تدور الحياة في غزة المحاصرة حول النضال اليومي للعثور على الغذاء والماء، ومع انعدام الوقود أو حتى الفحم، تحرق الأسر الأبواب وإطارات النوافذ الخشبية لطهي ما قد يتوفر، بحسب تقرير لصحيفة "ذا نيويورك تايمز" الأمريكية (The New York Times) ترجمه "الخليج الجديد".

ولمدة 48 يوما حتى 23 نوفمبر/ تشرين الجاري، شن جيش الاحتلال الإسرائيلي حربا مدمرة على غزة قتل خلالها أكثر من 14 ألف فلسطيني، وفي اليوم التالي بدأت هدنة إنسانية بين حركة "حماس" وإسرائيل تستمر 4 أيام قابلة للتمديد، وتتضمن تبادل أسرى وإدخال مساعدات إنسانية وإغاثية وطبية ووقود إلى كافة مناطق القطاع.

وخلال الحرب، قطع الاحتلال إمدادات الماء والغذاء والدواء والكهراء والوقود عن سكان غزة، وهم نحو 2.3 مليون فلسطيني يعانون تداعيات حصار مستمر للقطاع منذ أن فازت "حماس" بالانتخابات التشريعية في عام 2006.

ويوميا، لدى نامزي موافي (23 عاما) مهمة واحدة هي العثور على الماء لأسرته. وقال للصحيفة إن العشرات من أفراد عائلته الكبيرة يحتمون معا في شقة مكونة من غرفتي نوم في مدينة رفح جنوبي القطاع بالقرب من الحدود مع مصر.

ولإبقائهم على قيد الحياة، قال موافي إنه يستيقظ في الساعة الرابعة صباحا، ويقضي ساعات في انتظار الحصول على المياه في محطة تعبئة مزدحمة، وأحيانا لا يتبقى شيء عندما يأتي دوره في الصف.

أما عندما يحالفه الحظ، فيدفع عربة ثقيلة محملة بالماء إلى منزله عبر الرمال، وتقسم العائلة الماء إلى حوالي كوب يوميا لكل فرد.

وكانت المياه المعدنية المنقولة بالشاحنات إلى جنوب القطاع في قوافل المساعدات كافية لـ4 بالمائة فقط من السكان، وفقا لبرنامج الأغذية العالمي. ولا يزال بعض المياه المحلاة يتم توزيعها في الجنوب، لكن الشمال لم يعد به مصادر مياه صالحة للشرب، بحسب للأمم المتحدة.

ويعتمد الأشخاص الذين لا يستطيعون الوصول إلى المياه المعدنية والمياه المحلاة النادرة على المياه قليلة الملوحة من الآبار، والتي قالت الأمم المتحدة إنها غير آمنة للاستهلاك البشري.

كما لم يعد في غزة أي غاز أو وقود آخر، وفقا لوكالات الأمم المتحدة العاملة في القطاع، ولذلك يبني بعض الفلسطينيين أفران من الطين أو المعدن للطهي.

ونفد الحطب والفحم، لذلك تحرق الأسر الأبواب وإطارات النوافذ والكرتون والأعشاب، والبعض ببساطة لا يطبخون، بل يأكلون البصل والباذنجان النيئ بدلا من ذلك. وقال موافي: "عدنا إلى العصر الحجري".

اقرأ أيضاً

متابعون يقارنون بين فيلم ألعاب الجوع The Hunger Games العالمي وغزة.. ما أوجه التشابه؟

فجوة غذائية 

كما أن الدقيق ينفد، وتعرض معظم مطاحن القمح للقصف، وفقا للأمم المتحدة. وقال برنامج الأغذية إن الوكالات الإنسانية تمكنت من توصيل الخبز والتونة المعلبة والتمر إلى نحو ربع السكان منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لكن التوزيع يعوقه القتال والحصار.

وحذر البرنامج من أن 10% فقط من احتياجات غزة من الغذاء دخلت إلى القطاع منذ بدء الحرب، مما أدى إلى "فجوة غذائية هائلة وجوع واسع النطاق".

وقالت المتحدثة باسم البرنامج علياء زكي: "اختفى دقيق القمح ومنتجات الألبان والجبن والبيض والمياه المعدنية بالكامل من السوق".

وتابعت: "حتى قبل 7 أكتوبر، كان 70 بالمائة من سكان غزة يعتمدون على المساعدات الإنسانية بشكل أو بآخر، وكان القطاع يعاني من أعلى معدلات الفقر والبطالة في العالم".

اقرأ أيضاً

محذرا من "جحيم الجوع".. برنامج الأغذية العالمي: الخبز أصبح رفاهية في غزة

أزمة نظافة 

والغالبية العظمى من المتاجر مغلقة أو فارغة الآن، ومع انقطاع الكهرباء وإغلاق معظم البنوك، فإن القلة التي لديها أموال لا تستطيع الحصول عليها، وحتى لو استطاعوا ذلك، فليس هناك الكثير ليشتروه، كما تابعت الصحيفة.

وقالت لجين البورنو (35 عاما)، وهي أم لـ4 أطفال نزحت إلى مدينة خان يونس: إنها تتردد على متجر قريب كل يوم، لكنه عادة ما يكون فارغا.

وأردفت: "أذهب للبحث عن الطعام لأطفالي، ولا أجد شيئا.. أبكي طوال طريق العودة إلى المنزل".

كما أدى انهيار نظام الصرف الصحي، وتشريد حوالي 1.7 مليون من سكان غزة، الذين تدفقوا إلى المخيمات وتكدسوا في منازل أقاربهم، إلى أزمة نظافة وأمراض تحذر منظمة الصحة العالمية من أنها قد تتفاقم كثيرا، وفقا للصحيفة.

وقالت آية إبراهيم (43 عاما)، تعيش مع أطفالها في مدرسة تديرها الأمم المتحدة في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، إن "الحمامات هنا سيئة للغاية".

و"ليس لدينا مياه على الإطلاق.. وينام الرجال والفتيان، بمن فيهم ابناها المراهقان، بالقرب من المراحيض، والنساء في فصل دراسي في الطابق العلوي"، كما زادت آية.

اقرأ أيضاً

يونيسيف: الماء نفد من غزة.. ومجبرون على استخدام المياه القذرة

المصدر | ذا نيويورك تايمز- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: غزة الحرب الغذاء الماء إسرائيل

إقرأ أيضاً:

دبلوماسية الردع عن بُعد

السياسة الخارجية الأمريكية في عهد إدارة الرئيس دونالد ترامب الثانية تعتمد على أسلوب الردع المحتمل عن بُعد. الرئيس ترامب، بهذه الدبلوماسية الغامضة يريد أن تمارس إدارته سياسة خارجية، بأقل التكاليف الممكنة، مع أجزل عائد ممكن. نهج رأسمالي لإدارة سياسة خارجية للدولة الأعظم في العالم.

الرئيس ترامب يظن أنه لا يحتاج في تطبيق نهج مثل هذا على السياسة الخارجية لبلده، لا إلى القوة الصلبة، بكل إمكاناتها الردعية الهائلة، ولا أيضاً قوتها الناعمة متعددة الإمكانات اللينة.

بعبارة أخرى: لا يريد الرئيس ترامب في إدارة السياسة الخارجية لبلده لا أن يستخدم لا العصا ولا الجزرة. هو لا يريد أن يبعث بجنوده إلى الخارج، حتى ولو تلويحاً بالعصا، لتحقيق أهداف السياسة الخارجية لبلده في الساحة الدولية، كما لا يرغب في إنفاق ولا حتى سنت واحد لدفع تكلفة تحقيق أهداف سياسته الخارجية، حتى ولو كان الأمر متعلقاً بفرض الهيمنة الكونية الحصرية لواشنطن، على النظام الدولي.
يبدو أن الرئيس ترامب عنده مفهوم مختلف لحالة الهيمنة الكونية، التي حكمت من خلالها واشنطن النظام الدولي، عقب الحرب الكونية الثانية، وحتى بداية فترة ولايته الثانية، منذ العشرين من يناير الماضي. من أهم شروط الهيمنة الكونية لأي قوة عالمية تنافس على هذه المكانة الرفيعة (دفع تكلفة التزاماتها، بقدر ما هو الأمر في توقع جني عوائدها). لا هيمنة كونية لأي قوة عظمى دون دفع تكلفتها.. ولا توقع التمتع بعوائد امتيازاتها، دون الالتزام بالقيام بمسؤولياتها الأممية.
كل الدول العظمى، التي نافست على مكانة الهيمنة الكونية، في عصور الأنظمة الدولية الحديثة المتتالية، منذ نهاية القرن الخامس عشر، الذي شهد موجة الاكتشافات الجغرافية غرب الأطلسي، من الإسبان والبرتغاليين والفرنسيين، وحتى البريطانيين، وصولاً إلى نظام الأمم المتحدة الحالي، كان تبوؤ هذه المكانة الدولية الرفيعة والحفاظ عليها، يعتمد أكثر على «الكرم»، لا «البخل»، في دفع تكلفتها.
الولايات المتحدة، رغم الدعوات الصاخبة للعودة للعزلة، بعد الحرب العالمية الثانية، وعت حقيقة خطأها الجسيم في عدم دفع تكلفة مكانة الهيمنة الكونية، التي وجدت نفسها فيها بعد الحرب العظمى (1914-1919)، الذي تَمَثل في عدم انضمامها لعصبة الأمم (1919-1939)، رغم أنها من وضع ميثاقها، في ما عرف بمبادئ ويلسون الأربعة عشر. وكانت أن نشبت الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، بعد عقدين فقط من عمر نظام عصبة الأمم، غير المستقر.
خطأ لم ترد واشنطن أن تكرره، بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية بقيادتها، عندما تكفلت بإعمار أوروبا.. وكتبت ميثاق نظام الأمم المتحدة الحديث، ووضعت أسس ومؤسسات نظامه الاقتصادي، بموجب اتفاقية برتون وود (يوليو 1944)، التي اتخذت من الدولار عملة التبادل التجاري الوحيدة المقبولة في العالم، بعد أن كان الجنيه الإسترليني، الذي كان يعتمد على نظام الذهب، وحكم اقتصاد العالم لمائة عام (1815-1914)، بل وحتى اندلاع الحرب العالمية الثانية، في ما عرف بالعهد البريطاني (Pax Brittanica).
نفس الخطأ (الاستراتيجي)، الذي وقعت فيه الولايات المتحدة، بعد الحرب العظمى، يتكرر اليوم بعد ما يقرب من ثمانين سنة، من عهد نظام الأمم المتحدة الحالي. الولايات المتحدة، تريد اليوم أن تتحلل من التزاماتها تجاه حلفائها التقليديين في أوروبا، بل وتطالبهم بتكلفة حمايتهم تحت المظلة النووية الأمريكية، وبأثر رجعي، بما في ذلك المطالبة بتكاليف إعادة إعمار أوروبا، بعد الحرب، وبأثر رجعي أيضاً! بل حتى أنها تعمل على الانسحاب من عضوية الأمم المتحدة!
ليس هذا، فحسب؛ بل إن واشنطن تزمع التوسع شمالاً وشرقاً، على حساب حلفائها التقليديين، في أوروبا وجيرانها القاريين، في كندا والمكسيك وحِمَى حديقتها الخلفية، كما هو التهديد باستعادة قناة بنما... بل وتتطلع إلى ثروات حلفائها، في أوروبا، مثل ما هي عينها على ثروات أوكرانيا المعدنية، كثمن لوقف حرب روسيا عليها، دون أية التزامات أمنية لكييف.. بالإضافة: لدفع ثمن المساعدات العسكرية، التي قدمتها واشنطن لكييف، منذ نشوب الحرب، ولما لم تتضع الحرب أوزارها، بعد.
باختصار: واشنطن في ولاية الرئيس ترامب الحالية (الثانية)، تتبع سياسة خارجية تعتمد على عائدات استثماراتها الأمنية الممتدة، بحسابها (نقداً).. وإمكاناتها التكنولوجية المتقدمة، مع غناها الاقتصادي المتعدد، في فرض هيمنتها الكونية على العالم، بأدوات ردع تراها فعّالة، لا تعتمد بالضرورة على احتمال استخدام قوتها الصلبة ولا الناعمة، لفرض هيمنة كونية (منفردة) على العالم، دون تكلفة تذكر، لا دفاعية ولا اقتصادية، ولا حتى تكنولوجية. ردع يبدو لواشنطن فعّالاً، دون ما حاجة لأن تكون له مخالب وأنياب صلبة، ولا حتى قفازات مخملية ناعمة.
في عدم وجود قوة كونية حقيقية وفاعلة، على الساحة الدولية، تدخل مضمار المنافسة على مكانة الهيمنة الكونية الرفيعة، فإن الرئيس ترامب يبدو أنه سيواصل استراتيجية جديدة لمؤسسات النظام الدولي، كما هو منهجه في تغيير استراتيجية مؤسسات نظام بلاده الديمقراطي، وفي مقدمتها الدستور، بحجة تطهيرها من الفساد.

مقالات مشابهة

  • دبلوماسية الردع عن بُعد
  • الإفطار على التمر والماء.. ما لا يعرفه الجزائريون
  • WSJ: خلاف عربي-عربي حول دور حماس بعد الحرب.. هذا موقف الإمارات
  • “أطباء بلا حدود” تحذر من “عواقب مدمرة” لتعليق دخول المساعدات إلى غزة
  • “أطباء بلاحدود”: تعليق دخول المساعدات لغزة قد يكون له “عواقب مدمرة” على السكان
  • البعثة الدائمة للمملكة لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في جنيف تقيم إفطارًا رمضانيًا يوميًا خلال الدورة 58 لمجلس حقوق الإنسان
  • غزة.. منظمات دولية تحذّر من عواقب تعليق المساعدات
  • سموتريتش يهدد بقطع الكهرباء والماء عن غزة
  • كشف تفاصيل خطة القاهرة لإعمار غزة.. ومقترحان مصري وأمريكي لتمديد المرحلة الأولى
  • العميد طارق يناقش خطط إنعاش السياحة في المناطق المحررة