لجريدة عمان:
2025-02-04@23:49:42 GMT

مصايرُ الشعوب مَزْلقُ الساسة

تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT

يحاول المرء النأي بنفسه عن كل متعلقات السياسة ومعطياتها، وما ذلك إلا لكونه غير معني بها أصلا ومُكتَفٍ بما يشغله من واقعه اليومي ومسؤولياته الاجتماعية، أو لإدراكه المعرفي التراكمي بأن النأي عنها أسلم لعقله، وأصلح لتحقق سلامه النفسي من كل ما تحتويه السياسة من متناقضات وصراعات وقسوة، لكن هل يمكننا النجاة من السياسة حقا؟ أما زال المسرح السياسي حلبة للمتنافسين على النفوذ والسلطة كما يعرفها «هانز مورغنتاو» في كتابه «السياسة بين الأمم» قائلا: «السياسة صراع من أجل القوة والسيطرة».

حقيقة يودُّ أحدنا لو أنه أدرك ذلك السلام العظيم المبتغى ونأى بنفسه عن ذلك الصراع وتلك الحلبة، لكن الواقع الحالي يحيلنا إلى حقيقة يصعب نكرانها تماما كما يصعب تبنيها ألا وهي أن السياسة أصبحت بتوأمتها وعالمَ الأعمال المحرك الرئيس لكل ما نعيش وما نعاني أو حتى ما نأمل، وليس الارتباط بينهما (أعني السياسة والأعمال) وليد الحاضر، بل هو قديم جدا، وهو ما يقتضيه المنطق إن أصبحت السياسة صراعا لأجل النفوذ والسلطة فإن الأعمال والمال طريق الوصول لتلك الغاية بتضمنها أقوى المؤثرات المادية للوصول إلى ذلك الهدف، لا سيما في قدرة آلة المال على تهميش وإقصاء كل وعي أو إدراك لنظريات أخلاقيات العمل السياسي التي تلوكُها المنظمات القانونية لأكثر من عقدين من الزمن، أو أسس التنافس النزيه في عالم الأعمال.

وما هذه المقالة إلا عبور على تساؤلات ذهنية حول السياسة ومبررات تعاطيها، ثم من يملك الحق في ذلك التعاطي، خصوصا إن لم يسعَ بشخصه لأي نفوذ أو سلطة، فهل نملك نحن الحق في ذلك التعاطي؟ ثم من نحن؟ المواطن العادي المشغول بصراعاته الواقعية مع المعيشة والحياة، أم الكاتب المسؤول عن تحريك وعي الشعوب، أم الأكاديمي المفترض مشاركته في وضع وتأسيس وتنمية وعي الشعوب وتغيير مسارات الساسة لصالح الإنسان وتنمية البلدان؟ أم المهنيون المختصون من أطباء ومهندسين واقتصاديين وموظفي قطاعات حكومية أو مؤسسات خاصة بحرفهم المختلفة ومعارفهم المتنوعة، وهم طبقة لا يمكن إلا أن يعول عليها في تأسيس وتنمية الوعي كما يعول عليها في بناء الدول؟

نتصل مجددا بالسياسة ومعطياتها في محاولة للإجابة عن هذه التساؤلات مع ما نعيش من قضية قديمة معاصرة وصراع طويل مستمر، لا مع دولة احتلال وحسب بل مع نفوذ استعماري مهما تلوّن، وسلطة اقتصادية مهما تقنّعت، ومن بغيتنا للوصول إلى جواب نتساءل أيضا: هل تغير مشهد صراع الساسة المتنفذين (ماليا) على حلبة تقوم على جثث القتلى من الشعوب المنكوبة، وقوت الناس اليومي، ومصاير الدول الأضعف اقتصاديا أو عسكريا؟ وهل هذّبت كل المنظمات العالمية حقوقيا وإنسانيا - تلك التي تدعي أخلاقيات عليا ومواثيق إنسانية وعمل متصل دون كلل أو ملل مع كل ما تستنزف من أموال وجهود- من وحشية صراع السلطة والنفوذ، هل استطاعت بكل عدتها وعتادها حماية الإنسان حيثما كان مما ظنناه أبعد من أن يكون محل نقاش بين أروقتها اليوم بعد قرون من السعي لذلك وهو العنصريات المدمرة، والتصفيات العرقية، وسحق الشعوب بأكملها بعيدا عن تصفية الأفراد منافسين أو معارضين هنا وهناك بطرق مقنّعة، وعمليات استخباراتية عليا يمكنها النجاة متى ما صنعت الغطاء المناسب لجرائمها ومخالفاتها.

صارت الجريمة أكبر من أن تخفى، والوعي أوسع من أن يتم تشتيته حين أفْسدَ الإعلامُ الرقميّ (صنعوه ليكون أداة لهم لينقلب سحرهم على ساحره) ما بني في غرف المفاوضات المادية، وتبادل المصالح طويلة المدى، كل ما أسس على افتراضين رئيسين؛ تسطيح الوعي الشعبي العالمي بجملة من القضايا كالانتصار للمثلية، أو الوعيد من معاداة السامية، تحت مظلة الحرية وحمايتها معتقدا وسلوكا، ثم افتراض السيطرة على آلة الإعلام لترويج ما يخدم المتفق عليه من مصالح الشركاء.

ومع تهاوي هذين الافتراضين في صدمة دول العالم بما قدم لهم من مصادر متاحة للوصول للحقيقة جعلت كل هذه الشعوب المتعطشة لتبني قضية ذات قيمة تجعل من فلسطين قضيتها، وتتوحد الآراء لنصرة الإنسان على حساب المصالح القائمة على ترويج القتل وتسويق التسليح، خصوصا مع تحديات الواقع الاقتصادي التي قلصت حجم خسارة الأفراد وعظمت حجم خسارات المؤسسات والشركات، ولكن هذا التصادم وهذا الوعي أسلمنا لحقيقة أخرى أن ادعاءات الموضوعية وحرية التعبير ما هي إلا علك وخدعة يراد بهما إسكات الأضعف اقتصاديا، يدلنا على ذلك ما أثبت من إخراس للكثير من الأصوات حتى تحت قباب أعرق الدول الأوروبية تنظيرا لحقوق الإنسان وحرية التعبير، وليس ذلك فحسب، إذ أن كتم الأصوات وعقاب الناطق لم يقف عند أولئك المواطنين العاديين أو الكتاب في الصحف المهمشة، بل تجاوز كل ذلك ليشمل البرلمانيين في المجالس العالمية، والكتاب في صحف عالمية، والأكاديميين في جامعات غربية طالما تباهت بسقف الحرية وحماية حق التعبير عن الرأي، بل إنها تجاوزت كل ذلك لتنسحب حتى على القلة الذين ظننا أنهم بما يملكون من ثروة سيملكون رأيهم الحق غير المنحاز لطرف ما طمعا في نيل مال أو نفوذ لما بلغوا من سقف الثروات ونفوذ المال، إلا أن ساقية المال والنفوذ جرفتهم كذلك إما طمعا في الآتي أو حرصا على الحاضر، وهو ما صرّح به بعض الرافضين الذين اختاروا الانتصار لمنصة الحقيقة كما فعل إيلون ماسك مؤكدا عدم اهتمامه بخسارته من المال أو السلطة في تصريحه مؤخرا.

متى يملك الإنسان رأيه في هذا العالم المادي إن لم يملكه مع تعميق وعيه وبناء مداركه؟ أو حتى مع بناء ثروة يعتقد معها أنه ضمن أمان رأيه وفضاء كلماته كأقل حق ممكن؟ ثم هل يمكن أن نبحث بعد كل هذا الواقع عن نزاهة السياسة وأخلاقياتها بعيدا عن تساؤل مصطفى صادق الرافعي الذي لم يعش ربع ما نعيشه حين قال: « أيستطيع الرجل أن يكون سياسيا إلا إذا كان كاذبا في أقواله وأفعاله؟ يبطن خلاف ما يظهر، ويظهر خلاف ما يبطن، ويبتسم في موطن البكاء، ويبكي في موطن الابتسام؟» أم يجدر بنا تبنيها معه حتى مع النادر من أمثلة النزاهة في هذا العالم الاستهلاكي المرعب، لنعود في ختام هذه المقالة مع هروب محمد عبده في كتابه «الإسلام والنصرانية والعلم والمدنية» في تطيره وتعوّذه حتى من مشتقات الكلمة وتجلياتها: « إن السياسة تضطهد الفكر والدين.. أعوذ بالله من السياسة ومن معنى السياسة، ومن كل حرف يلفظ من كلمة سياسة، ومن كل خيال يخطر ببالي من السياسة، ومن كل أرض تذكر فيها السياسة، ومن ساس ويسوس، وسائس ومسوس».

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

السياسة النفطية لـ ترامب بين زيادة الإنتاج وخفض الأسعار

حل تسييس الطاقة على رأس جدول الأعمال خلال الحملة الانتخابية وفي الأسابيع القليلة الأولى من رئاسة ترامب.

تمثلت أهداف البرنامج في إعادة تأكيد هيمنة أمريكا على سوق الهيدروكربون العالمية (كانت الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم منذ عام 2019) وضمان أسعار منخفضة للمستهلكين الأمريكيين.

وفي الممارسة العملية، تتجلى هذه الرغبة في زيادة إنتاج النفط والغاز الأمريكي بمقدار ثلاثة ملايين برميل من مكافئ النفط يوميًا، لإنتاج متوسط من النفط الخام يتجاوز 13 مليون برميل يوميًا في عام 2024، ولكن هل هذا الهدف واقعي؟

زيادة إنتاج النفط والغاز الأمريكي

يقول باسكال ديفو، كبير المحللين الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في بنك بى إن بى باريبا، في مقال نشر على الموقع الرسمي للبنك، «إن هناك عاملين رئيسيين لابد من أخذهما في الاعتبار: أولاً، على عكس منتجي أوبك، فإن شركات النفط الأمريكية هي شركات خاصة ولديها مساهمون يدفعون، وثانياً، إن أسعار التعادل التي يدفعها المنتجون لحقول النفط الجديدة مرتفعة إلى حد ما (حوالي 65 دولاراً أميركياً للبرميل).»

وأضاف: على هذه الخلفية هناك تناقض واضح بين تشجيع الشركات الخاصة على الاستثمار وخطر الإضرار بأرباحها، وعلى هذا فإن النفوذ الحكومي تنظيمي في المقام الأول، وتأثيره في أفضل الأحوال متوسط الأجل (تطوير شبكة خطوط الأنابيب وفتح الوصول إلى الأراضي الفيدرالية الجديدة للحفر) أو هامشي نسبياً من الناحية الاقتصادية (خفض الرسوم التي يدفعها المنتجون لتحسين نقطة التعادل).

وتابع: هناك مسار عمل محتمل آخر، يعتمد بشكل مباشر على الرئاسة، وهو الاستفادة من الاحتياطيات البترولية الاستراتيجية الأمريكية، ورغم أن مستواها الحالي أعلى من الحد الأدنى التنظيمي (90 يوما من واردات النفط الصافية)، فإن هذه الاحتياطيات عند أدنى مستوياتها منذ نحو أربعين عاما، وقد انخفضت بشكل حاد في عام 2022 استجابة لارتفاع الأسعار في أعقاب اندلاع الحرب في أوكرانيا، وبالتالي، فإننا حاليا في مرحلة إعادة تعبئة هذه الاحتياطيات، وقد تعهد الرئيس ترامب بمواصلة هذه السياسة خلال حملته الانتخابية.

النفط

وبشكل غير مباشر كما أشارت التصريحات الأخيرة، قد يضغط ترامب على أوبك لإعادة النفط إلى السوق، وهذا من شأنه بطبيعة الحال أن يؤثر في المقام الأول على المملكة العربية السعودية، المنتج الذي يمتلك أكبر طاقة احتياطية، وفي الأمد القريب، يبدو هذا الاحتمال غير مرجح، ما لم نفترض أنه جزء من مفاوضات اقتصادية وجيوسياسية أوسع نطاقا كجزء من إعادة ترتيب التوازنات الإقليمية.

المملكة العربية السعودية

وأكمل: من الناحية الاقتصادية، ليس لدى المملكة العربية السعودية أي مصلحة في خفض الأسعار، حتى من أجل اكتساب حصة في السوق، وتواجه المملكة احتياجات مالية كبرى كجزء من خطتها للتحول الاقتصادي، والمستوى الحالي لأسعار النفط يجعل من المستحيل تلبية هذا المتطلب التمويلي، وفي عام 2025، لن تتمكن الحكومة السعودية من موازنة ميزانيتها إلا إذا تجاوز سعر النفط 90 دولارا للبرميل.

وأردف: إذا نظرنا إلى آفاق سوق النفط العالمية في عام 2025، فقد نميل إلى القول إن أفضل طريقة لترامب لخفض سعر برميل النفط هي عدم التصرف، لأن السوق ستتولى الأمر. في السيناريو المركزي لدينا، من المقرر أن ينخفض سعر برميل النفط: من المرجح أن ينمو الطلب بشكل معتدل فقط، ولا يزال متأثرًا سلبًا بالتباطؤ الصيني، في حين سيستمر المنتجون من خارج أوبك+ في زيادة إنتاجهم، مما يمنع منتجي أوبك+ من إعادة دخول السوق، لأن هذا من شأنه أن يخاطر بخفض الأسعار بشكل كبير.

هذا ومن المتوقع أن يبلغ العرض الزائد في السوق حوالي 0.5 مليون برميل يوميًا في عام 2025. بعد الارتفاع في بداية العام نتيجة للعقوبات الأمريكية ضد الناقلات الروسية والطقس الشتوي القاسي، من المتوقع أن ينخفض سعر برميل برنت من 77 دولارًا أمريكيًا للبرميل الحالي إلى 70 دولارًا أمريكيًا للبرميل على مدار العام، وهو مستوى يبدو مقبولًا لرئاسة الولايات المتحدة.

ورغم أن سياسة ترامب قد يكون لها تأثير على أسعار النفط، إلا أنها سوف تكون أكثر تأثيرا على العلاقات الدولية والجبهة الجيوسياسية، وبتأثير صعودي، ومن شأن إدراج المنتجات الهيدروكربونية في الزيادات في الرسوم الجمركية ضد كندا والمكسيك (اللتين تصدران 4 ملايين و0.5 مليون برميل يوميا على التوالي إلى مصافي التكرير الأميركية) أن يستلزم ارتفاع أسعار البنزين بالنسبة للمستهلكين الأميركيين، وعلاوة على ذلك، فإن تطبيق عقوبات إضافية على صادرات النفط من إيران وفنزويلا من شأنه أن يدفع أسعار النفط الخام إلى الارتفاع في الأسواق العالمية.

أثر وقف إطلاق النار في أوكرانيا على النفط

وعلى العكس من ذلك، فإن وقف إطلاق النار في أوكرانيا، والذي من شأنه أن يسمح برفع العقوبات المفروضة على النفط الروسي تدريجيا، من شأنه أن يخلف تأثيرا هبوطيا على الأسعار العالمية، ومع ذلك، في ظل سياسة أوبك+ الثابتة، فإن التأثير ربما يكون محدودا، نظراً لأن روسيا تنتج بالفعل بمستوى يتوافق مع حصتها في أوبك+.

وأشار ديفو إلى مقال افتتاحي عن الدولار نُشر في 21 يناير تحت عنوان «هل يستطيع ترامب خفض قيمة الدولار؟»، فإن تصريحات الرئيس ترامب بشأن سياسته النفطية مليئة بالتناقضات، حيث لا يتطابق هدف الإدارة مع هدف المنتجين، في حين تتعارض أهداف السياسة المحلية (بما في ذلك خفض الأسعار للمستهلكين) مع السياسة الخارجية التي تشكل مصدرًا للضغوط التضخمية، لذلك، سيكون من المهم مراقبة توقيت السياسة الأمريكية عن كثب. فالتسرع المفرط قد يؤدي إلى توترات في سوق النفط وارتفاع أسعار الوقود.

واختتم: التنسيق الأفضل، سواء بين المنتجين الرئيسيين (وهو أمر غير مرجح)، وكذلك بين الأهداف المحلية والخارجية للسياسة الأمريكية (وهو الأمر الأكثر ترجيحًا)، من شأنه أن يتجنب العديد من مصادر التقلب في عام 2025.

اقرأ أيضاًسعر الذهب في عمان اليوم الثلاثاء 4 فبراير 2025

سعر الذهب الآن في مصر.. ارتفاع جديد يضرب المعدن الأصفر

طريقة استرداد رسوم الحج السياحي 2025 لغير الفائزين بالقرعة

مجاني وبعائد 8.75%.. شروط فتح أحدث حساب توفير بـ «البنك الأهلي المصري»

مقالات مشابهة

  • خواطر ما بعد العدوان على غزة
  • السياسة النفطية لـ ترامب بين زيادة الإنتاج وخفض الأسعار
  • «الاتحاد لحقوق الإنسان»: تعزيز قيم التسامح بين الشعوب
  • انتكاس فرنسا في إفريقيا
  • ماسبيرو يتألق في احتفالية كوكب الشرق بحضور نخبة من الساسة والفنانين.. صور
  • محمد عثمان إبراهيم يكتب: تقدم وتسول
  • الأوقاف تصدر العدد الرابع لمجلة «وقاية» للتوعية بخطورة التعدي على المال العام
  • الأوقاف تصدر العدد الرابع من مجلة «وقاية» للتوعية بخطورة التعدي على المال العام
  • «الأوقاف» تصدر العدد الرابع من مجلة «وقاية» للتوعية بخطورة التعدي على المال العام
  • خاص.. تشكيل لجان داخلية لرسم السياسة المالية باتحاد الكرة العراقي