تدخل محلًّا لِتشتريَ علبة عصير اعتدنا شراءها في زمن الرخص بــ(100 بيسة) لِتنصدمَ ببورصة أسعار، فالأوَّل ما زال يبيع المنتج بنَفْسِ السِّعر السَّابق، الثَّاني يبيع نَفْس العلبة بــ(100.25 بيسة) جاره اللَّصيق يبيعها بـ(100.50) بيسة.. طبعًا عِندما تسأل عن السبب تكُونُ الضريبة هي المُتَّهم الأوَّل، والمستهلك هو الضحيَّة.


تذهب لشراء الخضار والفواكه من التَّاجر أو البائع يردُّ عَلَيْك: أنَّ المُزارِع هو مَنْ رفَع السِّعر ونحن نشتريه بسعرٍ مرتفع، تُخاطب المُزارِعَ يردُّ عَلَيْك: بل نحن نبيع بثَمَنٍ بخْسٍ بالرغم من ارتفاع سعر البذور والسَّماد والسموم وفاتورة الماء والكهرباء. تذهب لشراء اللحوم والأسماك يُقال لك: سعر الديزل وشِباك الصَّيد والتصدير والاستيراد والنَّقل.. طبعًا عِندما تسأل عن السَّبب يُقال لك: كُلُّ شيء ارتفع سعره. والضريبة هي المُتَّهم الأوَّل والمستهلك هو الضحيَّة.
لا شكَّ أنَّ الجميع متضرِّر، الجميع يُعاني من ارتفاع الأسعار، وكثرة الضرائب، ولكن في نهاية المطاف الكُلُّ قادر على التعويض إلى حدٍّ بعيد، البائع يستطيع أن يحصلَ على الفارق وقِيمة الضريبة والرسوم الحكوميَّة من قِيمة السِّلعة المُباعة والخدمة المُقدَّمة، ولكن الضحيَّة هو المستهلك في نهاية المطاف، فالكُلُّ يرمي عَلَيْه ثقل المعاناة، وإشكاليَّة ارتفاع الأسعار، والضرائب، لأنَّه صاحب حاجة ولا بُدَّ أن يشتريَ، خصوصًا السِّلع الأساسيَّة.
الجميع لدَيْه قائمة أعذار وأسباب مِنْها ما هو واقعي وصحيح، وبعضها قائمة استغلال وأكْلِ أموال النَّاس بالباطل.. والغريب أنَّ الأسعار عِندما ترتفع لأسباب معيَّنة لا تَعُودُ للانخفاض حتَّى بعد انقضاء سبب الارتفاع، والأغرب أنَّ نَفْس التَّاجر عِندما يتحوَّل إلى مستهلك يصرخ وينتقد، وفي نهاية المطاف الضحيَّة هو المستهلِك.
وما بَيْنَ مستهلِك وآخر فروق كبيرة لا شأن للتَّاجر بها، ظروف شخصيَّة وأُسريَّة وعقبات ماليَّة وديون لا شأن للتَّاجر بها، وتستمرُّ المعاناة والتلاعب بالأسعار واستغلال ضعف الرقابة والمتابعة لرفع أسعار بعض السِّلع، خصوصًا المواد الغذائيَّة بمبالغ يستهين بها البعض؛ لأنَّها فقط (25 بيسة أو أقلُّ).
استغلال العمالة الوافدة في المحالِّ التجاريَّة الصغيرة للأطفال في بيع التجزئة، استغلال العمالة الوافدة لظروف بعض المستهلكين من ذوي الحاجات المستعجلة، وتستمرُّ قائمة الاستغلال والجشع وصراخ المستهلِك وعويل التَّاجر وكأنَّها أصبحت ثقافة شَعبيَّة بدأت تَسُودُ في وطنٍ خيراته وفيرة ولله الحمد. عبارات لَمْ نكُنْ نسمعها من قَبل مِثل: (تريد تشتري اشترِ ما تريد توَكَّل على الله) (عِندك ادفع ما عِندك هذا سعري) (والله ما مِنَّا الحكومة هي إللي رفعت الضرائب وتسبَّبت بارتفاع الأسعار).
على العموم ما سبقَ ذِكْره ليس بغريب، فبتصوُّري مرَّ على الأغلب مِنَّا، وتبقى المعاناة نسبيَّة بحسب الدخل والراتب، على أنَّ ما نوَدُّ التأكيد عَلَيْه هنا، ويجب الوقوف عَلَيْه وإعادة النَّظر فيه من قِبل الجهات المعنيَّة هو حقيقة أسباب ارتفاع الأسعار، واستغلال الضريبة والسُّوق المفتوح كشمَّاعة لبعض الباعة، خصوصًا الوافدين مِنْهم. أمَّا الرقابة فلا يجِبُ أن تتوقفَ عِند المحالِّ الكبيرة أبدًا. أمْرٌ آخر بتصوُّري أنَّ المسؤول والموظَّف في الجهات ذات الاختصاص يدخل سُوق السَّمك والخضار ومحالَّ المواد الغذائيَّة ويشتري، هل يُعقل أنَّه لَمْ يسمع أو يشاهد هذا الاستغلال؟ فهل الضريبة وحدها يجِبُ أن توضعَ في قفص الاتِّهام وراء ارتفاع كُلِّ السِّلع والخدمات؟
يُقال ينزع بالسُّلطان ما لا ينزع بالقرآن، وإن كان من مطالبة فهي الإنصاف للجميع للتاجر والمستهلِك، والرقابة على الأسواق من الاستغلال باسم الضريبة وهذه مسؤوليَّة الحكومة، لا يجِبُ أن يتركَ المستهلِك كضحيَّة لشعارات وشمَّاعات الغلاء، فتكثيف الرقابة والمحاسبة هو الحلُّ، كما يجِبُ عدم الاستهانة بالزيادة البسيطة، وكم أتمنَّى من هيئة حماية المستهلِك أن تضعَ ملصقًا على جميع المحالِّ التجاريَّة ومنافذ البيع به أرقام هواتف الهيئة للإبلاغ عن أيِّ تجاوز، ولتكُنْ طريقة الإبلاغ سهلة وسريَّة للمستهلِك.
أمْرٌ أخير، وبالإضافة إلى الدَّوْر الرسمي المعني به المُجتمع، أقصد تغيير ثقافة الاستهلاك، إذا لَمْ يكُنْ من الضروري شراء هذه السِّلعة فاتركها، قُمْ بالبحث عن بدائل للسِّلع المرتفعة أو الَّتي تلحظ وجود استغلال في أسعارها، قارن بَيْنَ أسعار المحالِّ التجاريَّة الكبرى واختَرْ من بَيْنِها الأفضل والأكثر التزامًا بالأسعار، ابذل جهدًا أكبر في قراءة منشور مشترياتك حتَّى لا يتمَّ التدليس عَلَيْك أو إيهامك بسعرٍ على الرفِّ وآخر عِند المحاسبة.

محمد بن سعيد الفطيسي
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
azzammohd@hotmail.com
MSHD999 @

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: ارتفاع الأسعار ع ندما

إقرأ أيضاً:

البنك المركزي التونسي: ارتفاع احتياطي الذهب 13.5% خلال 2023

ارتفع احتياطي الذهب لدى البنك المركزي التونسي بنحو 13.5% خلال عام 2023 ليبلغ نحو6.8 طن بقيمة 841.749 مليون دينار مقارنة بالعام السابق له 2022. 

 

وأرجع البنك المركزي التونسي،خلال تقريره السنوي الصادر اليوم الأربعاء،تطور قيمة احتياطي الذهب لارتفاع سعر الأوقية من الذهب الخام.

وأكد احتساب احتياطي سبائك الذهب بسعر السوق،مع نهاية العام الماضي،ليبلغ سعر الجرام 2062.4 دينار أي ما يعادل66.31 دولار خلال عام 2023،مقارنة ب 1812.3 دينار (أي ما يعادل 58.27 للجرام من الذهب الخام) خلال 2022،معوضا انخفاض سعر صرف الدولار مقارنة بالدينار التونسي.

وأوضح البنك أنه لم تتم إعادة تقييم القطع التذكارية من الذهب بسعر السوق،نظرا لخصوصيتها،لذلك يتواصل تقييمها بالسعر الرسمي 0.6498475 دينار للجرام الواحد من الذهب الخام.

 

 

مقالات مشابهة

  • البنك المركزي التونسي: ارتفاع احتياطي الذهب 13.5% خلال 2023
  • وزير التموين: مواجهة تضخم الأسعار وضبط السوق على رأس أولوياتي
  • ضبط كميات هائلة من السلع التموينية قبل بيعها في السوق السوداء بالفيوم
  • ضبط سلع تموينية قبل بيعها في السوق السوداء بالفيوم
  • الأسمدة.. تحرق الفلاحين
  • حملة لحماية المستهلك على الأسواق والمخابز والأنشطة التجارية ببني سويف
  • تحرير 18 محضر مخالفات في حملة نفذتها لجنة لحماية المستهلك ببني سويف
  • تحرير 18 محضر مخالفات متنوعة في حملة لحماية المستهلك ببني سويف
  • وزن العيش ناقص.. سكرتير مساعد بني سويف يضبط مخالفات بالجملة في المخابز البلدية
  • تركيا.. ارتفاع مؤشر ثقة المستهلك في يونيو