جريدة الرؤية العمانية:
2025-02-23@16:45:57 GMT

صناعة الأثر

تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT

صناعة الأثر

 

د. صالح الفهدي

قال أحدهم: "قد لا يكون لدينا تصورًا واضحًا للمستقبل، لكننا نحرصُ على اتخاذ القرارات الصحيحة بقدر ما نستطيع في حاضرنا"، وهذه في نظري هي الخطوة الأهم في صناعة الأثر؛ أي أن يتخذ القرارات الصحيحة بقدر ما يتصوّرُ أنها صحيحة، وعلى إِثر ذلك يتحدّد المستقبل، وترتسم صورته، فالذي يتجّهُ إلى مكانٍ وهو لا يعرفُ الطريق إليه، فإِن أوّل ما يفعلهُ هو أن ينظر موقعه في الخارطة ثم يبحثُ عن أمثلِ وأفضل الطرق المؤدِّية إليه، بعد ذلك ينطلقُ متوجِّهًا نحوه، ولا يحيدُ عنهُ، ولهذا يُقالُ: "من جدّ وجد، ومن سار على الدربِ وصل" أي وصل إلى مبتغاهُ طالما حدّد لنفسه الطريق الصحيح.

تتساوقُ إلى ذهني وجوهُ بعض الناس الذين عرفتُ فيهم الرشد لكنّهم صنعوا لأنفسهم أثرًا غير حميد، لأنّهم قرروا في لحظةٍ من اللحظات أن يتّجهوا نحو غايةٍ طرح لأجلها الطمع أنفسهم فأرداها، وأعمى قلوبها، وأصمّ آذانها، ورسم لهم أنفسهم وهم في غنىً فاحش، ورفاهيةٍ طافحةٍ، ووجاهةٍ نافذةٍ، لكنّهم- وهم في الطريقِ لتلك الغاية- وقعوا في حفرةٍ كلّفتهم أثمانًا باهظةً، فألقوا وراء القضبانِ، وصار الأثرُ الذي كانوا يحلمون بصنعهِ لأجل مجدهم وبالًا على سمعتهم، وخيبةً على آمالهم، وخزيًا على أُسرهم، ونكالًا على أنفسهم، ولو أنهم "اتخذوا القرارات الصحيحة" قبل أن يخطو خطاهم الأُولى، لتمثّلت لهم كل هذه الصور القاتمة المُرعبة، ورأوا الأثر الوخيم الذي سلكوه وراءهم، والحفر التي يمكنُ أن يقعوا فيها، لكنّ غيّهم غلب رشدهم، وهواهم غشى على نظرهم، وطمعهم تحكّم في عقلهم.

والنّاسُ بين ثلاثة: صانعُ أثرٍ إيجابي من أجل الخير، وصانعُ أثرٍ سلبيِّ من أجل الشهرة الزائفة، وثالث حيادي لا أثر له، وكأن وجوده عدم، أمّا الأوّل فهو الذي ترى أثره في المجتمعِ بيِّنًا، جليًّا، في أعمالِ البرِّ التي يفعلها، أو يدعو لها، أو تراهُ نشطًا في مجالِ التّطوِّعِ يسخِّرُ جهودهُ، وطاقته من أجل مساعدةِ النّاس، والأخذِ بأياديهم، أو تجدهُ مجتهدًا في الإِصلاحِ بما يملكُ من موهبةٍ وقدرةٍ على إيصال الكلمة الطيبة، والنصيحة السديدة، أو تنظرُ إليه وقد أفاد الناس من علمه الذي رزقهُ الله إياه، أو من مهنته التي تميّز فيها، أو ساعد النّاس من مالٍ استخلفهُ اللهُ عليه.

هذا النموذج المشرِّف لصانع الأثر الإيجابي الحميد يُبرزُ نفسه، ويسعى إلى غايته بذاته، ولديّ في ذلك أمثلةٌ أذكرُ منها أنّ طبيب أسنانٍ تواصل معي ليطلب مني أن أوصلهُ بجمعية خيرية تهتم بالمسنِّين لأنه يريدُ أن يساعد في علاجهم دون مقابل هو وفريقه من الأطباء والممرضين، وهكذا تم له الأمر، وآخر يطلبُ مني أن أُوصل إليه كل من كان في حاجةٍ مالية ليساعده ولو بالنزر القليل، وآخر أفادني بأنه يسعى إلى كلِّ من حاد عن منهجِ اللهِ فألحد ليعيد إليه رشده، ويبشرني بالأعداد التي منّ الله هديهم على يديه، يقول الشاعر عروة بن الورد:

أحاديث تبقى والفتى غيرُ خالِدٍ

إِذا هُو أمسى هامةً فوق صُيّرِ

أما النوع الثاني من الناس وهو صانع الأثر السلبي الذي يسعى وراء شهرةٍ زائفة، فهذا ينتمي إلى "المروِّجين"، و"المسوِّقين" لفسادِ الأخلاق بتخليهم عن الحشمةِ، والعفّةِ، وحفظ العِرضِ بغية فقاعات الشهرة المغشوشة التي ظنوا أنّ انسلاخهم الأخلاقي يجعلهم من صنّاع الأثر، دون أن يعنيهم نوع الأثر، حتى ارتدُّت عليهم أفعالهم خزيًا وضياعًا وفسادًا.

أما الثالث الذي لا أثر له في حياته فهو ذلك السّبهلل الذي لا ظلّ لهُ إن مشى، ولا أثر له إن خطا، ولا صوت له إن تكلّم، وهو الذي يقول فيه المثل الشعبي:"إن جئت غير منقود، وإن غبت غير مفقود"، يمضي كما الغبارُ الذي لا يتركُ أثرًا بعده، ويرحل كما ترحل آثار الخطى التي يكنسها موج البحر على الساحل.

صناعة الأثر لا يجدر بها إلا "المؤثرين" الذين يتميّزون في أفكارهم، وأخلاقهم، وأعمالهم، فيفيدون أنفسهم ومجتمعهم ووطنهم، ويصبحون قدواتٍ لها أثرها الإيجابي عند الناس. هؤلاءِ هم العظماء الذين تقدّمت بهم أوطانهم، وارتقت بهم مجتمعاتهم، وسادت بهم أُممهم، تمثّل صنّاع الأثرِ بقول أحمد شوقي:

خُذ لك زادينِ مِن سيرةٍ

 ومِن عملٍ صالِحٍ يُدّخر

وكُن في الطريقِ عفيف الخُطا

شريف السماعِ كريم النظر

وكُن رجُلًا إِن أتوا بعدهُ

 يقولون مرّ وهذا الأثر

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

البدوي الذي يشتم رائحة الثلج ..!

روى الزميل ماهر ابوطير قصة البدوي والثلج الطريفة عبر صفحته الفيسبوكية وجاء فيها:

ذات مرة قبل سنوات طويلة كنت في مهمة صحفية في البادية الشمالية مع ثلة من الصحفيين ووصلنا الى منطقة ام القطين المجاورة تماما للصحراء السورية.. كان الطقس عاديا والشمس ساطعة والسماء صافية ولا غيم في الافق.

يومها اقترب مني رجل ثمانيني حفرت الدنيا على وجهه قصتها صبرا وكرما ونبلا.. تحادثنا معا عن هموم العيش في تلك المنطقة النائية.

قبل مغادرتنا نظر الرجل الى السماء مرتين وكأنه يتحدث معها.. ثم قال لي بكل ثقة بلهجة بدوية جميلة.. “يا ابني جاية ثلجة قوية ع البلد”.

سألته متأدبا ومشككا في الوقت ذاته ..اين هو الثلج وكيف عرفت وانت هنا في الصحراء…؟

رد علي وقال.. نحن اهل الصحراء نشم الهواء ونعرف الغيم القادم خلفه ونحس برطوبته قبل ان يصبح مطرا وثلجا.. فتذكر!

مر يومان واكتسى كل الاردن بالثلج!..

وكالة عمون الإخبارية

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • شاهد| هذا هو المكان الذي سيدفن فيه جثمان الأمين العام الأسبق لـ”حزب الله” اللبناني الشهيد السيد حسن نصر الله (فيديو)
  • المليشيا الإرهابية تركب التونسية!
  • المحافظات العراقية التي عطلت الدوام يوم الأحد
  • البدوي الذي يشتم رائحة الثلج ..!
  • المحافظات العراقية التي عطلت الدوام يوم غد الأحد
  • المحافظات العراقية التي عطلت الدوام يوم غد الأحد - عاجل
  • ما الحالات التي يباح فيها الفطر في رمضان؟ .. مفتي الجمهورية السابق يجيب
  • وكيل جراديشار: الأهلي يمتلك مزايا تجعل الانضمام إليه فرصة لا ترفض
  • سرّ جديد عن اغتيال نصرالله.. من الذي خطط لذلك؟
  • هل راية داعش السوداء هي نفسها التي كان يرفعها النبي؟.. «مرصد الأزهر» يوضح الحقيقة «فيديو»