فلسطين والعرب.. من يُحرِّر من؟!
تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT
علي بن مسعود المعشني
ali95312606@gmail.com
لا شك أنَّ "طوفان الأقصى" جعل جُهد المعركة ظاهريًا على أرض غزة، ولكن من يقرأ ما بين السطور وما وراء الخبر، يُدرك أنَّ المعركة الحقيقية تدور بصمتٍ وضجيجٍ- معًا- في جغرافيات وعواصم إقليمية ودولية عن مصير العالم بعد الطوفان، وتُدرك كذلك أنَّ الطوفان ما هو إلّا رأس جبل الثلج لتحوُّلات إقليمية ودولية خطيرة سيشهدها العالم قريبًا جدًا.
تداعيات طوفان الأقصى لن تقتصر على جغرافية فلسطين المحتلة، ولا على محور المقاومة، ولا على الوطن العربي؛ بل ستمتد إلى قوى عالمية وجغرافيات كثيرة، وسيُعيد الطوفان تشكيل الوعي السياسي والضمير العالمي، والأهم على الإطلاق من كل ذلك هو اعتماد طيف واسع من الغرب- بشقيه الرسمي والشعبي- مستقبلًا، للرواية العربية حول الصراع العربي الصهيوني على أرض فلسطين المحتلة، في الخطابين الإعلامي والسياسي.
الأخطر اليوم هو ضيق خيارات الكيان الصهيوني ورُعاته بعد تبخُّر أحلامهم في القضاء على فصائل المقاومة، وتصفية قادتها، وإجبار سكان قطاع غزة على الهجرة قسرًا إلى سيناء هربًا من جحيم المعركة وبفعل الحصار والتجويع.
لغاية اليوم، النتائج واضحة ومعروفة للجميع، ولكن ما هو غير معروف ومتوقع هو فرض الكيان الصهيوني ورعاته وبالإكراه على كلٍ من مصر والأردن القبول بتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة. فبعد مُسلسل المغريات المالية لكلا البلدين والتي لم تُجدِ معهما، لن يجد الكيان ورعاته مخرجاً من المأزق الوجودي سوى باستخدام أسلوب القوة المُفرطة تجاه كل من مصر والأردن؛ الأمر الذي سيُجبر البلدين على إلغاء اتفاقيات السلام، وخوض حرب مباشرة مع الكيان الصهيوني وخلط أوراق الأزمة، وبهذا يعود الصراع العربي الصهيوني إلى مربعه الأول.
لم تكن الحشود العسكرية الهائلة للجيشين المصري والأردني على الحدود مع فلسطين المحتلة بقصد الاستعراض أو لمنع تسلل المهاجرين من فلسطين؛ بل رسالة جلية للكيان بأن خيار القوة المسلحة لمواجهة مخططاته المصيرية ما زال قائما ومطروحا، كما إن مراجعة مجلس النواب الأردني لبنود اتفاقية وادي عربة مع العدو الصهيوني، ومطالبات أعضاء مجلس النواب المصري بإلغاء اتفاقية كامب ديفيد ليست مناورات إعلامية؛ بل خيارات واردة تنتظر التنفيذ.
خطوات الكيان الصهيوني ورُعاته بعد الهدنة هي التي ستُقرِّر مصير المنطقة والعالم وترسُم ملامح الصراع العربي الصهيوني وأبعاده؛ فالكيان الصهيوني لم يبق له من خيارات حقيقية على الأرض بعد مراجعات الطوفان وتداعياته، سوى الانتحار على طريقة نيرون "عليَّ وعلى أعدائي"!
أمريكا والغرب عمومًا يُدركون اليوم أن مدنيَّتهم على المحك، وأن خياراتهم وقراراتهم تجاه مواصلة دعم الكيان ستكون مصيرية، وبحجم وجودهم من عدمه، لهذا لا غرابة أن نرى في قادم الأيام تنكُّرًا وتنصُّلًا غربيًا من مهمة مواصلة دعم الكيان بعد أن أصبح المزاج الشعبي الغربي في منسوب الخطر تجاه الصهيونية العالمية، وفي المقابل التعاطف الشعبي الغربي الكبير تجاه فلسطين وقضيتها، بعد تحررهم من غشاوة تضليل الإعلام الصهيوني الموجه لهم لعقود خلت.
قضية فلسطين بعد الطوفان، ستصبح مؤشرَ سياساتٍ في الغرب، ليس بالضرورة لنصرة حق عربي؛ بل لاستعادة سلة قيم غائبة ومُغيَّبة في الوعي العام الغربي، ولم يبق منها سوى شعارات فارغة.
أعود إلى التذكير بالقول إن الطوفان اسم على مسمى، وإن ارتداداته ستكون مصيرية في بقاع وجغرافيات كثيرة، وستغير مفاهيم ومواقف عميقة سرت لعقود دون مراجعات أو تغيير. والله غالب على أمره.
قبل اللقاء.. "إذا الشعب يومًا أراد الحياة // فلا بُدَّ أن يستجيب القدر". أبو القاسم الشابي.
وبالشكر تدوم النعم.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
حصار غزة سيقابل بحصار الكيان
هذا المنع، يعني أن العدو يحرص على إطباق الحصار على سكان غزة، وتجويعهم، ليموتوا جوعاً، بعد أن قتلوا بالقنابل الأمريكية والصهيونية على مدى 15 أسبوعاً خلال معركة طوفان الأقصى.
وجاء خطاب السيد القائد بعد يوم من خطاب ألقاه المتحدث العسكري باسم كتائب القسام أبو عبيدة، والذي شخص من خلاله الواقع المأساوي في القطاع، جراء المماطلة الإسرائيلية في تنفيذ الاتفاق، وأكد أن حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية قد أدت ما عليها، وأوفت بالتزاماتها، لكن العدو يريد الاستمرار في غيه وعدوانه، مشيراً إلى أن المقاومة في أعلى جهوزيتها للمواجهة، أو الدخول في حرب أخرى.
وكعادته، قدم أبو عبيدة ثناء على اخوان الصدق "أنصار الله"، مقدماً شكره لليمن على مواقفه الصادق، والمخلصة مع غزة وسكانها المظلومين، وهو موقف لا مثيل له في العالم.
كل المؤشرات الآن، تدل على أننا مقبلون على حرب جديدة، يريد ترامب إدارتها بعقليتها المجنونة، كما أدارتها من قبل بادين الخرف، وفي كلا الحالتين، فإن المجرم نتنياهو سيكون رأس الحربة في أي مغامرة جديدة، وكما هي عادة هذا العدو، فإن أسلحته لمحاولة تركيع حماس، تتضمن القصف والغارات الجنونية، واستهداف المدنيين، ومقومات الحياة بالقطاع، إضافة إلى إطباق الحصار على سكان غزة.
وما يشجع هذه العربدة الصهيونية، هي المواقف المتواطئة للحكام العرب، وعدم انتفاضة الشعوب العربية والإسلامية، وإصدار مواقف إدانة لكل ما يحدث في غزة، وقد شاهد العالم، ما خرجت به قمة القاهرة من مواقف خجولة وضعيفة، لا ترتقي إلى أصالة العرب ونخوتهم وشهامتهم.
هنا يرسل السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي رسالتين هامتين:
الأولى: لفصائل المقاومة الفلسطينية [حماس]، مؤكداً أن اليمن ثابت على موقفه، وأن على الفلسطينيين أن يثقوا جيداً باليمن- وهم أيضاً واثقون- وأن اليمن لا يستطيع أن يقف متفرجاً على تجويع قطاع غزة، ولهذا صدر الموقف التاريخي للسيد القائد عبد الملك الحوثي بإعطاء مهلة 4 أيام للوسطاء، ما لم فإن استمرار الحصار على قطاع غزة سيقابل بحصار يمني جديد على الكيان الصهيوني في البحر الأحمر.
الثانية: للحكام العرب والمتخاذلين: أن الموقف الحقيقي في مواجهة العدو الأمريكي والإسرائيلي لا يكون بالبيانات الضعيفة والهزيلة، و إنما بالمواقف العملية الموجعة والمؤثرة، واليمن هنا يعطي دروسا في القيم والأخلاق ونصرة المستضعفين، وهي نابعة من أصالة الإنسان العربي الضاربة في جذور التاريخ.
بطبيعة الحال، يفهم العدو الإسرائيلي أن الحصار على ميناء أم الرشراش مكلف للغاية، وقد عانى كثيراً خلال 15 أسبوعاً من معركة "طوفان الأقصى" حيث أدت عمليات اليمن إلى إعلان الميناء إفلاسه، وتوقفه عن العمل، وتكبد الكيان الصهيوني خسائر اقتصادية لا حدود لها.
السيناريوهات المطروحة على الطاولة كثيرة ومتعددة، فقد تلجأ إسرائيل لتفادي خسائرها وتعمل على إدخال المساعدات إلى القطاع، وهنا يتجنب الجميع التصعيد القادم، أما في حال أصر العدو الإسرائيلي على استمرار الحصار على غزة، فإن اليمن ستكون لديه وثبة كبيرة، وقد نشهد مفاجآت لم تحدث في المعركة الماضية، وقد تتطور الأحداث لتصل إلى حرب شاملة، لا سيما إذا ما غامرت واشنطن وتدخلت مرة أخرى لمحاولة انقاذ ربيبتها "إسرائيل" وفك الحصار عنها.
ما حدث هو اعلان تاريخي استثنائي، فالسيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، يتصدر مرة أخرى الموقف العربي الإسلامي في مناصرة غزة، وهو موقف قوي ستكون له الكثير من التداعيات على الساحتين العربية والإقليمية، والأيام ستكشف المزيد من الأمور الغامضة.
*المسيرة