 27th, November 2023 GMT
نوف الموسى (دبي)
القيمة الحضارية والإنسانية التي أنجزتها دولة الإمارات العربية المتحدة، تكمن في تقديم نماذج معرفية وتقنية واقتصادية واجتماعية، تدعم مسيرة المجتمعات العالمية المستدامة، بمختلف ثقافاتها، ولغاتها، وطبيعة مناخها وتنوع اقتصاداتها، إنها فُرصة متجددة لإدراك الإمكانات البشرية، وتناغمها مع العناصر الطبيعية للحياة على كوكب الأرض.
أوضحت المهندسة فاطمة السويدي، أنه من المهم سرد مسيرة رحلة الإنشاءات الأولية، وبيان الدراسات والبحوث العلمية التي تعد «مصدر» إلى إنجازها، ليتاح للمتلقي والمتابع للمشاريع التنموية في مسيرة المشاريع النظيفة إدراك ما تقدمه هذه المشاريع، ليس كمورد للطاقة فقط، بل كمحاكاة فعلية للبيئة الطبيعية، إنها بمثابة محاولة لإنشاء لغة تربطنا بمحيط البيئة التي نعيش فيها، لنا أن نتصور أن سد «شيراتا»، يصل عمقه لنحو 120 متراً، ما يجعله تحدياً تقنياً، فأنت لا تريد الإضرار بالسد ولا بالمياه التي يستخدمها الأهالي أساساً في ري الأراضي الزراعية والصيد، وفي الوقت نفسه عليك أن تمتلك جاهزية كاملة وفق برامج مجتمعية لتهيئة المزارعين ممن سيفقدون أراضيهم، والصيادين ممن سيبتعدون عن مساحة الصيد اليومية التي اعتادوها، كونها ضمن المشروع، من خلال تعويض الأراضي، ومساعدة الصيادين في إيجاد أماكن أكثر ملاءمة لممارسة مهنتهم الحيوية، ولفتت السويدي أن الجانب البيئي والاجتماعي، يشكل شرطاً رئيساً تدقق عليه الحكومات والبنوك الممولة، حيث تطلع على جهود الشركة المطورة في المشروع، وكيف يمكنها أن توازن بين الأبعاد الإيجابية والسلبية، وتتخذ الإجراءات البديلة في حالة ظهور إشكاليات سلبية، وهو أمر ممكن الحدوث في أي مشروع بيئي، والسؤال البحثي يبدأ حول العناصر المباشرة المتأثرة بالمشروع، على سبيل المثال «الشاحنات» الخاصة بالمشروع التي تحمل المعدات، والتي ستمر بالقرى، هل ستعطل حركة الشوارع، وتؤثر في مكون البنى التحتية للقرى؟
سد «شيراتا»
أشارت المهندسة فاطمة السويدي، إلى أن مشروع الطاقة الشمسية الكهروضوئية العائمة، يفيد بالدرجة الأساسية الدول التي لا تمتلك الكثير من الأراضي الواسعة الممتدة، من مثل «إندونيسيا» و«اليابان» و«ماليزيا»، حتى وإن كانت هناك أراض فأغلبها زراعية، ويحتاجونها للزراعة، وتحقيق الأمن الغذائي. يُذكر أن سد «شيراتا» تصل مساحته إلى نحو 6000 هكتار، واستخدمت «مصدر» ضمن مشروع الطاقة الشمسية العائمة نحو 250 هكتاراً تقريباً من إجمالي مساحة السد. وفي هذا الصدد، أوضحت السويدي أهمية الاطلاع على تصميم الألواح الشمسية، وإمكانية جعلها تطفو على سطح المياه، دونما الإضرار بالمشهد العام لبيئة الأرض في إندونيسيا. وفي اعتقادها هنا الفيصل الرئيس لقيمة أي مشروع، أنه قادر أن يلبي فعل الطاقة المتجددة، ويحفظ في نفس الوقت المخزون التضاريسي الطبيعي لبيئة المكان الذي يتم تهيئته للمشروع، وأضافت السويدي أنهم في «مصدر»، استطاعوا توفير 1500 وظيفة لسكان المحليين، يوازيها برامج تدريب وتأهيل مستمرة، تنطلق من تعريفهم بما تعنيه الطاقة الشمسية، وكيف يمكنهم المساهمة في المشروع، من خلال تعلم مهارات بسيطة لا تحتاج مرجعية تقنية أو علمية، تدعم مراحل إنجاز مشروع محطة «شيراتا»، منها تركيب اللوحات الشمسية وتوصيلاتها، فهناك مراحل نهائية بسيطة جداً في المشروع، أسهمت فيها نساء القرى المجاورة، من خلال تركيب توصيلات مرتبطة بالنظام الشمسي للمشروع ككل، يتطلب فيها اهتمام بالتفاصيل وسرعة الإنجاز، وبالطبع فإن النساء هن الأكثر قدرة على تأدية هذه المهام، بالمقابل أسهم الرجال ممن يمتلكون قوى بدنية أكبر لتحريك تلك الألواح الشمسية، إلى جانب المهام الأخرى المتعددة.
الطاقة النظيفة
واعتبرت المهندسة فاطمة السويدي، أنها تهدف من حديثها حول البنى الاجتماعية والبيئية لمشروعات الطاقة النظيفة والمتجددة، لإعادة اكتشاف مفهوم الاستثمارات في الطاقة الجديدة، أنه فعلياً لا يقتصر على موضوع الربح المالي، والذي يعتبر من أقوى الاستثمارات في العالم الحديث، وليس فقط لتوفير احتياجات المدن لطاقة، ولكننا ببناء تلك الأنظمة المستدامة في استثماراتنا من حول العالم، نفتح حواراً مباشراً مع جميع الأبعاد التنموية في البلدان، وفي اعتقادها أن مشاريع الطاقة النظيفة ستتحول في المستقبل القريب إلى منصات حضارية مفتوحة للتبادل العلمي والمعرفي والإنساني والثقافي، قائلةً: «لا أعرف إلى أيّ مدى يدرك القارئ غير المتخصص في مجال الطاقة المتجددة والنظيفة، أن مشاريعنا تدرس القدرة التنموية في الأحياء والقرى التي قد تكون بعيدة تماماً عن فعل الحياة الحديثة، فلنا إن نتخيل أننا نبني مشروعاً حديثاً جداً في مكان بسيط جداً، واللافت أن تلك المشاريع الضخمة ذات المردود المستدام، تنسجم مع بساطة السكان وفضولهم تجاه ما يمكن أن يؤثر المشروع عليهم مستقبلاً، لذا فنحن نعمل أن يكون هناك مردود مباشر قصير الأمد، من خلال التعويضات والفرص الوظيفية، ومردود طويل الأمد من خلال بناء الوعي والتعليم وإنتاج الطاقة، فمسيرة عملنا تمتد بين 25 إلى 35 سنة في كل مشروع، لذلك فإن زيارة المدارس في القرى يعد أمراً ضرورياً، وترميمها كذلك إذا ما تطلب الأمر، والاهتمام بالمهارات الجانبية من مثل الخياطة لدى النساء، ومساعدتهن للحصول على مدخول من خلاله، هو أمر سعينا إليه في مشروع محطة «شيراتا». قد يتساءل القارئ، ما المهم في ذلك، إذا ما كانت الطاقة الشمسية العائمة تؤدي دورها في المشروع، وفي نهاية الأمر سيمد نحو 50 ألف منزل بالطاقة المتجددة، بحسب ما هو مخطط له؟! بالنسبة لنا في «مصدر»، وفي تعريفنا لمشروع الطاقة المتجددة، أنها رحلة حياة كاملة يومية، نحن نعمل على إمداد المكان بطاقة متصلة يتحرك فيها الأفراد بوعي من خلال شعورهم بالانتماء إلى تلك الطاقة النظيفة في حياتهم اليومية، وأنها مترابطة ومتأثرة بأعمالهم اليومية البسيطة، وصولاً لأكبر مشروع طاقة شمسية عائمة في جنوب شرق آسيا».
حضور متميز للمرأة الإماراتية
أكدت المهندسة فاطمة السويدي أن حضور المرأة الإماراتية في مجال هندسة الطاقة المتجددة والنظيفة، يمثل إضافة نوعية واستثنائية في مجال يزدحم بالرجال عادةً، مبينة أن مجال الهندسة بكافة قطاعاته لا تزال تحضر فيه المرأة بنسب أقل، ودائماً ما تحتاج المرأة في المجالات الهندسية إلى مجهود مضاعف، لإثبات قدرتها وإمكاناتها في المجال، وتابعت: كوني إماراتية فإنني أحظى بدعم القيادة الرشيدة، سواء في الهندسة، أو في جميع القطاعات الحيوية بالدولة، وهو نهج واضح وراسخ في الاستراتيجية الوطنية لدولة الإمارات، وتقع على عاتقي مسؤولية الاشتغال على تلك الفرص ومحاولة تطويرها، وبيان أثر حضور المرأة فيها، ففي كل قطاع تحتاج إلى منهجية التكامل بين رؤى الجنسين من الرجال والنساء، لكل منّا طريقته في استكمال الجزئيات المنوطة به، سواء في إنتاج العملية الإبداعية، أو في بيان الطرق والممارسات في داخل المشاريع نفسها، ورسالتي لكل امرأة إماراتية تود المشاركة في مسيرة الطاقة المتجددة والنظيفة، أن تشارك طالما أنها تستطيع تقديم بعد إبداعي وعلمي وثقافي لمفهوم «الاستدامة»، فالجانب الإنساني في تلك المشاريع المستدامة يكاد يكون هو محور الاستثمار الأكبر، والنساء يدركن قدرتهن الأصيلة والأولى في بناء المجتمعات أينما وُجِدن.
مهندسة في الطاقة المتجددة والنظيفة
درست المهندسة فاطمة السويدي، مجال الطاقة المتجددة والنظيفة، وتخرجت في جامعة الشارقة، أكثر ما ألهمها لدراسة المجال بحسب تعبيرها هو التفكير الرائد لدولة الإمارات بمفهوم الطاقة المتجددة، وحالة الوعي المستمرة سواء في المشاريع المعلنة، والاستراتيجيات المتعلقة بالتعليم والتدريب وتأهيل الإماراتيين، ليكونوا جزءاً من مسيرة دعم المناخ والبحث عن الحلول البديلة القادرة على استدامة علاقة الإنسان بالأرض، خاصة أن فكرة الطاقة التقليدية وأضرارها أصبحت تلقي بظلالها على متغيرات بيئية تعيق مسيرة الإنسان في تطوير وبناء الحياة على كوكب الأرض، فالمؤشرات من خلال علم الأرض، تكشف لنا أن هناك ارتفاعاً في مستوى الضرر الناجم عن استخدام الإنسان لطرق التقليدية لتوليد الطاقة، والأرض باتت تعبر عن استيائها بالزلازل والفيضانات وضعف قدرة التربة على الإنتاج وجفاف المياه وغيرها، وبالنسبة لها فإن ما قامت به دولة الإمارات وريادتها في المجال منذ تأسيس «مصدر» في عام 2006، يعد نقلة في الوعي الإنساني والبيئي والحضاري، نحصد نتائجه اليوم عبر حضور «مصدر» في أكثر من 40 دولة ممتدة على 6 قارات.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الإمارات مصدر إندونيسيا الطاقة النظيفة كوب 28 الاستدامة مؤتمر الأطراف مؤتمر المناخ الطاقة الشمسیة الطاقة النظیفة دولة الإمارات فی المشروع من خلال فی عام
إقرأ أيضاً:
خطوة طموحة نحو مستقبل الطاقة النظيفة
كان الحديث عن التحول إلى الطاقة الخضراء هو أحد أهم ملامح المرحلة الماضية ليس فقط في سلطنة عُمان بل في العالم أجمع الذي سيعلي من خطر الطاقة الأحفورية على التحولات المناخية إضافة إلى مشكلة الاستدامة للطاقة الأحفورية.
لكن الأمر تحول من خطاب المنابر والتنظير العلمي إلى الواقع المعيش في بلادنا حينما افتتحت أمس أول محطة للهيدروجين الأخضر في عُمان.. لقد تحول الأمر من حديث الطموح إلى الواقع الملموس.
ورغم أن الأمر في عتباته الأولى إلا أن المشروع يعتبر خطوة فارقة في مسيرة عُمان نحو تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، كما يعكس التزامها بتبني حلول مستدامة للطاقة، بما يتماشى مع رؤية عمان 2040.
ولا يمكن أن ننظر إلى المشروع بوصفه مجرد مشروع طاقة، بل هو جزء من تحول استراتيجي شامل، يعزز من مكانة سلطنة عُمان كلاعب رئيسي في سوق الطاقة المتجددة. وتقدم سلطنة عُمان نموذجا فريدا في تبني الابتكارات الخضراء وذلك عبر استخدام تقنية التحليل الكهربائي المعتمدة على الطاقة الشمسية لإنتاج الهيدروجين الأخضر.. إن الأمر يمكن أن ينظر له باعتباره خطوة مثالية نحو اقتصاد منخفض الكربون.
والعالم اليوم يخطو خطوات حثيثة في قطاع الطاقة سواء كان الأمر متعلقًا بالحياد الكربوني أو كان متعلقًا بالتقلبات التي يشهدها قطاع الطاقة في وقت تحاول فيه الدول تكريس فكرة الاستدامة في مواردها المالية، والبعد عن مصدر واحد غير مستقر.
وتسعى الدول الكبرى إلى التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري والاعتماد على مصادر نظيفة ومستدامة. وتشير الدراسات العلمية إلى أن الهيدروجين الأخضر يعد من أكثر البدائل الواعدة لتقليل الانبعاثات الكربونية، لا سيما في قطاع النقل الذي يُعد أحد أكبر مصادر التلوث البيئي. وتحقق عُمان باستثمارها في الطاقة الخضراء وبشكل خاص الهيدروجين الأخضر هدفين مهمين: الأول يتمثل في الاستجابة للتحديات البيئية، وتحقيق رؤيتها نحو الحياد الصفري، والثاني هدف استثماري في مستقبل الطاقة النظيفة، وهو فرصة لتعزيز الاقتصاد من خلال جذب الاستثمارات في هذا القطاع الواعد.
وتدعم مشاريع الهيدروجين الأخضر الاقتصاد الوطني عبر خلق فرص عمل جديدة وتعزيز الكفاءات المحلية في مجال التكنولوجيا الخضراء. ويمكن أن نفهم توجه شركة «مواصلات» لإدخال المركبات التي تعمل بالهيدروجين إلى أسطولها توجهًا حقيقيًا في جميع قطاعات الدولة نحو الاستدامة، الأمر الذي يضع سلطنة عُمان في مقدمة الدول التي تستثمر في هذا المجال.
والتعاون بين الجهات الحكومية والخاصة في هذا المشروع يعكس مدى الوعي بأهمية الشراكة في تحقيق التحول إلى الطاقة المستدامة؛ فالدعم الذي تقدمه الشركات يبرز أهمية تكاتف الجهود لإنجاح هذا التحول وتحقيق الطموحات الكبرى.
وعلى الرغم من أن الطريق إلى مستقبل أخضر لن يكون طريقا سهلا على الإطلاق لكن المؤكد أنه أصبح اليوم أقرب من أي وقت مضى. وتدشين مثل هذا المشروع في عُمان يؤكد للجميع أن التحول نحو الطاقة الخضراء عمل جاد وحقيقي ولن يكون هدفه بيئيا رغم أهمية هذا الهدف، ولكنه من أجل الأجيال القادمة التي تستحق مستقبلا أكثر استدامة.