دور الجغرافيا الاستعمارية في فلسطين وسيناء
تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT
أثناء إعدادي لفيلم عن ذكرى وعد بلفور لفت نظري وجود جمعية في شارع أوكسفورد الشهير وسط لندن تسمى جمعية اكتشاف فلسطين. وهي جمعية يربو عمرها على قرن ونصف القرن من الزمان، تأسست منتصف القرن التاسع عشر إبان حكم الملكة فكتوريا، وتهدف بالأساس إلى البحوث الأثرية والاستكشافية في فلسطين وفقا لنصوص الإنجيل. كان الهدف الرئيس علميا بمسحة دينية تقوم به بعثات تدخل إلى فلسطين، مستغلة حالة التسامح العثماني آنذاك مع كل الملل والطوائف.
ورغم أن نشاط الجمعية كان ولا يزال علميا وليس عسكريا، إلا أنه تأثر بشدة بالحقبة الاستعمارية وبالرؤية الاستشراقية للشرق والآخر؛ تلك الرؤية التي تحدث عنها إدوارد سعيد في كتابه الشهير "الاستشراق"، وأكمل هذا الجهد وائل حلاق في كتابه "قصور الاستشراق". وباختصار، هي المنطلق الاستعماري الاستيطاني الإحلالي الكامن في المعرفة العلمية الغربية عن الشرق، ومنه موضوع الجغرافيا الذي يعنينا في هذا المقال.
حين نعرف أسماء الأشخاص الذين ذهبوا ضمن بعثات هذه الجمعية إلى فلسطين وهم شباب صغار وربما مراهقون، ندرك حجم التأثير الذي تركته الجمعية على السياسة والحرب في تلك الفترة. فمن ضمن من ذهبوا صغارا كان لورانس العرب واللورد كيتشنر؛ هذا اللذان سيكون لهم دور بارز لاحقا في احتلال العالم العربي بعدئذ
حين نعرف أسماء الأشخاص الذين ذهبوا ضمن بعثات هذه الجمعية إلى فلسطين وهم شباب صغار وربما مراهقون، ندرك حجم التأثير الذي تركته الجمعية على السياسة والحرب في تلك الفترة. فمن ضمن من ذهبوا صغارا كان لورانس العرب واللورد كيتشنر؛ هذا اللذان سيكون لهم دور بارز لاحقا في احتلال العالم العربي بعدئذ.
وقبل أن تدخل جيوش الانتداب البريطاني إلى فلسطين إبان الحرب العالمية الأولى كانت خرائط فلسطين وطوبوغرافيتها وآثارها مرسومة بأدق التفاصيل، وفق رؤية دينية في أيدي الغزاة الجدد ساعدتهم على فهم المكان وطبيعة السكان ومن ثم التعامل معه وفقا لمنهج الاحتلال.
لا تزال الجمعية قائمة حتى يومنا، هذا وإن تغير نشاطها الديني واقتصر على المسح الأثري حاليا، لكنها حالة مهمة تدلنا على دور توظيف المعرفة الجغرافية لأغراض استعمارية بشكل تراكمي وفج.
لفت نظري أن حدود فلسطين الغربية وتحديدا شبه جزيرة سيناء لم تخضع لهذا البحث الجغرافي المعمق من قبل العلماء والباحثين المصريين والعرب بعد تحريرها، وهي المعلومة التي فصلها الدكتور عاطف معتمد، أستاذ الجغرافيا في كلية الآداب بجامعة القاهرة، في منشور له قبل أيام. وأسهب في شرح أن المراجع الرئيسية الحديثة في هذا المجال، ومنها كتاب "تاريخ سيناء والعرب" لمؤلفه من أصل لبناني نعوم بك شقير، وهو واحد من ضمن أربعة مراجع رئيسية كُتبت ضمن مشاريع إمبريالية. وذكر معلومة هامة وهي أنه إبان الاحتلال لشبه جزيرة سيناء عام 1967 وحتى تحريرها كاملة خلال الثمانينات، قام علماء الجغرافيا والباحثون الإسرائيليون بكتابة عشرات الكتب والأبحاث التي تتناول أدق تفاصيل سيناء من جغرافيا وجيولوجيا.
حديث تهجير الفلسطينيين الذي خرج من أفواه المحللين إلى أفواه السياسيين صراحة في الآونة الأخيرة يستدعي القلق؛ ليس فقط من النواحي السياسية والعسكرية على سيناء، ولكن أيضا على المستوى المعرفي عن جزء عزيز من مصر؛ بذلت فيه أجيال عديدة الغالي والنفيس من أجل استرداده والحفاظ عليه
إن حديث تهجير الفلسطينيين الذي خرج من أفواه المحللين إلى أفواه السياسيين صراحة في الآونة الأخيرة يستدعي القلق؛ ليس فقط من النواحي السياسية والعسكرية على سيناء، ولكن أيضا على المستوى المعرفي عن جزء عزيز من مصر؛ بذلت فيه أجيال عديدة الغالي والنفيس من أجل استرداده والحفاظ عليه.
وليس هناك ما يبرر غياب هذا الجهد البحثي عن سيناء، وهو جهد ليس بالضرورة أن تقوم به الدولة بشكل رسمي وإن كانت يمكن أن تستفيد من نتائجه على المستوى الدبلوماسي والعسكري، والأهم هو توفير البيئة البحثية والعلمية والتمويل اللازم لبدء هذا المشروع. وهي مهمة يمكن أن تضطلع بها الجامعات الواقعة في سيناء، وهي بذلك تسد ثغرة معرفية وبحثية هامة، ومن ناحية أخرى تقوم بعمل بحثي في البيئة التي يدرس ويعيش فيها الطلاب يساهم في خدمة وتنمية المجتمع. كما أنه متوافق مع الاتجاه الحديث في البحوث العلمية التي تسعى لأن تقدم بحوثا بديلة لتلك التي تأثرت بالحقب الاستعمارية.
twitter.com/HanyBeshr
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه فلسطين الجغرافيا الاحتلال سيناء فلسطين الاحتلال سيناء دراسات جغرافيا مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إلى فلسطین
إقرأ أيضاً:
انطلاق مؤتمر الجمعية المصرية لخبراء التقييم العقاري 18 يناير المقبل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تستعد الجمعية المصرية لخبراء التقييم العقاري برئاسة الأستاذ الدكتور أحمد رجائى أنيس، لإطلاق مؤتمرها الدولي الثاني بعنوان “صناعة التقييم العقاري ودورها في حماية الاقتصاد القومي” يوم 18 يناير المقبل بفندق سميراميس انتركونتننتال القاهرة
يعقد المؤتمر تحت رعاية الهيئة العامة للرقابة المالية وبحضور الدكتور محمد فريد صالح رئيس الهيئة ونخبة من الخبراء والمسئولين بالهيئة العامة للرقابة المالية، والبنك المركزي المصري، والمؤسسات المالية غير المصرفية، إضافة إلى أبرز المختصين في مجالي التقييم والتمويل العقاري.
يناقش المؤتمر العديد من المحاور المهمة التي ترتبط بشكل مباشر بدعم الاقتصاد الوطني، وعلى رأسها دور التقييم العقاري كأداة محورية في ضمان استقرار السوق العقاري، وتعزيز الثقة بين المستثمرين، إضافة إلى إبراز أهمية التمويل العقاري في دفع عجلة التنمية الاقتصادية من خلال تسهيل امتلاك الأصول العقارية وتمويل المشاريع الكبرى.
صرح المهندس خالد صلاح المهدى، نائب رئيس الجمعية ورئيس اللجنة المنظمة للمؤتمر، إن المؤتمر سيشهد مشاركة ممثلين عن مجلس المعايير الدولية للتقييم “IVSC”، والمعهد الملكي للمساحين القانونيين “RICS” كمتحدثين رئيسيين.
أضاف أن أحد أهداف المؤتمر هو مناقشة آليات تطوير التمويل العقاري وتكاملها مع التقييم العقاري، لتعزيز القدرة الشرائية للأفراد ودعم نمو القطاع العقاري.
أوضح المهدى، أن المؤتمر يهدف إلى رفع الوعي بالدور الحيوي للتقييم العقاري في حماية الاقتصاد القومي، مع تسليط الضوء على أهمية التعاون بين الجهات التنظيمية والرقابية والمؤسسات المالية، بالإضافة إلى مواكبة التطورات الإقليمية والدولية في معايير التقييم والتمويل العقاري.
وأوضح الدكتور عبد النبي مرزوق عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية لخبراء التقييم العقاري ومقرر اللجنة العلمية أن المؤتمر سوف يناقش في جلساته مجموعة من الموضوعات الهامة ومنها التقييم العقاري والمؤسسات المصرفية، دور الهيئات الرقابية في تنظيم ودعم صناعة التقييم العقاري، دور مؤسسات التقييم الدولية في تطوير صناعة التقييم العقاري، وإبراز دور التقييم العقاري في حماية الاقتصاد الوطني.