بوابة الوفد:
2025-03-18@20:39:53 GMT

تمثيلات الحرب والسلام فى الأدب العالمى (2)

تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT

فى المقال السابق ناقشنا الحرب والسلام فى إبداعات الروسى ليو تولوستوى والفرنسى ألبيركامو والألمانى المحارب يونغر. هنا سنعرج على الأدب العربى لنكتشف استعاراته ونفكّك كناياته لنقل تفاصيل ورؤى عن الحرب والسلام، ولنكشف الوجه الإنسانى الذى يظهر من ركام النزاع، كما يظهر الآن فى مأساة غزة. 

فى شعره يُصوّر محمود درويش السلام كزهرة رقيقة، تظهر من رماد الصراع، ويحوّل أبياته إلى استعارة مؤثرة لصراع من أجل السلام.

تنبض قصيدته «حالة الحصار» بالحنين إلى الهدوء والأمان وسط الواقع القاسى للاحتلال، مستخدمًا فى شعره شجرة الزيتون كرمز للصمود. تصبح الشجرة، بجذورها التى تتحمل أشد العواصف، استعارة مؤثرة للأمل الدائم فى السلام. يتحدث كأنه يصف مشاهد الحرب فى غزة:

لا لَيْلَ فى ليلنا المتلألئ بالمدفعيَّة

أَعداؤنا يسهرون وأَعداؤنا يُشْعِلون لنا النورَ

فى حلكة الأَقبية

يقيسُ الجنودُ المسافةَ بين الوجود وبين العَدَمْ

بمنظار دبّابةٍ...

نقيسُ المسافَةَ ما بين أَجسادنا والقذائفِ بالحاسّة السادسةْ.

أَيُّها الواقفون على العَتَبات ادخُلُوا،

واشربوا معنا القهوةَ العربيَّةَ

فقد تشعرون بأنكمُ بَشَرٌ مثلنا.

أَيها الواقفون على عتبات البيوت!

اُخرجوا من صباحاتنا،

نطمئنَّ إلى أَننا

بَشَرٌ مثلكُمْ!

يروى كتابه «ذاكرة للنسيان» تجارب الشاعر المروعة فى بيروت خلال صيف عام 1982 عندما حاصرها الجيش الإسرائيلى بلا هوادة. أول ما يدهشنا فى هذا الكتاب هو عنوانه الذى يبدو متناقضًا «ذاكرة للنسيان». تشير الذاكرة فى هذا الكتاب مرات عديدة إلى حياة درويش فى الوطن، فى حين أن الغزو الإسرائيلى للبنان وحصار بيروت هى الأشياء التى يتمنى نسيانها. هنا تتشابك أقطاب الذاكرة والنسيان بطريقة تشكل تركيبة وسيطة جديدة تدين بوجودها لكليهما ولكنها لا تنتمى كليًا إلى أى منهما. وبالتالى، تم تحديد مكانة النص فى الفترة الفاصلة، باعتبارها تعكس موقف مؤلفه ورفاقه الفلسطينيين فى لبنان الذى مزقته الحرب.

يبدأ النص بحلم وينتهى بنوم المؤلف فى نهاية اليوم. بين استيقاظه ونومه، تجرى الأحداث ويتم استدعاء ذكريات الماضى، كلاهما متشابك فى فعل الكتابة. الكتابة بمثابة شاهد - عيان حى وأيضاً شاهد جماد صامت - كشاهد القبر- على الأحداث التى يصفها المؤلف. الكتابة هى أيضاً استعارة لكل الوجود فى النظرة العربية والإسلامية. ووفقًا لهذا الرأى الذى عبر عنه مؤرخ القرون الوسطى ابن الأثير بقوله إنّ الله خلق القلم وأمره فكتب فى الوجود كل ما سيبقى إلى يوم الدين.

فى ميدان الأدب، تكون استكشافات مواضيع الحرب والسلام ليست فقط انعكاسًا للحالة الإنسانية، ولكن أيضًا دعوة للتعاطف والفهم. من خلال كلمات تولستوى ودرويش وكامو، تتردد رغبة الإنسانية فى السلام، عابرة حدود الأزمنة وتخوم الثقافات، مذكرة بأنَّ فى سيمفونية الوجود الإنسانى، يمكن لألحان السلام أن تنساب بعيدًا عن صدى الحرب.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: المقال السابق الحرب والسلام

إقرأ أيضاً:

خلافات الشركاء تشعل الموقف.. جنوب السودان يعود إلى شفا الحرب.. والتوترات المتصاعدة تهدد السلام الهش

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

يتأرجح جنوب السودان، أحدث دولة فى العالم، مجددًا على شفا الصراع. وقد سلّط هجومٌ وقع مؤخرًا على مروحية تابعة للأمم المتحدة خلال مهمة إجلاء فى مارس الضوء على تفاقم حالة عدم الاستقرار فى البلاد، مُسلّطًا الضوء على هشاشة اتفاق السلام المُوقّع قبل سبع سنوات. وقد أثار تصاعد العنف، الذى اتسم بالاشتباكات العرقية والاضطرابات السياسية، مخاوف من عودة جنوب السودان إلى الحرب الأهلية التى ناضل جاهدًا لتركها.

من يُقاتل؟

الفصائل الرئيسية المُشاركة فى الصراع الأخير هى حكومة جنوب السودان، بقيادة الرئيس سلفا كير، وقوات المعارضة المُتحالفة مع نائب الرئيس ريك مشار. وكان هذان الطرفان فى طليعة الحرب الأهلية التى اندلعت عام ٢٠١٣، مما أدى إلى صراعٍ وحشى أسفر عن ملايين القتلى والنازحين. وفّر اتفاق السلام لعام ٢٠١٨، الذى جمع كير ومشار فى حكومة لتقاسم السلطة، مظهرًا من الاستقرار، إلا أن التوترات العرقية والسياسية العميقة لا تزال قائمة.

اندلعت الاشتباكات فى مارس بين الجيش الوطنى لجنوب السودان وفصيل يُعرف باسم الجيش الأبيض، ويُعتقد أنه متحالف مع ائتلاف مشار السياسي. هذه الجماعات، رغم خضوعها ظاهريًا لسيطرة الحكومة، لديها ولاءات متغيرة، ولطالما تورطت فى عنف عرقي، لا سيما بين قبيلتى الدينكا والنوير. يُبرز هذا العنف المستمر، إلى جانب الانشقاقات العسكرية المتكررة، ضعف قبضة الحكومة على السلطة وعجزها عن توحيد قواتها بفعالية.

التصعيد الأخير

بدأ التصعيد الأخير فى أوائل مارس، عندما اتهم ائتلاف مشار السياسى الحكومة باستهداف حلفائه، لا سيما فى منطقة أعالى النيل. وأدت عملية واسعة النطاق ضد أنصار مشار إلى اعتقال العديد من كبار المسئولين، مما زاد من تأجيج التوترات. بعد يوم واحد، هاجم الجيش الأبيض حامية عسكرية فى بلدة ناصر الشمالية واستولى عليها، مما دفع الحكومة إلى الرد، بما فى ذلك اعتقال المزيد من حلفاء مشار.

تفاقم الوضع فى ٧ مارس، عندما أُسقطت مروحية تابعة للأمم المتحدة خلال مهمة إجلاء فى أعالى النيل، مما أسفر عن مقتل أحد أفراد طاقمها وعدد من الجنود الحكوميين. سلّط هذا الهجوم، على الرغم من ضمانات المرور الآمن، الضوء على تدهور الوضع الأمنى فى البلاد، وأثار مخاوف بشأن جدوى اتفاق السلام، الذى أصبح الآن معرضًا لخطر الانهيار.

تفاقم العنف المستمر وعدم الاستقرار السياسى بسبب سحب المساعدات الأمريكية، مما كان له تأثير مدمر على الوضع الإنساني. فى عام ٢٠٢٣، أنفقت الولايات المتحدة ٧٦٠ مليون دولار على المساعدات الإنسانية فى جنوب السودان، بما فى ذلك المساعدات الغذائية والبرامج الصحية. ومع ذلك، مع خفض المساعدات الأمريكية، شهد جنوب السودان زيادة كبيرة فى انعدام الأمن الغذائي، فى حين يهدد توقف البرامج الصحية بتفاقم انتشار أمراض مثل الكوليرا والملاريا.

وأفادت منظمات إنسانية بأن العنف والعوائق البيروقراطية وابتزاز عمال الإغاثة قد زاد من صعوبة إيصال المساعدات، لا سيما فى مناطق النزاع مثل أعالى النيل. وقد دفعت هذه التخفيضات، إلى جانب العنف المستمر، البلاد إلى أزمة إنسانية أعمق، حيث يحتاج ملايين الأشخاص إلى مساعدات طارئة.

دور أوغندا 

أصبحت أوغندا، وهى لاعب إقليمى رئيسي، أكثر انخراطًا بشكل مباشر فى أزمة جنوب السودان. فقد نُشرت القوات الخاصة الأوغندية فى العاصمة جوبا فى مارس، ظاهريًا لتأمين المدينة ومنع المزيد من التصعيد. ويعكس هذا التدخل دعم أوغندا الطويل الأمد لحكومة كير، حيث أرسل الرئيس يويرى موسيفينى قوات مرارًا وتكرارًا لدعم نظام كير. يُعتبر دعم أوغندا لكير بالغ الأهمية، لا سيما مع ظهور مخاوف بشأن صحته، مما يجعله أكثر اعتمادًا على دعم موسيفيني.

أشار يوسف سيرونكوما، الباحث فى جامعة ماكيريرى بأوغندا، إلى أن نشر القوات الأوغندية يُرجَّح أن يكون محاولةً لاستقرار الوضع والحفاظ على الوضع الراهن. ومع ذلك، يخشى المراقبون من أن يُشعل هذا التدخل، إلى جانب الحرب الدائرة فى السودان، صراعًا إقليميًا أوسع نطاقًا، يقع فيه جنوب السودان بين فكى كماشة.

دعت هيئات إقليمية ودولية إلى خفض التصعيد والحوار بين قادة جنوب السودان. وحثت الأمم المتحدة والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) الحكومة على إطلاق سراح المسؤولين المعتقلين وضمان اتخاذ إجراءات قانونية نزيهة. وأكدت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فى جنوب السودان على ضرورة إجراء إصلاح شامل لدستور البلاد، وهى عملية يجب استكمالها قبل الانتخابات المقبلة.

فى الوقت الحالي، لا يزال الوضع متقلبًا. وتشير التهديدات المشتركة للصراع السياسى الداخلى والعنف العرقى والتدخل الخارجى من أوغندا والسودان المجاورتين إلى أن طريق جنوب السودان نحو السلام لا يزال غير مؤكد. إن استجابة المجتمع الدولي، إلى جانب الإرادة السياسية لجنوب السودان لدعم اتفاق السلام الهش، ستحدد ما إذا كان بإمكان البلاد تجنب العودة إلى شفا الحرب.

★نيويورك تايمز

مقالات مشابهة

  • خلافات الشركاء تشعل الموقف.. جنوب السودان يعود إلى شفا الحرب.. والتوترات المتصاعدة تهدد السلام الهش
  • يقظة القارة العجوز.. نهاية «عائد السلام» في أوروبا وتكاليف إعادة التسليح.. الدول ذات شبكات الأمان الاجتماعي الواسعة تواجه صعوبات في مجالات الرعاية الصحية والمعاشات التقاعدية
  • ترامب: الاتصال مع بوتين كان جيدا ومثمرا للغاية
  • تحالف الأحزاب المصرية يدين بأشد العبارات استئناف إسرائيل الحرب على غزة
  • تعاونيات الكتابة قفزة أم حفرة؟
  • 8 سنوات على رحيل السيد ياسين.. أستاذ الباحثين
  • السلام هو الحل لليمن
  • «سيناء بين الحرب والسلام».. ندوة تثقيفية بفنون تطبيقية حلوان بمناسبة ذكرى العاشر من رمضان
  • الأمم المتحدة تعارض الوجود العسكري الإسرائيلي في المنطقة العازلة بين سوريا والجولان المحتل
  • قمة افتراضية لبحث واقع الحرب وفرص السلام في أوكرانيا