المهندس زيد عيسى العتوم أستميحكِ عذراً يا ذكريات الجسد الفاني, فلم يعد لروحي أيّ موطنٍ أو فتات مكانٍ قد طوى صفحته الزمان, ولا تستغربي من ذلك الماضي الخافت, عندما أمسكتُ المتعة والشجن بمجرد أن شاء القدر أن التحف الظلام, لقد أخطأ الجميع عندما ظنوا أنني كنت سجينا مسكينا, ابتليت بفقدان رؤية ما نعَتوه بالنور, لكنهم نسوا بعدها إنني قد كنت سجّان نفسي, أعتكف بإرادتي بعيداً عن مشاعر الاضطراب والحيرة والقلق, وأبحر بقارب صامت لا يتسع لغيري ولا يأتمر بغير أمري, مجدافه بصمات قلم يحلم, وبحره مدادُ عمرٍ فيّاض.

خرجتُ أبحث عنكَ يا من بحثتَ عني كثيراً. وبلغني أنك كنت مولعاً بي ومدافعاً عنّي, دخلتَ معي ما حسبتَهُ سجناً وترنّمتَ بضيافتي خلف قضبانه الرفيعة, تحدثتَ عن صوتي وتفانيتَ لتجديد ذكراي, لست أعرف من فينا يحمل حظاً عاثراً, فبينما أبحثُ عنك وجدتك ميتاً, كنت أظن أنني وحدي من مات, أكاد أجزم أنك مثلي قد جنى أبوك عليك ولم تجني أنت على أحد, وقد راق لي أنك عشت أربعة وثمانين عاماً هي بمقدار سنين عمري, لكنني تعجّبت من صدفة الألف عام الذي يفصل بين مولدي ووفاتك, قرأتُ بضعة من أسطرك التي أفلحتْ بملامستي والعيش معي, وحاولتْ التنصّت على عقلي وقلبي لسماع الرضا عن الحياة أو السخط عليها, ربما يجمعنا الكثير أيها الصديق المجتهد. قد نشترك أنا وأنت بمحبسنا الأول كوننا فقدنا البصر رغم أننا امتلكنا البصيرة, ويجمعنا محبسنا الثالث لأن فلسفة أهوائنا وبواعث أنفسنا قد كُبّلت في أجسامنا الخبيثة, لكنك لم تعش مثلي فقد بلغني عن حلّك وترحالك, وكيف أنك قد تقدّمت الصفوف وتبوأت المناصب, أما أنا فاعتزلت الناس لعشرات السنين, لأنني أيقنت أن العزلة خيرُ وطنٍ للأرواح المتعبة, وقد أعجبني خروجك عن المكرر والمألوف, وابتعادك عن زخرفة المنقول وهمّتك بتجاوز السقوف, لكنني سأغلق مسامعي قرب نقدك اللاذع لجهل ذلك الواقع الذي أحاط بطفولتك, ولست أدري إن كنت سترميه بتلك السهام لو لم تشتد محنتك وتستفحل مصيبتك, وقد انتابني سوء الظن بأصل وفصل بعض الشعر مما سمعت, لكنك وثبتَ فوق الأنام والغمام, فوجدتَه أدباً منحولاً وأقاصيصاً نسجها النسّاجون واختلقها الرواة, آلمني ما حلّ بك من إلصاق التهم وإشاعة الأقاويل, وأحزنني ما رُميت به من الكفر المدجج بالتهويل, لكنني استهجنت منك الانحناء أمام العاصفة, وكيف قبلتَ تعديل وتغيير المسميات الواصفة, مع تفهمي كونك واحداً تواجه جبلاً من الجمود, يحيط به التشدد ويعلوه الركود. لن يصدّق العقلاءُ أن الأموات يناجون بعضهم بعضاً, وقد يغرسون لك ولي سمة السَفَه والجنون, وعندئذ سيرمون عقلي وعقلك في محبسٍ رابع, ربما لأنهم لا يشعرون أن الحروف تداعب الحروف, وأن الكلمات والرؤى تستحضران ما يقابلهما في غير المكان والزمان, وأن الأرواح الحائرة لا تهدأ الا بمعانقة ما يناظرها, سأتركك الآن بين الأيام وجنة الشوك وأحلام شهرزاد, ومن بعيدٍ وما وراء النهر, قد يعرف الكثيرون يوماً ما…. إننا المعذّبون في الأرض! كاتب اردني

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

مقتل جلحة قد يؤدي لتمايز الصفوف داخل المليشيا ،ربما يدفع الكثيرين للهروب

اول من سرب خبر مقتل جلحة هم عناصر المليشيا وأبواقها الإعلامية ، هو امر نادر الحدوث ان تعلن المليشيا مقتل احد قادتها ، استباق المليشيا لتسريب خبر مقتل جلحة يؤكد الأنباء الرائجة عن تصفيته بشرق النيل على يد عناصر المليشيا ، مقتل جلحة قد يؤدي لتمايز الصفوف داخل المليشيا ،ربما يدفع الكثيرين للهروب من المليشيا والنفاذ بجلدهم من بطش وقبضة الماهرية
#النهائيات الغامضة

عبدالرؤوف طه علي
عبدالرؤوف طه علي
إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • باحث ألماني يكتشف قفل ذهبي يعود إلى العصر الروماني
  • حسين الشحات يوجه رسالة غامضة على انستجرام
  • «مراقبون».. .حرائق لوس أنجلوس ربما ستتكرر مجددا
  • العاصمة..أمن زرالدة يحجز أزيد من 10 ألاف قرص مؤثر عقلي
  • سر انقراض إنسان نياندرتال قد يكون مخفيا في دمه!
  • العاصمة..أمن زرالدة يحجز ازيد من 10 ألاف قرص مؤثر عقلي
  • مقتل جلحة قد يؤدي لتمايز الصفوف داخل المليشيا ،ربما يدفع الكثيرين للهروب
  • صديق بتساءل ليه الطيران ما ضرب الجنجا المعرّدين بالتاتشرات واللواري؟
  • اسم (بلة) الشائع في وسط السودان وكيف يكتب؟
  • حرائق كاليفورنيا.. ما تداعياتها وكيف يمكن الحد من خسائرها؟