النحل.. مملكة التنوع البيئي
تاريخ النشر: 27th, November 2023 GMT
خولة علي (دبي)
يسهم النحل في تحقيق الاستدامة عن طريق الدور الحيوي الذي يلعبه في الحفاظ على التنوع البيولوجي وتعزيز الأمن الغذائي، فهو يساعد في تلقيح النباتات التي تنتج الغذاء وغيره من الموارد المهمة للإنسان، ما يساعد على توفير الغذاء والمأوى للعديد من الكائنات الحية الأخرى.
ويسهم النحل في الحفاظ على الموائل الطبيعية وتعزيز الخدمات البيئية مثل تنقية الهواء والماء، فالحفاظ على حياة النحل وعلى وفرته يعد أمراً ضرورياً لضمان سلامة وصحة البيئة، واستدامة الغذاء، فما هو دور النحالين المحليين في الحفاظ على النحل في ظل ظروف تغير المناخ؟.
دعم الاستدامة
يؤكد مانع الكعبي، الرئيس التنفيذي لشركة نحّالي الإمارات، أن للنحل فوائد عظيمة، منها ما هو خاص للنحال من خلال إنتاج العسل ومنتجات الخلية كحبوب اللقاح والعكبر والغذاء الملكي وسم النحل وشمع العسل، ومنها ما يحقق فائدة عامة يستفيد منه المزارعون لتلقيح المحاصيل الزراعية. فالنحل يسهم في تلقيح ما نسبته 75 % من المحاصيل الزراعية، كما يزيد الإنتاج الزراعي إلى 3 أضعاف، وهذا بدوره يسهم في أمننا الغذائي واستدامته، لاسيما أن النحل يلقح ما نسبته 90 % من النباتات والأشجار في الطبيعة وهذا بدوره يدعم قضية الاستدامة للغطاء النباتي ويحارب التصحر بطريقة غير مباشرة لأن زيادة التلقيح تساعد على زيادة البذور وانتشارها، ما ينعكس على زيادة الغطاء النباتي وتقليل التصحر في الطبيعة. والنحل في حد ذاته مؤشر طبيعي على صحة البيئة التي نعيش ونحيا فيها، ومدى خلوها من الملوثات والمبيدات الحشرية والانبعاثات الكربونية، إذ إن وجود النحل دليل على صحة البيئة، والعكس صحيح لأن انعدام وانقراض النحل دليل على عدم صحة البيئة من حولنا.
مهنة متوارثة
عن مدى انتشار ثقافة تربية النحل في المجتمع، يوضح الكعبي أن تربية النحل مهنة توارثناها من الآباء والأجداد، وهي جزء من الموروث الثقافي والشعبي، ويوجد حالياً اهتمام من شريحة واسعة من المواطنين والمقيمين ولاسيما أصحاب المزارع وأهل المناطق الجبلية، لكونها من المهن القديمة. كما أن هناك اهتماماً كبيراً من وزارة التغير المناخي والبيئة على المستويين الاتحادي والمحلي وهيئة الزراعة وسلامة الغذاء بأبوظبي وكذلك هيئة الفجيرة للبيئة لرعاية النحل وإكثارها، وعمل دراسات علمية وأبحاث تخصصية للنحل وعلومه. ويقول الكعبي: بالرغم من اهتمام الجهات بالنحل وإنتاج العسل، فإن الممارسات غير الصحيحة من بعض العمالة في قطف العسل بطرق إحراق الخلايا، سلوك يؤثر سلباً، وكذلك الأمر بالنسبة للرعي الجائر والاحتطاب مع الاستخدام غير المنظم للمبيدات الحشرية من بعض المزارعين وكثرة الانبعاثات الكربونية. وكلها عوامل تؤثر على استمرارية النحل واستدامته، حيث يتوقف دورنا ومسؤوليتنا في تثقيف المجتمع وتوعيته بأهمية النحل للمساهمة في حملات التشجير، والتعاون بين المزارعين والنحالين لتنظيم عمليات رش المحاصيل الزراعية بما لا يؤثر على سلامة النحل.
مناحل منزلية
وأشارت النحالة نعيمة الأميري التي استطاعت أن تترجم عشقها للحديقة والزراعة المنزلية، ورغبتها في زيادة إنتاج محاصيلها الزراعية وعملية تلقيح النباتات، باعتمادها الطريقة الطبيعية عن طريق النحل. وعكفت على تربية النحل وتشييد المناحل في حديقتها المنزلية، وتقول: أصبحت المناحل جزءاً مهماً من مكونات الحديقة المنزلية لفوائدها الجمة، وتحقيق الاستفادة الغذائية والعلاجية والدوائية في الوقت نفسه. ومن خلال إنتاج العسل يمكن تحقيق الاكتفاء الذاتي، عدا عن التلقيح الطبيعي للنباتات، والذي تقوم به النحلة أثناء جمع رحيق العسل، ما ينعكس على ازدهار المحاصيل الزراعية، لنحقق بذلك الأمن الغذائي واستدامته. وتؤكد الأميري أن تربية النحل تسهم في التأثير على البيئة والحفاظ على التنوع البيولوجي فيها، إذ إن الحفاظ على النحل أمر في غاية الأهمية، وهناك حاجة إلى التوازن بين التنوع البيولوجي للبيئات الطبيعية ونظام الزراعة المستدامة. ويتطلب عمل مربي النحل واختصاصيي علوم الأحياء، نشر التجارب والأبحاث وعقد المؤتمرات والندوات لبيان أهمية دور النحل في النظام البيئي وآلية الحفاظ عليه، ولاسيما أن النحل يعتبر أهم ملقح للمحاصيل الغذائية في أنحاء العالم، وتعتبر وفرته وصحته مؤشراً قوياً على سلامة البيئة، كما أن العوامل التي تؤثر على النحل، لها عواقب واسعة وضرر على البيئة في ظل التغير المناخي.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الاستدامة المناخ مؤتمر الأطراف مؤتمر المناخ كوب 28 النحل الانبعاثات الكربونية المحاصیل الزراعیة تربیة النحل الحفاظ على النحل فی
إقرأ أيضاً:
تأملات قرآنية
#تأملات_قرآنية
د. #هاشم_غرايبه
يقول تعالى في الآية 41 من سورة العنكبوت: “مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ”.
لما أن أراد الله للناس أن يؤمنوا به بقناعاتهم، فقد خصص أكثر من ثلث آيات كتابه الكريم لمخاطبة العقل، ولتقريب الفهم استعمل الأمثال، وهي المطابقة بين حالة مألوفة مفهومة للعقل، والحالة المطلوب استيعابها.
ولأن عقول البشر متباينة في الاستيعاب، لذلك خصص الله من الأمثال درجات متعددة في العمق، ففي الحالات البسيطة استعمل معها ما يوازيها من الأمثال، مثل مماثلة مضاعفة أجر من ينفق في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، أما الحالات المعقدة الفهم فاستعمل معها أمثلة عميقة تحتاج تبحرا في العلم مثل “اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ..”.
مثل العنكبوت هو من نوع الأمثال العميقة، والتي تحتاج من البشر معرفة علمية متقدمة، لم يكن قد وصلوها زمن التنزيل، لذلك أرادها الله لاقناع البشر في مرحلة قادمة عندما يتأهلوا معرفيا لفهم أبعاد هذا المثل، والتي ما اكتشفوها ألا حديثا، ومنها:
1 – في قوله تعالى “اتخذت” بصيغة المؤنث، فما اكتشوا الا حديثا أن من ينسج الشبكة بهذا الإعجاز الهندسي الباهر هو الأنثى، وليس للذكر دور في ذلك.
2 – إن هذا البيت رغم متانة بنيانه انشائيا إلا أنه ضعيف هش وظيفيا، فهو لا يحقق متطلبات استقرار الأسرة، فالأنثى بعد أن تحصل على تلقيح الذكر تأكله، والبيوض بعد أن تفقس تأكل اليرقات الصغيرة أمها، فهذا البيت أوهن البيوت لأنه يفتقد الترابط الأسري والعلاقة الحميمية بين أفراده.
بالمقابل ضرب الله مثلا معاكسا للبيت المتين المنتج بحشرة أخرى هي النحل، فقال: وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ . ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” [النحل:68-69].
ومن خلال المقارنة بين الحالتين نلاحظ الفارق:
1 – اتخاذ النحل بيته لم يكن اختيارا منه بناء على متطلب ذاتي كما العنكبوت(اتخذت)، بل بإيحاء من الله (اتخذي)، لذلك كان المنتج مختلفا، فقد نفعت النحل نفسها وأهل بيتها، كما قدمت نفعا للبشر أراده الله من انتاجها العسل.
وهنا لا بد من دحض فكرة العلمانيين المنكرين لوجود مدبر للكون، والتي تقول بأن النحل ينتج العسل تخزينا لطعامه فصل الشتاء ولليرقات الجديدة، وأن الانسان يسلبه ذلك المخزون، لكن ما ينتجه يفوق حاجته بعشرة أضعاف، فما الذي يدفعه لإجهاد نفسه بانتاج هذه الكمية الضخمة لولا أنه مسخر لذلك من قبل الخالق لأجل انتفاع الإنسان بهذا المنتج الذي لا يمكن أن يصنعه بذاته، بل هذه الحشرة تحديدا من بين كل الحشرات.
2 – اذاً فوظيفتها الهامة النافعة للبشر، لم تخترها بذاتها، بل بإيحاء من الخالق “اسلكي سبل ربك” أي ما هيأه لها من وسائل تهديها في غدوها ورواحها يوميا من غير ان تضل أو تتوه، ما زال العلم لم يكتشفها، وهذه السبل ذللها الله لها لتؤدي مهمتها الجليلة.
3 – نستنتج أن منهج الله يحقق التعاون المنتج للنفع العام، فيما منهج النفع الفردي عكسه، لذلك رأينا الغرب منبهر بمنهج العنكبوت، فبطلهم (سبايدرمان)، والشبكة العنكبوتية مثلهم الأعلى، وأسس الرأسمالية على منواله: الأقوى يأكل الأضعف بعد استنفاد النفع منه.
لكن هنالك طبقة أعمق في هذا المثل، وهي ما عناه تعالى بقوله: “وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ” [العنكبوت:43]، أي مخصصة للعلماء الذين سيتوصلوا الى معرفة الإعجاز العلمي الكامن في هذا المثل.
ان استخدام لفظة (العالمون) وليست بصيغة جمع التكسير (العلماء)، لأنه يختلط فيهم المتقدم علميا وطالبوا العلم والباحثون، بينما جمع المذكر السالم (العالمون) مخصص للقمم ممن وصلوا درجة عالية من العلم، وهؤلاء استحقوا هذا اللقب لأنهم بالعلم عرفوا الله، وهو مصدر العلم الأساسي، فالعلم الذي يؤخذ من المصدر مطلق الصحة، بخلاف ما يؤخذ عن البشر أو بالتجريب، فهو ناقص أو غير مؤكد، وقد ينقضه باحث آخر.