بعد 47 يوم من العدوان الإسرائيلي غير المسبوق في التاريخ على أبناء غزة، وبعد الوصول إلى هدنة مرشحة أن تتطور إلى وقف دائم لإطلق النار، يتسائل المراقبون من انتصر في هذه الحرب؟ هل انتصر العدوان الإسرائيلي لأنه قتل قرابة عشرين ألف فلسطيني، وجرح 30 ألف آخرين، ودمر أكثر من 200 ألف منزل وبرج سكني، وشطب من السجلات المدنية ألف وخمسمائة عائلة، إضافة إلى تدمير كل أسباب الحياة من مستشفيات ومدارس وطرق ومحطات كهرباء ومياه وصرف صحي، وقتل البشر والزرع والحيوان والطير في أكبر عملية إبادة ضد الإنسانية، وضد كل القوانين الدولية، وكل ذلك تم أمام أعين ما يسمى بالمجتمع الدولي، والدول الإسلامية، والعربية، الذين شاركوا في العدوان صمتًا، أو خوفًا، أو تواطؤًا.
ووفقًا للمعايير المجردة من الإنسانية والأخلاق، وابالحسابات الرقمية، فإن إسرائيل تكون قد ألحقت بالشعب الفلسطيني خسارة كبيرة تسمح لمؤيديها بالادعاء أنها انتصرت.
وعلى الجانب الآخر جاء جزء من شعبنا الفلسطيني في غزة، والضفة ليرسم خطوطًا جديدة في التاريخ لمعنى الصمود، والإرادة والتمسك بالأرض، والدفاع عن الوطن، حتى ولو كان الثمن هو الأهل والأولاد والأسرة والنفس.
نجحت المقاومة في غزة في إلحاق خسائر مذهلة بالجنود والضباط الإسرائيليين، سوف تكشف الأيام قريبًا عن حقيقة الأرقام التي تعددت آلاف الجنود بدلًا من الرقم الكاذب 390 ضابط وجندي الذي تعلنه إسرائيل، لأن الحسابات البسيطة تقول أن حماس أعلنت تدمير 335 دبابة وناقلة جند، وبمتوسط 7 أفراد يكون الرقم قد تجاوز ألفي قتيل من ضباط وجنود جيش العدوان، إضافة إلى المئات الذين قتلوا بالصوت والصورة متحصنين داخل منازل، أو مقرات أو مترجلين في أرض المعركة.
المقاومة التي صنعت كل أسلحتها في ورش بدائية للسمكرة، واجهت ترسانة أحدث وأكبر وأعظم دولة في التاريخ، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، التي فتحت مخازنها على مسرعيها لجيش العدوان.
إنها المعجزة بكل المقاييس، أن يهاجم المقاوم الذي حرم الغذاء والدواء والكهرباء والماء لأكثر من 47 يومًا، وهو محبوس تحت الأرض، يهاجم كل تلك الترسانة الحديثة ويدمرها، وينتصر، ويزرع علم فلسطين في قلب المركافة الدبابة الأحدث في العالم.
وحكام دولة الكيان الصهيوني، وضعوا أهدافًا كبرى لتلك الحرب، أولها الإفراج عن جميع الرهائن بالقوة العسكرية، وحشدوا لذلك كل وحداتهم العسكرية، والاستخبارية، وتقنياتهم الحديثة، في استخدام هو الأول من نوعه في التاريخ لعشرات الوحدات الفنية المتخصصة من الأرض والسماء وتحت الأرض، ولكنهم فشلوا طوال 47 يومًا في الإفراج عن رهينة واحدة.
والهدف الثاني كان القضاء التام على حماس والقبض على قادتها، وهم فشلوا أيضًا حتى الدقائق الأخيرة قبل بدء الهدنة الجمعة الماضية في تحقيق هذا الهدف أو حتى وقف هجماتها، حيث أمطرت صواريخ حماس غلاف غزة والمدن الإسرائيلية قبل بدء الهدنة صباح الجمعة بدقائق.
وأجبرت الدولة الصهيونية على الهدنة التي أوقفت بها الحرب لمدة 4 أيام، وهي مرشحة لوقف دائم، كما أجبرت على الإفراج عن ثلاثة أسرى فلسطينيين مقابل كل أسير مدني إسرائيلي، وتزويد قطاع غزة بأكثر من 150 ألف لتر من الوقود بعد أن كانت ترفض إدخال لتر واحد، وأجبرت على مضاعفة الشاحنات إلى 230 بدلًا من 100 شاحنة يوميًا.
وردخت إسرائيل لشروط حماس في اللحظات الأخيرة بتسليم الأسرى إلى السلطات المصرية، وهي التي تقوم بتسليمها إلى إسرائيل بدلا من الصليب الأحمر الذي اختصر دوره عند حدود معينة، حيث اصطحب الأمن المصري الأسرى من بداية المسار وحتى التسليم.
إضافة إلى كل تلك الانتصارات في أرض المعركة، كانت المقاومة تسجل انتصارات أخرى في واقع القضية الفلسطينية، حيث تشكلت للمرة الأولى مجموعات من أحرار العالم في قلب أوروبا وأمريكا ترفض التسلط والطغيان الإسرائيلي وتنادي بالحربة لفلسطين، وهو ما ظهر جليا في صور المظاهرات التي ضمت عشرات الآلاف في عواصم أوروبية ومدن أمريكية.
وكان الانتصار الأكبر لصمود الشعب الفلسطيني وبسالة أبطاله في الميدان أن الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 4 يونيو و67 وعاصمتها القدس قد اقتربت كثيرًا من الواقع وأن الحديث الآن ليس عن تحريك السلام لكنه عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة.
وقد جاء هذذا الانتصار العظيم ليجهض أكبر خطة تضليل في التاريخ قامت بها إسرائيل بمعاونة أمريكا ودول أوروبية لقتل القضية الفلسطينية عبر الحديث الممل والمزعج عن تحريك عملية السلام صعودًا وهبوطا حتى تم تسليم قيادة إسرائيل إلى أكبر مجموعة متطرفة في تاريخها يعلن قادتها علانية أنهم سيقومون بتطهير إسرائيل من كل ماهو فلسطيني حتى لو أدى ذلك لإبادتهم بالقنابل النووية.
وهكذا يبدو السؤال منطقيًا، من انتصر في حرب طوفان الأقضى؟ هل هو الطغيان الإسرائيلي، أم الصمود والبطولة الفسطينية، وتبدو الإجابة أكثر وضوحًا أن فلسطين هي من انتصرت، وأن إسرائيل قد قطعت شوطًا نحو نهايتها
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: فی التاریخ
إقرأ أيضاً:
الصحة اللبنانية: 3670 شهيدًا و15413 جريحًا منذ بدء العدوان الإسرائيلي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أفادت وزارة الصحة اللبنانية أمس السبت، بأن غارات الاحتلال الاسرائيلي على البلاد أسفرت عن استشهاد 25 شخصا وإصابة 58 آخرين.
وذكرت الوزارة، في بيان أوردته الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام، أن الحصيلة الإجمالية لعدد الشهداء والجرحى منذ بدء العدوان الإسرائيلي على البلاد حتى أمس بلغ 3670 شهيدا و15413 جريحا.