جريدة الرؤية العمانية:
2024-10-03@19:07:41 GMT

سلطنة عُمان.. نحو دولة صناعية متقدمة

تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT

سلطنة عُمان.. نحو دولة صناعية متقدمة

 

 

إبراهيم بن سالم الهادي

 

التاريخ الذي سطَّره العمانيون قبل آلاف السنين في صناعة السفن العمانية وخاضوا من خلالها عُباب البحر إلى شمال وشرق آسيا في الهند والصين وأقاصي القارة السمراء، ولعل أبرز المسارات الطويلة التي وثقت متانة الصناعات العمانية هي وصول السفينة العمانية "سلطانة" إلى ميناء نيويورك في العام 1840 للميلاد.

تاريخ لو وضعناه نبراسًا منذ ذلك الوقت وانطلقنا به لبناء دولتنا صناعيًا؛ لأصبحا اليوم في مصاف الدول المتقدمة في الصناعات؛ بل قد نتفوق في صناعات عُمانية فريدة. وحرب غزة الأخيرة قدمت لنا العديد من العبر؛ حيث كشفت النقاب عن ضعف الاقتصاد العربي؛ كونها مستوردة لا صناعية ما جعلها خاضعة للدول الصناعية.

نسينا التاريخ وتركناه، فبقينا نستورد كل شيء من الإبرة إلى السفينة، التي كُنّا نصنعها ذات يوم، أصبحت اقتصادات الدول العربية مستسلمة للغرب في الحصول على ما تحتاجه من منتجات، بينما نرى القتل والتدمير في أشقائنا ونحن عاجزين، فيما نخشى اليوم المشؤوم الذي يأتي من مبدأ "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض"، حتى المقاطعة التي تعد أضعف الإيمان أصبحت صعبة؛ كوننا نستورد الغذاء والكساء والتقنية وكل شيء من الغرب والشرق!

وصولنا إلى هذه المرحلة من الضعف الاقتصادي يوجب علينا الخروج منه واسترداد قوتنا بالرجوع إلى تاريخنا لنستمد منه حقيقتنا؛ فنعود إلى الصناعة من جديد، وما أسهلها اليوم أمام امتلاكنا الطاقة الأساسية بأنواعها من خام النفط والغاز والهيدروجين والمعادن والتكنولوجيا وسهولة التواصل مع الحضارات والدول الصناعية الكبرى. علينا أن نُشكِّل لجنة تجمع المفكرين العباقرة والمخططين الاستراتيجيين لنصنع انطلاقة حقيقية نحو التغيير من دول مستوردة إلى دول صناعية مصدرة، من خلال وضع مناطق صناعية خاصة تقسم إلى تصنيفات متنوعة: خفيفة ومتوسطة وثقيلة، تصل إلى صناعة حاملات الطائرات وصناعة أشباه الموصلات والتكنولوجيا والسكك الحديدية والقطارات والمركبات الفضائية.

ليس هناك مستحيل أمام الإرادة خاصةً ونحن نواجه ضعفًا أمام الدول الصناعية التي تنهش من ثرواتنا بالكيفية التي تريدها، علينا أن نشحذ الهمم ونضع استراتيجية وهدفا ووقتا زمنيا مع استقطاب أو إشراك الدول الصناعية الصديقة كالصين وأمريكا وألمانيا وبريطانيا واليابان وروسيا والهند وكوريا وإيران، وغيرها من الدول الصناعية الأخرى.

لسنا في مواجهة أحد وإنما نريد أن نؤسس لأنفسنا ونعيد مجدنا، لأننا في وضع نبيع فيه برميل النفط الخام بمئة دولار وتصنع منه الدول الصناعية أدوات خفيفة تبيعها لنا بمليون دولار، ألا يكفينا مثل هذا الدرس؟ ألا يحرك فينا الرغبة لنتدارك هدر ثرواتنا التي نبيعها بأبخس الأثمان؟!

فلنفكر قليلاً ونجتمع مع الدول الصناعية ونفتح معها مجالات استثمارية في سلطنة عمان تقوم على الصناعات بمختلف أنواعها، فنحن نملك المساحات الشاسعة الفضاء والموقع الاستراتيجي الذي يسيل له لعاب العالم والطاقة كالنفط الخام والغاز والهيدروجين والشمس والبر والبحر والمعادن والطاقات البشرية وغيرها، لا نشترط عليهم تعقيدات بيروقراطية ونقمع مع ذلك أصحاب المصالح الذين يقفون دائمًا عائقاً أمام التقدم وخدمة الوطن، ونضع الحوكمة أساسا في الخطة الصناعية، فلا يمكن أن نخرج من ضعفنا إلا بالصناعة وتعزيز مفهوم التاريخ الصناعي العملاق في نفوس النشء واليافعين، وجعله حاضرا أمام الأجيال الحالية في مناهجهم الدراسية بإصدار كتاب الصناعة من الصف الأول إلى آخر فصل بالجامعات مع تعزيز الوعي بالتاريخ المشّرف للأجيال لينهلوا منه الفخر والاعتزاز وليكون حافزًا لهم لإطلاق العنان لطاقاتهم ومواهبهم في الصناعات الوطنية.

لتكن هذه المبادرة من وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار وتعرضها كفكرة ناضجة أمام مجلس عُمان وتُشكَّل من أجلها على الفور لجنة تنفيذية ذات صلاحيات تُزيح العراقيل والمعرقلين، ولننطلق لوضع حجر الأساس على أرض صناعية بمساحة مليار متر مربع في أرض التاريخ والحضارة سلطنة عمان، من أجل أن نمضي قدمًا نحو آفاق دولة صناعية عملاقة.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

أوهام الديمقراطية 2

انتهيت في مقالي السابق إلى القول بأنه على الرغم انتقاد أفلاطون اللاذع لفكرة الديمقراطية، فقد تم استدعاء الديمقراطية منذ العصر الحديث باعتبارها النظام الأمثل الذي يمكن أن يحكم حياة البشر، وباعتبارها غاية ما وصل إليه التطور البشري، ومن ثم باعتبارها أمارة على تقدم الدول التي تتبنى النظام الديمقراطي. ولكني رأيت أن الترويج للديمقراطية بهذا الاعتبار هو نوع من الدعاية الأيديولوجية التي تريد تبرير النظام العالمي الذي تتبناه دول الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية. ولهذا، فإن هذا التصور يستدعي تساؤلات عديدة تجعلنا نتشكك في مصداقيته. وسوف أحاول الإجابة عن هذه التساؤلات بالاستعانة بطريقة الفلسفة التحليلية للغة والمفاهيم المتداولة:

أول هذه التساؤلات وأهمها هو: هل الدول الديمقراطية هي الدول المتقدمة؟! الإشكالية هنا تكمن في أن "الدول التي تتبني نظمًا ديمقراطية هي دول متقدمة بالفعل"، ولكن هذه العبارة لا تعني من الناحية المنطقية أن "الدول التي تتبنى نظمًا ديمقراطية هي الدول المتقدمة بالفعل"، أعني: أنها ليست الدول الوحيدة التي تُعد متقدمة (وهذا هو الفارق الدلالي بين كلمة "دول" وكلمة "الدول"، وهو فارق كبير). ذلك أن هناك دولًا تتبنى نظمًا لا يمكن وصفها بأنها نظم ديمقراطية، ومع ذلك فإنها تُعد من أكثر الدول تقدمًا، بل تعد ضمن الدول الثلاث الأولى الأكثر تقدمًا على مستوى العالم. ولعل القارئ سوف يفطن على الفور إلى أن الدول التي أقصدها هنا في المقام الأول هي: روسيا والصين تحديدًا. وربما يجادل البعض في هذا بإثارة السؤال التالي: وما هو معيار التقدم هنا؟ إن دولة معينة قد تكون متقدمة في جانب أو جوانب ومتخلفة في جوانب أخرى. ولكيلا ندخل في مناقشات سوفسطائية عقيمة، فإنني أضع معيارًا بسيطًا للتقدم من خلال مفهوم "الغَلَبة"، وهو مفهوم قد استخدمه العرب، وعلى رأسهم ابن خلدون: فالدول المتقدمة هي الدول أو الأمم التي تكون لها "الغلبة" على غيرها، وهذه الغلبة هي تجعل لغتها غالبة على الشعوب الأخرى، وهذا هو أيضًا ما جرى حينما كانت اللغة العربية هي لغة الغالب في مرحلة تألق الحضارة العربية. حقًّا إن دولة مثل روسيا والصين يتحدث لغتها ملايين عديدة من أهلها، من دون سائر الشعوب الأخرى، ولكن اللغة هنا ليست هي المعيار الوحيد؛ لأن "الغلبة" هنا تتحقق في المقام الأول من خلال التقدم في الشؤون العسكرية والاقتصادية وفي شؤون التعليم والتكنولوجيا وفي الوفاء بالحاجات الاجتماعية. وإذا وضعنا هذا في الاعتبار، فإن دولة مثل روسيا أو الصين تنافس بقوة دول الغرب التي تدعي أنها متقدمة بسبب تبنيها نظمًا ديمقراطية. وعلى سبيل المثال، فإن دولة مثل روسيا تعد من أكبر القوى العسكرية في العالم، بل إنها تُعد أقوى دولة نووية في العالم، وهي متقدمة بشكل مذهل في شؤون التكنولوجيا والتعليم والفن، ويكفي أنها أعظم الدول في إرثها الفني والأدبي، حتى إنها تضم أعظم باليه في العالم: "البولوشوي". كما أنها تتمتع بتعليم متميز على الأصعدة كافة، وتتمتع الآن بحالة جيدة من القوة الاقتصادية والرعاية الاجتماعية التي تكفل للمواطن حياة كريمة، من بعد معاناة طويلة في هذا الصدد حينما ارتمت في حضن منظومة الغرب. ومثل هذا يمكن أن يُقال عن دولة الصين التي أصبحت المارد العملاق الذي يهدد الغرب نفسه في عقر داره، باعتبارها قوة اقتصادية جبارة تهدد هيمنة الاقتصاد الأمريكي نفسه، بل تتنامى قوتها العسكرية بمعدلات سريعة، بما في ذلك قوتها النووية. دع عنك كوريا الشمالية التي تتبنى نظامًا ديكتاتوريًّا بحق، ومع ذلك فإن قوتها العسكرية قد تنامت بشكل مذهل. وإذا وضعنا في الاعتبار أن هذه الدول قد أصبحت متحالفة الآن، فإن هذا يعني ببساطة أن هناك نظامًا عالميًّا جديدًا يتشكل من جديد بحيث تكون "الغلبة" فيه لنظم مغايرة لا تتبنى نموذج الديمقراطية الذي يروج له الغرب.

والحقيقة أننا لو تأملنا الديمقراطية كما تُمارس في الغرب، فسوف نجد أنها أوهام، ليس فقط بسبب أن الغرب لا يزال ينظر إلى الشعوب الأخرى، خاصةً المسلمين، باعتبارها شعوبًا أدنى؛ وإنما حتى بسبب ان هذا الغرب لا يزال يمارس سياسات عنصرية ومتحيزة إزاء الأصول العرقية المغايرة التي تعيش بين جنباته، حتى إن كانوا يحملون جنسية الدولة التي ينتمون إليها. يعرف هذا جيدًا كل من يعيشون في الغرب من أصول عرقية إفريقية أو عربية أو مسلمة. ولننتقل الآن إلى مثال صارخ آخر على أوهام الديمقراطية، وهي حالة الكيان الصهيوني المسمى بدولة إسرائيل التي لا يعرف أحد حدودًا جغرافية لها؛ ببساطة لأنها قامت على الاحتلال واغتصاب أرض الأغيار:

إسرائيل دول ديمقراطية بالفعل على مستوى النظام السياسي في الحكم. ولا شك أيضًا في أنها دولة متقدمة على كثير من الأصعدة، لعل أهمها تصنيع الأسلحة والتكنولوجيا. ولكن هل يبرر ذلك وصفها بأنها دولة ديمقراطية؟ فإذا كانت الديمقراطية تفترض المساواة بين الناس، فهل يمكن تصور هذه المساواة باعتبارها مقصورة على اليهود الذين يعيشون داخل دولة إسرائيل، في الوقت ذاته الذي تنظر فيه هذه الدولة إلى الآخرين باعتبارهم "الأغيار"، وتنظر إلى العرب- أصحاب الأرض التي تحتلها- باعتبارهم حيوانات لا تنتمي إلى البشر وينبغي القضاء عليهم والتنكيل بهم بلا رحمة؛ وليس هذا الكلام من عندي، وإنما هو كلام شائع ومنشور على ألسنة كثير من الصهاينة على شبكة المعلومات! فأية ديمقراطية هذه التي تقوم على التمييز بين البشر وفقًا لمعتقدات دينية ونزعات عنصرية وحشية؟! زد على ذلك أن هذه العنصرية نجدها داخل دولة إسرائيل نفسها؛ إذ إن هناك مراتب في تصنيف من ينتمون إلى الدولة ويحملون جنسيتها، فيأتي اليهود الأفارقة وعرب إسرائيل في مراتب دنيا داخل الدولة. هذا وغيره مما سبق هو مجرد أمثلة على أوهام الديمقراطية.

هل يعني كل هذا رفض الديمقراطية أو معاداتها. كلا، فإنه لا يعني سوى شيء واحد هو أن الديمقراطية تظل نموذجًا طوباويًّا لم يتحقق يومًا في عالمنا هذا، وهو لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كانت منهجًا في الفكر وأسلوب حياة في التعايش مع الذات ومع الآخرين.

مقالات مشابهة

  • صور الأقمار الصناعية تكشف عن الأضرار التي لحقت بقاعدة نيفاتيم الجوية الصهيونية نتيجة الهجمات الصاروخية الإيرانية.”
  • "برونزية تاريخية" الأهلي يصنع التاريخ أمام برشلونة في مونديال الأندية لكرة اليد
  • السيد فهد يؤكد دعم سلطنة عُمان لجهود "الإيسيسكو" في خدمة العمل التربوي بين الدول الإسلامية
  • الدول المثقوبة !
  • مصطفى مدبولي: تكلفة إنشاء فصل في مدرسة حوالي مليون جنيه
  • حرب السودان أكبر مؤامرة تعرضت لها دولة في التاريخ الحديث
  • أستاذ اجتماع سياسي: الهوية المصرية عبر التاريخ «حصن لا يُهزم أمام الغزاة» (حوار)
  • أوهام الديمقراطية 2
  • عن كثب.. ما هي جرائم الحرب التي ارتكبتها اسرائيل؟
  • سلطنة عُمان تشارك في اجتماع وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالقاهرة