الأسبوع:
2025-05-01@05:43:59 GMT

رسائل غزة الجريحة بين الألم والأمل

تاريخ النشر: 27th, November 2023 GMT

رسائل غزة الجريحة بين الألم والأمل

طفلٌ رضيعٌ يتدثر بملابس مُخَضّبة بالدماء يُقَلّب رأسه يمينًا ويسارًا، ثم يصرخ جائعًا مستغيثًا بجثمان أمه الشهيدة الغارقة في دماء ضحايا القصف الإسرائيلي الذي لم يرحم صغيرًا ولا كبيرًا من قافلة النازحين في الممر الذي كانوا يقولون إنه آمن ويمكنهم استخدامه في رحلة العبور من شمال غزة إلى جنوبها.. وعلى بعد خطوات يتقلب شيخ عجوز بين آلامه وجراحه النازفة ويمسك بيده الجريحة أطراف أصابع تربط بينه وبين جثمان ابنه الشهيد الذي كان يتوكأ عليه في حِلّه وترحاله.

. وعلى مقربة من أشلاء الجثامين المبعثرة يقف طبيب جريح يصرخ باحثًا عن سيارة إسعاف، فتأتيه الإجابة الحزينة: "لقد قصفوا سيارات الإسعاف، ولحق زملاؤك بمواكب الشهداء".

في الساعات الأولى من يوم الجمعة الرابع والعشرين من نوفمبر 2023، وبعد دقائق من بداية الهدنة الإنسانية الأولى في غزة، انطلقت الفتاة الفلسطينية إلى بيت أسرتها لتبدأ رحلة البحث الشاقة عن جثامين أبيها وأمها وثلاثة من أشقائها بين مئات الشهداء تحت أنقاض البنايات القديمة، وبعد إعياء من البحث بين الأشلاء، صرخت باكية: "كانوا هنا في البيت قبل القصف.. أين ذهبوا.. أين ذهبوا.. هل سرق الاحتلال الجثامين لينزع جلودهم وأعضاءهم ويبيعها لمافيا تجارة الأعضاء البشرية؟".. توقفت صرخات الفتاة بعد أن جف حلقها ولسانها، والتقطت أنفاسها قليلًا وجلست باكية على أطلال منزلها وأمسكت بجهاز الهاتف المُتهالك وبحثت بين الرسائل لعلها تجد حروفًا تروي حيرتها، وبعد تقليب الرسالة تلو الأخرى، قرأت بيان وزارة الصحة في غزة والذي أكد أن عدد المفقودين يتجاوز السبعة آلاف تحت الأنقاض أو جثامينهم ملقاة في الشوارع والطرقات، أو مصيرهم مازال مجهولًا، وبينهم أكثر من خمسة آلاف طفلٍ وامرأة.

تركت الفتاة رسائل الواتساب وبحثت بين الأرقام عن جار لهم يعمل مراسلًا صحفيًا واتصلت به لعلها تجد عنده حلًا أو مساعدة، فأجابها قائلًا: "نحن نبحث بين الأنقاض عن أسرة زميل لنا وقد توفاهم الله جميعًا" الأب والأم وزوجة الزميل وخمسة من أبنائه وبناته، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي منزلهم قبل ساعات من الهدنة".

ومن غزة إلى القاهرة، تأتي الحروف الحزينة تعبر عن لحظات القلق القاتل الذي يطارد فلسطينيا مصابا بشلل نصفي، يجلس بين عيادات مستشفى معهد ناصر ينتظر دوره في الدخول إلى الطبيب، وتتخبط رأسه بين ضربات الندم واللوم والتقريع، لأنه غادر غزة مع زوجته الحامل واتفقا على أن يتركا الطفلتين التوأم مع الجدة حتى تنتهي أيام العلاج.. وبعد صراع بين الكلمات، عاد ليقول لنفسه: "ماذا أفعل وهل كنت أعلم أن غزة سوف تتحول إلى جحيم بعد السابع من أكتوبر؟، وماذا أفعل وكان علاجي في مصر ضرورة لا مفر منها؟!".

قال الفلسطيني المقهور في رسالة استغاثة إن إحدى رصاصات الاحتلال الإسرائيلي أصابته بشلل نصفي، وكان حاله مثل الكثيرين من ضحايا الهجمات الإسرائيلية المتكررة على المدنيين منذ سنوات، وتكاثرت أوجاع جسده العاجز ونصحه الأطباء بالسفر إلى مصر لإجراء جراحة عاجلة وبالفعل حط رحاله في القاهرة منذ تاريخ السابع من أغسطس 2023، وبدأ في رحلة علاج داخل مستشفى معهد ناصر، ومنذ السابع من أكتوبر تراجعت حالته الصحية بسبب هواجس الخوف على طفلتين توأم رزقه الله بهما بعد سنوات من الحرمان، فهو لا يستطيع أن يقطع رحلة علاجه، ولن تتمكن زوجته من التخلي عنه والعودة إلى طفلتيها وهي حامل في طفل، وكل ما يتمناه أن يرى الطفلتين في أمن وأمان بين أحضانه حتى تنتهي رحلة علاجه ويعود مع أسرته إلى غزة.

وقبل أن نترك مأساة الفلسطيني المصاب بشلل نصفي، كانت إشعارات "الواتساب" تشير إلى رسالة من صحفية فلسطينية تبكي بعض أقاربها ومن استشهد من أسرة زوجها، وتقول في رسالة صوتية: "ناس من أهلنا ذهبوا جميعًا إلى بيتهم بعد توقف القصف وقالوا إنهم يريدون أن يطمئنوا على من بقي على قيد الحياة من عائلتهم ومن جيرانهم، ففقدانهم جميعًا كما فقدنا الكثيرين من الأهل والأصدقاء"، وتلاحقت الحروف الحزينة على لسان الصحفية المقيمة في إحدى الدول، وقالت: هل أجد من يأخذ بيد أسرتي المتفرقين في الشوارع بلا مأوى بين خان يونس ورفح ودير البلح، وينقذ حياتهم قبل أن يلحقوا بشهدائنا؟!

وفي رسالة ثالثة، طلب شاب في العشرين من عمره أن ننقل رسالة صوتية حزينة سجلها لعجوز تجلس بجوار أم فلسطينية تحتضن جثمان طفلها الشهيد في أحد المستشفيات، وتقول كلماتها:

يا صغيري قل لربك إنهم بالفوسفور الأبيض أحرقوني وحطموا عظام رأسي ومزقوا قلبي وأحشائي ولم تسلم من نيرانهم عيوني.

يا صغيري قل لربك إنهم قتلوني وقتلوا أبي وأختي وخالي وعمي ولم يبق لي صديق من أبناء جيراني.

قل يا إلهي كنت مصابًا ومنعوا عني الماء والدواء ووضعوا القيود في رقاب من كان يخفف آلامي ويداويني.

قل يا ربي سمعت أوجاع المصابين بالسرطان ومن فقدوا أطرافهم وصرخت مستغيثًا فركلني العدو ولطم من يجفف دموعي.

قل لربك شاكيًا إن روحك كانت تحلّق حولنا وتشاهد قصف المدارس والمنازل وقل إنهم ظلموا أهلي وقهروني.

كانت عيونك يا صغيري تسألهم أنفاسًا وأملًا في حياة بلا أمل فلم يرحموه ولم يرحموني.

يا أُمة العرب ويا كل البشر اغيثوا إخواني المقهورين وارحموا ضعفهم ولُطفًا بأحزاني وشجوني.

وبعد رسائل القهر والألم، جاءت رسالة أخيرة في اليوم الحزين وكتب صاحبها قائلًا: "إننا مع الألم نتعلق بالأمل ونثق في وعد الله العزيز الحكيم الرحمن الرحيم، وسوف تفشل مخططات التهجير وتتحطم أوهام الإبادة، ويُحق الله الحق بكلماته ويقطع دابر المجرمين".. نعم نثق في وعد الله حَقًا وصِدقًا، وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهْ.

المصدر: الأسبوع

إقرأ أيضاً:

الفئران تصاب بآلام عضلية ليفية بفعل ميكروبات تنتقل من البشر

قال موقع "ميديكال إكسبرس" إن بحثا أجرته جامعة ماكغيل اكتشف أن زرع ميكروبات معوية من نساء مصابات بالألم العضلي الليفي في الفئران يسبب الألم، وتنشيط المناعة، وتغيرات أيضية، وانخفاضا في تغذية الجلد بالأعصاب.

وأشاروا إلى أن السبب الدقيق للألم العضلي الليفي غير معروف، ويصيب الألم العضلي الليفي (fibromyalgia) ما بين 2 في المئة و4 في المئة من السكان، وخاصة النساء، ويتميز بألم مزمن واسع الانتشار، وإرهاق، واضطرابات في النوم، وصعوبات إدراكية. يعاني معظم المرضى من أعراضٍ واضحة تؤثر سلبا على جودة حياتهم.

لوحظ اختلال في نشاط الجهاز العصبي المركزي، وتغير في النواقل العصبية، والتهاب عصبي، وانخفاض في كثافة الألياف العصبية داخل البشرة لدى مرضى الألم العضلي الليفي. كما تعدّ اضطرابات الجهاز الهضمي الوظيفية والاكتئاب من الأعراض الشائعة.

وكشفت دراسات سابقة عن اختلاف تركيب ميكروبات الأمعاء بين النساء المصابات بالفيبروميالغيا وضوابطهن الصحية، إلا أن الصلة بين هذه الميكروبات المتغيرة وأي دور وظيفي قد تلعبه لا تزال غامضة.

وفي دراسة بعنوان "ميكروبات الأمعاء تعزز الألم لدى مرضى الألم العضلي الليفي"، نشرت في مجلة نيورون، أجرى الباحثون دراسة لزرع ميكروبات البراز لتحديد ما إذا كانت ميكروبات الأمعاء المتغيرة من مرضى الألم العضلي الليفي  يمكن أن تسبب الألم والأعراض المرتبطة به.

وأجرى الباحثون عملية زرع ميكروبات البراز (FMT) في فئران إناث خالية من الجراثيم باستخدام عينات جمعت من نساء مصابات بمرض الألم العضلي الليفي وضوابط صحية متطابقة في العمر. شملت تجربة سريرية مفتوحة 14 امرأة مصابات بمرض الألم العضلي الليفي الشديد، وتلقين خمس جرعات فموية من زرع ميكروبات البراز من متبرعات سليمات.

ولتقييم الألم والتغيرات الجهازية لدى الفئران، استخدمت الدراسة فحوصات سلوكية، وتسلسل الحمض النووي الريبوزي أحادي الخلية، والتنميط الأيضي، وتصوير الكالسيوم في العقد الجذرية الظهرية، وتحليل الخلايا الدبقية الصغيرة في العمود الفقري. تلقى المشاركون السريريون كبسولات FMT فموية كل أسبوعين لخمس جرعات بعد تحضير باستخدام المضادات الحيوية وتنظيف الأمعاء.

وأظهرت الفئران التي تلقت ميكروبات من مرضى مرض الألم العضلي الليفي  فرط حساسية ميكانيكية، وحساسية للحرارة والبرودة، وألما عفويا، وآلاما عضلية في غضون أربعة أسابيع. ولوحظ ألم مستمر وسلوكيات شبيهة بالاكتئاب لدى الفئران بعد أربعة أشهر من الزرع.



وتزامنت التغييرات مع تغير في تكوين ميكروبات الأمعاء، ونشاط مناعي يتميز بالخلايا الوحيدة الكلاسيكية والخلايا الدبقية الصغيرة الشوكية، وتحولات في استقلاب الأحماض الأمينية والصفراوية، وانخفاض كثافة الألياف العصبية داخل البشرة. أدى استبدال ميكروبات الأمعاء المرتبطة بمرض الألم العضلي الليفي بميكروبات من متبرعين أصحاء إلى عكس فرط الحساسية للألم. كما قللت مكملات الأحماض الصفراوية الفموية من استجابات الألم لدى الفئران.

وفي الدراسة السريرية البشرية، تلقت 14 امرأة مصابة بمرض الألم العضلي الليفي الشديد ومقاوم للعلاج زرع FMT من متبرعين أصحاء. بعد العلاج، أبلغت 12 مشاركة عن انخفاض ملحوظ سريريا في الألم.

ولوحظت تحسنات، وإن لم تكن انعكاسات كاملة، في إجمالي أعراض المرض، وجودة النوم، والقلق، ودرجات الاكتئاب. أظهر الاختبار الحسي الكمي انخفاضا في فرط الحساسية لألم البرد. وأكد تحليل البراز نجاح زراعة البكتيريا من متبرعين أصحاء.

وبناء على النتائج، قد تلعب التغيرات في ميكروبات الأمعاء دورا سببيا في تطور الألم والأعراض الأخرى المرتبطة بالألم العضلي الليفي. ونظرا لأن التجربة البشرية كانت مفتوحة، وافتقرت إلى مجموعة ضابطة، واقتصرت على النساء فقط، فإن النتائج أولية وتحتاج إلى تأكيد في تجارب عشوائية محكومة.

يمثل تعديل ميكروبات الأمعاء من خلال زرع البراز استراتيجية علاجية محتملة للأفراد الذين يعانون من متلازمة الألم المزمن هذه. إن تحديد الأهمية الوظيفية لميكروبات الأمعاء في الألم العضلي الليفي من شأنه أن يفتح فرصا جديدة لتقييم التدخلات القائمة على الميكروبات.

مقالات مشابهة

  • إرشادات التعامل مع العواصف الترابية قبل وأثناء وبعد حدوثها
  • استشاري: جهاز مبتكر يسحب الدم بدقة مع تخفيف الألم.. فيديو
  • من لبنان.. رسالة من وزيرة إلى السياح العرب
  • الفئران تصاب بآلام عضلية ليفية بفعل ميكروبات تنتقل من البشر
  • عون خط أحمر
  • اغتيال خلف القضبان.. عبدالله البرغوثي يواجه الموت في سجون الاحتلال
  • من التّحرير إلى الانتفاضة.. محطات مفصلية في رحلة صعود حزب الله
  • 3 رسائل عن قصف الضاحية.. ماذا تريد إسرائيل من لبنان؟
  • معلومات جديدة عن استهداف الضاحية الجنوبية الأخير.. هذا ما حصل قبل وبعد الضربة
  • لم يتركها المرض تنعم بلحظة راحة.. سمر تكشف معاناتها