لجريدة عمان:
2025-03-18@22:31:53 GMT

مصايرُ الشعوب مَزْلقُ الساسة

تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT

يحاول المرء النأي بنفسه عن كل متعلقات السياسة ومعطياتها، وما ذلك إلا لكونه غير معني بها أصلا ومُكتَفٍ بما يشغله من واقعه اليومي ومسؤولياته الاجتماعية، أو لإدراكه المعرفي التراكمي بأن النأي عنها أسلم لعقله، وأصلح لتحقق سلامه النفسي من كل ما تحتويه السياسة من متناقضات وصراعات وقسوة، لكن هل يمكننا النجاة من السياسة حقا؟ أما زال المسرح السياسي حلبة للمتنافسين على النفوذ والسلطة كما يعرفها «هانز مورغنتاو» في كتابه «السياسة بين الأمم» قائلا: «السياسة صراع من أجل القوة والسيطرة».

حقيقة يودُّ أحدنا لو أنه أدرك ذلك السلام العظيم المبتغى ونأى بنفسه عن ذلك الصراع وتلك الحلبة، لكن الواقع الحالي يحيلنا إلى حقيقة يصعب نكرانها تماما كما يصعب تبنيها ألا وهي أن السياسة أصبحت بتوأمتها وعالمَ الأعمال المحرك الرئيس لكل ما نعيش وما نعاني أو حتى ما نأمل، وليس الارتباط بينهما (أعني السياسة والأعمال) وليد الحاضر، بل هو قديم جدا، وهو ما يقتضيه المنطق إن أصبحت السياسة صراعا لأجل النفوذ والسلطة فإن الأعمال والمال طريق الوصول لتلك الغاية بتضمنها أقوى المؤثرات المادية للوصول إلى ذلك الهدف، لا سيما في قدرة آلة المال على تهميش وإقصاء كل وعي أو إدراك لنظريات أخلاقيات العمل السياسي التي تلوكُها المنظمات القانونية لأكثر من عقدين من الزمن، أو أسس التنافس النزيه في عالم الأعمال.

وما هذه المقالة إلا عبور على تساؤلات ذهنية حول السياسة ومبررات تعاطيها، ثم من يملك الحق في ذلك التعاطي، خصوصا إن لم يسعَ بشخصه لأي نفوذ أو سلطة، فهل نملك نحن الحق في ذلك التعاطي؟ ثم من نحن؟ المواطن العادي المشغول بصراعاته الواقعية مع المعيشة والحياة، أم الكاتب المسؤول عن تحريك وعي الشعوب، أم الأكاديمي المفترض مشاركته في وضع وتأسيس وتنمية وعي الشعوب وتغيير مسارات الساسة لصالح الإنسان وتنمية البلدان؟ أم المهنيون المختصون من أطباء ومهندسين واقتصاديين وموظفي قطاعات حكومية أو مؤسسات خاصة بحرفهم المختلفة ومعارفهم المتنوعة، وهم طبقة لا يمكن إلا أن يعول عليها في تأسيس وتنمية الوعي كما يعول عليها في بناء الدول؟

نتصل مجددا بالسياسة ومعطياتها في محاولة للإجابة عن هذه التساؤلات مع ما نعيش من قضية قديمة معاصرة وصراع طويل مستمر، لا مع دولة احتلال وحسب بل مع نفوذ استعماري مهما تلوّن، وسلطة اقتصادية مهما تقنّعت، ومن بغيتنا للوصول إلى جواب نتساءل أيضا: هل تغير مشهد صراع الساسة المتنفذين (ماليا) على حلبة تقوم على جثث القتلى من الشعوب المنكوبة، وقوت الناس اليومي، ومصاير الدول الأضعف اقتصاديا أو عسكريا؟ وهل هذّبت كل المنظمات العالمية حقوقيا وإنسانيا - تلك التي تدعي أخلاقيات عليا ومواثيق إنسانية وعمل متصل دون كلل أو ملل مع كل ما تستنزف من أموال وجهود- من وحشية صراع السلطة والنفوذ، هل استطاعت بكل عدتها وعتادها حماية الإنسان حيثما كان مما ظنناه أبعد من أن يكون محل نقاش بين أروقتها اليوم بعد قرون من السعي لذلك وهو العنصريات المدمرة، والتصفيات العرقية، وسحق الشعوب بأكملها بعيدا عن تصفية الأفراد منافسين أو معارضين هنا وهناك بطرق مقنّعة، وعمليات استخباراتية عليا يمكنها النجاة متى ما صنعت الغطاء المناسب لجرائمها ومخالفاتها.

صارت الجريمة أكبر من أن تخفى، والوعي أوسع من أن يتم تشتيته حين أفْسدَ الإعلامُ الرقميّ (صنعوه ليكون أداة لهم لينقلب سحرهم على ساحره) ما بني في غرف المفاوضات المادية، وتبادل المصالح طويلة المدى، كل ما أسس على افتراضين رئيسين؛ تسطيح الوعي الشعبي العالمي بجملة من القضايا كالانتصار للمثلية، أو الوعيد من معاداة السامية، تحت مظلة الحرية وحمايتها معتقدا وسلوكا، ثم افتراض السيطرة على آلة الإعلام لترويج ما يخدم المتفق عليه من مصالح الشركاء.

ومع تهاوي هذين الافتراضين في صدمة دول العالم بما قدم لهم من مصادر متاحة للوصول للحقيقة جعلت كل هذه الشعوب المتعطشة لتبني قضية ذات قيمة تجعل من فلسطين قضيتها، وتتوحد الآراء لنصرة الإنسان على حساب المصالح القائمة على ترويج القتل وتسويق التسليح، خصوصا مع تحديات الواقع الاقتصادي التي قلصت حجم خسارة الأفراد وعظمت حجم خسارات المؤسسات والشركات، ولكن هذا التصادم وهذا الوعي أسلمنا لحقيقة أخرى أن ادعاءات الموضوعية وحرية التعبير ما هي إلا علك وخدعة يراد بهما إسكات الأضعف اقتصاديا، يدلنا على ذلك ما أثبت من إخراس للكثير من الأصوات حتى تحت قباب أعرق الدول الأوروبية تنظيرا لحقوق الإنسان وحرية التعبير، وليس ذلك فحسب، إذ أن كتم الأصوات وعقاب الناطق لم يقف عند أولئك المواطنين العاديين أو الكتاب في الصحف المهمشة، بل تجاوز كل ذلك ليشمل البرلمانيين في المجالس العالمية، والكتاب في صحف عالمية، والأكاديميين في جامعات غربية طالما تباهت بسقف الحرية وحماية حق التعبير عن الرأي، بل إنها تجاوزت كل ذلك لتنسحب حتى على القلة الذين ظننا أنهم بما يملكون من ثروة سيملكون رأيهم الحق غير المنحاز لطرف ما طمعا في نيل مال أو نفوذ لما بلغوا من سقف الثروات ونفوذ المال، إلا أن ساقية المال والنفوذ جرفتهم كذلك إما طمعا في الآتي أو حرصا على الحاضر، وهو ما صرّح به بعض الرافضين الذين اختاروا الانتصار لمنصة الحقيقة كما فعل إيلون ماسك مؤكدا عدم اهتمامه بخسارته من المال أو السلطة في تصريحه مؤخرا.

متى يملك الإنسان رأيه في هذا العالم المادي إن لم يملكه مع تعميق وعيه وبناء مداركه؟ أو حتى مع بناء ثروة يعتقد معها أنه ضمن أمان رأيه وفضاء كلماته كأقل حق ممكن؟ ثم هل يمكن أن نبحث بعد كل هذا الواقع عن نزاهة السياسة وأخلاقياتها بعيدا عن تساؤل مصطفى صادق الرافعي الذي لم يعش ربع ما نعيشه حين قال: « أيستطيع الرجل أن يكون سياسيا إلا إذا كان كاذبا في أقواله وأفعاله؟ يبطن خلاف ما يظهر، ويظهر خلاف ما يبطن، ويبتسم في موطن البكاء، ويبكي في موطن الابتسام؟» أم يجدر بنا تبنيها معه حتى مع النادر من أمثلة النزاهة في هذا العالم الاستهلاكي المرعب، لنعود في ختام هذه المقالة مع هروب محمد عبده في كتابه «الإسلام والنصرانية والعلم والمدنية» في تطيره وتعوّذه حتى من مشتقات الكلمة وتجلياتها: « إن السياسة تضطهد الفكر والدين.. أعوذ بالله من السياسة ومن معنى السياسة، ومن كل حرف يلفظ من كلمة سياسة، ومن كل خيال يخطر ببالي من السياسة، ومن كل أرض تذكر فيها السياسة، ومن ساس ويسوس، وسائس ومسوس».

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

البديوي يشارك في جلسة مداولات غير رسمية للجنة السياسة الأمنية التابعة للاتحاد الأوروبي

شارك معالي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الأستاذ جاسم محمد البديوي في بروكسل بمقر الاتحاد الأوروبي اليوم, في جلسة مداولات غير رسمية للجنة السياسة الأمنية التابعة للاتحاد الأوروبي، بناء على دعوة رسمية من رئيسة لجنة السياسة والأمن نائب المدير السياسي للجهاز الأوروبي العمل الخارجي “EEAS” السفيرة دلفين برونك, وحضور أعضاء اللجنة السياسية والأمنية.

وبين معاليه أن هذه الجلسة تمثل تعزيزًا للعلاقات بين مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي، وتأتي استكمالًا للقاء السابق في الرياض بالأمانة العامة لمجلس التعاون بتاريخ 25 نوفمبر 2024، لتؤكد الالتزام بهذه الشراكة الإستراتيجية المتنامية، وستسهم هذه الحوارات في تعزيز السلام والازدهار لكلا المنطقتين، وأمست العلاقات بين الجانبين أقوى من أي وقت مضى، وتستند إلى توافق إستراتيجي في الدبلوماسية، والتعاون الأمني، والتعاون الاقتصادي، مشيرًا إلى أن البيان المشترك الأخير لمجلس التعاون – الاتحاد الأوروبي “بروكسل، أكتوبر 2024” هو شهادة قيمة على هذه العلاقات العميقة.

ودعا إلى تطوير جوانب التجارة والاستثمار من خلال الاستفادة من مبادرات مثل برنامج العمل المشترك بين مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي لتنويع الاقتصاد وإيجاد فرص عمل للشباب، وتكثيف التعاون في أمن الطاقة والعمل المناخي، ويمكن لموارد الطاقة في دول مجلس التعاون وتقنيات الاتحاد الأوروبي الخضراء أن تكمل بعضها البعض من أجل مستقبل مستدام، مؤكدًا أهمية تفعيل التعاون الثقافي والتعليمي لتعزيز روابط الصداقة التي تجعل الشراكة متينة.

وتطرق إلى إعفاء تأشيرات شنغن لمواطني دول مجلس التعاون، مؤكدًا ضرورة تحقيق تقدم ملموس في هذا المجال، وأن البيان المشترك الأخير لقمة دول مجلس التعاون الاتحاد الأوروبي أكد على التزام الطرفين بالعمل نحو ترتيب سفر خالٍ من التأشيرات آمن ومفيد للطرفين بين دول مجلس التعاون الخليجي ومنطقة شنغن الأوروبية.

وبشأن مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين الجانبين، أفاد البديوي بأن أحد المكونات الرئيسية للشراكة الاقتصادية هو الحوار المستمر حول اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي، وشارك كبار المفاوضين من دول مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي خلال الفترة الماضية في مناقشات متجددة لاختبار الأوضاع واستكشاف السبل العملية لإحياء المفاوضات.

اقرأ أيضاًالعالمالبديوي يلتقي مبعوث أوكرانيا الخاص لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا

واستعرض العلاقات الدبلوماسية الإقليمية والوساطة في الأزمات، لافتًا النظر إلى أن مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي أصبحا شريكين مقربين في حل النزاعات والجهود الإنسانية.

وتطرق إلى مواقف ووجهات النظر لدول المجلس في العديد من الملفات والقضايا الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والأوضاع المأساوية في قطاع غزة، مثمنًا مبادرة الاتحاد الأوروبي بتنظيم المؤتمر التاسع في بروكسل حول سوريا، ونجاحه في حشد دعم دولي كبير، وتقديم تعهدات كبيرة لمساعدة السوريين.

وجدد معاليه التأكيد على أن الشراكة بين مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي تعد ركيزة للاستقرار والتعاون والازدهار المشترك، ويجب مواصلة العمل المشترك لترجمة التطلعات المشتركة إلى أفعال ملموسة، وضمان أن الشراكة لا تلبي تحديات اليوم فحسب، بل تمهد الطريق لغد أكثر استقرارًا وازدهارًا للخليج وأوروبا.

مقالات مشابهة

  • البديوي يشارك في جلسة مداولات غير رسمية للجنة السياسة الأمنية التابعة للاتحاد الأوروبي
  • محمد بن راشد: يد العطاء الإماراتية ممدودة لكافة الشعوب
  • الإمبراطورية العُمانية.. تاريخ مُشرق
  • التعيينات القضائية بين السياسة والاستقلاليّة
  • مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي: سنتابع الإجراءات ضد مرتكبي العنف بسوريا
  • لجنة السياسة النقدية تناقش تطورات سعر الصرف الدينار
  • من أوكرانيا إلى فلسطين: العدالة الغائبة تحت عباءة السياسة العربية
  • وزير الثقافة من بكفيا: للبنان دور اساسي كصلة وصل بين الشعوب والثقافات
  • البديوي: دول الخليج تخطو بقوة نحو مكافحة الإسلاموفوبيا
  • البديوي: دول مجلس التعاون تعمل على مكافحة الإسلاموفوبيا