أسهم عاصمة السيسي في بورصات خليجية ودولية.. ماذا ستستفيد مصر؟
تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT
تقترب حكومة رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، من طرح حصص من أصول "العاصمة الإدارية الجديدة" في بورصات خليجية وأخرى عالمية، وذلك في محاولة لحل أزمات البلاد المتفاقمة مع الديون الخارجية، في ملف يعتبر خطير التأثير خاصة مع حلول آجال الكثير من فوائد وأقساط تلك الديون.
والخميس الماضي، كشف رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة "العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية"، خالد عباس، عن طرح أسهم من العاصمة الإدارية الجديدة، المقدرة أصولها بنهاية العام الجاري بـ320 مليار جنيه، في أكثر من سوق مال، عبر بورصات خليجية وأخرى دولية، إلى جانب بورصة القاهرة.
عباس، كان قد أعلن في 19 أيلول/ سبتمبر الماضي، عن طرح حصة تتراوح بين 5 و10 بالمئة من أسهم العاصمة الإدارية الجديدة للاكتتاب، خلال الربع الثاني من العام المقبل، معربا عن تطلع شركة العاصمة لجمع 150 مليار جنيه على الأقل من هذا الطرح.
لكنه وفي أحدث تصريحاته لموقع "الشرق مع بلومبيرغ" على هامش "المؤتمر السعودي المصري للتطوير العقاري" بالعاصمة السعودية الرياض، تحدث عن إمكانية إجراء إدراج مزدوج في بورصة خارجية لشركة العاصمة الإدارية بالإضافة إلى بورصة القاهرة.
وأكد أن "هذا الخيار مرجح في حال طرح جزء من الشركة الأم للاكتتاب العام، حيث ستكون قيمة الطرح كبيرة جدا بما يتطلب اللجوء لإحدى البورصات الخليجية كخيار أول"، دون أن يستبعد الإدراج في بورصة دولية أيضا كمرحلة لاحقة.
عملية الطرح في البورصة لجزء من أصول شركة العاصمة الجديدة التي تعد من أكبر الشركات العقارية التي تمتلك أراضي في العالم، أوضح عباس، أنها "تأتي تنفيذا لتوجيهات السيسي"، الذي كشف في آب/ أغسطس 2021، لأول مرة عن توجه لطرح أسهمها من العاصمة بالبورصة المصرية.
وعن تقديره لقيمة الشركة، قال عباس، لموقع العربية "Business"، إنها من أكبر الشركات العقارية التي تمتلك أراضي بالعالم، ورأس مالها المرخص 204 مليارات جنيه، وتعد أكبر شركة بمصر برأس المال هذا، والمسدد منه 57 مليار جنيه، وفي نهاية العام سيصل 77.5 مليار جنيه.
"خيبة أمل"
في آذار/ مارس 2015، حينما أعلن السيسي عن قراره بناء "العاصمة الإدارية الجديدة"، بقلب الصحراء الشرقية، وعلى بعد 45 كلم شرق العاصمة المصرية القاهرة و55 كلم من قناة السويس، والتي يمتلك الجيش المصري نسبة 51 بالمئة منها، كانت الآمال عريضة والحديث عن المكاسب أعرض.
ووفق تصريحات رسمية، كان الهدف المعلن تقليل عدد سكان العاصمة القاهرة، وهي السابعة على العالم بنحو 22.1 مليون نسمة، واستيعاب نحو 5 ملايين نسمة بالمدينة الجديدة المبنية على مساحة 700 كلم2، أو 170 ألف فدان بحجم سنغافورة، ببنايات ذكية وعلى أحدث الطرز.
وضع السيسي حجر الأساس للمرحلة الأولى للعاصمة الجديدة، في تشرين الأول/ أكتوبر 2016، بحضور إماراتي كبير، وذلك قبل تأسيس شركة مساهمة مصرية في نيسان/ أبريل 2016، بالشراكة بين القوات المسلحة (51 بالمئة)، وهيئة المجتمعات العمرانية التابعة لوزارة الإسكان (49 بالمئة).
ولكن بعد مرور نحو 8 سنوات فإن المشروع العملاق الذي تكلفت مرحلته الأولى نحو 45 مليار دولار، وفقا لتصريحات رسمية، وحوالي 58 مليار دولار بحسب تقرير لوكالة "رويترز" في أيار/ مايو 2019، لم يحقق الجدوى الاقتصادية المرجوة، منه، بحسب مراقبين وتقارير اقتصادية دولية.
وفي أحدث التقارير حول العاصمة الجديدة في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، قال موقع "بيزنس إنسايدر"، الاقتصادي العالمي، إن السيسي حاول أن يجعل مصر تبدو كمدينة دبي الإماراتية، موضحا أن الأمر استغرق 10 سنوات وبلغت تكلفته 58 مليار دولار، تم دفع معظمها عن طريق الاقتراض.
وحتى نهاية حزيران/ يونيو الماضي، تبلغ نسبة الدين المصري نحو 97 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد التي يشهد اقتصادها غير النفطي انكماشا لنحو 3 أعوام، بل إنه ووفقا لوكالة "بلومبيرغ"، فإن مصر بالمركز الثاني عالميا من حيث مدى تعرضها للخطورة بسبب الديون السيادية، خلف أوكرانيا التي تخوض حربا مع روسيا منذ العام الماضي.
بل إن المشروع العملاق، يبدو ووفق خبراء ومتخصصين، أنه ضاعف من ضائقة مصر الاقتصادية، وزاد من أزماتها الهيكلية، وفاقم من أزمة ديون خارجية بلغت أكثر من 165 مليار دولار، ما دفع حكومة السيسي. للبحث عن حلول، كان إحداها بيع أصول العاصمة الجديدة لمستثمرين أجانب، في ملف تعثر بشدة لأسباب عدة، ليتم الحديث عن طرح نسبة من الأصول في بورصات خليجية وعالمية.
كما أن المشروع العملاق، وبحسب تصريحات السيسي، أصبح يمثل عبئا دائما وسنويا على موازنة الحكومة، حيث قال السيسي، في تموز/ يوليو 2022، إن شركة العاصمة الإدارية تطلب حاليا من الحكومة 4 مليارات جنيه سنويا كحق انتفاع لاستخدام الحي الحكومي في العاصمة الجديدة.
"أسباب الطرح"
وحول رؤيته الاقتصادية لدلالات وأسباب طرح أسهم شركة العاصمة الإدارية الجديدة في بورصات خليجية وأخرى دولية، بعد بورصة القاهرة، تحدث الخبير الاقتصادي المصري الدكتور عبدالنبى عبدالمطلب، لـ"عربي21".
وكيل وزارة التجارة والصناعة السابق للبحوث الاقتصادية، قال إن "طرح أسهم شركة العاصمة الإدارية في البورصة كان خيار مطروح منذ فترة طويلة، وصحيح أيضا أنه كان هناك توجها نحو بيع أسهم بالشركة من خلال مستثمر رئيسي".
ولفت إلى أنه "كانت هناك توقعات بوجود إقبال خليجي كبير على شراء جزء كبير من أسهم هذه الشركة"، مبينا أنه "كنا نتحدث حينها عن حد أدنى 10 بالمئة وعن طرح من 15 إلى 18 بالمئة كحد أقصى".
وأوضح أن "المشكلة التي واجهت هذه الرؤية هي سعر الصرف"، مبينا أنه "كان سيتم تقييم سعر السهم بالجنيه المصري، لكن المستثمر الأجنبي سواء بالخليج أو حتى المصريين الموجودين كشركات ورجال أعمال أفراد بدول أوروبية، كانوا سيحصلون على تلك الأسهم بالجنيه المصري".
واستدرك: "لكن بعد أن يتم تحويل ما يمتلكونه من دولارات إلى جنيهات مصرية"، مشيرا إلى أنه "في ظل هذه الحالة كان من الصعب أن تدخل كمستثمر في مثل هذه الصفقات دون أن تحدد مصدر الأموال التي أتيت بها".
ويرى أنه "من هنا كان هناك إجبار لمن يريد كمستثمر أن يشتري أسهما بالأمر المباشر أو كمستثمر رئيسي بشركة العاصمة، أن يوضح مصدر أمواله ومن هنا توقفت المفاوضات، والتي كان عدم وضوح الرؤية بشأن سعر الصرف أحد أسبابها".
ولفت الخبير الاقتصادي المصري، إلى أن "هناك أكثر من سعر صرف في مصر، ونتحدث عن فجوة حول سعر الصرف بين السوق الرسمي بالبنك المركزي والأسواق الموازية تصل تقريبا لنحو 80 بالمئة".
وأكد أنه "من هنا بدأ التفكير بطرح أسهم شركة العاصمة الإدارية في البورصات الخليجية والدولية"، مضيفا: "والتقويم هنا سيكون بالدولار، لكن يمكن للمستثمر الخليجي أن يحصل على الأسهم التي يريدها من البورصة بعملته المحلية الريال الدرهم الدينار".
"وأيضا يستطيع المستثمر في البورصات العالمية في أوروبا وأمريكا أو غيرها الحصول على الأسهم بالدولار بغض النظر عن التسعير بقيمة الجنيه".
ويعتقد عبد المطلب، أن "هذا التفكير كان محاولة من أجل ما نسميه (حلحلة السوق)، بأن يكون هناك تنشيط للأصول الراكدة في شركة العاصمة الإدارية، ويعني أن تنتظر أن يتم تعويم الجنيه أو إيجاد سعر صرف مرن كما يقال، فإن هذا يحتاج إلى بعض الوقت".
ويرى أن "هذا يؤدي على الأقل إلى عدم وجود حركة في مسألة عرض أسهم العاصمة الإدارية في البورصات العالمية أو البيع لمستثمر رئيسي".
"المخاطر والفوائد"
وحول احتمالات وجود أية مخاطر من هذا الطرح، وكذلك الفوائد الاقتصادية التي تعود على مصر من طرح العامة الإدارية بالبورصات الخليجية والدولية، أكد عبد المطلب، أن "المخاطر قائمة، ولا يوجد شيء بدون مخاطر".
وأضاف أن "يتم الاستيلاء على أسهم هذه الشركة من بعض عناصر غير مرغوب فيها، وأيضا أن يتم التلاعب بأسهم الشركة في البورصات العالمية، ما يؤدي إلى إحداث خسائر لها، ولكن هناك محاذير يمكن أن تصاحب أي نشاط مالي في البورصات المالية العالمية".
ويعتقد أن "الفوائد على الأقل سوف يؤدي الطرح بالبورصات الخليجية والعالمية إلى نوع من أنواع الاستثمار، وكذلك سرعة دوران رأس مال شركة العاصمة الإدارية، وأيضا توفير جزء غير قليل من احتياجاتها من النقد الأجنبي من خلال مواردها الذاتية في ظل وجود أزمة النقد الأجنبي بالبلاد".
"بئر يبتلع الأموال"
وفي رؤيته الاقتصادية حول طرح أسهم العاصمة الإدارية الجديدة ببورصات خليجية ودولية، أعرب الخبير الاقتصادي والاستراتيجي، علاء السيد، عن أسفه الشديد لأن "العاصمة الإدارية تحولت لأكبر بئر لابتلاع القروض الخارجية الضخمة، والتي لن تستطيع مصر سدادها بأي حال دون تفريط بالأصول".
رئيس الأكاديمية المصرفية الدولية، وفي حديثه لـ"عربي21"، أشار إلى ما يمثله "نقل دواوين الحكومة المصرية وبنوك المعلومات واحتياطيات الذهب والعملة الأجنبية والاحتياطيات الاستراتيجية من الحبوب والأغذية إلى العاصمة الإدارية من خطر".
ويعتقد أن "قرب العاصمة الجديدة من الكيان المحتل جغرافيا وهو الذي يجعله يطمع في ضم سيناء ومنطقة قناة السويس ومحافظات شرق النيل"، مؤكدا أنها "مخاطرة بالغة، وتعريض للأمن القومي المصري للخطر الداهم".
الخبير والأكاديمي المصري واصل عرض رؤيته قائلا: "ثم يأتي طرح جزء من أسهم شركة العاصمة الإدارية الجديدة في البورصة المصرية وبورصات أجنبية للحصول على سيولة لإنهاء المشروعات المعلقة لتكتمل الطامة".
وأكد أنه "يُظهر المخطط الذي تعمل الحكومة المصرية على تنفيذه لخدمة أجندات لا علاقة لها بمصر ولا بشعبها ولا بأمنها ولا بأمن المنطقة ولا بمصالح أمتنا نهائيا للأسف الشديد".
ويرى أن هذا "يدعونا للتحذير من خطورة الطريق الذي تسلكه الدولة على استقرار ومصالح مصر وشعبها ومستقبلها وعلى أمن المنطقة ككل".
"سداد قسري للديون"
وفي إجابته على سؤال "عربي21": هل طرح العاصمة الإدارية ببورصات خليجية ودولية الطريقة الأفضل لجذب الاستثمارات الخليجية والدولية والمستثمرين للعاصمة الجديدة؟، أعرب السيد عن أسفه مجددا.
وقال: "يؤسفني القول إن حصيلة بيع أسهم شركة العاصمة الإدارية الجديدة في البورصات العربية والعالمية لا يعتبر جذبا للاستثمارات بل، يعد سدادا قسريا لديون خارجية لا قدرة لمصر على سدادها ولا سداد خدمة هذه الديون".
بل ويعتقد أنه "تنازل مبطن عن أصول مصر وتعريض لأمنها القومي للخطر الجسيم استراتيجيا".
وعن البورصات الخليجية التي قد تلجأ لها القاهرة لطرح حصص العاصمة الإدارية، توقع الخبير المصري، أن "تكون بورصتا دبي وأبوظبي هما المستهدفين عربيا لصالح صناديق استثمار وشركات متعددة الجنسيات تمتلك كيانات ذات جنسية إماراتية، سوف تضع يدها على ما يُعرض من أسهم بأبخس الأثمان".
وعن البورصات الدولية المرجح الطرح من خلالها، رجح السيد، "ووفقا لتصرفات وتعاملات سابقة للحكومة المصرية أن تكون بورصة لندن".
وأشار إلى وجود مخاطر من هذا الطرح، موضحا أن "الخطر لن يكون في الطرح الأولي عظيما؛ لكنني أتوقع طروحات مقبلة متتالية يزداد الخطر كلما زادت نسبة ما سيتم طرحه تباعا".
وتوقع أن "تكون هناك خطة خارجية مرسومة فعليا لذلك سوف تنفذها الحكومة المصرية في التوقيتات التي تُفرض عليها من الدائنين، ومن صندوق النقد الدولي، والشركاء الدوليين والإقليميين للصندوق والذين يحكمون قبضتهم على الملف الاقتصادي والمالي لمصر منذ سنوات".
وعن الفوائد الاقتصادية التي تعود على مصر من طرح العاصمة الإدارية بالبورصات الخليجية والدولية أكد السيد، أن "ضخ بعض الأموال بالدولار الأمريكي سيسهم في تدبير العملة الصعبة المطلوبة لسداد ديون أخرى وخدمتها، وكذا تأمين استيراد السلع الغذائية الاستراتيجية على الأرجح".
لكنه أكد في نهاية حديثه أنه "لا فوائد اقتصادية أخرى في تقديري، بل جلب لمخاطر أمن قومي، واستمرار لإحكام قبضة الكيانات الإماراتية التابعة بشكل أو بآخر للكيانات المالية العالمية التي يملكها يهود العالم وصهاينته للأسف الشديد".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي اقتصاد اقتصاد دولي اقتصاد عربي اقتصاد عربي المصري الاقتصادي المصري مصر الاقتصاد المصري عاصمة السيسي المزيد في اقتصاد اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العاصمة الإداریة الجدیدة البورصات الخلیجیة العاصمة الجدیدة فی البورصات ملیار دولار الجدیدة فی ملیار جنیه طرح أسهم من أسهم عن طرح
إقرأ أيضاً:
ماذا تعرف عن عصابة تران دي أراغوا التي يهاجمها ترامب بشراسة؟
في المناظرة الرئاسية الوحيدة بينهما في 10 سبتمبر/أيلول 2024، أثارت المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس جدلا حول ما أسمته بقانون تنظيم الحدود وتحجيم الهجرة غير النظامية. حينها، ادعت هاريس أن خصمها دونالد ترامب طلب من الجمهوريين معارضة تمريره في الكونغرس، وعندما سأل المحاور ترامب عن السبب لم يجب عن سؤاله، وركز كالمعتاد على تصعيد الهجوم نحو خصمه.
تحدث ترامب بنبرة غاضبة قائلا: "لقد ضاع بلدنا، نحن أمة فاشلة، وقد أصبحنا هكذا منذ 3 أعوام ونصف (مدة ولاية جو بايدن حتى ذلك الحين)، لقد سمحوا للملايين من الناس بالقدوم لهذا البلد".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هل تفعلها إيران وتفكك النووي والصواريخ وشبكة الحلفاء لتفادي الحرب؟list 2 of 2الصليبي الأخير.. وزير الدفاع الأميركي الذي يكره جيشهend of listلكن ترامب في تلك الليلة قد شعر بأن سردية المهاجرين الذين يسكنون في المناطق العشوائية ويتاجرون بالمخدرات ويمتلكون الأسلحة دون امتلاك أوراق ثبوتية باتت قديمة ومنخفضة السقف، فقدم طرحا جديدا لجمهوره قائلا: "في بلدات مثل أورورا وسبرينغفيلد، يأكل المهاجرون الحيوانات الأليفة المملوكة للسكان"، لينهي إجابته على السؤال بالقول: "إن أصبحت هاريس رئيسة للولايات المتحدة فسينتهي بنا المطاف مثل فنزويلا".
لاحقا، بعد تولي ترامب الرئاسة، تبين أن ذكره لأورورا والمهاجرين هناك والخوف من أن تتحول أميركا إلى فنزويلا كان تهيئة كلامية لحرب سوف يشنها فور وصوله إلى البيت الأبيض على عصابة فنزويلية تدعى "تران دي أراغوا (Tren de Aragua)"، وتعني بالإسبانية "قطار أراغوا". فما قصة تلك العصابة؟ وهل كان ترامب محقا في ادعاءاته خلال مناظرته مع هاريس؟
تأسست عصابة "تران دي أراغوا" في مطلع الألفية الحالية في سجن غير معروف في مدينة أراغوا شمال وسط فنزويلا على يد شخص يدعى "نينيو غيريرو (Niño Guerrero)"، تصفه وسائل الإعلام بمدير "السجن الفاخر" بسبب نجاحه في تنمية أعمال العصابة داخل السجن حتى أصبح يدير "حديقة حيوانات وناديا ليليا وبنكا".
إعلانوُلد نينيو عام 1983 في مدينة أراغوا، وكل ما يعرف عنه هو شروعه في مهاجمة رجال الشرطة وتجارة المخدرات على نطاق ضيق منذ عام 2000، حتى اعتقل عام 2010 بتهمة قتل رجال شرطة وتهريب المخدرات، بالتزامن مع توسع أعمال العصابة، وفق موقع "إنسايت كرايم".
ورغم نفاذ قرار سجنه، ظهر نينيو عام 2015 في أحد الأحياء الخاضعة لسيطرة العصابة وهو يخاطب الحاضرين في إحدى حفلات الحي بصفته زعيم العصابة ويعدهم بتحسين ظروفهم.
أُعيد اعتقال نينيو مرة أخرى عام 2018، واعترف بجرائمه أمام المحكمة ليتلقى حكما بالسجن لمدة 17 عاما، ليبدأ هناك في ترقية أعمال العصابة وتحويل السجن إلى مقر عمليات، فقد سكن هنالك في منزل فاخر من طابقين، وكانت له رفاهية استقبال من يشاء من الخارج.
وبحلول عام 2020، أصبح لدى نينيو نحو 1000 عضو يأتمرون بأمره، وامتد نفوذ العصابة في جميع أنحاء فنزويلا تقريبا، بما في ذلك مناجم الذهب في ولاية بوليفار ومعابر المخدرات على ساحل الكاريبي، إلى جانب المعابر الحدودية السرية لتهريب المهاجرين.
وفي عام 2023، حرّكت الحكومة الفنزويلية قوة ضمت نحو 11 ألف عنصر من الجيش والشرطة للقبض على نينيو داخل السجن، لكنهم فشلوا في العثور عليه، مع وجود تسريبات حول عقد صفقة بين قادة العصابة والحكومة سهلت هروبه قبل أيام من تنفيذ العملية.
ولا يزال نينيو حتى اليوم يدير أعماله من مكان مجهول، فيما تسيطر العصابة على السجن وتفرض غرامات أسبوعية وشهرية على النزلاء، كما تتحكم في أحياء من مدينة أراغوا وتفرض فيها حظر التجوال.
ترامب يدخل على الخطفي السنوات الأخيرة، تدفقت أعداد كبيرة من المهاجرين الفنزويليين إلى مدينة أورورا وما جاورها في ولاية كولورادو، وهي المدينة التي ذكرها ترامب في مناظرته مع هاريس، رغم أنها لم تُعرف من قبل بوصفها مقصدا للمهاجرين أو مكانا لتجمعهم في الولايات المتحدة.
إعلانونقلت وسائل إعلام أميركية عن سكان المدينة قولهم إن توسع أعمال عصابة "تران دي أراغوا" تزامن مع ارتفاع أعداد المهاجرين الفنزويليين فيها منذ عام 2023 حين بلغ عددهم نحو 50 ألفا (بضع مئات منهم فقط ينتمون للعصابة، ولا يوجد انتشار لهم خارج المدينة).
وبحسب صحف أميركية، اتخذ أفراد العصابة بعض المنازل المهجورة في أحياء المدينة لإدارة عمليات سرقة السيارات وتجارة المخدرات وإقامة حفلات الغناء والجنس مقابل أسعار زهيدة، وهو ما وصفها أحد السكان بأنها "أفعال من لا يخشى شيئا".
ومع توسع نفوذ العصابة، التي بدأ أعضاؤها في جمع الضرائب من سكان الحي مقابل خدمات مثل ركن السيارة، ومع تزايد جرائم الاختطاف والقتل والتعذيب، بدأ الضوء يتسلط شيئا فشيئا على أورورا، وعلى نشاط "تران دي أراغوا" في الولايات المتحدة.
أما المفارقة التي نقلتها عدد من الصحف الأميركية، فهي أنه وكما ركز ترامب في حملته الانتخابية عام 2016 على عصابة "إم إس-13″، قرر في حملة 2024 التركيز على "تران دي أراغوا"، لتكون العصابة إحدى أهم الأولويات في أجندته لأول 100 يوم من ولايته الرئاسية.
كما استدعى ترامب لشن حربه على "تران دي أراغوا" قانونا يعود تاريخه إلى عام 1798 ولم يُفعّل من قبلُ سوى 3 مرات في تاريخ الولايات المتحدة، يعرف باسم "قانون الأعداء الأجانب"، وهو القانون الذي يسمح للرئيس بتوقيف مواطنين لدولة في حالة حرب مع الولايات المتحدة أو ترحيلهم.
وبالفعل، رحّلت إدارة ترامب ما يقرب من 200 مهاجر بتهمة الانتماء إلى "تران دي أراغوا"، فيما تعهد بترحيل الآلاف منهم خلال الأيام القادمة، بوصفهم ينتمون لـ"واحدة من أشرس وأعنف العصابات الإرهابية على كوكب الأرض"، على حد بيان صادر عن البيت الأبيض.
بيد أن خبراء يعتقدون أن تصنيف "تران دي أراغوا" ضمن قوائم الإرهاب يُعد أمرا غير دقيق للغاية، فهي لا تشبه في عملها عصابة "إم إس-13" ولا الحركات "الإرهابية" التقليدية. وتقول الصحفية الاستقصائية وخبيرة الجريمة المنظمة في أميركا اللاتينية "رونا ريسكيز" إن "أنشطة العصابة قد تكون مرهبة للناس من الناحية التقنية، لكن هناك فجوة كبيرة بينها وبين باقي الجماعات المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة، فليس لديهم خلفية أيديولوجية، إذ كل ما يعنيهم هو المال".
إعلانلكن، وبغض النظر عن دقة تصنيف العصابة في حد ذاتها، فإن الأثر الواقعي يتمثل في أن هذه الحملة خلقت غطاءً قانونيا يبرر ترحيل عدد أكبر من المهاجرين من الولايات المتحدة وفق قانونيين وحقوقيين. ناهيك أيضا أن بيانات الحكومة الأميركية تظهر أن عدد الجرائم التي سُجلت للمواطنين الأميركيين يفوق عدد الجرائم التي ارتكبها مهاجرون غير نظاميين.
من جانبها، أرسلت إدارة ترامب المهاجرين غير النظاميين الموقوفين الذين وصفتهم بأنهم "أسوأ السيئين" إلى سجون خارج البلاد، لكن التحريات أظهرت لاحقا أن عددا كبيرا منهم لا تربطه أي علاقة مع "تران دي أراغوا"، وأن كل ما استندت إليه إدارة الهجرة هو "تشابه الوشوم"، أو أن أصول الموقوفين تعود إلى مدينة أراغوا، في حين لا يعتمد أعضاء العصابة وشما موحدا، كما هو الحال مع العصابات الأخرى، وليس كل سكان المدينة أعضاء في العصابة.
وأورد موقع إنسايت كرايم أن سمعة "تران دي أراغوا" باتت آخذة في الانتشار بشكل أكبر مما عليه وجودها الفعلي في الولايات المتحدة.
وبالعودة إلى قصة التهام الحيوانات الأليفة في أورورا التي رواها ترامب في مناظرته، خرج عمدة المدينة الجمهوري "مايك كوفمان" للرد على ترامب بعد يوم من تناوله موضوع الجرائم في مدينته قائلا: "إن نشاط العصابات يقتصر على عدد من المجمعات السكنية في مدينة لا يتجاوز عدد سكانها 400 ألف نسمة"، مضيفا أن "المخاوف بشأن العصابات الفنزويلية مبالغ فيها".
إذن، يبدو أن قصة "تران دي أراغوا" في جانب منها تبدو أنها وسيلة لمطاردة "أعداء أميركا" وتحقيقا لوعود ترامب الانتخابية بأن يجعل أميركا "آمنة"، ومن جانب آخر فإن هذه الخطوات التي تتخذها إدارة ترامب، تستهدف الشريحة الانتخابية التي صوتت لترامب بتحقيق انتصارات ونتائج سريعة تظهر الإدارة الجديدة بمظهر الإدارة القوية التي لا تتهاون مع أي شيء خارج عن القانون.
إعلانوعلى الرغم من عدم نفي وجود جرائم يرتكبها عدد من المهاجرين غير النظاميين، إلا أن الديمقراطيين والمعارضين لسياسات ترامب، يشككون في كون هذه الحملة الشرسة موجهة فقط لأصحاب الجرائم، إذ يرون فيها وسيلة لخلق عدو متخيل يزيد من شعبية الإدارة الأميركية الجديدة بحسب وصفهم.
أما لفهم ظروف نشأة تلك العصابات والكيفية التي أدارت علاقاتها مع الدولة من جهة، وبين أفرادها من جهة أخرى، فإننا بحاجة للعودة لجذور هذه التشكيلات.
من هناك يأتي الخطروقد يسهل تفسير ظهور منظمات الجريمة في القارة اللاتينية عادة بشيوع الفقر، لكن ثمة تفاوت يمكن رصده في أسباب انضمام أعضاء العصابات إليها، ما بين أسباب سياسية نابعة من الرغبة في مقاومة السلطة، أو للهروب من مشكلات عائلية، أو بسبب التعرض للابتزاز من قبل أعضاء العصابة الآخرين.
ولفهم العصابات اللاتينية الأميركية التي بدأ حضورها بالازدياد منذ نهاية الحرب الباردة في أميركا، فإنه يجب علينا أن نستوعب جذور بعض الأفكار المشكِّلة لها، فمن المهم في هذا السياق أن نفرق عند الحديث عن عصابات أميركا الجنوبية بين ما يسمى بـ "الماراس"، وما يعرف باسم "البانديلاس".
فـ"الماراس" هي منظمات عابرة للحدود، تأسست أُولاها باسم "دياث يوتشو (dieciocho)" في ستينات القرن الماضي في لوس أنجلوس على يد مهاجر مكسيكي، لتبدأ لاحقا في جذب المهاجرين من غواتيمالا والسلفادور وتتحول إلى مجتمع لاتيني مصغر يشعر فيه القادمون إلى الولايات المتحدة بالانتماء والحماية.
في حين ينحصر نشاط "البانديلاس" داخل الحدود، وهم الأكثر التصاقا بتاريخ عصابات أميركا الجنوبية القديمة، وكانوا منتشرين بطريقة غير منظمة على امتداد القارة، وبالأخص في وسطها، بعد انقضاء الحرب الباردة، لكنها سرعان ما اندمجت مع عصابات الماراس أو جرى القضاء عليها، وينحصر وجودها اليوم في نيكاراغوا وكوستاريكا.
إعلانوفي ثمانينات القرن الماضي ظهر جيل جديد من "الماراس" الذين أطلقوا على أنفسهم اسم "مارا سلفاتروتشا"، ويُعرفون اختصارا بالرمز "MS-13″، وسرعان ما أصبحوا أعداء لعصابة "دياث يوتشو"، واندلعت بينهما أعمال عنف إلى جانب صراعهما مع قوات الشرطة في لوس أنجلوس.
في وسط تلك الفوضى، أقر الكونغرس الأميركي تعديلا على قانون الهجرة غير النظامية في عام 1996، يسمح بترحيل أي مواطن غير أميركي قضى في السجن أكثر من عام، وهو ما نتج عنه ترحيل نحو 50 ألفا إلى دول أميركا اللاتينية، إضافة إلى إلقاء القبض على 160 ألفا آخرين دون أوراق ثبوتية.
ومع عودة المهاجرين إلى دولهم، بدؤوا في إعادة تشكيل تفريعات عن الـ"دياث يوتشو" والـ"مارا سلفاتروتشا" بغية استقطاب أعضاء جدد من الشباب، أو استيعاب عصابات الـ"بانديلاس" مع التزامهم بالبقاء تحت لواء أي من العصابتين مهما كبر حجم الأفرع المحلية.
ماذا عن فنزويلا؟كتب مجموعة من الباحثين الفنزويليين كتابا حول مفارقة تزايد العنف بالتزامن مع تراجع درجات الفقر في البلاد بعنوان "مفارقة العنف في فنزويلا (The Paradox of Violence in Venezuela)"، رصدوا فيه الأنماط المتعددة للعنف المنتشر في البلاد وأسبابه ومسارات تعامل الحكومة معه.
وتُصنف فنزويلا وفق الكتاب ضمن "الدول العنيفة الناشئة"، مع معدل جرائم قتل وصل إلى أكثر من 50 ضحية لكل 100 ألف شخص من السكان في عام 2012، أغلبهم مرتبط بانتشار العصابات المذكورة.
لكن اللافت في الأمر هو أن عصابات فنزويلا في الغالب مجموعات غير منظمة ليس لديها جذور تاريخية أو خلفية سياسية متينة، ولا يشبهون في طريقة عملهم عصابات "الناتشيونس" في الإكوادور ولا "الكوماندوس" في البرازيل ولا "الماراس" في السلفادور.
إعلانوكان التعامل الحكومي مع عصابات فنزويلا في الواقع هو توسيع دائرة الوصم، فأصبح كل "شاب أسمر البشرة من سكان المناطق ذات الدخل المنخفض" مُشتبَها به في الانضمام إلى إحدى العصابات، وهو ما نتج عنه تزايد نسب العنف والسخط العام حتى بعد إقرار مشاريع القضاء على الفقر في عهد الرئيس هوغو تشافيز.
ويلفت أحد فصول الكتاب النظر إلى أثر السجون الفنزويلية في إنتاج العنف، وكيف تحولت إلى ما يشبه "المدارس" التي يتعلم فيها أفراد العصابات ما يجب أن يتقنوه، وناقش الفصل سجن "بيونيا" (اسم مستعار للسجن) بوصفه نموذجا للسجون التي أسهم نظامها في تطور أعمال العصابات في الداخل والخارج. ويوصف "بيونيا" بالسجن المفتوح الذي يمارس فيه السجناء نفوذهم عبر استخدام السلاح والتهديد به، ويقتصر وجود الشرطة فيه على محيط البوابات الخارجية وعندها، ولا يمكنهم الدخول إلى الباحة إلا بالتفاوض مع "الزعماء" المسجونين، وقد لا يتمكنون من ذلك بسبب تبادل إطلاق النار بين السجناء.
ويمكن فهم عصابة "تران دي أراغوا" بوصفها مثالا لتلك الظاهرة، حيث تأسست في أحد سجون مدينة أراغوا (وسط فنزويلا)، وأصبح السجن لاحقا "مقرها الرئيسي" و"مركز عملياتها".