لجريدة عمان:
2025-04-02@09:38:24 GMT

حل الدولتين والاقتصادين

تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT

يرى بعض الناس أن الحرب الدموية التي تدور رحاها في غزة ربما حطمت الإجماع الذي دام 35 عامًا على أن الحل الوحيد الممكن للمصاعب التي تحيط بالمنطقة يتلخص في إقامة دولتين، «فلسطين وإسرائيل» تعيشان بسلام جنبا إلى جنب. بيد أن آخرين يرون أن الفظائع التي شهدناها منذ السابع من أكتوبر قد تبشر بإحياء ذلك الهدف على وجه التحديد.

في تصريحات أخيرة، أَكَّـد مسؤولون أمريكيون وفلسطينيون وعرب أن حل الدولتين لابد أن يخرج من أنقاض هذه الحرب كما ينبعث طائر العنقاء من تحت الرماد. لا يملك العقلاء في كل مكان إلا الأمل في أن يظل هذا الحل كفيلا بتوفير الإطار المناسب لوضع حد بات نهائيا ومتفقا عليه من الطرفين لصراع دام قرنا من الزمن. الواقع أن توقيت هذا الاهتمام المتجدد لا يخلو من مفارقة ساخرة. ففي شهر نوفمبر، يحتفل الفلسطينيون بذكرى «إعلان الاستقلال» من جانب منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1988، الذي صدر في المنفى من الجزائر في أوج الانتفاضة الأولى. وقد قبلت الفصائل الفلسطينية كافة بتقسيم فلسطين ووجود إسرائيل بحكم الأمر الواقع ضمن حدودها قبل عام 1967.

بإصدار هذا الإعلان الخارق للعادة، حددت منظمة التحرير الفلسطينية رسميا شرطا رئيسا واحدا للسلام: تحرير المساحة التي تبلغ 22% من أرض فلسطين، والتي تتألف من الضفة الغربية المحتلة (بما في ذلك القدس الشرقية)، وقطاع غزة، من كل المستوطنين الإسرائيليين. خلافا لذلك، من غير الممكن أبدا أن تكون هذه المنطقة صالحة كمساحة تقوم عليها دولة مستقلة ذات سيادة تتمتع بمواردها الطبيعية وحدودها المعترف بها. بعد إعلان الجزائر مباشرة، بدأ خبراء الاقتصاد الفلسطينيون يتصدون للعواقب الاقتصادية المترتبة على صيغة الدولتين. في عام 1990، خلصت دراسة شاملة أجرتها منظمة التحرير الفلسطينية إلى أن دولة فلسطينية متصلة على الضفة الغربية وغزة، وعاصمتها القدس الشرقية، قد تكون قابلة للحياة اقتصاديا بالفعل. ولكن نظرا لضعف قاعدة الموارد، ومساحة الأرض الضئيلة، والتحديات المتوقعة المتمثلة في استيعاب اللاجئين والعائدين الفلسطينيين، فإن القدرة على البقاء كانت تعتمد في المقام الأول على انسحاب إسرائيل عسكريا وإخلاء وتفكيك المستوطنات. من دون انسحاب إسرائيل على هذا النحو، يصبح من غير الممكن ضمان التنمية الاقتصادية؛ لأن أي مستثمر لن يثق في السيادة الفلسطينية.

كانت اتفاقيات أوسلو في عام 1993، والتي قبلتها منظمة التحرير الفلسطينية، قاصرة عن تلبية هذا الشرط. لكنها بدلا من ذلك منحت السلطة الفلسطينية الحكم الذاتي المدني إلى حد كبير وسط الاستيطان الإسرائيلي المستمر، الأمر الذي دفع التخطيط الاقتصادي قسرا إلى مجال لم يكن معروفا حتى ذلك الوقت والذي يتمثل في «بناء دولة دون سيادة».

على مدار السنوات الخمس اللاحقة، كان المفترض أن تتوصل المفاوضات الانتقالية إلى اتفاق «الوضع الدائم» بشأن كل القضايا الخلافية؛ وكادت هذه النتيجة تتحقق في كامب ديفيد عام 2000.

لكن المفاوضات فشلت في نهاية المطاف، فأفضى ذلك إلى اندلاع الانتفاضة الثانية التي دامت من عام 2000 إلى عام 2005، والتي سرعان ما تحولت إلى العنف، وانتهت إلى رد عسكري إسرائيلي ساحق. وبدا حل الدولتين أبعد منالًا، وتقلصت صلاحيات السلطة الفلسطينية التي كانت محدودة بالفعل. لم يتسبب الانقسام بين فتح وحماس (الضفة الغربية وغزة) منذ عام 2006 في خلق الشقاق السياسي فحسب، بل أدى أيضا إلى نشوء تشوهات اقتصادية أعظم ومجموعة من التبعيات للاقتصاد الإسرائيلي المهيمن، والذي كان في ذلك الحين يشهد طفرة ازدهار طويلة الأمد.

على مدار السنوات العشرين الأخيرة، كرس خبراء الاقتصاد الفلسطينيون (وأنا منهم) قدرا كبيرا من الوقت والجهد للتخطيط من أجل «اقتصاد وطني» فلسطيني في إطار حل الدولتين. ولكن عندما نزعم أن بناء اقتصاد فلسطيني متماسك ومستقل ومُـنتِـج يظل في حكم الممكن حتى في ظل الاحتلال أو الحصار، فإننا بهذا نتخلى ضمنيا عن مبدأ منظمة التحرير الفلسطينية السابق بأن التنمية مستحيلة في غياب السيادة.

الآن، بات الإرث الاقتصادي الذي خلفته اتفاقيات أوسلو واضحا. إذ تهيمن إسرائيل على الاقتصاد الكلي الفلسطيني، من الـعُـملة والإيرادات الضريبية، وقنوات التجارة، وأسواق العمل إلى القدرة على الوصول إلى الطاقة والموارد الطبيعية، وكل ما عدا ذلك من مقومات الجدوى الاقتصادية ــ وبطبيعة الحال يمكنها أن تتلاعب بكل ما سبق. وعلى هذا فلم يعد من المعقول أن نزعم أن دولة فلسطينية مستقلة من الممكن أن تنشأ وسط أرخبيل من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وتضييق الخناق البيئي الديموغرافي الذي تخضع له القدس الشرقية، والآن تدمير غزة والكارثة الإنسانية التي يعيشها 2.2 مليون مدني. الواقع أن حتى أكثر أهل الاقتصاد شاعرية وإفراطا في التفاؤل سيشعرون بالعجز إزاء حجم ومدى تعقيد جهود إعادة البناء التي تفرضها هذه الحرب.

ما يزيد الطين بلة أن إحدى النتائج غير المباشرة للحرب تتمثل في انهيار الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. قبل فترة طويلة من السابع من أكتوبر، كانت التنمية الاقتصادية الفلسطينية تحولت إلى أضغاث أحلام، وخاصة مع صعود حكومة إسرائيلية عازمة كل العزم على الالتزام بأجندة القوميين المتدينين والمستوطنين المسيانيين. لقد دفعوا ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية إلى حافة الانهيار منذ بدأت الحرب، ودعوا صراحة إلى إخضاعهم بالقوة أو تهجيرهم. كما أَكَّـدَ الحكماء (مجموعة مستقلة من القادة العالميين) في رسالة مفتوحة مؤخرا، فإن المجتمع الدولي يتعين عليه أن يسارع إلى التحرك إذا كان راغبا في تحويل كارثة اليوم إلى فرصة أخيرة لتحقيق نتيجة إقامة الدولتين ــ أو فرضها إذا لزم الأمر. بطبيعة الحال، يرى كثيرون من الإسرائيليين الذين يحتلون مقاعد السلطة حاليا أن مثل هذه الفكرة قاتلة. ولكن بما أن التطرف داخل الائتلاف الإسرائيلي الحاكم حاليا لا يمكن تجاهله، فلابد من احتوائه، وخاصة من قِـبَـل الإسرائيليين من مُـحبي السلام وحلفائهم الأمريكيين. حتى في هذه الساعة الحالكة، ربما لا تزال الفرصة قائمة للتوصل إلى اتفاق «حقيقي» يستند إلى حل الدولتين؛ لأننا نعلم بالفعل ماذا يجب أن يتضمن.

لا تزال المتطلبات الأصلية التي حددتها منظمة التحرير الفلسطينية لضمان القدرة على البقاء اقتصاديا صالحة حتى يومنا هذا كما كانت قبل 35 عامًا؛ لأنها تمثل الأساس المادي الوحيد للتوصل إلى حل سياسي دائم وقابل للتطبيق.

لعقود من الزمن، ظل خبراء الاقتصاد والتخطيط الفلسطينيون عاكفين على إعداد الأسس الاقتصادية لقيام دولة فلسطين ذات السيادة. وقد واصلنا السعي وراء هذا الهدف على الرغم من انحسار آفاقه أمام نواظرنا. ولكن بعد معاينة الهوة السحيقة التي جرتهم إليها هذه الحرب، فهل لا يزال عدد كاف من الإسرائيليين والفلسطينيين يملكون من الشجاعة والبصيرة السياسية القدر الذي يدفعهم إلى اختيار السلام بدلا من المزيد من العنف؟.

رجا الخالدي المدير العام لمعهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس).

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: منظمة التحریر الفلسطینیة الضفة الغربیة القدس الشرقیة حل الدولتین

إقرأ أيضاً:

تفاصيل اتصال ترامب بالسيسي.. جهود الوساطة والخسائر الاقتصادية

كتب- محمد نصار:

تلقى الرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم، اتصالًا هاتفيًا من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وصرح السفير محمد الشناوي، المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، بأن الرئيس الأمريكي هنأ الرئيس بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك.

وتباحث الرئيسان بشأن سبل تعزيز العلاقات الثنائية، مؤكدين عمق وقوة العلاقات الاستراتيجية التي تربط بين البلدين، ومشددين على حرصهما على استمرار هذا التعاون بما يحقق المصالح المشتركة للشعبين.

وأضاف المتحدث الرسمي، أن الاتصال تناول تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط وجهود الوساطة لاستعادة الهدوء للمنطقة وهو ما ينعكس بصورة إيجابية على الملاحة في البحر الأحمر، ويوقف الخسائر الاقتصادية لكل الأطراف.

اقرأ أيضًا:

هل تشهد مصر أكبر وأعنف عاصفة ترابية غدًا؟.. الأرصاد تُجيب

الصحة تحدد 3 خطوات لتجنب أعراض عسر الهضم

حدائق القناطر الخيرية كاملة العدد في ثاني أيام عيد الفطر -(صور)

"الأفق والمواقيت".. إسلام بحيري عن هلال شوال: ما فعله مفتي مصر هو الصحيح

لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا

لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا

الرئيس عبد الفتاح السيسي دونالد ترامب السفير محمد الشناوي عيد الفطر

تابع صفحتنا على أخبار جوجل

تابع صفحتنا على فيسبوك

تابع صفحتنا على يوتيوب

فيديو قد يعجبك:

الأخبار المتعلقة صور- طفل يحتفل بثاني أيام عيد الفطر في الحديقة الدولية بـ"شعار فلسطين" أخبار صور- التموين تشُكل حملات رقابية خلال أيام العيد لضبط الأسواق أخبار في محافظات القناة وسيناء.. برنامج مجاني متنوع لقصور الثقافة احتفالا بعيد أخبار الرئيس السيسي يتلقى اتصالاً هاتفياً من الرئيس التونسي أخبار

إعلان

هَلَّ هِلاَلُهُ

المزيد سينما إيرادات أول أيام عيد الفطر.. "سيكو سيكو" الأول و"فار بـ7 ترواح" الأخير أخبار هل يجوز الجمع بين نية صيام الست البيض وقضاء أيام رمضان؟.. أمينة الفتوى تجيب زووم بالفيديو| نوال الزغبي تتعرض لموقف محرج بحفلها في بيروت نصائح طبية جمال شعبان يحذر الشباب من عادات خطيرة في العيد- "تدمر صحتكم" نصائح طبية القطعة فيها 400 سعر حراري.. هذا ما يحدث لجسمك عند تناول كحك العيد

إعلان

أخبار

تفاصيل اتصال ترامب بالسيسي.. جهود الوساطة والخسائر الاقتصادية

أخبار رياضة لايف ستايل فنون وثقافة سيارات إسلاميات

© 2021 جميع الحقوق محفوظة لدى

إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك قناة مصرية مجانية تنقل مباراة الأهلي والهلال السوداني بدوري الأبطال إنستاباي أم المحافظ الإليكترونية.. ما أفضل تطبيق لتحويل الأموال إلكترونيا؟ هل تشهد مصر أكبر وأعنف عاصفة ترابية غدًا؟.. الأرصاد تُجيب 27

القاهرة - مصر

27 14 الرطوبة: 17% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رمضانك مصراوي رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك

مقالات مشابهة

  • الشراكة الاقتصادية الشاملة للإمارات مع كوستاريكا وموريشيوس تدخل حيز التنفيذ
  • "الشراكة الاقتصادية الشاملة" للإمارات مع كوستاريكا وموريشيوس تدخل حيز التنفيذ
  • تفاصيل اتصال ترامب بالسيسي.. جهود الوساطة والخسائر الاقتصادية
  • المنطقة الاقتصادية المتكاملة بالظاهرة.. فرص واعدة للدفع بالتنويع الاقتصادي
  • ضغط متوقع على أسعار النفط في 2025 وسط التقلبات الاقتصادية
  • الخارجية الروسية: لن ننسى ولن نغفر كل شيء بسرعة للشركات الأوروبية التي انسحبت من سوقنا
  • مشروع استيطاني جديد يفصل الضفة الغربية ويهدد بإجهاض حل الدولتين
  • لبنان والسعودية يناقشان رفع الحظر عن الصادرات وتعزيز الشراكة الاقتصادية
  • العراق وسوريا على أعتاب مرحلة جديدة.. استئناف العلاقات الاقتصادية قريباً
  • لإنهاء حل الدولتين.. الكابينت الإسرائيلي يضم معاليه أدوميم إلى القدس