لجريدة عمان:
2024-11-25@18:26:57 GMT

نوافذ: حلمٌ يُعيدُ فلج «صعراء» للحياة !

تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT

«حلمتُ والدي المتوفى يُناديني في مزرعة خضراء في الجانب الشرقي من واحة صعراء بالبريمي، أخبرني بأنّه لا يستطيع المشي ويريد الذهاب إلى حوض الماء، فتوكأ على كتفي»، هذا ما أخبرنا به طالب بن أحمد الجابري -عندما دُعيت من قِبل صديقات عزيزات لزيارة الواحة أثناء إقامتي أيام الملتقى الأدبي٢٦- ولم أكن أعلم بوجود قصّة عجائبية وراء المكان الخلاب! عاش الجابري طفولته في واحة صعراء -التي يبلغ عمر فلجها أكثر من ٣٠٠٠ سنة- راكضا بين بيوتها ومزارعها، فتناقص ماء الفلج حتى جفّ عام ٢٠٠٠ بصورة نهائية، فتوجع الناس وماتت الواحة لأكثر من ١٥ عاما!

«عندما كنتُ أذهب إلى مسجد الشريعة أشعر بغضب داخلي؛ لأنّي أرى مباني الجانب الآخر بوضوح، بعد أن كانت تحجبها كثافة الأشجار»، فتتبع الجابري -بخبرة بدائية- أمهات الفلج، حاول جاهدا إقناع الأهالي بوجود حياة ما، لكنّ أحدا لم يصدقه، فالانهيارات والانسدادات حبسته في أعماق سحيقة.

«لم أكن أستطيع بمفردي فعل شيء ما، كنتُ محاصرا بالرفض من المؤسسة الرسمية ومن الأهالي؛ لأنّه مشروع مُكلف وبلا ضمانات!»

في صورة بالغة الدراماتيكية تبدى للجابري أنّ والده الذي يناديه في الأحلام هو الفلج المحبوس والراغب في أن تدب فيه الحياة. فقد كان الفلج الحزين بلا «وكيل» يرعاه، بينما الزحف العمراني والمخططات السكنية تكاد تمحو أي أثر له!

في البدايات خسر الجابري فسحة الدعم المالي لكنه حصل على غطاء قانوني، فأخبر أمّه بما عقد العزم عليه، فذهلت لأنّ حلم ابنها تجاوز المنطق فلا يسكن الفلج إلا الثعابين والشياطين! لكنها عندما لاحظت إصراره المتين قالت: «ليس لدي ما أعطيك إياه غير عصا تهش بها ما يعترض طريقك والدعاء».

حاصره الجميع بالتخلي، فقرر أن يُوثق لحظاته عبر صفحته في السوشال ميديا بواسطة كاميرا معلقة على رؤوس العمال تبث العمل أولا بأول، لكن مرّت الأيام ولم يكن ثمّة تجاوب يذكر!

بعدها جاء اثنان من إخوته لمعاضدته، ثمّ جاء أبناء وكيل الفلج يحركهم الفضول والشغف، فجلسوا على حصير تحت السمرة يترقبون المجهول الذي ستكشفُ عنه الأيام!

حفر «الشيول» إلى عمق ٧ أمتار! ثمّ اضطر لاستئجار «حفار» من صحار، بلغت يوميته ١٦٠ ريالا والناقلة التي تحمله وتعيده ٢٢٠ ريالا.

«استمر الأمر لمدة أسبوعين، حتى وصلنا إلى سقف قناة الفلج بعمق ١٤ مترا، ولم يعد الحفار قادرا على التعمق أكثر، فطلبتُ من صاحبه وضع درج لنتمكن من إخراج الطمي بأيدينا.

أنزلني العمال بالحبل، مصحوبا بعصا أمّي ومصباح إضاءة وهاتفي للتوثيق، فتمكنتُ من إحداث فتحة صغيرة، فرأيتُ منظرا لا يمكن لي أن أنساه ما حييت. رأيتُ الماء المحبوس في الأعماق، ولم أعرف آنذاك إن كان عليّ أن أبكي أو أن أبتهج، استعدتُ الحلم فسلمتُ على «أبي» الفلج: السلام عليك يا أبي، أعتذر لأنّنا تأخرنا عليك، وأعدك ألا نرفع أيدينا عنك حتى نوصلك لأمّنا قاصدا «الواحة».

رفع الجابري التغطية على صفحته، فانتشر المقطع هذه المرّة بصورة لافتة، فقد رأى الناس لأول مرّة قناة الفلج من الأسفل وكمية المياه المسجونة.

بالتزكية أصبح الجابري وكيلا للفلج الذي فُتح له حساب خاص، فبدأ العمل المؤسسي بتشكيل فريق متكامل، وخلال أيام قليلة جمعوا أكثر من ١٣٠ ألف ريال من الأهالي فقط.

«في يوم ٢٧ يناير ٢٠١٧، بعد صلاة العشاء، تدفقت الحياة في شرايين الفلج الميتة، وحلقت البشرى في أرجاء البريمي، فاستقبله الناس بالأهازيج والغناء، وبقينا حتى الواحدة ليلا غير مُصدقين. عانقتُ أمّي الفرحة: أبوك رجع».

آنذاك تأكدت الجهات الرسمية من صدق النوايا وجديتها فبدأت المساندة الحقيقية فحصلوا على مكرمة سامية تُقدر بمليون ونصف من جلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه-، ثمّ أكمل السلطان هيثم بن طارق الخُطى النبيلة.

أدرج الفلج في رؤية عمان ٢٠٤٠، وانتقلت هذه التجربة لإنعاش أفلاج أخرى في عُمان، كما سافر الجابري لبلدان شتى ليتحدث عن تجربته.

شاهدتُ بعيني الصور القديمة التي تُظهر الواحة القاحلة وكيف تحولت لجنة خضراء. ثمّة بط يسبح وممشى رياضي، وفرق مغامرين تمضي، وأكشاك للأسر المنتجة، فسحة صغيرة لقراءة تاريخ الأجداد وشقائهم، وفي رأس الجابري وفريقه أحلام أخرى لإحياء البيوت القديمة، شعرتُ بتأثر شديد وهو يقول: «لا أريد أن أرى شجرة ميتة هنا».

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

طبيب أمريكي: نظرتي للحياة تغيرت بعد عودتي من غزة

#سواليف

قال #الطبيب_الأمريكي من أصول باكستانية #طلال_علي_خان، الذي عمل لفترة بقطاع #غزة في ظل #حرب_الإبادة الإسرائيلية، إن نظرته للحياة تغيرت جراء ما شاهده من أهوال في القطاع، وإن هموم الحياة وضغوطاتها لم تعد تمثل له شيئا بعدما رأى مآسي الفلسطينيين.

علي خان استشاري أمراض الكلى في فريق الطوارئ الطبية التابع للجمعية الطبية الفلسطينية الأمريكية، يعمل كأستاذ مساعد في جامعة أوكلاهوما، وخدم #المرضى #الفلسطينيين في #مستشفيات غزة في الفترة ما بين 16 يوليو/ تموز- 7 أغسطس/ آب الماضي.

وفي حديث للأناضول، أوضح خان أنه “ذهب إلى قطاع غزة تحت مظلة الأمم المتحدة لتقديم الخدمات الطبية للمرضى الفلسطينيين الذين يعيشون في ظروف سيئة للغاية”.

مقالات ذات صلة ستة أسباب تُحتِّم على “الضمان” الاهتمام بمتقاعدي الشيخوخة 2024/11/24

وأضاف أن “الأطباء والعاملين في القطاع الصحي بغزة يواجهون #مخاطر كبيرة وسط #الهجمات #الإسرائيلية العشوائية”.

وأردف علي خان: “غزة مكان يستهدف فيه العاملين في مجال الرعاية الصحية، والعديد منهم تعرضوا للاستهداف الإسرائيلي أكثر من مرة”.

وذكر خان أنه “رغم ذهاب الأطباء إلى غزة تحت مظلمة الأمم المتحدة، إلا أنهم يواجهون مخاطر كبيرة طيلة بقائهم في القطاع بسبب القنابل التي تسقط في كل مكان يمينا ويسارا من وقت لآخر دون تمييز”.

وأشار علي خان إلى أن “مستشفى الشفاء في غزة تم تدميره وحرقت وحدات غسيل الكلى في الهجمات الإسرائيلية، حيث كان القسم يدعم حوالي 450 مريضا قبل الحرب”.

والثلاثاء، قالت وزارة الصحة في قطاع غزة، إن الجيش الإسرائيلي أعدم 1000 طبيب وممرض في القطاع منذ بدء الإبادة، ودمر عشرات المستشفيات.

نظرتي للحياة تغيرت

وأوضح خان أن غزة بالنسبة له “تعني المقاومة والعزيمة وأن سكانها الفلسطينيون هم أناس مميزون أكثر مما كان تخيله”.

ولفت إلى أن “نظرته للحياة تغيرت بعد عودته من غزة”، مبينا أن “ضغوطات الحياة وهمومها باتت لا تمثل شيء بالنسبة له بعد ما رآه من الكوارث والصعوبات التي يعيشها سكان غزة”.

وقال علي خان إنه تأثر ذات مرة بأخلاق وكرم أحد المرضى الذين كانوا يتلقون العلاج، حيث قدم له كأسا من الشاي تعبيرا عن شكره لتطوعه في علاج المرضى، مضيفا “هؤلاء الناس ليس لديهم شيء ليقدموه، لكن قلوبهم كبيرة جدا”.

المدارس والمساجد أكثر الأماكن استهدافا

وأشار علي خان، إلى أن الجيش الإسرائيلي “يتعمد استهداف المدارس والمساجد والمكتبات بشكل وحشي”، ولفت إلى أن “الدمار الذي شاهده لم يشهده من قبل في أي مكان آخر”.

وقال إنه “شهد خلال وجوده في غزة استهداف الجيش الإسرائيلي في أغسطس الماضي، للمدارس حوالي 16 مرة ما أسفر عن وقوع مجازر نتيجة وجود النازحين فيها”.

وأضاف: “لم أر مسجدا واحدا بقي سليما في غزة”.

وحول عزيمة الفلسطينيين في مواصلة الحياة رغم الحرب قال علي خان: “رأيت أطفالا في الخيام يذهبون إلى أماكن مؤقتة وتقوم النساء فيها بتعليم القرآن الكريم وتوفير التعليم للتلاميذ”.

وتابع: “من دواعي سروري للغاية أن أرى هؤلاء الناس ما زالوا صامدين ومصممين على المضي قدما ومواصلة الحياة”.

وتسببت الإبادة الجماعية بغزة في إخراج المنظومة الصحية عن الخدمة، وتوقف خدمات الدفاع المدني ومركبات الإسعاف التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني.

وبدعم أمريكي ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023، إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 148 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.

وتواصل إسرائيل مجازرها متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.

مقالات مشابهة

  • شاهد بالفيديو.. قصة الأغنية السودانية التي حققت أكثر من 2 مليون زيارة على يوتيوب والجمهور يسأل أين هذه المبدعة؟
  • شيخة الجابري تكتب: «التثقيف زمن التأفيف»
  • طبيب أمريكي: نظرتي للحياة تغيرت بعد عودتي من غزة
  • غزة: أكثر الأماكن التي تضررت بها خيام النازحين في القطاع نتيجة الأمطار
  • "مانهاتن الصحراء".. مدينة عربية بناطحات من الطين
  • قوات كييف تعترف بخسارة أكثر من 40% من الأراضي التي احتلتها في كورسك
  • معجزة.. شاب هندي يعود للحياة بعد وفاته
  • أوكرانيا تخسر أكثر من 40% من الأراضي التي استولت عليها في كورسك
  • عاد للحياة قبل دقائق من حرقه.. حكاية شاب هزّت الهند
  • ‏مصدر عسكري أوكراني: أوكرانيا فقدت أكثر من 40% من الأراضي التي سيطرت عليها في منطقة كورسك الروسية