بوابة الوفد:
2025-03-04@13:37:55 GMT

الأسعار الذاكرة الحية للإذلال

تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT

أوهمت نفسى كثيرًا أن الارتفاعات غير المسبوقة فى الأسعار، سواء المكتوبة منها على السلع أو التى نتلقاها شفاهة عن طريق حاسة السمع، هى من قبيل تلك الأخطاء المطبعية التى تقع فيها بعض الصحف دون قصد، تلك الأخطاء التى يتبدل فيها حرف مكان آخر أو يتغير، فيتحول المعنى إلى النقيض ويكون سببًا فى أزمات كبيرة، مثل كلمة «يتجول» التى حل فيها حرف «الباء» مكان «الجيم»، أو كلمة «العامر» عندما أخذ حرف «الهاء» مكان «العين»، والأمثلة فى هذا الشأن كثيرة، ومن المؤكد كما أوهمت نفسى أن عملية تحجيم الأسعار حدث بها خطأ مشابه للأمثلة السابقة، فتحول المعنى من «تحجيم الأسعار» إلى «جحيم الأسعار»، وسوف يتم تدارك الأمر فى أسرع وقت مصحوبًا برسالة اعتذار عن هذا الخطأ من الحكومة أو أى مسئول فيها أو عنها.

 

هذا المسئول الذى يغضب غضبًا شديدًا إذا اقترن اسمه بخطأ مطبعى غير مقصود، فيسارع برفع دعوى قضائية لرد اعتباره، وبعد وساطة الأصحاب والأحباب تهدأ ثورته، وينكمش غضبه، ويقتنع فى النهاية بأن ما حدث كان خطأ مطبعيًا مجردًا من سوء النية، فيقبل الاعتذار، وعفا الله عما سلف، فى ظل هذا الوهم الذى أقنعت نفسى به قليلًا، أردت أن تتبدل الأدوار، فيسارع المسئول عن هذا الخطأ المطبعى الذى تسبب فى هذه الحالة الجنونية من ارتفاعات الأسعار أن يقدم لنا اعتذارًا، ثم نتفهم هذا الخطأ ثم نقبل هذا الاعتذار، ويمر الأمر كأن شيئًا لم يكن، ولكن للأسف الشديد لم يكن الأمر كذلك ولن يكون. 

فاستمرت معدلات التبريرات فى النمو، وأخذ عدد «الشماعات» فى الازدياد، وعلينا كمستهلكين أو «زبائن» ليس فقط الاقتناع بتلك الأسباب، بل التصفيق لها أيضًا، لأن الأمر أكبر من قدراتنا على الاستيعاب، وأوسع من نطاق تصوراتنا للأشياء، وهذا ما أشار إليه أحد الإعلاميين وقال: «لا يجب أن يشغلنا أكل ولا شرب ولا غاز ولا كهرباء، ولا يجب أن نقول كيلو السمنة أو السكر بكام، لأن الموضوع أكبر من كده، الموضوع فوق خيالك»، وقال هذا الإعلامى: «إن البلد النهارده عاوزة كل واحد صامد وواقف معاها وأن أنسى حالى الشخصى، فالأمن القومى يتعرض للخطر». 

ومع يقينى بأن الأخطار تحيط بنا من كل مكان، وأن الزيادة السكانية تلتهم ثمار الإصلاح، وأن تقلبات الطقس والتغيرات المناخية تؤدى إلى نقص بعض السلع الغذائية، بالإضافة إلى تلك التوترات العالمية القريبة منا والبعيدة عنا، كل هذه العوامل تؤثر على الأسعار وتؤدى إلى ارتفاعها، ويجب ألا ننسى إضافة بند جشع بعض التجار إلى القائمة السابقة، والسؤال هنا: ما الخطط التى وضعتها الحكومة مسبقًا لمواجهة مثل هذه التحديات؟ وأين الرؤى المستقبلية التى رسمتها الحكومة للحد من هذه الأخطار وتأثيرها؟! 

نحتاج إلى إجابات مقنعة من السادة المسئولين، إجابات لا يكون مفادها استبدال حالة الشكوى بحالة الحمد و«بوس الأيادى وش ودهر» على ما وصلنا إليه!، وأنه لولا الجهود المضنية التى تقوم بها الحكومة لكانت الأسعار أشد فتكًا وإعصارًا!، ثم نحتاج إلى الخروج من دوامة الاتهامات المتبادلة بين التاجر والحكومة، وأيهما السبب والمتسبب فى تلك الارتفاعات الجنونية التى أصابت كل القطاعات تقريبًا، فهذه الاتهامات ليست بجديدة أو وليدة اللحظة.

نحن فى حاجة إلى مسئول يلعب دور الوساطة فى عملية صلح معقدة بيننا وبين الفول والطعمية والكشرى والعدس البصل والسكر وباقى السلع الغذائية، التى ارتفع سعرها وخاصمت موائد البعض منا، نحن فى حاجة إلى عملية صلح وإصلاح بين هياكل الأجور والأسعار، نحن فى حاجة إلى من يرى أن الزيادة السكانية ثروة يمكن استغلالها، وطاقة قادرة على الإنتاج وتجاوز المستحيل وليست عبئًا يلتهم ثمار كل شىء! 

نحن فى حاجة إلى من يرد للجنيه هيبته، بعد أن أصبحت قيمته تساوى حزمة خضار!، وأن يرد له خاصيته فى «لحلحة» الأشياء عندما أطلق عليه البعض لقب «اللحلوح»، نريد إجراء عملية جراحية لهذا الجنيه تقوم باستئصال جميع ألقابه ومرادفاته ومعانيه السلبية، التى تعبر عن ضعفه مثل «الملطوش» و«الأهيف» و«الزغلول». 

الخلاصة.. إن الارتفاعات الجنونية التى ضربت كل شىء، وخاصة أسعار السلع الغذائية مؤخرًا وتوابعها، ستكون ذاكرة حية من الإذلال، لن ينساها رجل مسن أو سيدة عجوز وقفت لساعات فى طابور طويل للحصول على كيلو سكر بسعر مخفض ثم خرجت فارغة الأيدى، ذاكرة حية من الإذلال لن ينساها رب أسرة «انكسرت نفسه» أمام أولاده، بعد أن عجز عن سد حاجاتهم وتلبية متطلبات معيشتهم الأساسية. 

فى النهاية.. نحتاج إلى حل، والحل عند الحكومة لأنها صاحبة القرار والسلطة والمسئولية.

 

[email protected] 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: أشرف عزب الأسعار

إقرأ أيضاً:

المقاومة أكبر من مكان وأكثر من زمان

 

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

من يعتقدون بأنَّ المقاومة انتهت بسقوط دمشق بأيدي تتار العصر، وبمقتل عدد من قادتها، وتدمير كبير لبنيتها، فهم بلا شك فقراء في اللغة العربية؛ حيث لا يمتلكون منها سوى مفردات البؤس والفجيعة في التوصيف، وهم بلا شك فقراء في لغة الإعلام ولغة الصورة، والنظرة السطحية للأمور لإخفاء الحقيقة الكاملة، ولسكب الهزيمة في عقل الخصم والمتلقي، وهم بلا شك فقراء في الزاد التاريخي؛ حيث حرموا من التطواف والتجوال في التاريخ للوقوف على العبر والأحداث المشابهة، وهم بلا شك فقراء من الزاد الإيماني وأثره، بمشيئة الله وأثرها، والقوة الإيمانية الهائلة لأبناء فصائل المقاومة وأثرها، وهم بلا شك فقراء في معارف علوم ومسلمات أطوار الحياة ودول الأيام، وهم بلا شك ممن يعتقدون بأن التاريخ توقف وتجمد في بطون الكتب ولم يعد يُصنع، وهم بلا شك من ضحايا السرديات الصهيونية بأنَّ الكيان لا يُهزم وأمريكا قضاء وقدر.

حينما تكون المعطيات لديك خاطئة فمن الطبيعي أن تكون استنتاجاتك خاطئة وقناعاتك هشة ومنحرفة عن الحقيقة، والعكس صحيح، لهذا فنحن نعيش في عصر التزييف العميق، وبسط السطحية ونثر الهشاشة وتمكين التفاهة، تمهيدًا للاحتلالات والسيطرات المقبلة من قبل العدو على العقول والحقول معًا.

الخبرة التراكمية للمقاومة اليوم في مواجهة العدو وصلت إلى مرحلة متقدمة جدًا وبمرتبة تكافؤ الردع والخسائر والوجع، والعدد النوعي والكمي للمقاومة اليوم بمرتبة فخر للأمة بشقها المقاوم، وبمرتبة رعب وقلق للصهاينة والمتصهينين.

والعقيدة القتالية لفصائل المقاومة، واتساع نطاق ثقافتها العابرة للأجيال والحدود هو ما يُرعب العدو حقيقة ويقض مضاجعه ويقلل من منسوب عمره وزمن احتلاله.

فصائل المقاومة اليوم تجاوزت العقود الأربعة من عمرها، وهو عمر الحكمة والرشد والتكليف بعظائم الأمور، وبالنتيجة فلا قلق عليها من فقد رمز هنا أو قائد هناك، ولا بفقد منشآت أو عتاد أو كوادر، فهذه جميعها من مسلمات الحروب.

تصعيد المقاومة لعملياتها ومواجهاتها للعدو، وتعدد تلك المواجهات ونوعيتها جعل الفخر التراكمي بالانتصارات يتعاظم يوماً بعد يوم؛ بل وجعل حضور المقاومة وثقافتها تزاحم ثقافات التفاهة والترفيه الماجن وتلغيها؛ بل وجعل النظام الرسمي العربي يُعيد حساباته بصمت، ويتيقن بأن المقاومة خياره الأوحد والصريح للبقاء على قيد الحياة، وأن فلسطين هي الخندق الأول للدفاع عن الأمن القومي العربي.

نتائج هكذا حروب ومواجهات مفصلية في التاريخ لا تظهر فوريًا، بل تظهر مؤشراتها أولًا ثم تتبعها النتائج الطبيعية على الأرض، لهذا نقول ونكرر بأن العدو انتصر تكتيكيًا، عبر التدمير والاغتيالات ولغة الصورة السطحية المؤثرة على المتلقي، ولكن المقاومة انتصرت استراتيجيًا عبر توازن الرعب والردع والخسائر، وانتصارات المقاومة ستجعل الكيان يراجع ذاته في كل شيء ويسأل كل فرد في الكيان سؤال بعد ملحمة طوفان الأقصى "كيف وصلنا إلى هنا"!؟ فخسائر كيان دولة لا تقاس بخسائر فصائل، ومنسوب خسائر العدو لا يقاس بسقف المقاومة المفتوح لتلقي الخسائر ثمنًا للكرامة والعزة والشرف والكبرياء. والمنتصر لا يفاوض لوقف إطلاق النَّار وتبادل الأسرى؛ بل يُملي شروطه على الآخر، وهزيمة العدو تأتي عبر خيارين، هزيمة العدو وسحق قدراته القتالية، أو منعه من تحقيق أهدافه من الحرب، والمقاومة حققت جزءًا مهماً من الأول، وكل الجزء الثاني.

قبل اللقاء.. من يقرأ التاريخ، يقرأ المستقبل.

وبالشكر تدوم النعم.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • الشهداء فى الذاكرة.. الشهيد الرائد وليد عصام دافع عن الوطن بأصعب الأوقات
  • مسلسل جريمة منتصف الليل الحلقة 3 .. رانيا يوسف تفقد الذاكرة
  • المقاومة أكبر من مكان وأكثر من زمان
  • وزير الكهرباء يكشف أمام مجلس الشيوخ خطة الحكومة لتخفيف الأحمال
  • الشهداء فى الذاكرة.. والدة الشهيد وائل كمال: وصى أخوه يدفنه مع منسى
  • أسباب محتملة لاضطراب الذاكرة
  • الشهداء فى الذاكرة.. والدة الشهيد محمد غنيم: اكتشفت أنه بيخدم فى سيناء
  • دراسة صادمة.. الكرش قد يعزز الذاكرة ويحمي الدماغ
  • الأمين: الحكومة الليبية وفرت السلع بينما حكومة الوحدة لم تتمكن من تحديد الأسعار
  • شهر الخير| جهود الحكومة لتوفير السلع الأساسية وضبط الأسعار خلال رمضان