مرت علينا خلال أيام الذكري التاسعة والستين لليوم العالمي للطفل، وبدلا من أن يمر هذا اليوم ليضيف آمالا جديدة ومستقبلا مشرقا ومضيئا لأطفال العالم فإنه قد مر وأطفال غزة يعيشون منذ ما يقارب الشهرين أسوأ أيامهم، بسبب القصف الجوي والأرضي من جانب قوات الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، بل ويعيشون صعوبات جمة بسبب الصدمات النفسية التي عاشوها، فمنهم من قضى نحبه وأصبح يتيم الأبوين، ومنهم من بتر أو حرق، ومنهم من أصبح بلا مأوى، بسبب قنابل الدمار والخراب التي يشنها الجيش الإسرائيلي بلا وازع من ضمير أو احترام للقيم والمعايير الإنسانية، ما جعلهم في العراء يواجهون مصيرهم المحتوم دون توافر الحد الأدنى من أبسط حقوق الطفل والحياة، بعد أن تعمدت قوات الاحتلال أن تعمل على تهجيرهم قسرا ليل نهار من بيوتهم المدمرة بلا طعام أو دواء أو غذاء، وحرمانهم من ذويهم ومدارسهم ومقدساتهم دون ذنب، ولهذا فإن اليوم العالمي للطفل لن ينسي أن يسجل في ذكراه التاسعة والستين الذكرى الأليمة التي عاشها أطفال غزة بعد ما لاقوه من ظروف إنسانية وكارثية صعبة حتي حصدت قنابل قوات الاحتلال أرواح ستة آلاف شهيد وأكثر من 15 ألف جريح بسبب وحشية قوات الاحتلال وزعمائهم المتطرفين الحاقدين، الذين يحرضون باسم الدين على قتل الاطفال والنساء والشيوخ في غزة والضفة الغربية، والعمل على إذلال وتهجير أصحاب الأرض من أرضهم وديارهم، بل ويظنون أنهم بعد قتلهم الأطفال والنساء بقادرين على محو أبناء شعب فلسطين من الوجود، دون أن يتعلموا الدرس ويأخذوا العبر من التاريخ، وللأسف فإن أمريكا ومعها الدول الغربية وهؤلاء الذين يدعون ليل نهار أنهم دعاة وحماة للديموقراطية وحقوق الإنسان هم الذين أعطوا الضوء الأخضر لإسرائيل من بداية تصاعد الأحداث لتفعل ما يحلو لها من قتل وإبادة جماعية وإجرام في حق الأطفال الأبرياء والمدنيين العزل من أبناء الشعب الفلسطيني، ولم يفيقوا لرشدهم إلا بعد أن كشف زيفهم شعوب العالم الحر، فلقد كشف هذا العدوان الغاشم القناع كاملا عن الوجوه الحقيقية لإسرائيل وقادة أمريكا والغرب، الذين سيسجل لهم التاريخ مشاركتهم في تلك المجزرة الكبيرة ضد أبناء غزة، وليسجل اليوم العالمي للطفل مدى وحشيتهم وأكاذيبهم، ومخالفتهم للقيم والمواثيق الدولية أمام شعوب العالم، ما يستوجب الوعي واليقظة من جانب كافة الشعوب أمام ادعاءات هؤلاء، حتي لا تنضوي أفعالهم وشعاراتهم الرخيصة التي يروجون لها علي مستوي العالم، و بألا يسمح لهم بأن يتكلموا باسم الضمير والقيم الإنسانية الزائفة من جانبهم أمام المحافل والمؤسسات الدولية، وبخاصة ما يتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وحقوق الأطفال الأبرياء الذين حصدت مدافع وقنابل الغزو الإسرائيلي الظالم أرواحهم الطاهرة، وفوق كل ذلك ألا يسمح لتلك الدول بالتدخل في شئون الدول الأخرى، والضغط عليها من باب حقوق الإنسان، ولا حتي حقوق الحيوان والطبيعة، لأن كل الشعارات التي يروجونها وما يزالون قد عطلت وأعطبت وأبادت الحجر والبشر بالعالم، لأنها شعارات زائفة تهدف إلى الهيمنة والتدخل في شئون العالم والتحكم في مصائره، معتمدين علي استخدام سلاح القوة والجبروت وظلم الشعوب، وبعدم سماح تلك الدول للعالم بالتحرر والتقدم والازدهار، ولو على حساب قتل البشر الذين يموتون وهم رافعو رؤوسهم في وجه تلك الدول.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: العالمی للطفل قوات الاحتلال
إقرأ أيضاً:
ربيع السنوار
د. إبراهيم بن سالم السيابي
لا ندري إذا كان البعض يتذكر ما أطلق عليه الربيع العربي وثورات الربيع العربي، وهي حركات احتجاجية سلمية ضخمة انطلقت في بعض البلدان العربية خلال أواخر عام 2010 ومطلع 2011، وما تبعها من أحداث وسقوط لبعض الأنظمة العربية، وكذلك إجراء بعض الإصلاحات في بعض الدول والتي قوبلت بالاستحسان من شعوب بعض الدول، ولسنا هنا بصدد تقييم نتائج هذه الأحداث ولا حتى الخوض في أسبابها.
نحن اليوم بصدد الحديث عن ربيع آخر ولكنه ربيع سنطلق عليه ربيع السنوار، السنوار هذا القائد الفلسطيني، الذي ينسب إليه التخطيط والتفنيذ لطوفان الأقصى ، والذي قضى شهيدًا وهو يدافع لآخر رمق عمَّا أعتقد أنه لن يناله إلّا بالقوة، كما أخذ بالقوة، استشهادًا بقول الزعيم المصري الراحل جمال عبدالناصر عندما قال "ما أحذ بالقوة لا يسترد إلّا بالقوة"، في خضم كفاحه ضد إسرائيل.
السنوار، لم يفاوض لأجل العيش مرفهًا في إحدى العواصم هو وأسرته مع حصوله على الأرصدة الضخمة من النقود في حسابه، ضامنًا لحياته وحياة أسرته؛ بل ظل على خط النار يقود المعارك في مقدمة الصفوف طالبًا للحرية والكرامة مهما كلف الأمر، ورحل عن هذه الدنيا جسدا وبقي رمزا، ليس لأبناء بلده فحسب، ولكن للعالم اجمع، خاصة عندما تناقلت وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي اللحظات الأخيرة لاستشهاده وهو يرفع يديه معلناً بأن الأبطال تظل أيديهم مرفوعة مع الحق والشرف والأمانة.
فما هو ربيع السنوار؟
1- وضع للعالم أجمع معادلات جديدة للعلاقات بين الشعوب، فلم يعد ينطوى على أحد كلام العلاقات المنمق عن العلاقات التاريخية والمصالح المشتركة بين البلدان، فجميع العلاقات تبنى من أجل مصالح الشريك الأساسي والمصلحة معه ولتترك العلاقات والمصالح المشتركة جانبا فلم يعد لها قيمة في هذه المعادلات.
2- أسقط كبرياء بعض الدول التي كانت تتغنى بقيادة العالم، وأن كلامها هو الفصل في العالم وأنها تهيمن بقوتها وجبروتها على هذا العالم، فالأحداث والعدوان على غزة بعد طوفان الأقصى، فضح هذه الدول ومن في صفها، فا هي دولة العدوان تمضي في غيها وجرائمها التي لم يسبق لها مثيل وعلى مرأى من العالم أجمع، دون حتى الاكتراث برأيها؛ بل إنه ألزمها بتقديم كافة وسائل الإسناد والمساعدة بالتالي المشاركة مع هذا الكيان في جرائم حرب الإبادة التي تتنهج قتل المدنين العزل من الأطفال والنساء العزل.
3- اظهر حالة الانفصام بين القيادة والشعوب الذي يعيشه هذا العالم الذي يدعى التقدم والديمقرطية، والذي طالما اتهم بلدان العرب بهذه التهم، حيث تتظاهر شعوب هذه الدول ضد حرب الإبادة وتتطالب بإعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه المتمثلة في إقامة دولة مستقلة على أراضيه، بينما تقف قيادات هذه الشعوب مع هذا الكيان رغما عن إرادة هذه الشعوب.
4- وأد حلم التطبيع مع هذا الكيان الغاصب بدون حداد، فهذه الرغبة كانت لا تخص الشعوب بل كانت بعض القيادات السياسية، وحتى في رغبة هذه القيادات الآن في المضي في هذا الأمر فإنهم لن يجدوا أي متطبع من هذه الشعوب فقد قضي الأمر والشعوب العربية مع فرقتها مع تنوع أفكارها وأختلاف توجهاتها لن تضع يدها مرة أخرى مع هؤلا القتلة المجرمين.
5- أعاد للشعوب العربية روح القومية العربية التي ربما، قد كانت نائمة في قلب كل عربي ولكنه لم يمت بالرغم الفرقة بالرغم التشرد، بالرغم ما يحاط به من مؤامرات من الداخل والخارج، ولكن يبقى العربي الأصيل ودمه ووجدانه يثور، عندما يتعرض أخوانه إلى الظلم أو تتعرض مقدساته للتدنيس، فيعود ثائرا، فلمدة عام كامل وهو يتسمرون أمام شاشات التلفاز يتابعون الأحداث في كل وسيلة، ولسان حالهم يلهج بالدعاء بأن ينصر الله المقاومة ويخفف عن أهل غزة معاناتهم.
6- أطلق آخر رصاصة في نعش، من كان يروج لاختلاف المذاهب والفرقة وفضح أمر أولئك الذين كانوا يعزفزن على وتر التفرقة، فظهرت لأول مرة أقوال المشايخ وقادة هذه المذاهب وهم ينبذون الفرقة ويدعون الى توحيد الصف والجماعة، وأن صراع هذه الأمة صراع الحق ضد الباطل وهو صراع وجود وصراع عقيدة.
7- أعاد اسم دولة فلسطين إلى العالم أجمع، وليس اعترافاً بدولة فلسطين في الأمم الممتحدة وكذلك اعتراف عدة دول أخرى بدولة فلسطين إلا نتائج هذا الربيع، حيث كان اسم هذه الدولة وقضيتها العادلة ليست في طي النسيان.
8- السنوار وهو يرفع في آخر لحظات حياته يده اليسرى يقاوم ويرمي طائرة العدو، بينما اليد الأخرى مضرجة بدماء طلبِ الحرية، أعاد صياغة مفاهيم هذا العالم وذكر شعوبها، بقيمة الأوطان وتراب الأوطان وأن لاقيمة لحياة الإنسان دون وطنه واستعادة أرضه المحتلة من الغير.
9- نبه السنوار في ربيعه بضررورة مراجعة الموسسات الدولية، وإعادة قراءة القانون الدولي مرة أخرى؛ بل إعادة تدريسه في المؤسسات الأكاديمة بصيغة مختلفة وإعادة صياغة بنوده من جديد.
10- أخيرًا كتب السنوار آخر رسائله للعالم العربي، بأن العربي مهما بلغ من الضعف، ومهما بلغ من قلة الحيلة، فإنه قد يسترجع أيامه وتاريخه عندما يتذكر بأنه يدافع عن شرفه وعن كرامته وأن التاريخ لا يسجل في صفحاته ولا يتذكر إلا من يدافع عن أمته وشعبه ووطنه، فعليكم قراءة التاريخ من جديد.
في الختام.. نكتب، وأقلامنا تقطر دمًا على الشهداء في غزة ولبنان، شهداء هذا العدوان الوحشي الغادر، وتنفطر قلوبنا على أولئك المشردين والمحاصرين في غزة بلا طعام أو شراب أو مأوى أو علاج.
ندعو الله أن يكون في عونهم ويشد من أزر أولئك المقاتلين الذين يقاتلون من أجل الشرف والحرية وضد قوى البغي والعدوان، ويؤيدهم بنصره وليس ذلك على الله بعزيز.