لجريدة عمان:
2024-07-01@23:01:09 GMT

نوافذ: حلمٌ يُعيدُ فلج «صعراء» للحياة !

تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT

«حلمتُ والدي المتوفى يُناديني في مزرعة خضراء في الجانب الشرقي من واحة صعراء بالبريمي، أخبرني بأنّه لا يستطيع المشي ويريد الذهاب إلى حوض الماء، فتوكأ على كتفي»، هذا ما أخبرنا به طالب بن أحمد الجابري -عندما دُعيت من قِبل صديقات عزيزات لزيارة الواحة أثناء إقامتي أيام الملتقى الأدبي٢٦- ولم أكن أعلم بوجود قصّة عجائبية وراء المكان الخلاب! عاش الجابري طفولته في واحة صعراء -التي يبلغ عمر فلجها أكثر من ٣٠٠٠ سنة- راكضا بين بيوتها ومزارعها، فتناقص ماء الفلج حتى جفّ عام ٢٠٠٠ بصورة نهائية، فتوجع الناس وماتت الواحة لأكثر من ١٥ عاما!

«عندما كنتُ أذهب إلى مسجد الشريعة أشعر بغضب داخلي؛ لأنّي أرى مباني الجانب الآخر بوضوح، بعد أن كانت تحجبها كثافة الأشجار»، فتتبع الجابري -بخبرة بدائية- أمهات الفلج، حاول جاهدا إقناع الأهالي بوجود حياة ما، لكنّ أحدا لم يصدقه، فالانهيارات والانسدادات حبسته في أعماق سحيقة.

«لم أكن أستطيع بمفردي فعل شيء ما، كنتُ محاصرا بالرفض من المؤسسة الرسمية ومن الأهالي؛ لأنّه مشروع مُكلف وبلا ضمانات!»

في صورة بالغة الدراماتيكية تبدى للجابري أنّ والده الذي يناديه في الأحلام هو الفلج المحبوس والراغب في أن تدب فيه الحياة. فقد كان الفلج الحزين بلا «وكيل» يرعاه، بينما الزحف العمراني والمخططات السكنية تكاد تمحو أي أثر له!

في البدايات خسر الجابري فسحة الدعم المالي لكنه حصل على غطاء قانوني، فأخبر أمّه بما عقد العزم عليه، فذهلت لأنّ حلم ابنها تجاوز المنطق فلا يسكن الفلج إلا الثعابين والشياطين! لكنها عندما لاحظت إصراره المتين قالت: «ليس لدي ما أعطيك إياه غير عصا تهش بها ما يعترض طريقك والدعاء».

حاصره الجميع بالتخلي، فقرر أن يُوثق لحظاته عبر صفحته في السوشال ميديا بواسطة كاميرا معلقة على رؤوس العمال تبث العمل أولا بأول، لكن مرّت الأيام ولم يكن ثمّة تجاوب يذكر!

بعدها جاء اثنان من إخوته لمعاضدته، ثمّ جاء أبناء وكيل الفلج يحركهم الفضول والشغف، فجلسوا على حصير تحت السمرة يترقبون المجهول الذي ستكشفُ عنه الأيام!

حفر «الشيول» إلى عمق ٧ أمتار! ثمّ اضطر لاستئجار «حفار» من صحار، بلغت يوميته ١٦٠ ريالا والناقلة التي تحمله وتعيده ٢٢٠ ريالا.

«استمر الأمر لمدة أسبوعين، حتى وصلنا إلى سقف قناة الفلج بعمق ١٤ مترا، ولم يعد الحفار قادرا على التعمق أكثر، فطلبتُ من صاحبه وضع درج لنتمكن من إخراج الطمي بأيدينا.

أنزلني العمال بالحبل، مصحوبا بعصا أمّي ومصباح إضاءة وهاتفي للتوثيق، فتمكنتُ من إحداث فتحة صغيرة، فرأيتُ منظرا لا يمكن لي أن أنساه ما حييت. رأيتُ الماء المحبوس في الأعماق، ولم أعرف آنذاك إن كان عليّ أن أبكي أو أن أبتهج، استعدتُ الحلم فسلمتُ على «أبي» الفلج: السلام عليك يا أبي، أعتذر لأنّنا تأخرنا عليك، وأعدك ألا نرفع أيدينا عنك حتى نوصلك لأمّنا قاصدا «الواحة».

رفع الجابري التغطية على صفحته، فانتشر المقطع هذه المرّة بصورة لافتة، فقد رأى الناس لأول مرّة قناة الفلج من الأسفل وكمية المياه المسجونة.

بالتزكية أصبح الجابري وكيلا للفلج الذي فُتح له حساب خاص، فبدأ العمل المؤسسي بتشكيل فريق متكامل، وخلال أيام قليلة جمعوا أكثر من ١٣٠ ألف ريال من الأهالي فقط.

«في يوم ٢٧ يناير ٢٠١٧، بعد صلاة العشاء، تدفقت الحياة في شرايين الفلج الميتة، وحلقت البشرى في أرجاء البريمي، فاستقبله الناس بالأهازيج والغناء، وبقينا حتى الواحدة ليلا غير مُصدقين. عانقتُ أمّي الفرحة: أبوك رجع».

آنذاك تأكدت الجهات الرسمية من صدق النوايا وجديتها فبدأت المساندة الحقيقية فحصلوا على مكرمة سامية تُقدر بمليون ونصف من جلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه-، ثمّ أكمل السلطان هيثم بن طارق الخُطى النبيلة.

أدرج الفلج في رؤية عمان ٢٠٤٠، وانتقلت هذه التجربة لإنعاش أفلاج أخرى في عُمان، كما سافر الجابري لبلدان شتى ليتحدث عن تجربته.

شاهدتُ بعيني الصور القديمة التي تُظهر الواحة القاحلة وكيف تحولت لجنة خضراء. ثمّة بط يسبح وممشى رياضي، وفرق مغامرين تمضي، وأكشاك للأسر المنتجة، فسحة صغيرة لقراءة تاريخ الأجداد وشقائهم، وفي رأس الجابري وفريقه أحلام أخرى لإحياء البيوت القديمة، شعرتُ بتأثر شديد وهو يقول: «لا أريد أن أرى شجرة ميتة هنا».

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

WSJ: كيف تحدت إيران أمريكا لتصبح قوة دولية؟

نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" تقريرا أعده سون إنجيل راسموسين ولورنس نورمان، قالا فيه إن إيران تحدت الولايات المتحدة لتصبح قوة دولية، ورغم عقود من الضغوط الغربية لا تزال طهران تمثل تهديدا على مصالح الولايات المتحدة، بسبب علاقاتها مع روسيا والصين.

وجاء في التقرير أن الفائز في انتخابات إيران الرئاسية سيرث انقساما داخليا واقتصادا أضعفته العقوبات الأمريكية المستمرة، لكنه سيرث أيضا مظاهر قوة، وهي أن لإيران تأثير متزايد على المسرح الدولي أكثر مما كان الحال قبل عقود.

ففي ظل المرشد الأعلى للجمهورية، أية الله علي خامنئي، أحبطت إيران عقودا من الضغوط الأمريكية وخرجت من سنوات العزلة عبر انحيازها لكل من الصين وروسيا، وفي الوقت نفسه زادت من مستوى المواجهة مع واشنطن. ولا يزال اقتصاد إيران ضعيفا إلا أن صفقات بيع النفط للصين والأسلحة لروسيا قدمت منافع مالية ودبلوماسية.

كما واستغلت إيران عقودا من الأخطاء الأمريكية في الشرق الأوسط والاختلافات الكبيرة في سياسات الإدارات المتعاقبة على البيت الأبيض.

وتعلق الصحيفة أن إيران تمثل اليوم تهديدا كبيرا على المصالح الأمريكية وحلفائها في الشرق الأوسط، أكثر من أي لحظة منذ الثورة الإسلامية عام 1979، مضيفة أن بصمات طهران العسكرية وصلت مرحلة أوسع وأعمق وأكثر من أي وقت مضى.

وأوضحت أن الجماعات المؤيدة لإيران نفذت هجمات على المنشآت النفطية السعودية، وشلت حركة الملاحة التجارية في البحر الأحمر، وتهيمن على السياسة في لبنان والعراق وسوريا، وشنت أكثر الهجمات دمارا على إسرائيل منذ إنشائها عندما قامت حماس بشن هجومها في تشرين الأول/أكتوبر، بل وشنت إيران أول هجوم مباشر على إسرائيل في نيسان/أبريل. وكذا لاحقت المعارضين لها في الدول الخارج، حسب مسؤولين غربيين.



وستظل تداعيات صفقات المسيرات لروسيا في حرب أوكرانيا وتوسع الجماعات الموالية لإيران في المنطقة وزيادة تطوير الملف النووي، قضايا ملحة، بعيدا عمن سيفوز في جولة الإعادة الرئاسية الإيرانية التي ستعقد في 5 تموز/يوليو أو نتائج الانتخابات الأمريكية في تشرين الثاني/نوفمبر.

وتقول سوزان مالوني، مديرة برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكينغز "في أكثر من ملمح، إيران قوية وأكثر تأثيرا وخطورة وأكثر تهديدا مما كانت عليه قبل 45 عاما"، إلا أن السياسة الخارجية جاءت بثمن باهظ وعلى حساب اقتصادها المتأخر عن جارتها في دول الخليج، مثل الإمارات العربية المتحدة والسعودية، كما وخسر النظام الكثير من الدعم الذي دفعه للسلطة قبل عقود وأدى لتظاهرات واسعة عادة ما تواجه بقمع.

ويقول إريك بريرور، المدير السابق لمجلس الأمن القومي "في كل مرة تسنح فرصة لخامنئي الخروج من العزلة يزيد من قمعه".

وترى الصحيفة أن قوة إيران المتزايدة هي علامة عن فشل الغرب. ومنذ فشل جيمي كارتر في احتواء إيران، تحولت هذه إلى الحوت الأبيض الكبير لدى صناع السياسة الغربية. فلم تعد أداة الدبلوماسية لدى الغرب ولا العقوبات ناجعة لعزل طهران. فقد ردت الأخيرة بتعميق علاقاتها مع محور روسيا- الصين، بشكل عقد الدبلوماسية أكثر، حسب رأي المحللين. وفي خارج الشرق الأوسط ساعدت صناعة المسيرات الإيرانية روسيا في حربها بأوكرانيا.

ويقول سيد حسين موساويان، المسؤول السابق في السياسة الخارجية والباحث حاليا في جامعة برنستون إن العقوبات الغربية كلفت مليارات الدولارات و "لكن لأي هدف" و "إيران مؤثرة بشكل كبير في المنطقة وأكثر من أي وقت مضى، وسيطرت الصين على الاقتصاد الإيراني وأصبحت إيران قريبة من روسيا".

ولأكثر من عقدين ظلت السياسة الغربية من إيران متأرجحة، وحول الرؤساء الأمريكيون التوازن مرارا وتكرارا من الدبلوماسية إلى القوة، التواصل أو محاولة العزلة. وكمثال، عندما غزت الولايات المتحدة أفغانستان عام 2001 تلقت الدعم العسكري والاستخباراتي من إيران للإطاحة بنظام طالبان.

وبعد عدة أشهر صنف جورج دبليو بوش إيران ضمن محور الشر إلى جانب العراق وكوريا الشمالية. ومن جانبها تبنت إيران وخلال العقود الماضية استراتيجية "الدفاع المتقدم" لردع الهجمات من الأعداء وبناء شبكة من الجماعات المسلحة الموالية لها.



وساهمت السياسات الأمريكية، احيانا وبطريقة غير مقصودة بقوة إيران. ففي عام 2003، أطاحت بنظام صدام حسين حيث خلصت طهران من عدو لدود قريبا من حدودها. وأدى فشل واشنطن بتحقيق الاستقرار في عراق ما بعد الحرب إلى تقوية التأثير الإيراني.

وبعد التخلص من نظام طالبان في أفغانستان عام 2001 كانت القوة الأمريكية بالمنطقة ضاربة، إلا أن طهران وبعد أشهر من غزو العراق عام 2003 أوقفت كل عملها على تطوير ملفها النووي، ذلك أن مبرر إدارة بوش لغزو العراق هي مزاعم امتلاكه أسلحة دمار شامل. وبدأت كما يقول مسؤولون أمريكيون مفاوضات استمرت عشرين عاما بشأن ملفها النووي.

إلا أن غزو العراق كان حلقة في تراجع حظوظ الأمريكيين بشكل نفع إيران. فقد زاد تأثيرها السياسي العسكري، وبخاصة من خلال الجماعات الوكيلة عنها. كما أن الحرب المستعصية التي قتل فيها 4,500 جنديا أمريكا ومئات الألاف من العراقيين أدت لتحول موقف الرأي العام الأمريكي من الحرب في المنطقة.

ولم تحقق إيران بعد هدفها النهائي بإخراج القوات الأمريكية من المنطقة، كما ولا تزال أمريكا هي عراب القوة الرئيسي في الشرق الأوسط. إلا أن إيران وجدت بتحالفها مع روسيا والصين قوتين تشتركان معها في هدف إضعاف القوة الأمريكية في العالم.

وبنت إيران نفوذها الإقليمي في وقت حافظت فيه على الخطوط الحمر وتجنب المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة. وهذا راجع إلى أن القرارات المصيرية هي بيد مؤسسات غير منتخبة، ممثلة بمكتب المرشد خامنئي والحرس الثوري الذي يهمين على الاقتصاد والدفاع.

وتتولى الوحدات أو المقرات التي يديرها قائد سابق في الحرس الثوري، مهمة فرض الزي الإسلامي وهندسة انتخابات من بين عدة واجبات. وتهدف لتعبئة جماعاتها من أفراد المجتمع المدني وعددهم 4 ملايين شاب إيران لفرض السياسات الثقافية والأيديولوجية لرجال الدين، وبدون الرجوع إلى مؤسسات الحكومة المنتخبة.

ولكن السياسة الإيرانية تظل منقسمة بين المعسكر الإصلاحي المؤيد للتواصل مع الغرب والمعسكر المتشدد الذي يرى أن مصالح إيران هي بتحالف مع روسيا والصين. وبرز هذا الانقسام في الانتخابات الأخيرة، حيث ستكون جولة الإعادة بين الإصلاحي مسعود بزشكيان والمتشدد سعيد جليلي.

ويقدم المشروع النووي الإيراني صورة عن الطريقة التي تكيفت فيها طهران مع مواقف الإدارة الأمريكية المتناقضة، ففي عهد إدارة باراك أوباما وقعت طهران اتفاقية في 2015 للحد من نشاطاتها النووية مقابل رفع العقوبات، إلا أن المعارضون للاتفاق رأوا أنه لا ينهي الخطر النووي الإيراني، ولهذا دفعوا إدارة بايدن للخروج منه عام 2018.

وظهر التأثير الإيراني في سوريا التي دعمت فيها نظام بشار الأسد ضد التظاهرات السلمية. واستفادت من الثورة السورية لبناء ممر بري عبر العراق إلى سوريا ولبنان، استخدمته لنقل الأسلحة والجنود. وفي سوريا وثقت إيران علاقاتها مع روسيا التي سارعت لنجدة الأسد عام 2015. ونمت العلاقة أكثر أثناء الحرب الأوكرانية وصفقات المسيرات لروسيا.

مقالات مشابهة

  • صيانة أفلاج شمال الشرقية بتكلفة ١.٦ مليون ريال
  • كشف نبات يتحمل بيئة المريخ.. عودة احتمال "الاستعمار الفضائي"
  • WSJ: كيف تحدت إيران أمريكا لتصبح قوة دولية؟
  • 13 فئة لها دعم نقدي من الحكومة ..تعرف على التفاصيل
  • المرصد الأورومتوسطى:إسرائيل تهدف لضرب مقومات الحياة بغزة ليصبح غير قابل للحياة
  • غضب بهاء طاهر في «واحة الغروب» !
  • استطلاع: 66٪ بـ"إسرائيل" يؤيدون اعتزال "نتنياهو" للحياة السياسية
  • الكهرباء في العراق
  • استطلاع: 66% في إسرائيل يؤيدون اعتزال نتنياهو للحياة السياسية
  • %66 من الإسرائيليين مع اعتزال نتنياهو للحياة السياسية و غانتس يواصل تقدمه