المستهلك بين مطرقة الحاجة وسندان الضريبة وحرية السوق
تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT
تدخل محلًّا لِتشتريَ علبة عصير اعتدنا شراءها في زمن الرخص بــ(100 بيسة) لِتنصدمَ ببورصة أسعار، فالأوَّل ما زال يبيع المنتج بنَفْسِ السِّعر السَّابق، الثَّاني يبيع نَفْس العلبة بــ(100.25 بيسة) جاره اللَّصيق يبيعها بـ(100.50) بيسة.. طبعًا عِندما تسأل عن السبب تكُونُ الضريبة هي المُتَّهم الأوَّل، والمستهلك هو الضحيَّة.
تذهب لشراء الخضار والفواكه من التَّاجر أو البائع يردُّ عَلَيْك: أنَّ المُزارِع هو مَنْ رفَع السِّعر ونحن نشتريه بسعرٍ مرتفع، تُخاطب المُزارِعَ يردُّ عَلَيْك: بل نحن نبيع بثَمَنٍ بخْسٍ بالرغم من ارتفاع سعر البذور والسَّماد والسموم وفاتورة الماء والكهرباء. تذهب لشراء اللحوم والأسماك يُقال لك: سعر الديزل وشِباك الصَّيد والتصدير والاستيراد والنَّقل.. طبعًا عِندما تسأل عن السَّبب يُقال لك: كُلُّ شيء ارتفع سعره. والضريبة هي المُتَّهم الأوَّل والمستهلك هو الضحيَّة.
لا شكَّ أنَّ الجميع متضرِّر، الجميع يُعاني من ارتفاع الأسعار، وكثرة الضرائب، ولكن في نهاية المطاف الكُلُّ قادر على التعويض إلى حدٍّ بعيد، البائع يستطيع أن يحصلَ على الفارق وقِيمة الضريبة والرسوم الحكوميَّة من قِيمة السِّلعة المُباعة والخدمة المُقدَّمة، ولكن الضحيَّة هو المستهلك في نهاية المطاف، فالكُلُّ يرمي عَلَيْه ثقل المعاناة، وإشكاليَّة ارتفاع الأسعار، والضرائب، لأنَّه صاحب حاجة ولا بُدَّ أن يشتريَ، خصوصًا السِّلع الأساسيَّة.
الجميع لدَيْه قائمة أعذار وأسباب مِنْها ما هو واقعي وصحيح، وبعضها قائمة استغلال وأكْلِ أموال النَّاس بالباطل.. والغريب أنَّ الأسعار عِندما ترتفع لأسباب معيَّنة لا تَعُودُ للانخفاض حتَّى بعد انقضاء سبب الارتفاع، والأغرب أنَّ نَفْس التَّاجر عِندما يتحوَّل إلى مستهلك يصرخ وينتقد، وفي نهاية المطاف الضحيَّة هو المستهلِك.
وما بَيْنَ مستهلِك وآخر فروق كبيرة لا شأن للتَّاجر بها، ظروف شخصيَّة وأُسريَّة وعقبات ماليَّة وديون لا شأن للتَّاجر بها، وتستمرُّ المعاناة والتلاعب بالأسعار واستغلال ضعف الرقابة والمتابعة لرفع أسعار بعض السِّلع، خصوصًا المواد الغذائيَّة بمبالغ يستهين بها البعض؛ لأنَّها فقط (25 بيسة أو أقلُّ).
استغلال العمالة الوافدة في المحالِّ التجاريَّة الصغيرة للأطفال في بيع التجزئة، استغلال العمالة الوافدة لظروف بعض المستهلكين من ذوي الحاجات المستعجلة، وتستمرُّ قائمة الاستغلال والجشع وصراخ المستهلِك وعويل التَّاجر وكأنَّها أصبحت ثقافة شَعبيَّة بدأت تَسُودُ في وطنٍ خيراته وفيرة ولله الحمد. عبارات لَمْ نكُنْ نسمعها من قَبل مِثل: (تريد تشتري اشترِ ما تريد توَكَّل على الله) (عِندك ادفع ما عِندك هذا سعري) (والله ما مِنَّا الحكومة هي إللي رفعت الضرائب وتسبَّبت بارتفاع الأسعار).
على العموم ما سبقَ ذِكْره ليس بغريب، فبتصوُّري مرَّ على الأغلب مِنَّا، وتبقى المعاناة نسبيَّة بحسب الدخل والراتب، على أنَّ ما نوَدُّ التأكيد عَلَيْه هنا، ويجب الوقوف عَلَيْه وإعادة النَّظر فيه من قِبل الجهات المعنيَّة هو حقيقة أسباب ارتفاع الأسعار، واستغلال الضريبة والسُّوق المفتوح كشمَّاعة لبعض الباعة، خصوصًا الوافدين مِنْهم. أمَّا الرقابة فلا يجِبُ أن تتوقفَ عِند المحالِّ الكبيرة أبدًا. أمْرٌ آخر بتصوُّري أنَّ المسؤول والموظَّف في الجهات ذات الاختصاص يدخل سُوق السَّمك والخضار ومحالَّ المواد الغذائيَّة ويشتري، هل يُعقل أنَّه لَمْ يسمع أو يشاهد هذا الاستغلال؟ فهل الضريبة وحدها يجِبُ أن توضعَ في قفص الاتِّهام وراء ارتفاع كُلِّ السِّلع والخدمات؟
يُقال ينزع بالسُّلطان ما لا ينزع بالقرآن، وإن كان من مطالبة فهي الإنصاف للجميع للتاجر والمستهلِك، والرقابة على الأسواق من الاستغلال باسم الضريبة وهذه مسؤوليَّة الحكومة، لا يجِبُ أن يتركَ المستهلِك كضحيَّة لشعارات وشمَّاعات الغلاء، فتكثيف الرقابة والمحاسبة هو الحلُّ، كما يجِبُ عدم الاستهانة بالزيادة البسيطة، وكم أتمنَّى من هيئة حماية المستهلِك أن تضعَ ملصقًا على جميع المحالِّ التجاريَّة ومنافذ البيع به أرقام هواتف الهيئة للإبلاغ عن أيِّ تجاوز، ولتكُنْ طريقة الإبلاغ سهلة وسريَّة للمستهلِك.
أمْرٌ أخير، وبالإضافة إلى الدَّوْر الرسمي المعني به المُجتمع، أقصد تغيير ثقافة الاستهلاك، إذا لَمْ يكُنْ من الضروري شراء هذه السِّلعة فاتركها، قُمْ بالبحث عن بدائل للسِّلع المرتفعة أو الَّتي تلحظ وجود استغلال في أسعارها، قارن بَيْنَ أسعار المحالِّ التجاريَّة الكبرى واختَرْ من بَيْنِها الأفضل والأكثر التزامًا بالأسعار، ابذل جهدًا أكبر في قراءة منشور مشترياتك حتَّى لا يتمَّ التدليس عَلَيْك أو إيهامك بسعرٍ على الرفِّ وآخر عِند المحاسبة.
محمد بن سعيد الفطيسي
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
azzammohd@hotmail.com
MSHD999 @
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: ارتفاع الأسعار ع ندما
إقرأ أيضاً:
ارتفاع طفيف لأسعار النفط وسط مخاوف السوق
بلغ سعر نفط عُمان الرسمي اليوم تسليم شهر يناير القادم 72 دولارا أمريكيا و45 سنتا. وشهد سعر نفط عُمان اليوم انخفاضا بلغ دولارا أمريكيا و9 سنتات مقارنة بسعر غدا الاثنين والبالغ 73 دولارا أمريكيا و54 سنتا. تجدر الإشارة إلى أن المعدل الشهري لسعر النفط الخام العماني تسليم شهر نوفمبر الجاري بلغ 73 دولارا أمريكيا و49 سنتا للبرميل، منخفضا 4 دولارات أمريكية و5 سنتات مقارنة بسعر تسليم شهر أكتوبر الماضي.
وعلى الصعيد العالمي شهدت أسعار النفط ارتفاعا طفيفا في تعاملات اليوم بعد تراجعها في الجلسة السابقة. وسجلت العقود الآجلة لخام برنت زيادة قدرها 15 سنتا، بنسبة 0.21%، لتصل إلى 73.16 دولار للبرميل، فيما ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 15 سنتا أيضا، بنسبة 0.22%، لتبلغ 69.09 دولار للبرميل. وكانت أسعار الخام قد هبطت بمقدار دولارين للبرميل عند التسوية غدا الاثنين. من جانب آخر، أعلن وزير الطاقة الأذربيجاني برويز شاهبازوف لوكالة "رويترز" أن مجموعة أوبك بلس قد تدرس في اجتماعها المقبل الأحد الإبقاء على تخفيضات الإنتاج الحالية اعتبارا من بداية يناير، وذلك بعدما قررت المجموعة في وقت سابق تأجيل زيادة الإنتاج بسبب المخاوف المتعلقة بالطلب.
وفيما يخص الشؤون التجارية، أشار الرئيس الأمريكي إلى أنه سيوقع أمرا تنفيذيا بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على جميع الواردات من المكسيك وكندا، رغم أن هناك غموضا بشأن ما إذا كانت هذه الرسوم ستشمل واردات النفط. يذكر أن الولايات المتحدة تستورد غالبية صادرات كندا من النفط الخام التي تصل إلى 4 ملايين برميل يوميا، ولا يتوقع المحللون أن تشمل الرسوم النفط الكندي بسبب خصوصية نوعيته وصعوبة استبداله. وفي تحليل لأسواق النفط، أكد توني سيكامور، المحلل في شركة آي.جي، أن الأخبار المتعلقة بالرسوم الجمركية جاءت أقل من المتوقع، مما يعد أمرا إيجابيا للمخاطر، مقارنة بالتهديدات السابقة بزيادة الرسوم بنسبة 60%. وأضافت ساتشديفا من فيليب نوفا إن الأسواق تركز حاليا على خطة الرئيس الأمريكي لزيادة إنتاج النفط الأمريكي، الذي شهد مستويات مرتفعة من 2022 إلى 2024، مما أسهم في امتصاص تأثيرات اضطرابات الإمدادات نتيجة للأزمات الجيوسياسية والعقوبات.