الزي العُماني إلى أين؟
تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT
جابر حسين العُماني
jaber.alomani14@gmail.com
وُجِّهَت لي دعوةٌ لتقديم ورقة علمية في أحد المؤتمرات الخليجية، وطُلب مني تقديم الورقة بالزي العُماني، ومن باب الفضول سألت المعنيين هناك: لماذا التركيز على الزي العُماني؟ فجاء الرد: لأن الزي العُماني أصبح محط أنظار العالم، والعالم يحترمه ويقدره ويجله كثيرًا، وهذا ما نراه فعلاً ونلمسه اليوم من بلدان العالم تجاه سلطنة عُمان وزيها العُماني الأصيل، الذي تعود على لبسه أهل عُمان وحافظوا عليه.
لقد أكد القانون العُماني على لبس الزي العُماني للموظفين وطلاب المدارس الحكومية، وذلك حفاظًا على الموروث الشعبي العُماني، وعُرف الإنسان العُماني منذ القدم بمحافظته على تراثه وأصالته العُمانية، ولا زال أبناء وبنات عُمان منذ نعومة أظافرهم يهتمون بارتداء الزي العُماني العريق، والذي لا يفارقهم في حضرهم أو سفرهم.
إنَّ أهم ما يلمسه زوار سلطنة عُمان في الداخل العُماني، هو تجسيد وحب وعشق واعتزاز أهل عُمان بتراثهم الوطني الأصيل المتمثل في الأزياء العُمانية المختلفة والمحتشمة، والتي عُرفت بأناقتها وجمالها وبساطة أشكالها وألوانها وشهرتها العالمية، وأصبح الزي العُماني التقليدي له طابعه المميز من بين الأزياء العربية والإسلامية، حيث عُرف بالحشمة والأصالة والعراقة. ولكن في الآونة الأخيرة هناك من سعى لإدخال بعض التحديثات على الزي العُماني التقليدي، بحيث أفقده شيئا من أصالته وعراقته التي تربى عليها أبناء الوطن منذ القدم.
وكم هو مؤسف جدًا عندما ترى اليوم في الأسواق والأماكن العامة بعض الموديلات النسائية التي انسلخت عن هويتها، فصارت بعض النساء يرتدينها، مثل ارتداء العباءة الضيقة أو القصيرة أو الملونة، تقليدًا لصيحات الموضة الغربية والعالمية، التي لا علاقة لها بعاداتنا وتقاليدنا وثقافتنا الإسلامية والوطنية.
وقد سبق أن منعت مؤسسات الدولة المعنية إدخال التغييرات على الدشداشة الرجالية العُمانية، حفاظًا على الهوية العُمانية، لذا أصبح اليوم من الواجب أيضا تفعيل نفس القانون على بعض التغيرات التي طالت الزي النسائي العُماني، وأفقدته هويته التي عرف بها، بنفس الهدف وهو الحفاظ على الهوية العُمانية الأصيلة للمرأة العُمانية، ولكي لا تصبح المرأة أداة من أدوات الإغراء للمجتمع، ميزها الله تعالى بالحصن المنيع، وهو اللباس المحتشم الذي يستر جسدها ومفاتنها لتكون مفخرة من مفاخر الدنيا بحجابها وعفافها.
اليوم لا بُد أن يعي الجميع أن لباس المرأة المُسلمة ما هو إلا جزء لا يتجزأ من الحجاب الذي أراده الله تعالى للمرأة، وهو يمثل عنوانًا واضحًا وصريحًا للأحكام الاجتماعية التي خصصها الله تعالى للمرأة في النظام الإسلامي الحنيف، فقد حث النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم على أهمية الحجاب، ولبس اللباس المحتشم، وأنذر بالعذاب العظيم للاتي لا يعتنين باللباس المحتشم، فقد جاء عن أمير المؤمنين ومولى الموحدين الإمام علي بن أبي طالب أنه قال: (دَخَلْتُ أَنَا وَفَاطِمَةُ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَوَجَدْتُهُ يَبْكِي بُكَاءً شَدِيدًا، فَقُلْتُ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اَللَّهِ مَا اَلَّذِي أَبْكَاكَ؟ فَقَالَ: يَا عَلِيُّ؛ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي إِلَى اَلسَّمَاءِ رَأَيْتُ نِسَاءً مِنْ أُمَّتِي فِي عَذَابٍ شَدِيدٍ، فَأَنْكَرْتُ شَأْنَهُنَّ، فَبَكَيْتُ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ شِدَّةِ عَذَابِهِنَّ)، ثم أخذ في تعداد أسبابهن، ومن بينهن قال: (رَأَيْتُ اِمْرَأَةً مُعَلَّقَةً بِشَعْرِهَا يَغْلِي دِمَاغُ رَأْسِهَا)، فلما سألته ابنته فاطمة الزهراء عن سبب ذلك قال: (يَا بِنْتِي؛ أَمَّا اَلْمُعَلَّقَةُ بِشَعْرِهَا فَإِنَّهَا كَانَتْ لاَ تُغَطِّي شَعْرَهَا مِنَ اَلرِّجَالِ).
وهنا رسالة واضحة على أهمية الحفاظ على الزي الاجتماعي الذي يجب أن يكون في محل الحشمة والعفة والسداد للمرأة، والذي لا يتحقق إلا بالحفاظ على لباس الاحتشام الذي اعتادت عليه المرأة العُمانية والعربية، والتي أوصى به ديننا الحنيف وورثناه جيل بعد جيل من آبائنا وأمهاتنا، وهو اللباس الذي يحفظ لنا ديننا وهويتنا الوطنية، وعاداتنا وتقاليدنا العربية والإسلامية.
قال تعالى في محكم كتابه وفصيح بيانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ [الأحزاب: 59].
أخيرًا.. قد يكون إدخال الحداثة إلى الأزياء الاجتماعية أمر مطلوب يحتاج إليه المجتمع العربي بشكل عام والعُماني بشكل خاص، وذلك من باب تطوير الحضارة العُمانية والعربية بشكلها العام، من خلال تحديث الزي التراثي ودمجه بالتصاميم الجديدة والمعاصرة، ولكن يجب أن لا يكون ذلك الدمج والتطوير المعاصر يمثل انحرافًا وابتعادًا واضحًا وصريحًا عمَّا ورثه الانسان العُماني من عادات وتقاليد وقيم عُمانية وعربية سمحة وأصيلة نشأ عليها المجتمع العُماني الأصيل.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تحدَّثَ عن نصرالله.. ما الذي يخشاه جنبلاط؟
الكلامُ الأخير الذي أطلقه الرئيس السابق للحزب "التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط بشأن أمين عام "حزب الله" السابق الشهيد السيد حسن نصرالله ليس عادياً، بل يحمل في طياته الكثير من الدلالات. جنبلاط أورد 3 نقاط أساسية عن نصرالله في حديثٍ صحفي أخير، فالنقطة الأولى هي أنه بعد اغتيال نصرالله لم يعد هناك من نحاوره في الحزب، أما الثانية فهي إشارة جنبلاط إلى أنه قبل اغتيال "أمين عام الحزب" كانت هناك فرصة للتحاور بين حزب الله وبعض اللبنانيين بشكل مباشر، أما الثالثة فهي قول "زعيم المختارة" أن نصرالله كان يتمتع بالحدّ الأدنى من التفهم لوضع لبنان ووضع الجنوب.ماذا يعني كلام جنبلاط وما الذي يخشاه؟
أبرز ما يخشاه جنبلاط هو أن يُصبح الحوار مع "حزب الله" غير قائمٍ خلال الحرب الحالية، أو أقله خلال المرحلة المقبلة. عملياً، كان جنبلاط يرتكز على نصرالله في حل قضايا كثيرة يكون الحزبُ معنياً بها، كما أنّ الأخير كان صاحب كلمة فصلٍ في أمور مختلفة مرتبطة بالسياسة الداخلية، كما أنه كان يساهم بـ"تهدئة جبهات بأمها وأبيها".
حالياً، فإنّ الحوار بين "حزب الله" وأي طرفٍ لبناني آخر قد يكون قائماً ولكن ليس بشكلٍ مباشر، وحينما يقول جنبلاط إن الأفضل هو محاورة إيران، عندها تبرز الإشارة إلى أن "حزب الله" في المرحلة الحالية ليس بموقع المُقرّر أو أنه ليس بموقع المُحاور، باعتبار أنَّ مختلف قادته والوجوه الأساسية المرتبطة بالنقاش السياسيّ باتت غائبة كلياً عن المشهد.
إزاء ذلك، فإن استنجاد جنبلاط بـ"محاورة إيران"، لا يعني تغييباً للحزب، بل الأمرُ يرتبطُ تماماً بوجود ضرورة للحوار مع مرجعية تكون أساسية بالنسبة لـ"حزب الله" وتحديداً بعد غياب نصرالله والاغتيالات التي طالت قادة الحزب ومسؤوليه البارزين خصوصاً أولئك الذين كانت لهم ارتباطات بالشأن السياسي.
الأهم هو أن جنبلاط يخشى تدهور الأوضاع نحو المجهول أكثر فأكثر، في حين أن الأمر الأهم هو أن المسؤولية في ضبط الشارع ضمن الطائفة الشيعية تقع على عاتق "حزب الله"، ولهذا السبب فإن جنبلاط يحتاج إلى مرجعية فعلية تساهم في ذلك، فـ"بيك المختارة" يستشعر خطراً داخلياً، ولهذا السبب يشدد على أهمية الحوار مع "حزب الله" كجزءٍ أساسي من الحفاظ على توازنات البلد.
انطلاقاً من كل هذا الأمر، فإنّ ما يتبين بالكلام القاطع والملموس هو أن رهانات جنبلاط على تحصين الجبهة الداخلية باتت أكبر، ولهذا السبب تتوقع مصادر سياسية مُطلعة على أجواء "الإشتراكي" أن يُكثف جنبلاط مبادراته وتحركاته السياسية نحو أقطاب آخرين بهدف الحفاظ على أرضية مشتركة من التلاقي تمنع بالحد الأدنى وصول البلاد نحو منعطف خطير قد يؤدي إلى حصول أحداثٍ داخلية على غرار ما كان يحصلُ في الماضي.
في الواقع، فإنّ المسألة دقيقة جداً وتحتاجُ إلى الكثير من الانتباه خصوصاً أن إسرائيل تسعى إلى إحداث شرخٍ داخلي في لبنان من بوابة استهداف النازحين في مناطق يُفترض أن تكون آمنة لكنة لم تعُد ذلك. أمام كل ذلك، فإن "الخشية الجنبلاطية" تبدأ من هذا الإطار، وبالتالي فإن مسعى المختارة الحالي يكون في وضع كافة القوى السياسية أمام مسؤوليتها مع عدم نكران أهمية ودور "حزب الله" في التأثير الداخلي، فهو العامل الأبرز في هذا الإطار.
المصدر: خاص لبنان24