زكية خيرهم تعبق في أوسلو العميقة أجواء الأمل والمحبة، كأنهما ألوان تملأ الحياة بالجمال والإشراق. يجد الشاعر هادي الحسيني، الساحر المسافر، مغرمًا بجمالها وروعتها. يتجول في شوارعها المليئة بالحياة، يشعر بالمدينة وكأنها فراشة تحلق في سماء العشق. تلك الفراشة التي تنثر عبير الجمال وتعزف ألحان الأنوثة. في مدينة أوسلو العاشقة، تتأرجح الأشجار وكأنها تغني للحياة، وهادي الحسيني يحتضن طيور الأماني التي تحلم بالطيران عاليًا.

فبكل زاوية في هذه المدينة، تجد المعاني تتراقص والأفكار تتفتح مثل أزهار الورد. إنها قصائد أوسلو، تلك الأبيات الرائعة التي تجمع بين الجمال الروحي والسحر البصري.  كالحدائق المعلقة، تعانق أوسلو قلب الشاعر وتهزه برقة وعاطفة. هنا، تتكلم الصخور والأشجار بألف لغة، تحكي عن تاريخ المدينة وتذكرنا بأننا جزء من هذا الزمن العتيق. وعلى شاطئ البحر، يصدح صوت الأمواج كأغنية حزينة، تروي حكايات الماضي وتحمل آمال المستقبل.  في بغداد، يستمد هادي الحسيني إلهامه وعمقه الشعري. تلك المدينة الحبيبة، حاضنة أمواج العاطفة والأمل. هناك ولد الشاعر، في أحضان المدينة التي لا تنام. يتناغم صوته مع شوارعها المتعرجة، ويتلاقى نبضه مع طيور السماء. في بغداد العاشقة، تنساب الكلمات كأنها نسيم الربيع، تنغمس في أنسجة المدينة وترقص على أنغام الشعر. تتفتح الأزهار في حدائقها كألوان قصائد هادي الحسيني، تلك القصائد التي تحمل روح بغداد العميقة. أوسلو وبغداد، المدينتان العاشقتان، تجتمعان في كلمات هادي الحسيني وقصائده الرائعة. تعكس هذه القصائد رؤية فنية عميقة وروح تجريبية مبتكرة. بين ألوان أوسلو النابضة بالحياة وألحان بغداد العريقة، ينسج الشاعر لوحات شعرية فريدة من نوعها. هنا، يتجلى الجمال والعمق في الأفكار والمشاعر، مع تفتح المعاني وتجلي الصور. قصائد هادي الحسيني تعبق بروح أوسلو وتنبض بحب بغداد، وتحمل رسائل العشق والتأمل والوجدان إلى قلوب القرّاء. تأخذنا هذه القصائد في رحلة شعرية ممتعة، وإلى عوالم جميلة ومفعمة بالحياة. فهي تدعونا للتأمل والتفكير في قضايا الحياة والإنسانية، وتحملنا في رحلة فريدة من خلال التشبيه والاستعارة والصور الشعرية الساحرة. إنها قصائد تتحدث بصدق وعمق، وتعزف موسيقى الروح والأحاسيس، مستحضرة جمال العالم والحياة في تجربة شعرية مدهشة. القصائد تعمل على استحضار العواطف والمشاعر وتثير الفضول والتفكير لدى القارئ، مما يتيح له التأمل والتفسير الشخصي، وبالتالي تصبح قابلة للتفاعل والاستكشاف. عند النظر إلى القصائد المذكورة والتحليل المقدم لها، ندرك أن التشبيه والاستعارة والصور الشعرية لها دور حاسم في إغناء المعنى وتعزيز التأثير الشعري لهذه القصائد. تسهم هذه الأساليب الشعرية في تشكيل تجربة قراءة شاملة وممتعة للقارئ، حيث يتمكن من استيعاب جمالية الشعر وعمقه والتواصل مع المشاعر والأفكار التي يعبر عنها الشاعر. عند قراءة هذه القصائد، يظهر لنا أن الشاعر يستخدم التشبيه والاستعارة والصور الشعرية لتحقيق عدة أهداف. يستخدم التشبيه للتعبير عن المشاعر والحالات العاطفية، حيث يستخدم صورًا مماثلة للوصف والتعبير عن تأثيرها على الفرد. على سبيل المثال، يصف الشاعر المرأة بأنها “فراشة” تحلق حول الرجل الذي يحبها، مما يبرز روح الجمال والأنوثة في العلاقة. من جهة أخرى، يستخدم الاستعارة لإيصال رسالة أعمق وأكثر تعقيدًا، حيث يعتمد على رموز ومعان مجازية للتعبير عن الحالات النفسية والتجربة الإنسانية. في قصيدة “صافرات الإنذار”، يستخدم الشاعر الاستعارة لوصف الحروب السابقة وآثارها النفسية، حيث تصبح الصفحات البيضاء شاهدة على القتال والذكريات المؤلمة. تعزز الصور الشعرية المستخدمة في هذه القصائد الرؤية الشعرية وتساهم في خلق تأثيرات عاطفية وجمالية. عندما يستخدم الشاعر التشبيه في وصف حديقة التماثيل بأنها “فروة مانور”، يضفي القصيدة جمالًا رومانسيًا ويدعو القارئ للتأمل في هذه الروح الفنية الخلاقة. وفي النهاية، يمكن القول بأن استخدام التشبيه والاستعارة والصور الشعرية يساهم في إغناء المعنى وتعزيز التأثير الشعري في القصائد المذكورة. إنها أدوات فنية تساعد الشاعر على التعبير عن العواطف والأفكار بشكل مركز وملموس، مما يجعل القصائد أكثر تأثيرًا وجاذبية للقارئ. تعتبر قصائد هادي الحسيني التي تجمع بين أوسلو وبغداد ذات قيمة فنية وتعبيرية عالية. يتجلى فيها استخدام ماهر للغة الشعرية وتنوع في الأساليب الشعرية، مثل التشبيه والاستعارة والصور الشعرية. تتميز القصائد بقدرتها على إيصال المشاعر والأفكار بشكل قوي وعميق، وإثارة الفضول والتأمل لدى القارئ. تضفي الصور الشعرية والمجاز استثارة وجمالًا وغموضًا فلسفيًا على المضمون. استخدام الصور الشعرية والمجاز يعطي الشاعر القدرة على التعبير عن مواضيع متنوعة، مثل الحياة، والحب، والزمن، والذاكرة، والتجربة الإنسانية. يستطيع الشاعر من خلال هذه الأساليب الفنية أن يوصل الفكرة بأسلوب فني وتجريبي يدعو القارئ للتفكير والتأمل في الصور والمعاني المستترة.

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

قراءة في كتاب: أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية: التنمية حريّة- محمود محمد طه وأمارتيا كومار سن «مقاربة» «1- 15»

قراءة في كتاب: أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية: التنمية حريّة- محمود محمد طه وأمارتيا كومار سن «مقاربة» «1- 15»

تأليف عبد الله الفكي البشير- الناشر ط1: مركز أسبلتا للاستنارة والنشر، أيوا، الولايات المتحدة، الموزع: دار الأجنحة للنشر والتوزيع، الخرطوم..  ناشر الطبعة الثانية: دار بدوي للنشر، كونستانس، ألمانيا، 2022

* بقلم: بدر موسى

“والتبشير بالإسلام أمر يتطلب أن يكون المبشِّر، من سعة العلم بدقائق الإسلام، وبدقائق الأديان، والأفكار، والفلسفات المعاصرة، بحيث يستطيع أن يجري مقارنة تبرز امتياز الإسلام على كل فلسفة اجتماعية معاصرة، وعلى كل دين، بصورة تقنع العقول الذكيَّة”.

محمود محمد طه، 1972

المحاور

مدخل- كتاب يخاطب راهن السودان والعالم- البروفيسور علي عبد القادر: “هذا كتاب مذهل”- كلما زاد العبد في التخضع لله كلما زادت حريته- خدمة الثورة والتغيير تكون بالفكر والعلم- تعريف مختصر بالكتاب: هيكل الكتاب- العبودية هي غاية الحرية- الحرية غاية التنمية وهدفها الأسمى ووسيلتها الأساسية- الإسلام وهزيمة الخوف- عن ماهية التعليم ومادته وفائدته ووظيفته- الفهم الجديد للإسلام: مستوى ما بعد العقيدة حيث يبدأ العلم- “الحرية هي روح الحياة”- التحرير من الخوف هو الطريق لاستئصال العبودية (الرق)- الدين بمستواه العقيدي يعوق التنمية: الشريعة الإسلامية تعوق التنمية- إنجاب الفرد الحر مِسبر التنمية- حاجة الدولة لإعادة تقييم إنتاج المرأة في البيت وإدخاله ضمن تقييمها الاقتصادي- مستقبل النظامين الشيوعي والرأسمالي- المحتفون بالكتاب- ربما لا نكون مختلفين إلى هذا الحد- الحرية موؤدة في النظامين الرأسمالي والشيوعي- نحو ثورة في الأخلاق- هل هذا مجرد نموذج للقاء العقول الكبيرة والتطابق في الأفكار والآراء أم نموذج لسرقة الأدبية؟- نماذج من تشابه النصوص والآراء- خاتمة.

مدخل

في البدء لا بد لي أن أعترف بأن الذي حفزني لكتابة هذه القراءة، التي تأخرت كثيراً بعد نشر طرف يسير منها، لكتاب الدكتور عبدالله الفكي البشير الرائع، كما سيرد التفصل، والمهم غاية الأهمية، هو اطلاعي مؤخراً على سلسلة المقالات المتميزة التي كتبتها أختي القديرة الأستاذة سمية أمين صديق ونشرتها تحت عنوان: “قراءة في كتاب الدكتور عبدالله الفكي البشير: محمود محمد طه وقضايا التهميش في السودان”، والتي أثارت اهتماماً كبيراً وردود فعل قوية من المثقفين، وإعجاب كبير بالمقالات وبالكتاب العظيم، وكلاهما، يستحقان ما حظيا به من إشادة، وتقدير، لجملة أسباب، ربما يكون أهمها هو أهمية تناول قضايا التهميش في السودان، وعلاقتها بما نحن فيه وما تعيشه بلادنا وما تعانيه من هذه القضايا والتحديات التي رمتنا في هذه الدوامة، وتسببت في جل الأزمات التي تكالبت علينا وكادت أن تؤدي بنا إلى التهلكة. فهذا الكتاب الذي تناولته سمية كتاب موسوعي سبر أغوار قضايا شائكة وملحة، وبيَّن سبيل التعافي منها انطلاقاً من رؤية الأستاذ محمود، وفصَّل سبل علاجها الناجع، ولم يترك جانباً مهماً فيها يحتاج إلى مزيد مما يجب أن يفصل ويقال.

كتاب التنمية حرية كتاب يخاطب راهن السودان والعالم

ولكل ما تقدم، فإن مقالات سمية المسددة وغير المسبوقة، قد نبهتني لضرورة كتابة قراءة أخرى لكتاب آخر لعبدالله، وهو: أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية، التنمية حرية – محمود محمد طه وأمارتيا سن (مقاربة). وقد نشر عبدالله تسعة كتب، عن الفهم الجديد للإسلام والسيرة الفكرية لصحابه محمود محمد طه، وعلى عتبات المطبعة الآن أربعة كتب أخرى. هذا الكتاب موضوع حديثنا، هو في تقديري، كتاب جديد في بابه، ومتفرد في موضوعه، وأصيل في فكرته، حيث قدم مقارنة بين منجز علمي يستند على العلم المادي  ورؤية علمية تقوم على العلم المادي الروحي، وتدعو للمزج بين العلمين المادي والروحي. وهو كتاب يخاطب راهن السودان وأفريقيا والعالم، كما هو كتاب قضايا التهميش، وكلاهما مطلب الراهن السوداني والإنساني. وتزداد أهمية الكتابين مع إلحاح الأزمة السودانية، وتعاظم حجم المعضلة التي ظلت أيضاً تعوق مسيرتنا بل (كادت أن تؤدي بنا إلى التهلكة). ومما لا شكّ فيه أن المشغول بالقضيتين: قضية التهميش والتنمية، لابد أن يدرك أنهما ترتبطان ببعضهما، ولا سبيل لبلادنا لتجاوز محنتها والنهوض من كبوتها بغير حلّهما حلاً جذرياً كاملاً ودائماً، بالتنمية الشاملة والمستدامة.

ولكل ما سبق، فقد شرعت في كتابة هذه القراءة لكتاب: التنمية حرية، وأنا أنوي السير في نفس الاتجاه الذي ابتدرته سمية، وأتعشم أن أوفق كما وفقت أختي في التنبيه لأهمية كتاب قضايا التهميش، ومثلما نجحت في لفت الأنظار وإثارة الاهتمام حوله.. ولهذا فإنني أقدم قراءتي هذه لكتاب التنمية حرية، إسهاماً مني في استمرار الحوار وحتى تكتمل الصورة، ويكتمل تشخيص القضيتين، الملحتين، وتفصيل حلولهما، انطلاقاً من رؤية الأستاذ محمود محمد طه، التي طرحها منذ خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي!

لقد صدر الكتاب موضوع حديثنا، في طبعته العربية الأولى في أكتوبر 2021، ثم جاءت الطبعة الثانية عن دار بدوي للنشر، كونستانس، ألمانيا، في يونيو، 2022، وصدرت ترجمته إلى اللغة الإنجليزية عن مركز أسبلتا للاستنارة والنشر، أيوا، الولايات المتحدة، في أغسطس 2022. وقد أقيمت بعض الندوات لتدشين الطبعة العربية الأولى من الكتاب، كانت الندوة الأولى قد نظمها الحزب الجمهوري بمركزه بأم درمان، في مساء الجمعة 15 أكتوبر 2021. كما أقام مركز دراسات وأبحاث القرن الأفريقي ندوة بالتعاون مع دار الأجنحة للطباعة والنشر والتوزيع، بقاعة الشارقة، جامعة الخرطوم، الثلاثاء 19 أكتوبر 2021. ونظم مركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية، ندوة بالخرطوم، يوم السبت 23 أكتوبر 2021. وكان البروفسير الهمام/ محمد طه يوسف الأمين، مدير جامعة الجزيرة، حريصاً على تنظيم ندوة حول الكتاب بجامعة الجزيرة، وذلك في إطار مشروع سلسلة ندوات قضايا التنمية والانتقال الديمقراطي في البلاد، الذي تتبناه الجامعة، وبالفعل تم الترتيب والإعلان عن الندوة لتكون يوم الاثنين 25 أكتوبر 2021، برئاسة مدير الجامعة، بقاعة الشهداء بالمدينة الجامعية بالنشيشيبة، مدني، فوقع الانقلاب المشؤوم في صبيحة نفس اليوم. تبع ذلك أن تم إلغاء ندوة أخرى عن الكتاب كانت ستكون بنادي الخريجين، مدينة ود مدني.

كذلك أجرى الأستاذ السر السيد لقاءً إذاعياً مع عبد الله الفكي البشير حول الكتاب، وذلك ضمن برنامج سواسية، بإذاعة بلادي، بتاريخ 16 أكتوبر 2022. كذلك أجرى الأستاذ غسان علي عثمان، لقاءً تلفزيونياً ضمن برنامج الوراق، بقناة سودانية 24، يناير 2022.

تمدد الاحتفاء بالكتاب على المستوى الكوكبي، كما هي فكرته وطبيعته ومادته، فنظم قسم الفلسفة بكلية الآداب، جامعة بغداد بالتعاون مع مركز ابن سيناء بجامعة بغداد والمَجمَع الفلسفي العربي، العراق، ندوة كانت بعنوان: أطروحات التنمية الإنسانية في ضوء العلمين المادي والروحي، وذلك بتاريخ 30 سبتمبر 2022. كذلك أقام الملتقى العربي للفكر والحوار، بمدينة برلين، ألمانيا، ندوة في 25 أبريل 2023. وأيضا أجرى الدكتور فريد العليبي لقاءً تلفزيونياً مع عبد الله الفكي البشير ضمن برنامج فضاء الحرية، بقناة الوطنية الأولى التونسية، تناول اللقاء طرفاً من الكتاب، وذلك يوم 24 يوليو 2023. هذا إلى جانب دعوات جاءت للمؤلف من باكستان، والمكسيك، والأردن، والجزائر، وغيرها، لتنظيم ندوات عن الكتاب.

نواصل في الحلقة القادمة.

* ماجستير برامج دعم التنمية في دول العالم الثالث (2000)، جامعة أيوا، الولايات المتحدة

يدرس حالياً في ماجستير التدريس والتعليم، جامعة أيوا، الولايات المتحدة

bederelddin@yahoo.com

الوسومأطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية أمارتيا كومار سن الأستاذ محمود محمد طه التنمية حرية السودان بدر موسى د. عبد الله الفكي البشير سمية أمين صديق

مقالات مشابهة

  • هههههههه..العامري:تحرير فلسطين على يد الحرس الثوري والحشد الشعبي بزعامة خامئني
  • قصائد تتغنى بذكرى الهجرة النبوية الشريفة
  • ما هي قصة القائد عبد القادر الحسيني التي استشهد بها أبوعبيدة؟
  • الاستدارة التركية على سوريا قراءة اخرى
  • قراءة في كتاب: أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية: التنمية حريّة- محمود محمد طه وأمارتيا كومار سن «مقاربة» «1- 15»
  • أمسيات ملتقى الشعر الخليجي تثري الحضور في يومها الأول
  • قراءة في قضايا العمل وقوانينه
  • زياد العناني.. شمس كبيرة في سماء قصيدة النثر
  • زياد العناني.. شمس كثيرة في سماء قصيدة النثر
  • ندوة أدبية عن المجموعة الشعرية “هنائيات” للأديبة داوودي في ثقافي أبو رمانة