توجه الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، باسمه وباسم الشعب المصري إلى أهلنا في فلسطين بالتقدير والثناء على إبائهم وصمودهم ووقوفهم أمام مخططات التهجير وتصفية القضية الفلسطينية العادلة.

كما توجه إلى أهالي الشهداء في فلسطين بالتعازي وأن يلهمهم الله الصبر والسلوان، داعيا الشعوب العربية والإسلامية إلى أن يقفوا وراء حكوماتهم لمواجهة ما يُخطط من قوى الشر لزعزعة الأمن والأمان والاستقرار.

وأك المفتي خلال إلقائه الكلمة الرئيسية في افتتاح أعمال المؤتمر الدولي للإدارة الدينية لمسلمي أوزبكستان، المنعقد تحت عنوان: "مكانة بخارى الخالدة في الحضارة الإسلامية"، إن فلسطين الغالية هي قضية المسلمين الأولى منذ الاحتلال الغاشم عام 1948، والذي تمادى في ظلمه وبغيه وإفساده في الأرض، فلم يرقبوا في الضعفاء والأطفال والنساء والشيوخ إلًّا ولا ذمة، ورموا بالقانون الدولي عرض الحائط".

وقال الدكتور شوقي علام، إننا نجتمع اليومَ في بقعة مباركةٍ من بقاع الأرض، هذه البقعة الشاهدة بتاريخها العريق، ورجالها العظماء، وعلمائها الأكابر، ومساجدها العامرة، ومدارسها الزاهرة، على مرحلة عظيمة من تاريخ الحضارة الإنسانيَّة والإسلامية، حيث اجتمع فيها مكونات النموذج الحضاري الأمثل: عبادةُ الله، وعمارةُ الأرض، وتزكية النفس، تلك الثلاثية التي تمثل ماهية حضارةٍ من أعظم الحضارات وأجلها، حضارة مُصان فيها الدين والنفس والعقل والعرض والمال وهي المقاصد التي جاءت الأديان جميعا بحفظها ورعايتها.

مفتي الجمهورية : فلسطين الغالية هي قضية المسلمين الأولى 

وأضاف أن مدينة بُخارَى لم تكن فقط شاهدة على ما للحضارة الإسلامية من مآثر وجولات في الفكر الإنساني، بل كانت مع هذا الشهود الحضاري مشاركة وبقوة في صناعة هذه الحضارة، وعاملًا في الحفاظ عليها والدفاع عنها، إننا اليوم في مدينة بخارى، ذلك الاسم الذي ما من مسلم له أدنى قدر من الثقافة والتعليم الإسلامي، إلا وذِكر مدينة بخارى يتنبه له وجدانه وقلبه، ويُوقظ ذهنه وعقله، ويشدُّ انتباهه وفكره، ولا عجب فـ «بُخارى» اسمٌ خالدٌ محفور بحروف من نورٍ في تاريخ الأمة الإسلامية وثقافتها.

‎وأكد فضيلة المفتي أن مدينة بُخارى، زاحمت حواضر الخلافة ومدنها، وساهمت بشكل فعال في أبرز ما تفردت به الحضارة الإسلاميَّة ألا وهو الاهتمام بالتوثيق وعلوم التوثيق، وعلى رأس هذه العلوم بالطَّبع علم الحديث، فقد كان لمدينة بخارى السبقُ الذي لا يضاهى، والشَّرفُ الذي لا يبارى، أن كان منها أعظم علماء الحديث وأجلهم وأميرهم على الإطلاق الإمام محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن بردزبه الجُعفي البخاري، وهو العَلَم الأبرز لهذه المدينة بكتابه العظيم «الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه» والمعروف اختصارًا بـ «صحيح البخاري»، مشيرًا إلى أن الإمام البخاري بذل في هذا المؤلف العظيم جهده وعمره، حتى بلغ في ثبوته وتوثيقه أن كان أصحَّ كتابٍ بعد كتاب الله سبحانه وتعالى، واشتهر في حياة مؤلِّفه حتى قال الفِرَبرِيُّ راويه أنه قد سمعَ صحيحَ البخاري تسعون ألف نفسٍ، والفِرَبرِيُّ بخاريٌّ أيضًا.

رئيس جامعة الأزهر يتفقد أعمال التطوير ورفع الكفاءة بمدينة الطلاب شيخ الأزهر يشهد توقيع بروتوكول تعاون مع هيئة الزكاة الإندونيسية في العمل الخيري

‎كما أوضح أن المسلمون اهتموا بالصَّحيح لا من جانب رجاله فقط، بل اهتموا بلغته فصُحِّح على مستوى الحركةِ، وتفرَّغ لتلك المهمة إمام اللغة العربية جمال الدين ابن مالك الطائي الجياني صاحب الألفية والتسهيل رحمه الله، واهتمُّوا به كذلك في تراجم أبوابه وفقه مؤلفه الإمام البخاري، واهتموا بغير ذلك مما يدور حول صحيح البخاري من قريب أو بعيد، والرسائل العلميَّة في الجامعات والمؤلفات حول الصحيح التي تبلغ المئات شاهدة على ذلك الاهتمام، فصحيح البخاري عمدة المسلمين بعد القرآن، والمعين الذي لا ينضب على مر الدهور فلم تقتصر قراءته على العلماء وطلاب العلم، بل اجتمع العوام له، فقرءوه تعلُّمًا، وقرءوه تبركًا، بل وصل الحال بتعظيمه في القلوب أن أقسموا به كما الحال في ديارنا المصريَّة.

‎وأوضح أن علم الحديث في مدينةِ بُخارى ليس قاصرًا على الإمام البخاريِّ؛ بل إنَّ عدد البخاريين الذين شاركوا في عملية التوثيق للسنة النبوية كثير وواضح بجلاء لمن يقرأ كتب الطبقات والتاريخ الإسلامي.

‎كما لفت النظر إلى أن عملية التوثيق ليست هي دائرة اهتمام هذه المدينة العامرة، بل ضرب البخاريُّون بسهم في ما يأتي بعد مرحلة التوثيق للنصِّ وهو الفهم، المتمثل في الأصلين: علمي أصول الدين وأصول الفقه وكذلك علم الفقه، فالمدرسة البخارية مدرسة أصيلة من مدارس الماتريدية أحد جناحي مذهب أهل السنة والجماعة، وعلماء مدينة بخارى في الفقه والأصول علامات مضيئة في تاريخ هذه العلوم، فأبو زيد الدبوسي الحنفي بخاري، وأبو طاهر البزدوي الحنفي بخاري بل إن أبا عبد الله الحليمي من أصحاب الوجوه في مذهب السادة الشافعية بخاري أيضًا وغيرهم كثير.

‎في الإطار ذاته أشار فضيلة المفتي إلى أنَّ عطاء مدينة بخارى غير متوقف عند العلوم النقلية مثل الفقه والحديث، وأن بذلها وعظمتها منحصرة في بناء الحضارة الإسلامية، لكنَّ التاريخ الإنساني يسجل لهذه المدينة أن ساهمت في تشكيل الحضارة الإنسانية وتطورها، وحفلت بأعظم العقول على مر التاريخ الإنساني، فالشَّيخ الرَّئيس أبو علي ابنُ سينا ذلك العَلَم البارزُ في تاريخ الفلسفة النظرية والعملية، صاحب الشفاء والإشارات والتنبيهات، وصاحب القانون في الطبِّ، بخاريٌّ، فهو- والعبارة للذَّهبيِّ في سير أعلام النبلاء: أبو علي، الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا، البلخيُّ ثم البخاريُّ، صاحب التصانيف في الطب والفلسفة والمنطق.

‎وأضاف فضيلته أن نتاج هذه المدينة لهو أمر مبهر للعقول، ولشرف عظيم يجعل من هذه المدينة -مدينةَ بُخارَى- عاليةَ القدر، محفوظةَ المكانة في وجدان كل مسلم، بل في وجدان كل إنسان، بعطائها الزاهر للتاريخ والحضارة.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: مفتى الجمهورية الإفتاء فلسطين هذه المدینة مدینة ب إلى أن

إقرأ أيضاً:

غدًا.. انعقاد مجلس الحديث الـ٢٩ لقراءة «صحيح البخاري» من مسجد الإمام الحسين

ينعقد غداً الأربعاء الموافق ٢٢ من يناير ٢٠٢٥، مجلس الحديث التاسع والعشرين، لقراءة صحيح الإمام البخاري بالإسناد عقب صلاة العصر، في رحاب مسجد الإمام الحسين -رضي الله عنه- بالقاهرة، برعاية كريمة من الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، وإشراف الأستاذ الدكتور محمد عبد الرحيم البيومي، الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية.

الأوقاف: الكتاتيب الجديدة تجمع بين أصالة الماضي وحداثة العصر في بيئة تعليمية تربوية متميزة الأوقاف تفتتح 44 مسجدًا جديدًا الجمعة القادمة

ويضم المجلس نخبة من علماء الحديث بجامعة الأزهر، منهم: فضيلة الأستاذ الدكتور محمد نصر اللبان، أستاذ الحديث وعلومه، والأستاذ الدكتور أحمد نبوي مخلوف، أستاذ الحديث وعلومه المساعد، وفضيلة الأستاذ الدكتور أحمد رزق درويش، أستاذ الحديث وعلومه المساعد.

تأتي هذه الفعاليات ضمن جهود وزارة الأوقاف والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية في خدمة السنة النبوية الشريفة، وحرصًا على إحياء المجالس الحديثية التي تقدم الفهم الصحيح للسنة، وتتيح فرصة لطلبة العلم والباحثين في علوم الحديث، عبر نهج علمي متصل بالإسناد، يتبنى المنهج الأزهري الوسطي المعتدل.

 الأوقاف: الكتاتيب الجديدة تجمع بين أصالة الماضي وحداثة العصر في بيئة تعليمية تربوية متميزة 

وعلى صعيد اخر، شهد الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، توقيع بروتوكول تعاون لدعم «مبادرة عودة الكتاتيب» بمشاركة الأستاذ الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء - رئيس مجلس إدارة مؤسسة مصر الخير؛ والدكتور نيازي سلام، رئيس مجلس إدارة بنك الطعام؛ والدكتور نبيل كمال، رئيس مجلس إدارة مؤسسة المنة.

رحب الوزير بالسادة الحضور ممثلي شركاء المبادرة في مراسم التوقيع، مؤكدًا أن هذه المبادرة تأتي في إطار جهود الوزارة لتعزيز الهوية الثقافية والتعليمية لمصر. وأشار إلى أن الكتاتيب الجديدة ستعتمد على أسس حديثة ومتطورة، تهدف إلى تحفيظ القرآن الكريم وتعليم القراءة والكتابة والحساب، إلى جانب الإسهام في محو الأمية، واكتشاف المواهب، وترسيخ القيم المصرية الأصيلة.

وأوضح الوزير أن الكتاتيب ستشمل نوعين: الكتاتيب الواقعية بأماكن محددة مثل ملحقات المساجد، والكتاتيب الافتراضية عبر وسائل التواصل الحديثة لتصل إلى أوسع نطاق ممكن. وأكد أن المشروع يسعى إلى اكتشاف المواهب وتخريج علماء ومبدعين، ومحاربة التطرف الديني واللاديني، وتأسيس مجتمع متماسك ومتعلم. كما أعلن عن التنسيق مع قداسة البابا تواضروس الثاني لتوسيع النموذج ليشمل مدارس الآحاد بما يتماشى مع خصوصيتها.

وفي كلمته، أشاد الأستاذ الدكتور علي جمعة بالمبادرة، معتبرًا أنها تعيد للأذهان الدور الريادي للكتاتيب في تكوين الشخصية المصرية، كما أنها تمثل خطوة مهمة نحو بناء مجتمع حضاري مستنير.

وأكد الدكتور نيازي سلام أن هذه المبادرة تمثل حلمًا يتحقق لإحياء التعليم القائم على حفظ القرآن، مشيرًا إلى أن مشروع «عودة الكتاتيب» يعد نموذجًا تعليميًا فريدًا لإعداد أجيال قادرة على بناء المستقبل.

من جانبه، هنأ الدكتور نبيل كمال الشعب المصري بعودة الكتاتيب، مشددًا على أهمية المبادرة في بناء الإنسان المصري بناءً سليمًا من خلال التعليم القيمي والتربوي.

حضر توقيع البروتوكول عدد من الشخصيات البارزة، منهم: الأستاذ الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء - رئيس مجلس إدارة مؤسسة مصر الخير؛ والدكتور نيازي سلام، رئيس مجلس إدارة بنك الطعام؛ والدكتور نبيل كمال، رئيس مجلس إدارة مؤسسة المنة؛ والدكتور محمد رفاعي، الرئيس التنفيذي لمؤسسة مصر الخير، وعدد من قيادات وزارة الأوقاف.

وقد أكد وزير الأوقاف أن هذه المبادرة تعد خطوة محورية نحو بناء أجيال على أسس تربوية ودينية سليمة، مشيدًا بروح التعاون بين المؤسسات كافة لتحقيق أهداف المشروع الطموح. وفي الختام دعا وزير الأوقاف جميع المصريين إلى ترقب التوسع في افتتاح الكتاتيب قريبًا على غرار نموذج كُتاب كفر الشيخ شحاته بمركز تلا بمحافظة المنوفية، مؤكدًا أن هذه المبادرة ستفتح آفاقًا جديدة لأجيال المستقبل، وتضع مصر على طريق الريادة التعليمية مرة أخرى.

مقالات مشابهة

  • والدة الشهيد النقيب عمر القاضي: نقف وراء الرئيس السيسي للقضاء على أهل الشر
  • مفتي الجمهورية يعزى تركيا في ضحايا حادث حريق منتجع كارتال كايا
  • الزمالك يختتم استعدادته لمواجهة الجزيرة الإماراتي في البطولة العربية
  • غدًا.. انعقاد مجلس الحديث الـ٢٩ لقراءة «صحيح البخاري» من مسجد الإمام الحسين
  • مفتي الجمهورية يُعزي تركيا في ضحايا حادث حريق منتجع كارتال كايا
  • "طائرة الزمالك " تستعد لمواجهة الجزيرة الإماراتي فى البطولة العربية
  • مفتي الجمهورية يستقبل وفد أئمة من ستِّ دول برئاسة الدكتور المحرصاوي
  • مفتي الجمهورية يستقبل وفد أئمة من ست دول ويُشيد بجهود أكاديمية الأزهر
  • مفتي الجمهورية يستقبل وفد أئمة من 6 دول أجنبية
  • رئيس البرلمان العربي يثمن دور الجمهورية التونسية في الدفاع عن القضايا العربية