الإخوان الإرهابية ومسيرة التلون والتواطؤ (١١٩)
تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT
نستكمل حديثنا اليوم مع السؤال الحائر لماذا كان عصام سلطان يتعامل مع جهاز أمن الدولة، هل لأن السبب فى مصر قد يكون معروفا تماما، فلا يوجد سياسى تقريبا من بين قوى المعارضة إلا وتعامل مع هذا الجهاز بشكل أو بآخر، إما مختاراً وإما مضطراً، ربما اقتضت الظروف التى كان يعمل فيها حزب الوسط أن يتعاون عصام وغيره مع أمن الدولة، وهو التعاون الذى كان يقوم فى الغالب على تبادل المعلومات.
كان عصام سلطان تحديداً هو الأكثر غضباً وكراهية لجماعة الإخوان المسلمين وقياداتها، خاصة هؤلاء القابعين فى مكتب الإرشاد، وكان يبحث عن الصدام معهم، وافتعال المشاكل بينه وبينهم، ولم يكن يهدأ أبدا إلا بعد أن يتم تصعيد الخلاف إلى ذروته، أدلى مأمون الهضيبى مرشد الجماعة حديثا عن حزب الوسط ومجموعة أبوالعلا ماضى وعصام سلطان كانا من البداية إلى النهاية رمز للحزب دونا عن الآخرين،ولأن الرجل، رحمه الله، لم يكن يحافظ على لسانه، فقد خاض فى سيرة رجال الوسط بما لا يليق، وعندما قيل له هناك من ترك الجماعة لعدم اقتناعه بمبادئها وأفكارها.. أليس عند هؤلاء حق؟، وكانت المفاجأة أن المرشد أنكر أن يكون أحد خرج على الجماعة، وقال عن مجموعة حزب الوسط كانت تريد أن تكون حزبا، ونحن قلنا لهم إن الوقت غير مناسب بالمرة، ولو تقدمنا بطلب فى الوقت الحالى فسوف نخسر أكثر مما نكسب، لكنهم عملوها من ورائنا وتقدموا بحزب، وطبعا ليس معقولا أن يقوم البعض بانقلاب داخل الجماعة ويفضلوا فيها، كان لابد أن يخرجوا.
فى رد الهضيبى على سؤال بأن هناك من ينسب له انه قال أن من يختلف مع الجماعة سأجعله يسير فى الشارع عرياناً لا يكلمه أحد، وما يحدث فعلًا أن الإخوانى الذى يخالف الجماعة فى شىء يعتزله أصدقاؤه ولا يسلمون عليه، بل ويتعاملون معه وكأنه غريب عنهم.. هل تتبنى فعلاً هذه السياسة؟، رد المرشد هناك فرق بين أن يكون لك رأى وأن يكون لك قرار فى الجماعة، رأى تقوله ولكن فى كل حزب أو جماعة أو هيئة تعرض على القيادات جميع الأمور ليأخذوا فيها قرارات، ولو سمح لكل واحد أن يكون له رأى ينفذه فسيكون للجماعة ٣٠٠ قرار، ولا يمكن بذلك أن يكون لها أى رؤى أو وجود أو قيمة، فأى حزب فى العالم أو جماعة لابد أن يكون لها إرادة واحدة، وليس معنى ذلك منع الآخرين من إبداء آرائهم، ولكن الرأى يقال، وعندما نأتى عند القرار يكون للجهة المسؤولة، فنحن نطالب بالديمقراطية، والديمقراطية تمشى بفرق صوت واحد بين الأغلبية والأقلية، وعندما يصدر القرار فلابد أن ينحنى له الجميع، ولا يمكن الاعتراض عليه، ونحن فى الإخوان لسنا دولة، فمن يعترض على قراراتنا من حقه أن يترك الجماعة ويذهب ليعمل مع أى جماعة أخرى.
كان يمكن لمأمون الهضيبى أن يصمت عند هذا الحد، فقد وصلت رسالته إلى مجموعة حزب الوسط، وبدلاً من أن يحاول إزالة الجفوة التى جمعت بينهم، إذا به يزيد الفجوة التى يبدو أنه كان يريد لها أن تتسع، فعند الحديث عزيزى القارئ عن العنف فى العقاب والشدة فى رد الفعل ضد من يخالف رأى الجماعة؟، فرد الهضيبى وكان عنيفاً هذه المرة؛ نحن لا نفعل ذلك، لكن وبكل أسف الناس تتوغل فى الخلاف، فعندما يتركنا أحد مع السلامة، لكن عندما يتطاول علينا فنحن نقطع العلاقة معه نهائيا، لكننا لا نرد عليه، فواحد ظل فى الجماعة أكثر من عشرين عاما، ثم اكتشف فى النهاية أن أفكارها ليست حقيقية وأن يد الجماعة ملوثة بالدماء، وبعدين راح يعمل حزب لوحده، طيب كيف يصبح هذا أمينا على حزبه، وكيف سيتعامل مع أعضائه؟، وللحديث بقية
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مصر حزب الوسط أن یکون
إقرأ أيضاً:
من الإخوان إلى القاعدة.. التحولات الجهادية لتيار الكماليين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يعكس البيان الصادر عن "المكتب العام للإخوان – تيار التغيير" والنشور على صفحتهم الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك يوم 16 مارس 2025، تحولًا جوهريًا في خطاب هذا التيار، لم يعد مجرد تعبير عن موقف سياسي إزاء الغارات الأمريكية على اليمن أو الحرب الإسرائيلية على غزة، بل يمثل انعطافة خطيرة نحو تبني نهج أكثر راديكالية، يقترب في لغته ومنطلقاته الفكرية من خطاب تنظيم القاعدة.
فالبيان لا يكتفي بإدانة الأحداث، بل يصوغها ضمن إطار "الحرب الشاملة" بين الأمة الإسلامية وأعدائها، مقدمًا رؤية جهادية تبرر المواجهة المسلحة العابرة للحدود، وهو ما يتجاوز الخطاب التقليدي للإخوان المسلمين الذي كان يحافظ، ولو ظاهريًا، على مسافة من هذا النهج.
هذا التصعيد في الخطاب يعكس تحولات أعمق داخل التيارات المتشددة المنبثقة عن الإخوان، حيث باتت بعض فصائلها ترى في العنف المباشر أداة مشروعة وضرورية للرد على ما تعتبره "عدوانًا صليبيًا وصهيونيًا". ومع تصاعد الأزمات الإقليمية، يوفر هذا التوجه بيئة خصبة لنمو التطرف، ليس فقط داخل هذا التيار، بل أيضًا بين الشباب المحبطين الباحثين عن مسارات أكثر حدة لمواجهة الأوضاع الراهنة. بذلك، يبدو أن تيار الكماليين لم يعد مجرد جناح متشدد داخل الإخوان، بل قد يكون في طور التحول إلى كيان جهادي منفصل، يعيد إنتاج خطابات وأساليب سبق أن انتهجتها تنظيمات مثل القاعدة وداعش.
التحوّل من السرّ إلى العلن
يبدأ بيان "الإخوان المسلمون – تيار التغيير" بالاستشهاد بآية قرآنية من سورة التوبة، وهي السورة التي غالبًا ما يتم توظيفها في سياق الدعوات الجهادية، نظرًا لاحتوائها على العديد من الآيات التي تتحدث عن القتال ضد "الكفار والمنافقين". اختيار هذه الآية تحديدًا ليس مجرد صدفة، بل هو جزء من استراتيجية خطابية تستند إلى تأطير الصراع على أنه معركة دينية مطلقة، وليس مجرد نزاع سياسي أو عسكري محدود. هذا النهج يتقاطع مع خطاب تنظيم القاعدة وداعش، اللذين اعتمدا دائمًا على تقديم معاركهما ضد الغرب والأنظمة العربية باعتبارها امتدادًا للحروب الإسلامية المبكرة، في محاولة لإضفاء الشرعية الدينية على المواجهة المسلحة.
لطالما اعتمد الإخوان المسلمون على خطاب المظلومية كأساس في تعبئة أتباعهم، حيث يقدمون أنفسهم كحركة مستهدفة من قبل القوى الغربية والأنظمة الحاكمة بسبب تمسكهم بالإسلام. لكن الفارق الجوهري في هذا البيان أنه لا يكتفي بالبكاء على المظلومية أو الاكتفاء بإدانة الأعداء التقليديين، بل ينتقل إلى مرحلة "الواجب الجهادي"، حيث يدعو صراحةً إلى "استهداف المصالح الصهيونية والأمريكية في كل مكان". هذا التحول يعكس قطيعة واضحة مع الخطاب السياسي التقليدي للإخوان، الذي كان يحرص على تقديم نفسه في إطار الاعتدال والمرونة، حتى لو كانت الممارسة السرية تعكس خلاف ذلك. اليوم، يبدو أن هذا التيار لم يعد يرى جدوى من التستر، بل بات يعبر علنًا عما كان يُقال في الغرف المغلقة.
التحول من خطاب المظلومية إلى خطاب الجهاد العابر للحدود هو خطوة خطيرة، لأنها تضع "الإخوان الجدد" في سياق أكثر قربًا من التنظيمات الجهادية التقليدية. فبدلًا من الاكتفاء بالدعوة إلى مقاومة إسرائيل في فلسطين أو مواجهة النفوذ الأمريكي في سياق محلي، يوسع البيان نطاق الصراع إلى "كل مكان"، مما يعكس تأثرًا واضحًا بعقيدة "الجهاد العالمي" التي تتبناها القاعدة. هذا التصعيد ليس مجرد رد فعل على الأحداث، بل يعكس تغيرًا بنيويًا في رؤية هذا التيار، حيث لم يعد مقتنعًا بأساليب الضغط السياسي أو الاحتجاج، بل بات يعتقد أن المواجهة المسلحة المفتوحة هي السبيل الوحيد لتحقيق الأهداف.
هذا التحول لا يمكن فهمه بمعزل عن تاريخ الإخوان في استخدام العنف، فبينما كانت الجماعة تقدم نفسها كحركة سلمية، فإنها في الحقيقة مارست العنف بشكل ممنهج منذ تأسيسها، سواء من خلال النظام الخاص في الأربعينيات، أو عبر دعمها للجماعات المسلحة في مصر وسوريا والعراق بعد 2011. لكن الفارق الآن أن هذا العنف لم يعد محصورًا في نطاقات محلية أو يُمارس عبر واجهات سرية، بل بات معلنًا كخيار استراتيجي، ما يعني أن التيارات الأكثر تطرفًا داخل الإخوان قررت أن تتجاوز أسلوب المناورة القديم وتدخل في مواجهة مباشرة مع العالم، كما فعلت القاعدة في بداياتها.
القطيعة مع الإخوان التقليديين وتحولات الخطاب
لطالما عُرفت جماعة الإخوان المسلمين باتباعها خطابًا مزدوجًا يجمع بين العمل السياسي العلني والتعبئة الدعوية، مع قدر كبير من البراجماتية في تبني التكتيكات وفقًا للظروف السياسية. فقد قدمت الجماعة نفسها لعقود على أنها حركة إصلاحية تسعى للتغيير عبر الوسائل السلمية، لكنها في الوقت ذاته احتفظت بأذرع سرية مارست العنف عندما رأت أن الظروف تسمح بذلك. ومع ذلك، ظل الخطاب العلني للإخوان حذرًا في تبني الدعوة الصريحة للمواجهة المسلحة، حيث فضلت الجماعة الإبقاء على هامش مناورات يمكنها من لعب دور "الضحية" في المشهد السياسي. لكن تيار "الكماليين"، الذي انشق عن الجماعة التقليدية، لم يعد ملتزمًا بهذه الاستراتيجية، بل اتخذ منحىً تصعيديًا منذ فض اعتصام رابعة عام 2013، متحولًا من خطاب المظلومية إلى خطاب العنف المباشر.
يتجلى هذا التحول بوضوح في البيان، حيث يتبنى تيار الكماليين نهجًا أكثر صراحة في الدعوة إلى المواجهة المسلحة، متجاوزًا بذلك حتى التكتيكات التقليدية التي كانت تعتمدها الجماعة الأم. فبينما كان الإخوان في الماضي يراهنون على الاحتجاجات الشعبية والضغط السياسي، فإن هذا التيار بات يرى أن هذه الوسائل لم تعد مجدية، بل تحول إلى تبني نهج مشابه للقاعدة من حيث التركيز على العنف كأداة رئيسية للتغيير. فشعار "الرد الشامل والحاسم" الذي يرد في البيان ليس مجرد تعبير عن موقف سياسي، بل هو إعلان صريح بأن المواجهة المفتوحة باتت الخيار الوحيد المطروح أمامهم، في انسجام واضح مع الخطاب الجهادي الذي يرفض أي حلول سياسية.
هذا التصعيد في الخطاب ليس مجرد انفعال لحظي، بل هو امتداد طبيعي للتحولات التي شهدتها بعض أجنحة الإخوان في العقد الأخير. فمنذ سقوط حكم الجماعة في مصر عام 2013، وفض اعتصام رابعة، دخل الإخوان في أزمة وجودية جعلت بعض أجنحتها تميل إلى العنف، خاصة بعدما أدركت أن صناديق الاقتراع لم تعد وسيلة فعالة للوصول إلى السلطة. ورغم أن الجماعة الأم ظلت تحاول الحفاظ على قناع الاعتدال، فإن العديد من كوادرها، خاصة في الخارج، بدأوا في تبني رؤى أكثر تطرفًا، سواء من خلال التحريض الإعلامي أو دعم الجماعات المسلحة في مناطق النزاع، مثل سوريا وليبيا. في هذا السياق، يمثل تيار الكماليين أحد أكثر التعبيرات وضوحًا عن هذا التحول، حيث لم يعد يرى في الممارسة السياسية أو حتى الانتفاضات الشعبية وسيلة ذات جدوى، بل بات يتبنى العنف كخيار وحيد.
هذا التحول يعكس قطيعة واضحة مع الإخوان التقليديين، ليس فقط في الأسلوب، ولكن في الرؤية والاستراتيجية أيضًا. فبينما كانت الجماعة تحرص على تقديم نفسها كحركة إصلاحية داخل المنظومة السياسية، فإن هذا التيار يقترب أكثر من النموذج الجهادي العابر للحدود، الذي يرى أن الصراع لا يمكن حسمه إلا عبر القوة المسلحة. هذه القطيعة ليست مجرد خلاف تنظيمي داخلي، بل هي مؤشر على أن بعض أجنحة الإخوان باتت مستعدة للتخلي عن آخر أوراق المناورة السياسية، والدخول في مواجهة مفتوحة على غرار الحركات الجهادية العالمية.
التحول إلى نهج القاعدة: من الخطاب المزدوج إلى الجهاد العالمي
يتبنى بيان "الإخوان المسلمون – تيار التغيير" رؤية للصراع في المنطقة تقوم على ثنائية مطلقة بين "أمة إسلامية موحدة" و"قوى صليبية وصهيونية"، وهو نفس الإطار الأيديولوجي الذي اعتمد عليه كلٌّ من أسامة بن لادن وأيمن الظواهري منذ تأسيس تنظيم القاعدة. هذه الثنائية ليست مجرد توصيف سياسي للصراع، بل هي جزء من عقيدة "الولاء والبراء" التي تبرر القتال ضد من تصفهم الجماعات الجهادية بـ"أعداء الإسلام". الجديد هنا ليس تبني هذا الخطاب بحد ذاته، بل أن جماعة الإخوان، التي طالما مارست خطابًا مزدوجًا يجمع بين الاعتدال الظاهري والتحريض المستتر، باتت تعلنه على الملأ دون مواربة.
لم يكن الحديث عن المواجهة المسلحة غائبًا عن فكر الإخوان، لكنه ظل لعقود يُقال في الدوائر المغلقة، حيث كانت الجماعة تحرص على تقديم نفسها كحركة سياسية سلمية أمام الرأي العام، بينما تربي كوادرها على فكر الجهاد المسلح تحت مسميات مثل "إعداد القوة" و"الجهاد ضد الطغاة". لكن بعد سلسلة الإخفاقات السياسية التي تعرضت لها، خاصة بعد عام 2013، لم يعد هناك حاجة للمناورة، بل بدأ التيار الأكثر تطرفًا داخلها في تبني خطاب القاعدة بشكل علني، كما يظهر بوضوح في هذا البيان.
إحدى الإشارات الخطيرة في البيان هي الانتقال من خطاب "الدفاع عن المظلومين" إلى "وجوب استهداف المصالح الأمريكية والصهيونية"، وهو تحول استراتيجي يعكس قطيعة مع نهج الإخوان التقليدي، الذي كان يعتمد على التكيف مع الظروف السياسية، حتى في أشد مراحل الصدام مع الأنظمة. بينما كانت الجماعة تبرر في السابق عدم اللجوء إلى العنف المباشر باعتباره "تكتيكًا غير مناسب في هذه المرحلة"، فإن هذا البيان يعلن صراحةً أن استهداف المصالح الغربية لم يعد خيارًا بل "واجبًا"، وهو ما يعني اقترابًا كبيرًا من عقيدة القاعدة في "استراتيجية الاستنزاف الطويل".
اللافت أيضًا أن البيان لم يكتفِ بمهاجمة أمريكا وإسرائيل، بل وسّع دائرة الأعداء ليشمل أنظمة عربية مثل الإمارات، التي وصفها بـ"دويلة خائنة"، مما يعكس تحولًا مشابهًا لما قامت به داعش عندما اعتبرت الحكومات العربية، وليس فقط القوى الغربية، جزءًا من "الطواغيت" الواجب محاربتهم. هذه النزعة التوسعية في تحديد الأعداء تعكس رؤية ترى أن العالم بأسره متآمر على الأمة الإسلامية، وبالتالي لا بد من مواجهة شاملة دون أي حسابات سياسية أو تحالفات ظرفية، وهي القناعة التي لطالما شكلت جوهر عقيدة القاعدة وداعش.
في المحصلة، يمكن القول إن الإخوان لم يغيّروا فكرهم، بل غيّروا طريقتهم في التعبير عنه. فما كان يقال في السر ويُمارس عبر الأذرع السرية والمجموعات الخاصة، أصبح اليوم يُعلن بوضوح في البيانات الرسمية. وهذا لا يعني فقط تطرفًا متزايدًا داخل الجماعة، بل يكشف أيضًا عن تحولات في بنية التيار الإسلامي الراديكالي عمومًا، حيث تتقارب الجماعات التي كانت تفترق سابقًا بين العمل السياسي والجهادي، في ظل قناعة متزايدة بأن العنف هو السبيل الوحيد لتحقيق الأهداف.
الأثر على تنامي التطرف في المنطقة
يشكل هذا الخطاب تصعيدًا خطيرًا، لأنه لا يكتفي بتبرير العنف، بل يمنحه غطاءً دينيًا يجعل المواجهة المسلحة تبدو وكأنها "واجب شرعي" لا بديل عنه. فحينما يؤطَّر الصراع على أنه معركة بين الإسلام وأعدائه، يتم دفع الشباب إلى قناعة مفادها أن كل الوسائل، بما فيها العنف العابر للحدود، مشروعة ولازمة للدفاع عن الأمة. هذا النوع من الخطابات لا يقتصر تأثيره على المنتمين لتنظيمات قائمة، بل يشكل مصدر إلهام للأفراد الذين قد يكونون في مرحلة البحث عن هوية أو غايات كبرى، مما يزيد احتمالية ظهور ذئاب منفردة أو خلايا جديدة تتبنى أفكارًا أكثر تطرفًا. ومع استمرار الأزمات في غزة واليمن، فإن الخطاب التحريضي يصبح بمثابة شرارة قد تشعل موجة جديدة من الإرهاب العابر للحدود، خاصة عندما يتم توظيف المظلومية لتبرير الانتقام العنيف.
الأخطر أن هذا التحول داخل تيار الكماليين لا يؤثر فقط على أتباعه، بل يمتد تأثيره إلى باقي الجماعات الإسلامية، سواء داخل الإخوان المسلمين أو في الأوساط القريبة منها. فمع تنامي النزعة الجهادية لدى هذا التيار، قد يجد العديد من الشباب داخل الإخوان أنفسهم في مفترق طرق: إما الالتزام بالخط التقليدي للجماعة، الذي يبدو في نظرهم "متخاذلًا" وغير قادر على تحقيق التغيير، أو الانخراط في موجة العنف الجديدة التي تعدهم بتحقيق نتائج سريعة من خلال المواجهة المسلحة. هذا النوع من الاستقطاب الداخلي ليس جديدًا على الحركات الإسلامية، فقد شهدت الجماعة حالات انشقاق سابقة، كما حدث في السبعينيات عندما خرج بعض الشباب الغاضب من عباءة الإخوان وانضموا إلى تنظيمات أكثر عنفًا، مثل تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية في مصر.
التاريخ يعيد نفسه اليوم، لكن على نطاق أوسع، حيث باتت الحركات الإسلامية المتطرفة تمتلك قدرة أكبر على التواصل والاستقطاب عبر الفضاء الإلكتروني، ما يجعل انتشار الأفكار العنيفة أسرع وأكثر تأثيرًا. فمع التحولات التي تشهدها ساحات الصراع في الشرق الأوسط، من فلسطين إلى اليمن، تتغذى هذه الجماعات على مشاعر الإحباط والعداء للغرب، وتستخدمها كأداة لتجنيد مزيد من الأفراد. ومع تبني خطاب مثل الوارد في بيان تيار الكماليين، تصبح الجماعة مصدرًا لإنتاج فكر العنف وليس مجرد تنظيم سياسي، وهو تحول خطير يفتح الباب أمام مزيد من التشدد والانزلاق نحو النموذج الجهادي.
إضافة إلى ذلك، فإن انتشار مثل هذه الأفكار لا يقتصر على المناطق التي تشهد صراعات عسكرية فقط، بل يمتد إلى الجاليات المسلمة في أوروبا وأماكن أخرى، حيث يشعر بعض الشباب بالغربة السياسية والدينية، ما يجعلهم أكثر عرضة للتأثر بهذه الدعوات. وعندما يروج خطاب كهذا لفكرة أن "الجهاد هو الحل"، فإنه يقدم لمن يعانون من الإحباط والإقصاء "مهمة كبرى" تمنحهم شعورًا بالانتماء والقوة، حتى لو كان ذلك عبر العنف. في المحصلة، يصبح خطاب تيار الكماليين بمثابة وقود لمزيد من التطرف، بدلًا من أن يكون وسيلة لإحداث تغيير حقيقي أو معالجة الأزمات التي تعيشها المنطقة.
نحو راديكالية جديدة؟
يعكس بيان "المكتب العام – تيار التغيير" تحولًا جذريًا في مسار الكماليين، حيث لم يعد هذا التيار مجرد جناح متشدد داخل الإخوان المسلمين، بل أصبح أقرب إلى تبني خطاب القاعدة في رؤيته للصراع مع الغرب والأنظمة الإقليمية. لم يعد الخطاب مقتصرًا على الإدانة السياسية أو حتى الدعوة إلى المقاومة بالطرق التقليدية، بل تجاوز ذلك إلى تبني دعوات مباشرة لاستهداف المصالح الغربية والإسرائيلية، وهو ما يشير إلى احتمال تطور هذا التيار إلى كيان مسلح مستقل، سواء من خلال تشكيلات سرية جديدة أو بالاندماج مع جماعات قائمة تتبنى نفس النهج. السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل يتحول تيار الكماليين إلى واجهة جديدة لحركة جهادية أكثر تنظيمًا؟ أم أنه سيبقى مجرد امتداد للاضطرابات الفكرية داخل الإخوان؟
في ظل تصاعد العنف في المنطقة، فإن مثل هذه الخطابات تعزز بيئة التطرف وتعيد إنتاج الأزمات بدلًا من حلها. فمن خلال تقديم الصراع على أنه "حرب مقدسة" بين المسلمين وأعدائهم، يتم تغذية عقلية الإقصاء والعنف، التي لا تترك أي مجال للحلول السياسية أو التفاهمات، بل تدفع نحو مزيد من المواجهات المفتوحة. ومع تزايد الأزمات في فلسطين واليمن والساحل الإفريقي، يصبح هذا الخطاب عاملًا محفزًا لموجات جديدة من العنف، حيث يمنح الجماعات المتطرفة مبررًا أيديولوجيًا لاستمرار القتال، ويدفع مزيدًا من الشباب إلى الاقتناع بأن الحل الوحيد هو حمل السلاح والانخراط في التنظيمات الجهادية.
ويبقى التحدي الأكبر هو كيفية مواجهة هذه النزعة الجهادية المتجددة دون تكرار الأخطاء السابقة. بعد أحداث 11 سبتمبر، تعاملت القوى الكبرى مع الإرهاب بعنف مفرط، أدى إلى نتائج عكسية، حيث تسببت الحروب في أفغانستان والعراق في تفريخ تنظيمات أكثر تطرفًا مثل داعش، التي كانت امتدادًا مباشرًا لفشل السياسات الأمنية والعسكرية الغربية. اليوم، ومع تصاعد خطابات مثل بيان الكماليين، تبدو المنطقة أمام مفترق طرق جديد، حيث يمكن أن تؤدي استراتيجيات القمع العشوائي إلى تكرار نفس السيناريو، ما يمنح هذه الجماعات فرصة لاستقطاب مزيد من الأتباع تحت راية "المظلومية والانتقام".
لذلك، فإن مواجهة هذا الفكر تحتاج إلى مقاربة أكثر شمولية، تتعامل مع جذور المشكلة وليس فقط نتائجها. لا يمكن الاقتصار على الحلول الأمنية وحدها، بل يجب العمل على تفكيك الخطاب الجهادي عبر استراتيجيات فكرية وإعلامية تعري تناقضاته، وتوفر بدائل واقعية للشباب الذي يجد في هذه التنظيمات ملاذًا. كما أن دعم الحلول السياسية للنزاعات الإقليمية، ومعالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تغذي الإحباط والتطرف، تبقى جزءًا أساسيًا من أي استراتيجية فعالة لمواجهة الراديكالية الجديدة. في النهاية، فإن بيان الكماليين ليس مجرد موقف سياسي، بل هو مؤشر على مسار أخطر يتشكل في المنطقة، قد تكون عواقبه طويلة الأمد إذا لم تتم مواجهته بحكمة وفعالية.