في كُلِّ ظرف وحقبة تظهر موجة من شكاوى الأدباء، ولا يقتصر ذلك على شَعب أو بلد دُونَ آخر، كما أنَّ تلك الشكاوى تتشابه إلى حدٍّ كبير؛ لأنَّها تبرز بسبب ظروف متشابهة تمرُّ بها البَشَريَّة.
يتشابه الأدباء في الطموح وفي الشغف الكبير للتميز والرغبة الجامحة لتحقيقِ أكبر قدر ممكن من الشهرة ولا يتحقق ذلك إلَّا عن طريق كثافة النَّشر والنوعيَّة المتميِّزة والقدرة على التفرُّد في الأسلوب، وبهذه الجزئيَّة فإنَّ الغالبيَّة العظمى من الأدباء «يعتقدون» أو بالأحرى يؤمنون بصورة جازمة «أنَّهم» الأفضل إن لَمْ يكُونُوا من بَيْنِ الأفضل والأكثر قدرة على التأثير والوصول إلى القرَّاء، ليس الوصول فقط بل وإبهار المتلقِّي في كتاباته، وطالما أنَّه مؤمن إلى حدٍّ بعيد بموهبته وقدراته الكتابيَّة، فإنَّ قناعته راسخة إلى أبعد الحدود، لذلك فإنَّه لا يقبل أغلب الأحيان بتراجع أعداد القرَّاء أو عدم وجود دراسات ومقابلات ومقالات تتناول نتاجاته الأدبيَّة ليس الجديدة فقط، وإنَّما الجديد والقديم على اعتبار أنَّ النتاج الأدبي لا يتأثر بالعمر الزمني، بل تزداد مكانته وقِيمته في سُوق الثقافة بصورة عامَّة وسُوق الأدب على وجْهِ الخصوص.
لكن يُمكِن القول إنَّ الظروف الحاليَّة وبسبب دخول وسائل الاتِّصال مرحلة مختلفة تمامًا، وإنَّ «الشهرة» لَمْ تَعُدْ مقتصرةً على نجوم الشَّاشة والوجوه الرياضيَّة والكتَّاب، وإنَّها أصبحت مشرعة الأبواب لأعداد هائلة من النَّاس، كما أنَّ محطَّات النقاش والجدل خرج من الدائرة التقليديَّة لِيشتركَ به العدد الأكبر من النَّاس، وبَيْنَما كان من يُدلي برأيه عن الأعمال الأدبيَّة في غاية المحدوديَّة فقَدْ أصبح الميدان مفتوحًا للجميع، وكتابة الرأي ووصوله للكاتب والأديب لا يستغرق إلَّا بضع دقائق، وفوق ذلك كُلِّه، فإنَّ غياب الرقيب الَّذي يُمحِّص ويُدقِّق الآراء والكتابات يشهد غيابًا مطْلقًا، ويمنح ذلك جمهرة القرَّاء الدخول في مهرجانات النقاش وإبداء وجهات النظر الَّتي ـ للأسف الشديد ـ غالبًا ما تكُونُ بعيدة كُلَّ البُعد عن جوهر النَّص، وهناك أعداد كبيرة من المنشورات ينشرها أناس دُونَ أن يقرأوا المنشور، وقَدْ يحمل التعليق تهجُّمًا وربَّما نقدًا قاسيًا.
وسط هذه الفوضى الَّتي يتألَّم بسببها الكثير من الأدباء، فإنَّ عزوفًا واضحًا يحصل في عالَم القراءة وتحديدًا للأعمال الأدبيَّة الجادَّة، وينعكس ذلك ـ بطبيعة الحال ـ على أعداد نُسخ المطبوع، ودخلت سُوق الطباعة الأجهزة الرقميَّة الَّتي يُمكِن للأديب طباعة ما يريد من النّسخ الَّتي قَدْ تكُونُ على عدد أصابع اليد الواحدة، في حين كان الحدُّ الأدنى لكُلِّ مطبوع لا يقلُّ عن ألف نسخة.
عالَم تتَّسع فضاءاته وتزداد ثغراته.
وليد الزبيدي
كاتب عراقي
wzbidy@yahoo.com
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
2024 يُسجل مستوى قياسياً في أعداد الصحافيين القتلى
يمن مونيتور/قسم الأخبار
وصل عدد الصحافيين الذين قتلوا خلال العام الماضي إلى مستوى غير مسبوق، ونحو 70 في المئة منهم كانوا فلسطينيين قتلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي، في ارتفاع نسبته 22 في المئة مقارنة بعام 2023.
وقالت لجنة حماية الصحافيين في التقرير الذي يتضمن الحصيلة السنوية للضحايا الصحافيين إن هذا العدد المرتفع يعكس «ارتفاع مستويات الصراع الدولي والاضطرابات السياسية والجريمة في أنحاء العالم كافة».
ووفقاً للجنة حماية الصحافيين، فإن 124 صحافياً من 18 دولة قتلوا في 2024 الذي وصفته بأنه العام الأكثر دموية بالنسبة للعاملين في هذه المهنة منذ بدأت بإعداد سجلاتها قبل ثلاثة عقود.
وأكدت لجنة حماية الصحافيين أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة السبب الأول في نسبة ارتفاع الصحافيين القتلى حول العالم، إذ قتلت قوات الاحتلال «82 صحافياً فلسطينياً»، بحسب اللجنة. ومن المهم الاشارة إلى أن عدد الصحافيين الفلسطينيين الشهداء في غزة، خلال الفترة نفسها، أعلى بكثير وفقاً للمكتب الإعلامي الحكومي في القطاع، والذي قال إن مئتي صحافي استشهدوا بحلول نهاية العام الماضي.
وتختلف الإحصاءات لأن اللجنة تعتمد منهجية مختلفة؛ حيث تعتبر لجنة حماية الصحافيين الحالة «مؤكدة» حين تكون متيقنة من أنّ «الصحافي قُتل كرد انتقامي مباشر على عمله، أو في القتال أو تبادل إطلاق النار؛ أو أثناء تنفيذ مهمة خطيرة».
ورصدت لجنة حماية الصحافيين «ارتفاعاً مثيراً للقلق في عدد عمليات القتل الاستهدافي»، إذ أن «24 صحافياً على الأقل في أنحاء العالم كافة قُتلوا عمداً بسبب عملهم عام 2024». وفي غزة ولبنان، وثقت «10 حالات استُهدف فيها صحافيون على يد الجيش الإسرائيلي، في تحدٍ للقوانين الدولية التي تُعرّف الصحافيين على أنهم مدنيون أثناء النزاع». وأفادت اللجنة بأنها تحقق أيضاً في 20 جريمة قتل أخرى تعتقد أن إسرائيل ربما استهدفت فيها الصحافيين تحديداً.
وأعادت اللجنة التذكير بأن إسرائيل تتبع نهجاً في قتل الصحافيين منذ ما قبل العدوان الأخير على غزة، حيث في عام 2023، أصدرت اللجنة تقريراً عنوانه «نمط فتاك: 20 صحافياً قتلوا بنيران القوات الإسرائيلية خلال 22 سنة من دون أن يُحاسب أحد»، انطلقت فيه من جريمة قتل مراسلة قناة «الجزيرة» شيرين أبو عاقلة برصاص إسرائيلي عام 2022، لتوثّق مسؤولية جيش الاحتلال عن مقتل 20 صحافياً على الأقل منذ عام 2001،
ووجدت «نمطاً في الاستجابة الإسرائيلية يبدو مصمماً للتملص من المسؤولية. فقد أخفقت إسرائيل في إجراء تحقيقات كاملة بشأن أحداث القتل هذه، ولم تجرِ تحقيقات معمقة إلا عندما يكون الضحية أجنبياً، أو عندما يكون الصحافي القتيل موظفاً لدى مؤسسة إعلامية بارزة. وحتى في تلك الحالات، سارت التحقيقات ببطء شديد، واستغرقت أشهراً أو سنوات، وانتهت بتبرئة الأشخاص الذين أطلقوا النيران».
وأشارت اللجنة إلى أن السودان وباكستان حلا في المرتبة الثانية في قائمة الدول حيث قتل العدد الأكبر من الصحافيين والعاملين في المجال الإعلامي خلال عام 2024، حين قتل في كل منهما 6 من ممارسي المهنة. أما جرائم القتل الأخرى فوقعت في هايتي 2 والمكسيك 5 وميانمار 3 وموزمبيق 1 والهند 1 والعراق 2.
والصحافيون المستقلون يشكلون أكثر من 35 في المئة من إجمالي جرائم القتل حول العالم عام 2024، بسبب افتقارهم إلى الموارد، ويصل عددهم إلى 43 من إجمالي عدد الصحافيين الذين قُتلوا في 2024. ووفقاً للجنة، فإن 31 منهم هم من الفلسطينيين الذين كانوا يغطّون الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، حيث لا تزال المؤسسات الإعلامية الأجنبية ممنوعة من الدخول إلا بمرافقة جيش الاحتلال. وعلقت الرئيسة التنفيذية للجنة حماية الصحافيين، جودي جينسبيرغ، على هذه الحصيلة، بالقول: «اليوم هو الوقت الأكثر خطورة على الصحافيين في تاريخ اللجنة». وأضافت «الحرب في غزة غير مسبوقة في تأثيرها على الصحافيين، وتظهر تدهوراً كبيراً في المعايير العالمية لحماية الصحافيين في مناطق الصراع. لكن قطاع غزة ليس المكان الوحيد حيث يتعرض الصحافيون للخطر. تُظهر أرقامنا أن الصحافيين يهاجَمون في أنحاء العالم كافة». وشددت على أن «ارتفاع حالات قتل الصحافيين جزء من اتجاه أوسع نطاقاً لتكميم وسائل الإعلام على مستوى العالم. هذه قضية يجب أن تقلقنا جميعاً، لأن الرقابة تمنعنا من التصدي للفساد والجريمة ومحاسبة النافذين».
وكانت اللجنة قد أصدرت حصيلتها السنوية للصحافيين المعتقلين حول العالم في كانون الثاني/يناير الماضي، ووجدت أن عدد الصحافيين السجناء في العالم بلغ 361 في نهاية العام 2024، وأشارت إلى أنّ إسرائيل احتلّت المرتبة الثانية في قائمة الدول التي تسجن أكبر عدد من الصحافيين بعد الصين. وفي الأول من كانون الأول/ديسمبر، كانت الصين تحتجز في سجونها 50 صحافياً، بينما كانت إسرائيل تعتقل 43 صحافياً، وميانمار 35 صحافياً، وفقاً للمنظمة التي اعتبرت أنّ هذه «الدول الثلاث هي الأكثر انتهاكاً لحقوق الصحافيين في العالم».
وأشارت اللجنة إلى أن دولة الاحتلال الإسرائيلي زادت فيها أعداد الصحافيين المعتقلين منذ بدء حرب الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وذلك في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023. وأكّدت أن «إسرائيل حلّت في المرتبة الثانية بسبب استهدافها التغطية الإعلامية للأراضي الفلسطينية المحتلّة».
يشار إلى أن لجنة حماية الصحافيين «Committee to Protect Journalists» هي مؤسسة مستقلة غير ربحية مقرها مدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية.