الحرب في الشرق الأوسط تزيد التقارب التركي الروسي
تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT
أنقرة (زمان التركية)- يبدو أن التوترات الأخيرة بين روسيا وتركيا قد وصلت إلى نهايتها، فقبل بضعة أشهر فقط، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يختبر خطوط موسكو الحمراء من خلال مبادرات ودية تجاه أوكرانيا، واليوم فإن الحكومتان الروسية والتركية يتخذان موقفًا موحدًا بشأن الحرب في الشرق الأوسط، وذلك من خلال استخدام تلك الحرب كعصا للتغلب على إسرائيل ومؤيديها الغربيين.
ومن المرجح أن تسعى موسكو وأنقرة، اللتان تجدان نفسيهما على الجانب نفسه من المتاريس إلى تعزيز العلاقات الثنائية ومواءمة مواقفهما بشأن القضايا الإقليمية الشائكة، لكنبالطبع فإن هذا لا يعني أن أحد الطرفين لن ينتهي به الأمر إلى اتهام الجانب الآخر بطعنه في الظهر.
فبينما اتخذ أردوغان من جانبه عدة قرارات اعتبرها الكرملين معادية، فعلى سبيل المثال خلال زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى إسطنبول في يوليو/تموز، صرح الرئيس التركي قائلا إن أوكرانيا “تستحق” عضوية الناتو. و بالإضافة إلى ذلك، سلم أردوغان إلى كييف خمسة قادة من فوج آزوف الأوكراني الذين كانوا في تركيا بموجب شروط تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا. وفي تلك اللحظة كان الكرملين منشغلاً ببدء الهجوم المضاد الأوكراني وتمرد مجموعة فاغنر من المرتزقة، وكان عليه أن يكتفي بالاعتراضات اللفظية التي قدمها كبار المسؤولين، إلا أن الرد الجاد الوحيد من جانب روسيا كان تراجعها عن صفقة حبوب البحر الأسود على الرغم من جهود تركيا للتفاوض على التمديد والتي تضمنت تدخلاً شخصياً من أردوغان.
وبينما أدركت أنقرة أن موسكو كانت في موقف ضعيف، كان أردوغان يختبر فقط خطوط موسكو الحمراء، ويبدوا أنه كان مهتما بعدم تأثر العلاقات الثنائية بشكل جذري، ولذلك فقد وافق أردوغان على الذهاب إلى منتجع سوتشي الروسي على البحر الأسود في الرابع من سبتمبر/أيلول للقاء الرئيس فلاديمير بوتين، وعلى الرغم من أن الخطة الأصلية كانت تقضي بذهاب بوتين إلى تركيا، إلا أنه في نهاية المطاف لم تنجح المحادثات في إحياء صفقة الحبوب، و لم تحقق أي نتائج مهمة، وكانت النتيجة الرئيسية هي الإشارة للعالم بأن العلاقات بين موسكو وأنقرة في حالة جيدة.
وتقدم البيانات الاقتصادية دليلا حيا على الصداقة، فقد وزاد حجم التجارة بين روسيا وتركيا أكثر من 80 بالمئة في عام 2022 ليصل إلى 62 مليار دولار، وأصبحت روسيا أكبر مصدر للواردات التركية، ومن المتوقع أن تكون أرقام هذا العام أعلى من ذلك. لكن السياسة الخارجية كانت دائما نقطة شائكة،بين البلدين لا سيما مع الخلافات المستمرة حول سوريا وليبيا ومنطقة ناجورنو كاراباخ المتنازع عليها في جنوب القوقاز. إلا أنه في كل تلك الحالات تمكنت كلا من روسيا وتركياالمواجهة المفتوحة في السنوات الأخيرة، و مع اندلاع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، تجد كلا البلدين نفسيهما في نفس المعسكر: وهو الأمر الذي لم يحدث قط في أي قضية دولية كبرى أخرى، الأمر الذي دفع كثيرين إلى التنبؤ بتحسن العلاقات بين البلدين بسرعة.
وكما هو متوقع بالفعل فقد جاء في بيان الكرملين أن مكالمة هاتفية بين أردوغان وبوتين جرت في 24 تشرين الأول/أكتوبر حول الحرب بين إسرائيل وحماسو أن موسكو وأنقرة لديهما “مواقف متداخلة عمليا، وتركزان على تنفيذ حل الدولتين المعروف، والذي ينص على إنشاء دولة فلسطينية” فلسطين المستقلة تتعايش مع إسرائيل بسلام وأمن.
وبالطبع فرغم أن مواقفهم قد تكون متشابهة، إلا أن دوافعهم مختلفة تماما، وكما صرح ممثل روسيا لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، إن إسرائيل، باعتبارها قوة محتلة، ليس لها الحق في الدفاع عن نفسها، فهو يحاول تصوير روسيا كواحدة من قادة ما يسمى بالجنوب العالمي. وفي المقابل يطمح أردوغان إلى قيادة العالم الإسلامي.
ويُعَد الدعم الروسي المفتوح لحماس ظاهرة حديثة نسبيا، ونتيجة مباشرة للغزو الشامل لأوكراني ، وعلى وجه التحديد فقد أدى الغزو إلى تبريد العلاقات مع إسرائيل وتحسن العلاقات مع إيران، الراعي الرئيسي لحماس، و قبل هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر على إسرائيل، كان من الممكن تفسير مشهد وفود حماس في موسكو على أنه سعي روسيا للتوسط بين الفصائل الفلسطينية، لكن الآن، تنظر إسرائيل إلى مثل هذه الاتصالات بشكل مختلف تمامًا.
وعلى الصعيد الأخر فقد دعم أردوغان حماس منذ فترة طويلة، وسمح لمقاتلي حماس بالإقامة في تركيا ومنحهم جوازات سفر تركية، فالرئيس التركي نفسه خرج من الأوساط الإسلامية، ودعم حماس يشكل أهمية إيديولوجية بالنسبة له، وفي الأيام الأولى من الحرب الحالية، حاول أردوغان التنقل ذهاباً وإياباً بين إسرائيل وحماس حيث تشير (بعض التقارير إلى أنه قام بطرد قادة حماس من اسطنبول.) لكنه سرعان ما تخلى عن هذا التكتيك وقرر تقديم دعمه الكامل لـ”الإخوة” الفلسطينيين.
طرق مختلفة أوصلت موسكو وأنقرة إلى القرار نفسه بالتضحية بالعلاقات مع تل أبيب، مما يعني أنه لا يمكن لأي منهما أن يكون وسيطاً في الصراع الحالي، ويبدو أن اقتراح تركيا الأخير بإنشاء مجموعة من الضامنين لتسهيل التوصل إلى حل للقتال غير قابل للتحقيق، وحتى موسكو لم تكن متحمسة لهذه الفكرة. وفي الوقت نفسه، لم تكن تفاعلات أي من البلدين مع حماس فعالة بشكل خاص على الرغم من الاتصال بالقيادة السياسية للجماعة، لم تتمكن روسيا ولا تركيا من تحرير أي رهائن، وهذا يتناقض مع الجهود الأكثر نجاحاً التي تبذلها مصر وقطر على سبيل المثال، اللتين تجريان اتصالات مع الجناح العسكري لحركة حماس في غزة، ومع ذلك فإن نهجهما يسمح لروسيا وتركيا بتوجيه انتقادات متكررة للغرب، وهو أمر مهم لجمهورها المحلي.
فمن خلال اتهام الولايات المتحدة بتأجيج الفوضى في الشرق الأوسط، يعزز بوتين روايته بأن الغرب هو مصدر كل المصائب في روسيا والعالم الأوسع، وعلى نحو مماثل، فإن انتقادات أردوغان للغرب لمحاولته إشعال حرب بين المسيحية والإسلام تثير مشاعر قوية مناهضة لحلف شمال الأطلسي في تركيا، ومع ذلك فإن مثل هذا الخطاب من أردوغان لا يعني أنه يريد تدمير علاقته مع الناتو، بل هو أبعد ما يكون عن ذلك، ولم يكن من قبيل الصدفة أنه قبل يومين فقط من خطابه الغاضب الداعم لحماس، قدم أردوغان مشروع قانون إلى البرلمان من شأنه الموافقة على عضوية السويد في التحالف العسكري الغربي- وهو الأمر الذي قاومته تركيا في السابق-.
ولذلك فمن غير المرجح أن يتمكن الكرملين من تجنيد تركيا في حملته المناهضة للغرب نيابة عن الجنوب العالمي، إذا كان أردوغان بحاجة إلى إظهار الولاء لشركائه في الناتو كما هو الحال مع تصويت عضوية السويد، فسوف يفعل ذلك دون حتى التفكير فيما تراه موسكو.
إلا أنه وعلى أية حال فإن الاتفاق بشأن الصراع بين إسرائيل وحماس والتعاون الدبلوماسي بين روسيا وتركيا يعني أننا سنشهد توافق البلدين على المسائل العالقة بينهما على الصعيد الدولي مثل – جنوب القوقاز وسوريا – لكن المؤكد أيضا أن أي تحسن في العلاقات سيكون ظرفيا ولن يكون ضمانا ضد النزاعات المستقبلية.
المصدر: مؤسسة كارنيجي للأبحاث والدراسات الدولية
الكاتب: رسلان سليمانوف
Tags: اسرائيلالشرق الاوسطتركيا وروسياالمصدر: جريدة زمان التركية
كلمات دلالية: اسرائيل الشرق الاوسط تركيا وروسيا موسکو وأنقرة روسیا وترکیا بین روسیا یعنی أن إلا أن
إقرأ أيضاً:
الحضور التركي بأفريقيا.. كيف نجح أردوغان في حل الخلاف بين إثيوبيا والصومال؟
نشرت مجلة "جون أفريك" الفرنسية، تقريرا، سلّطت فيه الضوء على النجاح الذي حققته تركيا من خلال دور الوساطة في المفاوضات بين إثيوبيا والصومال، والتي انطلقت في تموز/ يوليو الماضي.
وقالت المجلة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن أنقرة قادت لأول مرة منذ حضورها الفعلي في القارة الأفريقية سنة 2005، مفاوضات بين بلدين بمفردها، في ظل ظرف إقليمي صعب.
وأضافت أن هذا النجاح له طابع خاص من المنظور التركي، لأنه تحقّق في منطقة القرن الأفريقي التي كانت نقطة انطلاق نحو غزو الأسواق الخارجية، ومن خلاله توجه أنقرة رسالة تحدٍ إلى القوى "التقليدية"، وتعزز مكانتها كلاعب محوري في القارة، وتوسع مجال نفوذها هناك.
وكان رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، ورئيس الصومال حسن شيخ محمود، قد وقّعا في الحادي عشر من كانون الأول/ ديسمبر الجاري اتفاق مصالحة في أنقرة بفضل الجهود التي بذلها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في سبيل ضمان تسوية الخلاف بين البلدين والالتزام "بالمضيّ نحو المستقبل بشكل سلمي".
ثماني ساعات من المفاوضات
نقلت المجلة عن الخبير في مركز أوسرام لدراسات الشرق الأوسط في أنقرة، كان دفجي أوغلو، قوله: "تعززت علاقات تركيا القديمة مع الصومال بفضل الاستثمارات والدعم العسكري الذي تقدمه أنقرة.
وفي الوقت نفسه، تُعد إثيوبيا أحد أهم الشركاء الاقتصاديين لتركيا في أفريقيا، ومركزاً دبلوماسياً محورياً في القارة. تصاعد التوترات بين الصومال وإثيوبيا كان من الممكن أن يهدد مشاريع التعاون والأنشطة التجارية والمصالح الاستراتيجية لتركيا مع هذين البلدين".
وذكرت المجلة أن الأمور كانت على حالها منذ الجولة الثانية من المفاوضات في آب/ أغسطس من العام الحالي، وقد أُلغيت الجولة الثالثة المقررة في أيلول/ سبتمبر الماضي، لكن المشاورات السرية استمرت تحت إشراف وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان.
وبحلول أوائل كانون الأول/ ديسمبر، أحرزت المحادثات تقدماً خوّل للرئيس التركي، دعوة أبي أحمد وحسن شيخ محمود إلى أنقرة. وبعد ثماني ساعات من المفاوضات، أنهى الزعيمان الخلاف، وعقدا مؤتمرا صحفيا مشتركا.
سبب الأزمة
كانت إثيوبيا التي حُرمت من واجهة بحرية منذ استقلال إريتريا سنة 1993، قد وقعت في كانون الثاني/ يناير 2024، بروتوكول تعاون مع أرض الصومال.
بموجب الاتفاق، تعترف أديس أبابا بأرض الصومال كدولة مستقلة مقابل حصولها على عقد استغلال شريط ساحلي بطول 20 كيلومتراً.
بذلك، تضمن إثيوبيا الوصول إلى البحر الأحمر، مع إمكانية إنشاء قاعدة عسكرية وتطوير تجارتها، دون الاعتماد حصريا على ممر جيبوتي.
ردا على ذلك، استدعت السلطات الصومالية سفيرها في أديس أبابا، وبدأت خطوات للتقارب العسكري مع مصر، العدو اللدود لإثيوبيا، حسب تعبير المجلة.
وفي شباط/ فبراير وآذار/ مارس 2024، وقعت الصومال مع تركيا اتفاقاً اقتصادياً وعسكرياً، واتفاقاً للتعاون في مجال الطاقة. ينص الاتفاق الأول على أن تشرف أنقرة على تجهيز وتدريب البحرية الصومالية لمساعدتها في حماية ثرواتها وحدودها البحرية وتعزيز قدراتها ضد عمليات القرصنة وحركة الشباب المجاهدين.
ويمنح الاتفاق الثاني تركيا الحق في استكشاف النفط والغاز في المياه الصومالية واستغلال الحقول الهيدروكربونية عند اكتشافها. ومنذ ذلك الحين، سعت أنقرة لإيجاد حل يرضي الطرفين.
اتفاق المصالحة
يقوم اتفاق الحادي عشر من كانون الأول/ ديسمبر على نقطتين أساسيتين، إذ تنص النقطة الأولى على اعتراف إثيوبيا بوحدة أراضي الصومال وسيادتها، أما الثانية فإنها تنص على حق أديس أبابا في الوصول التجاري إلى البحر "في إطار القانون الدولي مع احترام سيادة الحكومة الفيدرالية الصومالية".
إلى ذلك، تعهّدت مقديشو وأديس أبابا بتوقيع اتفاقيات تجارية ثنائية من شأنها تأمين وصول إثيوبيا بشكل آمن وموثوق إلى البحر تحت إشراف السلطات الصومالية.
ومن الناحية العملية، يتعين على الفرق الفنية من كلا البلدين بدء مفاوضات تحت إشراف تركيا بحلول شباط/ فبراير 2025، على أن تُختتم في غضون أربعة أشهر. وأي نزاع يتعلق بتفسير أو تنفيذ هذه الالتزامات ينبغي حله عبر الحوار، مع إمكانية اللجوء إلى تركيا إذا لزم الأمر.
سياسة براغماتية
أضافت المجلة أن الرئيس التركي قد راهن من خلال تدخله بشكل شخصي في المفاوضات على العلاقات القوية التي تجمعه مع أديس أبابا ومقديشو. في 2005، عندما كان رئيسا للوزراء، اختار أردوغان إثيوبيا لتكون وجهته الأولى في أفريقيا.
يوجد في الوقت الراهن أكثر من 200 شركة تركية في إثيوبيا، كما لعبت الطائرات المسيّرة من طراز "بيرقدار تي بي 2" التركية، دورا كبيرا في النزاع بين حكومة أبي أحمد والمتمردين في تيغراي.
من جهتها، تعد الصومال منطقة حيوية مهمة لتركيا في القارة، حيث تدير شركتا البيرق وفافوري ميناء ومطار مقديشو، وقد أنشأت أنقرة قاعدة عسكرية في البلاد تعمل على تدريب الجيش الصومالي على "مكافحة الإرهاب".
وأكدت المجلة أن تركيا لن تتخلى عن نهجها البراغماتي في هذه المنطقة التي تقع عند مدخل مضيق باب المندب، أحد أكثر الطرق التجارية ازدحاماً في العالم.
ويقول دفجي أوغلو في هذا السياق: "لا تعترف تركيا بأرض الصومال كدولة مستقلة، لأن ذلك قد يضر بوحدة أراضي الصومال وبعلاقاتها مع أنقرة. مع ذلك، تدرك تركيا أن أرض الصومال بحاجة إلى تحقيق الاستقرار والتنمية. لذلك، تقدم لها المساعدة بشكل غير مباشر من خلال بعض المشاريع الإنسانية والاقتصادية".
مصالح متضاربة
ترى المجلة أن التوترات في المنطقة تفتح الباب للتساؤل عن إمكانية صمود اتفاق 11 كانون الأول/ ديسمبر، في ظل وجود أطراف مؤثرة أخرى، على غرار عدد من الدول الغربية التي تملك قواعد عسكرية في جيبوتي ومصر، التي تخوض نزاعًا مع إثيوبيا بشأن تقاسم مياه النيل.
ووفقا للمجلة، تلعب الإمارات العربية المتحدة ودولة الاحتلال الإسرائيلي دورا محوريا في المنطقة، حيث أقامتا علاقات مع أرض الصومال، القريبة جغرافيا من الحوثيين في اليمن. رغم نجاحها الدبلوماسي الأخير، لم تتمكن تركيا من حل الخلاف الإقليمي الذي تغذيه التوجهات الانفصالية.
ويقول الباحث في السياسة الخارجية بمركز سيتا في أنقرة، تونتش دميرتاش: "تم تعزيز صورة ومصداقية تركيا على الساحة الدولية بفضل مسار أنقرة. من خلال العمل وفقًا لمبدأ حلول أفريقية لمشاكل أفريقيا، قد تتمكن تركيا، إذا طُلب منها ذلك، لعب دور الوسيط لاستئناف المحادثات بين الصومال وأرض الصومال أو بذل جهود للوساطة بين السودان والإمارات العربية المتحدة".