جريدة الوطن:
2025-07-12@06:27:25 GMT

نبض المجتمع : مستقبل المقاطعة

تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT

نبض المجتمع : مستقبل المقاطعة

شكَّلت أحداث غزَّة دليلًا على أنَّ العرب والمُسلِمين بصورة عامَّة لَمْ ولَنْ ينسوا قضيَّتهم الأزليَّة، والَّتي رغم أنَّنا في فترة من الفترات ظنَّنا أنَّ أجيالًا منَّا قَدْ نسيَتِ القضيَّة نتيجة أساليب التغريب الَّتي مورست ضدَّها وبطُرق ممنهجة، إلَّا أنَّ الواقع أثبت عكس ذلك. فالجيل الَّذي كُنَّا نصفُه بجيل الببجي أثبتَ أنَّه جيل لا يقلُّ وعيًا وإدراكًا بأهمِّية هذه القضيَّة عن غيره من الأجيال السَّابقة، فوجدنا الجميع يحاول بكُلِّ الطُّرق أن يقدِّمَ ما يستطيع لخدمة القضيَّة وفق إمكاناته وخبراته ووضعه.


لقَدْ كان سلاح المقاطعة أحد أبرز الرهانات الَّتي عمل عَلَيْها الجميع، ذلك أنَّه السِّلاح الَّذي يستطيعون استخدامه بسهولة ودُونَ عناءٍ، وكذلك حجم تأثيره على العدوِّ وبصورة مباشرة وسريعة في نَفْس الوقت مع أشخاص ودوَل لا همَّ لَهُمْ في هذه الحياة سوى المال. من هنا بدأت الأمور تأخذ مسارها الصحيح، حيث هو السِّلاح النَّاجع بالفعل والَّذي لا يكلف أدنى شيء، ولكنَّه سلاح مُهمٌّ ورادع في نَفْس الوقت. لقَدْ كانت القضيَّة هي محور المقاطعة هنا، فلا محرِّك غيرها، والهدف واضح ولا لبس فيه، والمثبِّطون لا يُمكِنهم ممارسة هوايتهم المعهودة، فالأمْرُ لا يحتاج لمزيدٍ من الشرح والتوضيح والتفسير، فانبرى الجميع في وقفة رجُل واحد للقيام بهذا الأمْرِ وتنفيذ الخطَّة إدراكًا مِنْهم بأهمِّية ما يقومون به ومدى تأثيره.
لقَدْ أثبتت الأيام فاعليَّة هذا السِّلاح الَّذي يستطيع كُلٌّ مِنَّا أن يمارسَه، وشاهدنا الجميع على اختلاف الأجيال يذكِّر كُلٌّ مِنْهما الآخر بضرورة الاستمرار، وشاهدنا الإعلانات المُحذِّرة من مسألة التراخي والفتور في هذا الجانب، وقَدْ أثبتت التجربة نجاعة الأمْرِ.
ورغم معرفتنا المسبقة بأهمِّية المقاطعة، خصوصًا في الجانب الاقتصادي ولدَيْنا ممارسات سابقة أكثر نجاحًا، سواء على المستوى المحلِّي أو الدولي. ففي كثير من الدوَل عِندما يرتفع سعر سلعة ما، يكُونُ الحلُّ في المقاطعة فتعيد هذه المقاطعة الوضع إلى طبيعته والأمثلة كثيرة ومُتعدِّدة، إلَّا أنَّ السؤال الَّذي نطرحه هنا: هل لا بُدَّ من وجود قضيَّة وأحداث دمويَّة لكَيْ نمارسَ المقاطعة الاقتصاديَّة؟ أمَّا أنَّنا بعد ما شاهدنا بأنْفُسنا أهمِّية ذلك ومدى نجاحه فيُمكِننا أن نستخدمَ هذا السِّلاح لكبح جماح جشع الكثير من التجَّار والَّذين لا همَّ لَهُمْ سوى تحقيق أرباح فلكيَّة مقابل نهب جيوب المستهلكين، وهنا أتحدَّث عن سلع يبالغ أصحابها في رفع أسعارها ولا همَّ لَهُمْ سوى زيادة نسبة أرباحهم بصورة غير منطقيَّة، فهل لنَا القدرة على ذلك؟
لقَدْ أثبتت هذه الأحداث وما نتج عَنْها في ما يخصُّ موضوع المقاطعة أنَّنا كمُجتمع قادرون على إحداث التغيير وتوجيه البوصلة كيفما نريد، كما أنَّنا أيضًا بحاجة لجمعيَّات تحمي المستهلك وتوجِّه مسارات الشِّراء عِنده وفق قاعدة لا ضرر ولا ضرار. فأيُّ مُجتمع يريد أن يستخدمَ هذا السِّلاح لا بُدَّ أن يكُونَ منظمًا من مختلف الجوانب بحيث لا تكُونُ الأضرار منصبَّة على المستهلكين فقط ولا على التجَّار، بل يتمُّ تقاسمها في نَفْس الوقت، وقَدْ كتبتُ منذ حوالي خمس عشرة سنةً مقالًا يوضِّح أهمِّية وجود هذه الجهة الَّتي تُمثِّل المستهلكين بحيث تضْمن حقوقهم كما هو الحال في بقيَّة بعض دوَل العالَم.
وإذا كانت المقاطعة الحاليَّة تحرِّكها العاطفة فإنَّ المقاطعة الَّتي أقصدها يحرِّكها المنطق والعقل. فهنالك سلع من الضروري أن يُعادَ تقييم أسعارها في ظلِّ الوضع الاقتصادي المتأزم عالَميًّا ومحليًّا. وعِندما أقول يُعاد فأنا لا أقصد أنَّ التاجر يبيع سلعته بسعر يعرِّضه للخسارة، ولكن بسعر يناسب مستوى المعيشة ويُحقِّق له الربح المناسب. ففي مقارنة لكثير من السِّلع وبنَفْس العلامات مع دوَل قريبة مِنَّا وبمستوى معيشي أفضل نجدها في سعر أقلَّ وعروض أفضل، وإذا كان المُبرِّر أنَّنا نستوردها من مصدر آخر غير مصدرها الأصلي فما الَّذي يمنعُنا من استيرادها مباشرة وتخفيض سعرها، أم أنَّنا ننتظر مقاطعة جديدة؟

د. خصيب بن عبدالله القريني
kaseeb222@gmail.com

المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

قسد بين واشنطن ودمشق.. من يصوغ مستقبل شمال شرق سوريا؟

دمشق- في لحظة سياسية فارقة من عمر المرحلة الانتقالية في سوريا، أعاد اتفاق 10 مارس/آذار 2025 بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) مظلوم عبدي، فتح ملفات شائكة تتعلق بمستقبل العلاقة بين الحكومة السورية والإدارة الذاتية في شمال شرق البلاد.

فعلى أرضية جغرافية معقدة من حيث التركيبة العرقية، وفي ظل توازنات إقليمية ودولية شديدة التشظي، رأى مراقبون أن الاتفاق شكل فرصة حاسمة أمام الحكومة السورية لتجاوز إرث النظام السابق، واعترافه المتأخر بالقضية الكردية. لكن تأخر تنفيذ الاتفاق أدى إلى أزمة ثقة متجددة بين الطرفين.

وفي 26 أبريل/نيسان 2025، عقدت الأحزاب الكردية السورية "مؤتمر وحدة الموقف الكردي"، الذي أقر رؤية سياسية موحدة اعتبرت وثيقة تأسيسية تعبر عن إرادة جماعية للحل، وتطرح مقاربة واقعية للقضية الكردية ضمن سوريا موحدة بهويتها متعددة القوميات والأديان والثقافات.

وفد موحد

وتوافقت الأطراف الكردية على تشكيل وفد موحد لتمثيلها في الحوار مع الرئيس السوري، بغرض بحث مستقبل الأكراد السياسي وسبل ضمان حقوقهم القومية في إطار دستور يلتزم بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وينص على اللامركزية كنظام حكم.

وفي حديثها للجزيرة نت، أكدت إلهام أحمد، الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية، أن "مهمة الوفد الكردي الموحد تتمثل في الدفاع عن الحقوق القومية والتنسيق مع وفد الإدارة الذاتية في المباحثات مع دمشق"، مشددة على أن الوفدين لا يتعارضان بل يكمل أحدهما الآخر.

في المقابل، حملت تصريحات المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توماس باراك إشارات لافتة، إذ قال إن "الفدرالية لا تصلح في سوريا"، ناصحا قسد بأن "الطريق الوحيد أمامها هو دمشق".

وردا على ذلك، قالت إلهام أحمد للجزيرة نت "السوريون وحدهم من يقرر شكل الدولة، والتصريحات الأميركية لا تلزمنا، خصوصا أن سايكس-بيكو كانت نتيجة مداخلات خارجية مأساوية يجب ألا تتكرر".

إعلان

وتابعت "التخلي عن قسد لا يتم عبر تصريح صحفي، وهناك إشارات إيجابية من واشنطن، ونحن جزء من السياق العسكري والسياسي السوري. ويجب أن تنضم قسد إلى الجيش السوري وفق مهام وهيكلية واضحة". وختمت "الإدارة الأميركية تدعم تعزيز العلاقة بين الإدارة الذاتية والحكومة السورية، وهي ترى نفسها ملزمة بذلك".

الاتفاق الذي وقع بين الرئيس الشرع (يمين) وعبدي وصف حينها بأنه تاريخي ويمهد لمرحلة جديدة بالبلاد (الجزيرة) تفاهمات بطيئة

وجاء حديث باراك بعد لقائه الشرع وعبدي الأسبوع الماضي، مشيرا إلى بطء قسد في الانخراط الفعلي ضمن الحكومة السورية.

ويقول الكاتب السوري بسام السلمان، المقرب من الحكومة السورية، إن "الولايات المتحدة بدأت تبدي تململا من المواقف المتصلبة لقسد التي لا تزال تدار بعقلية فصائلية أيديولوجية"، مضيفا أنه "رغم عمق العلاقة بين قسد وواشنطن، بدأت مؤشرات التباعد بالظهور، وستتضح ملامح الموقف الأميركي النهائي خلال الأشهر القادمة".

في المقابل، يرى الباحث في مركز الفرات للدراسات الإستراتيجية، وليد جولي، أن واشنطن تسعى إلى إعادة ضبط العلاقة بين قسد والحكومة السورية من خلال "تنفيذ بنود اتفاق مارس/آذار، وتوسيع نطاقه ليشمل ملفات إقليمية أوسع، من بينها تطبيع سوريا مع بعض الدول العربية، وانعكاسات ذلك على مسار التسوية مع إسرائيل".

وأشار جولي إلى أن الاتفاق بين قسد ودمشق ستكون له انعكاسات على ملفات إقليمية مثل النفوذ الإيراني ومستقبل لبنان، مشيرا إلى أن واشنطن تمتلك "بنك أهداف" تسعى لتحقيقه في سوريا عبر هذه التفاهمات.

هل تُركت قسد لمصيرها؟

وعن احتمال تخلي واشنطن عن دعم الحكم الذاتي لقسد، يؤكد جولي أن "التصريحات الأميركية الأخيرة تهدف إلى استرضاء الحكومة السورية، لكنها لا تعني التخلي الكامل عن حليفتها الكردية، بل هي جزء من سياسة توزيع الأدوار".

ويتابع في حديثه للجزيرة نت أن "تركيا ترفض أي مكاسب سياسية للأكراد، وتمارس ضغطا على دمشق لتعطيل أي تقارب مع قسد، ولها تأثير متنام على مسار العملية السياسية في سوريا".

أما الكاتب السلمان، فيرى أن "قسد لم تثبت نفسها كنموذج حكم ناجح رغم الدعم الكبير الذي حصلت عليه، ولم تنه تهديد تنظيم الدولة بشكل نهائي، كما أنها تعاني من رفض إقليمي كبير"، معتبرا أن "الحكومة السورية تتمتع بشرعية إقليمية متنامية، وقد تفضل واشنطن التعامل معها مباشرة إذا لم تبد قسد مرونة كافية".

وأضاف السلمان "لا أستبعد أن تقدم واشنطن نموذجا جديدا لعلاقتها مع قسد، بعيدا عن سيناريو أفغانستان. لكن يبقى السؤال: هل تستطيع قسد اتخاذ القرار الحاسم في ظل الانقسامات الداخلية؟ فالفاعل الرئيسي فيما سيؤول إليه الوضع هو قسد نفسها".

ويرى مراقبون أن آفاق العلاقة بين قسد والحكومة السورية ستبقى مرهونة بتطورات الداخل والخارج، وسط ضغوط إقليمية ودولية متشابكة، مشيرين إلى أن اتفاق 10 مارس/آذار لم يعد مجرد وثيقة سياسية، بل تحول إلى اختبار لقدرة الأطراف السورية على إنتاج تسويات وطنية مستقلة، بعيدا عن إملاءات الخارج.

مقالات مشابهة

  • «الدولية للهجرة»: الحرب في أوكرانيا أرهقت الجميع
  • طفلة من غزة تنضم لجيل من مبتوري الأطراف.. مستقبل صعب ينتظرهم
  • تحدي رياضات الدفاع عن النفس لـ «الجميع» في الشارقة
  • قسد بين واشنطن ودمشق.. من يصوغ مستقبل شمال شرق سوريا؟
  • بعد أنباء مفاوضات الأهلي.. مصطفى محمد يفاجئ الجميع بحركة لافتة تخص الزمالك
  • انطلاق منتدى «الرعاية الاجتماعية» بأبوظبي 24 سبتمبر
  • رياشي: بات الجميع يدرك أهمية حياد لبنان ومن دونه لا ازدهار
  • محافظ الدقهلية...سوق مستقبل مصر قضى على الأسواق العشوائية ببلقاس
  • شاهد بالفيديو.. التيكتوكر المصرية “خلود” تفاجئ الجميع وتعلن غضبها من السودانيين وتتخلى عن دعمهم: (اعتذر لأولاد بلدي وعمرنا ما نكون واحد ومصر مليانة دعامة)
  • ماكرون أمام البرلمان البريطاني: حرب غزة بلا هدف استراتيجي وتهدد أمن الجميع