الأسبوع:
2024-11-15@09:59:21 GMT

رسائل غزة الجريحة بين الألم والأمل

تاريخ النشر: 27th, November 2023 GMT

رسائل غزة الجريحة بين الألم والأمل

طفلٌ رضيعٌ يتدثر بملابس مُخَضّبة بالدماء يُقَلّب رأسه يمينًا ويسارًا، ثم يصرخ جائعًا مستغيثًا بجثمان أمه الشهيدة الغارقة في دماء ضحايا القصف الإسرائيلي الذي لم يرحم صغيرًا ولا كبيرًا من قافلة النازحين في الممر الذي كانوا يقولون إنه آمن ويمكنهم استخدامه في رحلة العبور من شمال غزة إلى جنوبها.. وعلى بعد خطوات يتقلب شيخ عجوز بين آلامه وجراحه النازفة ويمسك بيده الجريحة أطراف أصابع تربط بينه وبين جثمان ابنه الشهيد الذي كان يتوكأ عليه في حِلّه وترحاله.

. وعلى مقربة من أشلاء الجثامين المبعثرة يقف طبيب جريح يصرخ باحثًا عن سيارة إسعاف، فتأتيه الإجابة الحزينة: "لقد قصفوا سيارات الإسعاف، ولحق زملاؤك بمواكب الشهداء".

في الساعات الأولى من يوم الجمعة الرابع والعشرين من نوفمبر 2023، وبعد دقائق من بداية الهدنة الإنسانية الأولى في غزة، انطلقت الفتاة الفلسطينية إلى بيت أسرتها لتبدأ رحلة البحث الشاقة عن جثامين أبيها وأمها وثلاثة من أشقائها بين مئات الشهداء تحت أنقاض البنايات القديمة، وبعد إعياء من البحث بين الأشلاء، صرخت باكية: "كانوا هنا في البيت قبل القصف.. أين ذهبوا.. أين ذهبوا.. هل سرق الاحتلال الجثامين لينزع جلودهم وأعضاءهم ويبيعها لمافيا تجارة الأعضاء البشرية؟".. توقفت صرخات الفتاة بعد أن جف حلقها ولسانها، والتقطت أنفاسها قليلًا وجلست باكية على أطلال منزلها وأمسكت بجهاز الهاتف المُتهالك وبحثت بين الرسائل لعلها تجد حروفًا تروي حيرتها، وبعد تقليب الرسالة تلو الأخرى، قرأت بيان وزارة الصحة في غزة والذي أكد أن عدد المفقودين يتجاوز السبعة آلاف تحت الأنقاض أو جثامينهم ملقاة في الشوارع والطرقات، أو مصيرهم مازال مجهولًا، وبينهم أكثر من خمسة آلاف طفلٍ وامرأة.

تركت الفتاة رسائل الواتساب وبحثت بين الأرقام عن جار لهم يعمل مراسلًا صحفيًا واتصلت به لعلها تجد عنده حلًا أو مساعدة، فأجابها قائلًا: "نحن نبحث بين الأنقاض عن أسرة زميل لنا وقد توفاهم الله جميعًا" الأب والأم وزوجة الزميل وخمسة من أبنائه وبناته، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي منزلهم قبل ساعات من الهدنة".

ومن غزة إلى القاهرة، تأتي الحروف الحزينة تعبر عن لحظات القلق القاتل الذي يطارد فلسطينيا مصابا بشلل نصفي، يجلس بين عيادات مستشفى معهد ناصر ينتظر دوره في الدخول إلى الطبيب، وتتخبط رأسه بين ضربات الندم واللوم والتقريع، لأنه غادر غزة مع زوجته الحامل واتفقا على أن يتركا الطفلتين التوأم مع الجدة حتى تنتهي أيام العلاج.. وبعد صراع بين الكلمات، عاد ليقول لنفسه: "ماذا أفعل وهل كنت أعلم أن غزة سوف تتحول إلى جحيم بعد السابع من أكتوبر؟، وماذا أفعل وكان علاجي في مصر ضرورة لا مفر منها؟!".

قال الفلسطيني المقهور في رسالة استغاثة إن إحدى رصاصات الاحتلال الإسرائيلي أصابته بشلل نصفي، وكان حاله مثل الكثيرين من ضحايا الهجمات الإسرائيلية المتكررة على المدنيين منذ سنوات، وتكاثرت أوجاع جسده العاجز ونصحه الأطباء بالسفر إلى مصر لإجراء جراحة عاجلة وبالفعل حط رحاله في القاهرة منذ تاريخ السابع من أغسطس 2023، وبدأ في رحلة علاج داخل مستشفى معهد ناصر، ومنذ السابع من أكتوبر تراجعت حالته الصحية بسبب هواجس الخوف على طفلتين توأم رزقه الله بهما بعد سنوات من الحرمان، فهو لا يستطيع أن يقطع رحلة علاجه، ولن تتمكن زوجته من التخلي عنه والعودة إلى طفلتيها وهي حامل في طفل، وكل ما يتمناه أن يرى الطفلتين في أمن وأمان بين أحضانه حتى تنتهي رحلة علاجه ويعود مع أسرته إلى غزة.

وقبل أن نترك مأساة الفلسطيني المصاب بشلل نصفي، كانت إشعارات "الواتساب" تشير إلى رسالة من صحفية فلسطينية تبكي بعض أقاربها ومن استشهد من أسرة زوجها، وتقول في رسالة صوتية: "ناس من أهلنا ذهبوا جميعًا إلى بيتهم بعد توقف القصف وقالوا إنهم يريدون أن يطمئنوا على من بقي على قيد الحياة من عائلتهم ومن جيرانهم، ففقدانهم جميعًا كما فقدنا الكثيرين من الأهل والأصدقاء"، وتلاحقت الحروف الحزينة على لسان الصحفية المقيمة في إحدى الدول، وقالت: هل أجد من يأخذ بيد أسرتي المتفرقين في الشوارع بلا مأوى بين خان يونس ورفح ودير البلح، وينقذ حياتهم قبل أن يلحقوا بشهدائنا؟!

وفي رسالة ثالثة، طلب شاب في العشرين من عمره أن ننقل رسالة صوتية حزينة سجلها لعجوز تجلس بجوار أم فلسطينية تحتضن جثمان طفلها الشهيد في أحد المستشفيات، وتقول كلماتها:

يا صغيري قل لربك إنهم بالفوسفور الأبيض أحرقوني وحطموا عظام رأسي ومزقوا قلبي وأحشائي ولم تسلم من نيرانهم عيوني.

يا صغيري قل لربك إنهم قتلوني وقتلوا أبي وأختي وخالي وعمي ولم يبق لي صديق من أبناء جيراني.

قل يا إلهي كنت مصابًا ومنعوا عني الماء والدواء ووضعوا القيود في رقاب من كان يخفف آلامي ويداويني.

قل يا ربي سمعت أوجاع المصابين بالسرطان ومن فقدوا أطرافهم وصرخت مستغيثًا فركلني العدو ولطم من يجفف دموعي.

قل لربك شاكيًا إن روحك كانت تحلّق حولنا وتشاهد قصف المدارس والمنازل وقل إنهم ظلموا أهلي وقهروني.

كانت عيونك يا صغيري تسألهم أنفاسًا وأملًا في حياة بلا أمل فلم يرحموه ولم يرحموني.

يا أُمة العرب ويا كل البشر اغيثوا إخواني المقهورين وارحموا ضعفهم ولُطفًا بأحزاني وشجوني.

وبعد رسائل القهر والألم، جاءت رسالة أخيرة في اليوم الحزين وكتب صاحبها قائلًا: "إننا مع الألم نتعلق بالأمل ونثق في وعد الله العزيز الحكيم الرحمن الرحيم، وسوف تفشل مخططات التهجير وتتحطم أوهام الإبادة، ويُحق الله الحق بكلماته ويقطع دابر المجرمين".. نعم نثق في وعد الله حَقًا وصِدقًا، وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهْ.

المصدر: الأسبوع

إقرأ أيضاً:

من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. الهروب من الألم

#سواليف

#الهروب من #الألم

من أرشيف الكاتب #أحمد_حسن_الزعبي
نشر بتاريخ .. 7 / 4 / 2019

كما يتحايل الطبيب على الطفل كي لا يشعر بألم الإبرة ، أنا بتّ أتحايل على نفسي أيضاَ..وأعرف أن ما أقوم به مجرّد خداع ساذج وأن هذا الهروب هو مخدّر مؤقت لا أكثر ..لكن لا بدّ من إطفاء “ماتورات المخّ” قليلاً لتخفيض حرارته وصيانته وتزييت مضخّاته ومسنناته ليعمل من جديد..
مثلاً وضعت أمامي أمس كومة من الورق الذي لا لزوم له حيث كنت “أدحشه” في المكتبة أو أخفيه بين الرفوف ، وبدأت فرز المهمّ من غير المهم من عديم الأهمية ، واكتشفت أنني كنت احتفظ بوصل من مركز صحي منذ 2008 ،وثمة نماذج طبية مستهلكة منذ عشر سنوات ، وبعض قسائم السحب من البنك و”كروت عرس” لم احضرها لكني أعتقد أن ابن “العريس” دخل في الصف العاشر هذه السنة حسب تقديري…
من وسائل الهروب من الألم أنني زرعت كزبرة ورشاد و “قنّار بصل” في أول المشاتي ،وما زلت أحوم حولها كل صباح ، أراقب الطول “الملميتري” الذي حصل لكل “قنّارة” ولكل عِرق كزبرة ، وأضع علامات بين الأحواض من باب إضاعة الوقت لا أكثر ، أصلاً أنا لا أحب البصل وغير مغرم بزراعته..لكنني أحاول الهروب من كل “تروبينات الإحباط”..
كما صرت اهتمّ بالدجاجات أكثر، أطوف بين عشب الدار بحثاً عن بيضة منسية هنا ،او بيضة جاءت على عجل هناك..أحاول تعكير صفوة الديك في خلوته مع احدى دجاجاته فقط من باب التنكيد، كان بإمكاني غض البصر والمضي في طريقي لكني آثرت التخريب عليهما و”كحشهما” بيدي…في جولتي “الحاكورية” رأيت قطاً ينام تحت الرمانة في أجواء ربيعية ممتازة..تناولت حجراً وضربته فاضطر للهرولة والقفز من خلف السياج..هو لم يقترف ذنباً ونومته تلك لا تؤذي شجرة الرمّان ولا تؤذيني…لكنني أحاول تعكير صفو كل الكائنات ليصبحوا مثلي ،يعانون من مزاج معكر واحباط من التغيير..
أحاول الهروب من كل الأخبار المحبطة ،وتصريحات الشخصيات المشمئزة،والضحك على اللحي، وضيق الأفق العام ، وغياب الوعي الشعبي ،والنفاق الذي بلغ أوجه وطاف عن حدوده..والمصير المجهول..كل هذا يجعلني انتقم من الكائنات المسالمة..
**
في لعبة كرة القدم الفائز هو من يحاول أن يضيع الوقت حتى يحافظ على النتيجة..إحنا خسرانين 6- صفر ونضيع الوقت ايضاَ..

مقالات ذات صلة الأمن يدعو سالكي بعض مناطق العاصمة لتوخي الحيطة والحذر 2024/11/15

احمد حسن الزعبي

ahmedalzoubi@hotmail.com

#137يوما

#أحمد_حسن_الزعبي

#كفى_سجنا_لكاتب_الأردن

#متضامن_مع_أحمد_حسن_الزعبي

#الحرية_لأحمد_حسن_الزعبي

مقالات مشابهة

  • صداع التوتر..9 عوامل قد تسبب الإصابة به
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. الهروب من الألم
  • في اليوم العالمي للسكري.. عالم مصري يكشف مخاطر «داء الملايين» والأمل الجديد بالعلاج
  • حدث صعب على إسرائيل في لبنان.. وحزب الله ينشر رسالة
  • خبير عسكري: استهداف وزارة الدفاع الإسرائيلية يكشف ثغرات ويحمل رسائل مهمة
  • أمين عام "حزب الله" اللبناني يوجه رسالة إلى المقاتلين
  • لن نتماهى مع دعوات القحاته المخذلة المرجفة الداعية إلى إحداث شرخ بين الجيش والشعب
  • ابتهاج الإنجيليين الأمريكيين بفوز ترامب.. رسالة من الله
  • ابتهاج الإنجليين الأمريكيين بفوز ترامب.. رسالة من الله
  • "سفر" .. عرض مسرحي يُحيي قصة الحب والأمل في "معرض الشارقة الدولي للكتاب"