د. يوسف عامر يكتب.. مقومات الإسلام (5)
تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT
.. النبوة والرسالة: لا يستقيم أمر البشر إلا بهدايات السماء، وتبلغهم هذه الهدايات عن طريق الرسل والأنبياء، ولا بد أن يكون أولئك الرسل والأنبياء فى المرتبة العليا من كمالات البشر خَلقاً وخُلقاً، حتى تميل النفوس إليهم، ولا تنفر من مخالطتهم واتباعهم، وكيف يقتدى البشر بإنسان يجوز عليه أن يقترف أموراً يتنزه بعضهم عن الاقتراب منها؟! وهل يستقيم فى العقل أن يكون التابع أرقى نفساً وطبعاً من المتبوع؟! وكيف تنصاع له النفوس وهى ترى أنها أشد نزاهة منه وأعظم رقياً؟!
ويكون أيضاً الرسل والأنبياء فى المراتب العليا من الكمالات الخَلقية، فلا يكون فيهم شىء تنزوى العيون عنهم لأجله، أو تراه النفوس نقصاً فيهم، فيظن أنهم يدَّعون النبوة استكمالاً لهذا النقص الذاتى، وإذا نزل بهم مرض لا يكون -مهما اشتد- من الأمراض المنفَّرَة، وكيف تقبل النفوس على شخص يعافون مخالطته؟!
وإذا كان هذا عاماً فى كل الرسل والأنبياء الكرام فهو أعظم وآكد فى سيدنا محمد رسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأمر بالنسبة له مختلف، فكل الرسل من قبله كانت رسالاتهم محدودة المكان والزمان، فهم يرسلون إلى قوم معينين فى فترة زمانية محددة، أما سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فهو مرسل للعالمين، يقول الله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} [الأعراف: 158]، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، فرسالته مجاوزة لحدود الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، فلا بد من أن يكون فى أعلى مراتب الكمالات وأرقى درجاتها، يقول الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، ومن أدل الأمور على هذا أن قومه كانوا مع اعتدائهم عليه والعمل على التنكيل به لا يزالون يأتمنونه على نفائس ودائعهم وأماناتهم!!!
وقد نزل القرآن الكريم معلماً للتابعين أدب اتباع النبى الكريم، صلى الله عليه وسلم، ومن هذا قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَىِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبىِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 1، 2].
ويلحظ البدء فى الآيتين الكريمتين بنداء المؤمنين إيذاناً بأن المنصاع لهذه الأوامر هم أرشد الناس.. وقوله سبحانه: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَىِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} حذف منه المفعول -فلم يقل: لا تقدموا آراءكم أو أفعالكم- ليشمل النهى كل ما يقع فى النفس مما يقدم من القول أو الفعل.
وقوله سبحانه: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىِّ} وهذا نهى عن مجرد الحديث بصوت مرتفع عن صوته الشريف، صلى الله عليه وسلم، وقال العلماء: يكره رفع الصوت عند قبره كما كان يكره فى حياته؛ لأنه محترم حياً وفى قبره. وقوله سبحانه: {وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} يشير إلى أنه ينبغى أن يكون التعامل معه صلى الله عليه وسلم مفارقاً لتعاملات البشر بعضهم مع بعض؛ لجلالة قدر النبوة وسمو مكانتها، بل جاء الوعيد على عدم الالتزام بهذا شديداً وهو بطلان ثواب الأعمال، يقول الله تعالى: {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}، وإذا كان هذا الوعيد الشديد عند عدم التزام بعض الآداب، فكيف بمخالفته صلى الله عليه وسلم؟!!
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: النبوة الرسالة مقومات الإسلام صلى الله علیه وسلم أن یکون
إقرأ أيضاً:
هل يجوز الاستغفار بنية زيادة الرزق والفرج؟.. الإفتاء تجيب
يُعد الاستغفار من أعظم العبادات التي تفتح أبواب الفرج وتزيل الضيق والهم، وهو سبب رئيسي في سعة الرزق وزوال الملل وفتور العبادة، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل هم فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب". لذا، فإن المواظبة على الاستغفار في كل وقت، خاصة في أوقات الفراغ، تعد من الأعمال التي تعود على المسلم بخير عظيم.
وفي هذا السياق، ورد إلى دار الإفتاء المصرية عبر صفحتها الرسمية، سؤال من إحدى السيدات حول جواز الاستغفار بنية جلب الرزق والتوسعة.
وأجاب الشيخ محمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء، قائلاً إن الأعمال كلما كانت خالصة لوجه الله وابتغاء رضاه، كان ذلك أفضل، لأن رضا الله ييسر الأمور ويوسع الرزق.
وأضاف أنه لا بأس بالاستغفار بنية التيسير وسعة الرزق، لكنه أشار إلى أن الإخلاص في العبادة يجعلها أكثر نفعًا للمسلم.
كما أوضح وسام فضل دعاء سيد الاستغفار، وهو الدعاء الذي أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم لما له من فضل عظيم في تكفير الذنوب وضمان الجنة لمن قاله بيقين في الصباح أو المساء، ومات قبل المساء أو الصباح.
وأشار إلى أن الاستغفار مشروع في كل وقت، لكنه يكون أكثر بركة في أوقات مخصوصة، مثل السَّحر، وأدبار الصلوات، وأذكار الصباح والمساء، مع ضرورة حضور القلب أثناء الدعاء، استنادًا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاهٍ".