باريس – رغم أنه يحلق في سماء الكتابة والأدب بأكثر من جناح، فإن الشاعر والقاص والروائي والمترجم والناشر والأكاديمي العراقي عبد الهادي سعدون، استطاع أن يثبت جدارته ويتميز في أغلب هذه الأنماط والأجناس الإبداعية.

ولد سعدون في بغداد عام 1968، وانتقل للعيش والإقامة في إسبانيا منذ عام 1993، وهناك حصل على الدكتوراه في الآداب والفلسفة من جامعة مدريد.

سعدون أستاذ اللغة العربية والأدب بجامعة مدريد المركزية (كومبلتنسه)، وباحث وكاتب مختص بالأدب واللغة والثقافة الإسبانية، ويُشرف على منشورات "آلفالفا" الإسبانية المختصة بترجمة ونشر الأدب العربي منذ عام 2006.

أصدر الكثير من الروايات والمجموعات القصصية والشعرية نذكر منها "مذكرات كلب عراقي"، و"انتحالات عائلة" و"عصفور الفم" و"منتزه الحريم" و"كنوز غرناطة" و"تأطير الضحك"، و"اليوم يرتدي بدلة ملطخة بالأحمر" و"ليس سوى ريح" و"الكتابة بالمسمارية". كما كتب وأخرج فيلما قصيرا بعنوان "مقبرة" عام 2006.

وتُرجمت نصوص سعدون وكتبه إلى الكثير من اللغات العالمية كالإسبانية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والكاتلانية والإيطالية.

كتاب مذكرات كلب عراقي ترجم للإسبانية (الجزيرة)

وترجم سعدون إلى اللغة الإسبانية عيون الأدب العربي الكلاسيكي والحديث، وأصدر أكثر من 15 كتابا مترجما إلى لغة سرفانتس ضمن سلسلة آداب عربية التي تصدرها دار نشر "بيربوم" الإسبانية، وكان من ضمنها كتاب "ألف ليلة وليلة" الذي حصل على جائزة الترجمة الوطنية عام 2017.

كما ترجم من الإسبانية إلى العربية أكثر من 30 كتابا لأهم أدباء إسبانيا وأميركا اللاتينية مثل سرفانتس وبورخس وأنطونيو ماتشادو ورامون خمينث ولوركا وغيريهم، ويدير مهرجان شباط الشعري العالمي في مدريد منذ عام 2016.

نال عدة جوائز أدبية مهمة مثل جائزة أدب الطفل العربي 1997، وجائزة أنطونيو ماتشادو العالمية للشعر 2009، وجائزة مدينة سلمانكا الإسبانية للتميز الأدبي 2016، وجائزة الترجمة الأدبية باللغة الإسبانية (مارثيلو ريس) 2018.

"مذكرات كلب عراقي" لعبد الهادي سعدون بالعربية وبالفارسية (الجزيرة)

صدر لسعدون أخيرا ترجمة كتابين شعريين هما "قصائد للشاعر كارلوس بيتالي" و"الرحلة وقصائد أخرى" للشاعر ألفريدو بيريث النكارت، كما صدر له منذ شهر تقريبا ترجمة كتاب "الكوندي لوكارنو.. كتاب الحكايات والمسامرات والأمثال المفيدة" للكاتب الإسباني دون خوان مانويل المتأثر والعاشق للحضارة العربية الإسلامية وأدبها في الأندلس، ويتقاطع هذا الكتاب الحكمي في أكثر من مفصل مع كتاب "كليلة ودمنة" لابن المقفع.

وعن "دار جسور" وضمن الدورة التاسعة من مهرجان أفلام السعودية، نشر أخيرا كتاب "سينما بيدرو ألمودوبار" الذي يعد أول كتاب باللغة العربية عن هذا المخرج الإسباني العبقري العالمي الحاصل على أعلى التكريمات وأرفع الجوائز السينمائية، والذي يتناول فيه سعدون المشروع الفني الفريد لألمودوبار (73 عاما) ومسار حياته المتقلب وأفلامه وشخصياته.

وعن مجموعة هذه الإصدارات والترجمات الأخيرة، كان للجزيرة نت هذا الحوار مع الكاتب عبد الهادي سعدون، والذي تطرق أيضا إلى مساره الإبداعي المتنوع والمتميز، وتأثيراث تجربة المنفى الاختياري في إسبانيا في كتاباته وحياته، كما انفتح الحوار أيضا على قضايا أخرى أدبية وثقافية عربية وإنسانية، تكتشفونها تباعا في الحوار:

ما أهم إضافات كتاب "سينما بيدرو ألمودوبار" للمكتبة السينمائية العربية كأول كتاب يكتب مباشرة بالعربية عن سينما هذا المخرج الإسباني العالمي المعروف؟

رغم أنها سينما معروفة في الأوساط العربية فإنه لا يوجد أي كتاب عن خصوصية هذا السينمائي الإسباني الذي لا تمر مناسبة تعريف بالسينما العالمية الجديدة إلا ويكون هو في مقدمة المذكورين. لذا من الإنصاف وبعد هذه الحصيلة من النتاج السينمائي أن يقرأ المتتبع العربي كتابا عنه من مصادره الأساسية وباللغة العربية للمرة الأولى.

رغم شهرته العالمية وحصوله على أعلى التكريمات وأكبر الجوائز الدولية، ما زال بيدرو ألمودوبار مخرجا إشكاليا يقسم الجمهور والنقاد، وما زالت أفلامه المنفلتة من كل عقال تلقى ردودا مختلفة لحد اليوم، فما السر في كل هذا الانقسام؟

معضلة سينما ألمودوبار، هي معضلة جيل كامل وحركة فنية غيرت من نصف قرن الذائقة والتصور السينمائي الإسباني الذي عاش في ظل دكتاتورية ورقابة وممنوعات. أي تجديد سيصاحب بالقبول من جهة ورفض من جهة أخرى وهذا له وقعه في كل العالم. أعتقد أن ما عمله بيدرو مع قلة من الأسماء هو إزالة كل ذلك الركام ووضعه أمام العين للمرة الأولى، بطرق قد نتفق معها أو نرفضها، لكنها وسائل مهمة وواعية في تقديمها.

كتاب "سينما بيدرو ألمودوبار" لعبد الهادي سعدون (الجزيرة) ما دور الحركة الثقافية والفنية "لاموبيدا" التي ظهرت في مدريد في نهاية المرحلة الدكتاتورية لحكم الجنرال فرانكو، في تفجر موهبة المخرج بيدرو ألمودوبار وتبلور مشروعه السينمائي المتفرد الثوري السابح عكس التيار؟

"الموبيدا" أو الحركة الثقافية المدريدية لم تُثر العاصمة فقط بل جرت تأثيراتها الفنية والجمالية والتغييرية على كل إسبانيا. أعتقد لو أن الحركة لم تظهر في وقتها، لكان من الصعب فهم التغيير المجتمعي الإسباني خلال فترة الديمقراطية نهاية السبعينيات. بيدرو ألمودوبار فرد من مجاميع مختلفة متشابكة ومتفرقة أثرت على الحدث الثقافي بكل ما جاءت به إسبانيا فيما بعد.

ذكرت في الكتاب أن الإسبان يذكرون أن بيدرو ألمودوبار هو ثاني أشهر إسباني من مقاطعة "المانشا" بعد عبقري الرواية الإسبانية المعاصرة ميغيل دي سرفانتس مؤلف رواية "دون كيخوته" ذائعة الصيت، فما أهم الصفات الإبداعية العبقرية التي تشترك فيها هاتان الشخصيتان المؤثرتان والتي جعلت منهما أيقونتين عالميتين؟

ما قصدته أن ألمودوبار من الشهرة بحيث يقارن بالشهير الآخر سرفانتس صاحب رائعة "دون كيخوته"، وكلاهما من المنطقة نفسها، وهي التي أنجبت العديد من المثقفين والفنانين. ما صنعته سينما ألمودوبارعالميا بجعل إسبانيا اسما شهيرا سينمائيا يكاد لا يقل عن أثر "دون كيخوته" في تأسيس آداب العالم الحديثة.

المخرج بيدرو ألمودوبار في قبل أسابيع خلال الدورة الـ76 لمهرجان كان السينمائي (غيتي) ترتكز أغلب أفلام بيدرو ألمودوبار وخاصة فيلميه الناجحين "كل شيء عن أمي" و"ألم ومجد" على النهل من طفولته المعقدة وحياته المضطربة، في لعبة فنية تستحضر الذاكرة وتعزف على أوتار الحنين، فما هي الخلطة الفنية السحرية السينمائية التي استعملها ألمودوبار ليحقق معادلة التوازن الصعبة بين الذاتي والموضوعي؟

بيدرو نفسه يقول في أكثر من مناسبة إن الطفولة والذكريات هي المادة المكررة في كل نتاجه السينمائي، بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وأضيف أن خصوصية ألمودوبار تكمن قبل كل شيء في محليته اللصيقة بكل تراث إسبانيا والمدن التي عاش فيها، بحيث أننا لو انتزعنا هاتين الصفتين من أفلامه، فلا قيمة لها وستكون مجرد أفلام أخرى في سينما أي بلد. ألمودوبار بكل فنية وسحرية سينمائية استطاع أن يجمع كل هذه الخيوط الخاصة ليصنع سينماه العالمية المتفردة.

النص الأدبي قائم بذاته وبتركيبته ولغته ومناخه وتقنياته الخاصة، وكلها يمكن أن يستفيد منها أي مخرج في فيلم، لكنه لا يمكنه بكل الأحوال مسك روحية النص ونقله بصورة سينمائية

هل يمكن أن نضع سينما بيدرو ألمودوبار ضمن أفلام "الموجة الجديدة" التي ظهرت في فرنسا وامتدت لأوروبا وكانت تمثل الرافض الواعي للشكل السينمائي الكلاسيكي والروح الشبابية المتمردة مع رواد مثل فرنسوا تروفو وجان لوك غودار وإريك رومير وكلود شابرول، أم هو يعد تيارا بحد ذاته؟

يمكن وضعها بالطبع ضمن موجة السينما الأوروبية الجديدة التي تسيدت الثمانينيات، بتأثير كبير من السينما الأميركية، لكن بدون الوقوع بمطباتها وتهويلاتها المعروفة. سينما بيدرو يمكن عدها سينما مجددة في أوروبا والبحر المتوسط، وكل تجربة من مخرج آخر هي إضافة ومؤثر كبيران في ذائقته واختياراته. لعله أشار للسينما الشعبية وفنون البوب وكل المؤثرات المعاصرة التي أدخلها بدون أي موانع محددة في تركيبة أفلامه كلها.

كتاب "الرحلة وقصائد أخرى" (الجزيرة) نجح الكثير من المخرجين العالميين في اقتباس روايات عالمية ناجحة وتحويلها إلى أفلام سينمائية، كما فشلت تجارب أخرى، برأيك ما الآليات والتقنيات الفنية الناجحة في اقتباس النص الأدبي من الرواية إلى السينما؟ وما الإضافات التي يمكن أن تقدمها السينما إلى الأدب والرواية عبر لعبة وغواية الاقتباس؟

النص الأدبي قائم بذاته وبتركيبته ولغته ومناخه وتقنياته الخاصة، وكلها يمكن أن يستفيد منها أي مخرج في فيلم، لكنه لا يمكنه بكل الأحوال مسك روحية النص ونقله بصورة سينمائية. هنا واحد من الطرفين يجب أن يتنازل ويفقد شيئا ما، النص في النهاية من كتابة مؤلفه والفيلم من صنع مخرجه، وهما دوران مختلفان تماما، لهذا نادرا ما نرى توافقا كبيرا بين الاثنين.

ما ينقصنا حقا هو وقت طويل للقراءة والتأمل، وقت لقراءة حقيقية للتواصل والانتقاء والتعرف على العالم من حولنا. ما نقوم به مؤخرا هو "القراءة الإنترنيتية" وهي قراءات سريعة تنتهي بانتهاء ومضتها، مثلها مثل وجبات الأكل السريعة. التعمق بكل شيء مدعاة تفتح ووعي لكل البشر، وبالأخص الكاتب والمثقف.

صدر لك أخيرا ترجمة "قصائد للشاعر كارلوس بيتالي" وكذلك "الرحلة وقصائد أخرى" للشاعر ألفريدو بيريث النكارت، ما الآليات الفنية التي تعتمدها لتحقيق التوازن بين الممكن والمستحيل في ترجمة الشعر؟

كل ترجمة تتعكز على الحرفية وليس على الإبداعية، نهايتها الموت وعدم الجدوى. باختصار كل ترجمة إن لم تنهل من كل معرفة إبداعية فلا داعي لها ولا ضرورة لمعاينتها. الروح الحقيقية من كل ترجمة (ليس الشعر فحسب) هي التوازن ما بين لغتها الأصل وروحية اللغة المنقولة إليها. كل ترجمة تعتمد على الرغبة القصوى بالتواجد قبل أي شيء آخر.

الكاتب عبد الهادي سعدون وكتابه الجديد "سينما بيدرو ألمودوبار" (الجزيرة) هل شكلت الترجمة عامل ثراء لتجربتك الكتابية أم هددت خصوصيتها وفرادتها؟

القراءة قبل كل شيء هي مصدر ثرائي وحياتي المعرفية كلها. القراءة قبل كل شيء هي الحياة نفسها، ومن ثم تمارين الكتابة هي من الخيوط المساعدة التي تأتي لتكملها. بعد ذلك يأتي كل شيء: الكتابة بأنواعها، الترجمة، الملتقيات.. وغير ذلك. ما ينقصنا حقا هو وقت طويل للقراءة والتأمل، وقت لقراءة حقيقية للتواصل والانتقاء والتعرف على العالم من حولنا.

ما نقوم به مؤخرا هو "القراءة الإنترنيتية" وهي قراءات سريعة تنتهي بانتهاء ومضتها، مثلها مثل وجبات الأكل السريعة. التعمق بكل شيء مدعاة تفتح ووعي لكل البشر، وبالأخص الكاتب والمثقف.

كل مشاريع الترجمة العربية فردية اعتباطية واختيارية خالصة. وهنا دور كل الجهات ومن كل الأطراف، وإن كان الواقع العربي أكبر لأنه خبزنا الذي نرغب ببيعه.

هل ما زلت تتعامل مع الترجمة بروح المغامر الشغوف أم تعتبر نفسك مترجما محترفا بعد هذه التجربة الطويلة؟

لو وقعت بمطب الاحتراف، عليّ أن أجد طريقا آخر. الترجمة عملية منتقاة ورغبة للتواصل مع الآخر عن طريق لغتك وذائقتك، غير ذلك يمكننا اعتبارها نوعا من المران التقني الضروري ولكنه ليس المنشود على الأقل بالنسبة لي. الترجمة مغامرة حقيقية مع النفس ومع النص ومع القارئ.

قصص "حكايات بلاد الباسك الشعبية" ترجمة عبد الهادي سعدون (الجزيرة) تشرف على منشورات "آفالفا" الإسبانية المختصة بترجمة ونشر الأدب العربي باللغة الإسبانية، وفي نفس الوقت ترجمت العشرات من الكتب الإسبانية إلى اللغة العربية، كيف تنظر إلى حركة الترجمة من وإلى اللغة الإسبانية؟ وهل هناك تقصير وغياب لإستراتيجية عربية موحدة في الترجمة في هذه الحركة؟

هناك تقصير كبير من كل الجهات، بمعنى أنه ليس هناك حركة ترجمة منظمة ومنسق لها، فكل مشاريع الترجمة العربية فردية اعتباطية واختيارية خالصة. وهنا دور كل الجهات ومن كل الأطراف، وإن كان الواقع العربي أكبر لأنه خبزنا الذي نرغب ببيعه. ما زلنا ننظر للترجمة كونها آخر الأمور أهمية ولا ندفع لها الكثير، مقابل الملايين التي تصرف لتبييض الوجوه في كرة القدم وغيرها، نقف مكتوفي الأيدي عندما يتعلق الأمر بالثقافة والترجمة والتواصل مع الآخر. حلها بسيط جدا لكن نحتاج لوعي وإدراك وعيون مفتوحة للنظر بشكل حقيقي.

كيف استفدت إبداعيا من المنفى الاختياري الذي عشته على مدى أكثر من 3 عقود في إسبانيا؟ أيهما أشد قسوة بالنسبة للمبدع المنفى المكاني الخارجي أم المنفى الروحي الداخلي؟

المنفى (داخليا أو خارجيا) وقعه كبير ومغير شرس وقاسٍ كجلاد، لذا عليك أن تتدرب بشكل متواصل منذ يومك الأول على إيجاد لعبة تعامل وتعايش مستمرة كي تصبر على تمارينه اليومية. بعد ذلك لا يبقى أمامك سوى أن تجد فيه طريقك المناسب، بعضنا ينام في عتبته الأول والبعض لا يرضى لنفسه سوى البحث عن مخارج أخرى. مهما كانت النتيجة من نجاح أو فشل، لا يمكن أن يكون المنفى عابرا بحياتك، لأنه قد شكلك بطريقة لا يمكن أن تكون أخرى لو لم تجرب الخوض فيها. مع ذلك لا بد من القول إنني بدون سنين المنفى التي وصلت الـ30 سنة تقريبا، لا يمكنني القول إنني سأكون ذلك الـ"عبد الهادي" نفسه لو بقيت في بغداد حتى اليوم.

ما الشعر في النهاية بالنسبة إليك وكيف تعرّفه؟

الكفة الموازنة لهشاشة الحياة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: اللغة العربیة لا یمکن یمکن أن أکثر من

إقرأ أيضاً:

مؤشرات على استعادة العلاقات الجزائرية الإسبانية دفأها

الجزائر- تسير العلاقات الجزائرية الإسبانية في طريقها نحو الانفراج بعدما دخلت منعرج التوتر الحاد سنة 2022، إذ شكل لقاء جمع وزيري خارجية البلدين -على هامش الاجتماع الوزاري لمجموعة الـ20 بمدينة جوهانسبرغ الجنوب أفريقية يوم 20 فبراير/شباط الجاري- دفعا جديدا نحو رغبة ثنائية لتجاوز الخلافات.

ولأول مرة منذ بداية الأزمة، يلتقي مسؤولان رفيعا المستوى من البلدين، بعد تأزم العلاقات بينهما، في مارس/آذار 2022، إثر إعلان رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز دعم بلاده لمخطط الحكم الذاتي المغربي في الصحراء الغربية، وهو ما وصفته الجزائر "بالانقلاب المفاجئ".

ردا على ذلك، سحبت الجزائر سفيرها من مدريد وعلقت اتفاقية الصداقة وحسن الجوار بين البلدين الموقعة سنة 2002، إلى جانب فرض عقوبات اقتصادية من خلال تجميد عمليات التصدير والاستيراد من إسبانيا وإليها، ووقف أي عملية توطين بنكي لإجراء عمليات تجارية معها.

إشارة رسمية

من جهتها، قالت الخارجية الجزائرية إن وزير الخارجية الإسباني خوسي مانويل ألباريس "جدد شكر بلاده للسلطات الجزائرية، نظير مساهمتها في إطلاق سراح الرعية الإسباني، نافاروا كانادا خواكيم، المختطف بالمنطقة الحدودية الجزائرية المالية، في يناير/كانون الثاني الماضي. وأكد دعم بلاده لدور الجزائر في تعزيز الاستقرار ودعم التنمية بمنطقة الساحل الصحراوي".

إعلان

مثلت تغريدة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون التي وصف فيها إسبانيا بـ"الدولة الصديقة"، الأسبوع الماضي، في رسالة تهنئة وجهها للروائي الجزائري ياسمينة خضرا، بمناسبة فوزه بجائزة أدبية بمدريد، إشارة رسمية من أعلى سلطة في البلاد إلى "عودة الدفء في العلاقات بين البلدين".

في السياق، أكد المحلل السياسي إسماعيل خلف الله أن هناك رغبة ثنائية من الجزائر ومدريد لإعادة إحياء العلاقة وإصلاحها لما فيه من مصلحة مشتركة.

وفي حديثه للجزيرة نت، قال إن الجزائر -خلال أزمة 2022- لم تلغ اتفاقية الصداقة وحسن الجوار مع إسبانيا، بل جمدتها فقط، وهذا يوحي بأن العلاقات بينهما قابلة للترميم في الوقت المناسب الذي يبدو أنه قد حان بالفعل، وهو ما تجلى في تغريدة الرئيس الجزائري مما يشير إلى التوجه نحو إعادة بناء العلاقة مع مدريد.

وأشار خلف الله إلى ما وصفها ببعض محاولات وسائل إعلام لتزييف الحقائق من خلال الترويج لفكرة أن الجزائر تعيش عزلة دولية، وهو ما دفعها إلى إعادة بعث العلاقات مع إسبانيا، وعدّه طرحا خطأ ولا يستند إلى أي معطيات صحيحة "فالجزائر اليوم تُعَد قِبلة للدبلوماسية العالمية، إذ تستقبل وفودا رسمية باستمرار".

مدريد شكرت الجزائر على تحريرها رعية إسبانية خُطفت في الحدود الجزائرية المالية (وزارة الدفاع الجزائرية) مصالح مشتركة

من جانبه، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية أنيس بوقيدر أن عودة العلاقات الجزائرية الإسبانية تدخل ضمن عدة سياقات متباينة، أهمها المصالح الجيوسياسية المشتركة، بحكم أن كلا منهما "دولتان عقلانيتان في تعاملهما".

ويؤكد للجزيرة نت أن هذه المصالح "تكتسب أهمية خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الجزائر، باعتبارها الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، تُعد الوجهة الأولى لدول الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالطاقة، إلى جانب توفرها على المزايا التي يبحث عنها الاتحاد في تعاملاته".

إعلان

وتطرق إلى تعديل الموقف الإسباني تجاه قضية الصحراء الغربية الذي يُعد أحد أهم السياقات التي تدفع البلدين نحو استئناف العلاقات بينهما، برأيه.

وبخصوص مستقبل هذه العلاقات، توقع أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية أن تكون واعدة ومزدهرة في المستقبل، خاصة مع مراجعة الاتحاد الأوروبي لاتفاقية الشراكة مع الجزائر، بالإضافة إلى الرهانات الجيوسياسية الحالية.

واعتبر أن القضايا المشتركة التي تجمع الجزائر وإسبانيا تفوق بكثير تلك التي سببت سوء تفاهم بينهما في الماضي، "لا سيما مع تعديل الموقف الإسباني تجاه القضايا العادلة التي تحرص الجزائر على الدفاع عنها"، مما ساهم في تعزيز التقارب بين الطرفين.

ووفقا له، فإن مستقبل وآفاق العلاقات الجزائرية الإسبانية تبدو مفتوحة على احتمالات إيجابية، خاصة في ما يتعلق بالتعاون الاقتصادي، لا سيما في المجالات الجيوطاقوية.

عودة تدريجية

من ناحيته، توقع أستاذ الاقتصاد في جامعة سطيف، فارس هباش، أن عودة العلاقات الاقتصادية بين الجزائر وإسبانيا لن تكون فورية، بل ستتم تدريجيا عبر عدة مراحل. وأشار إلى أن قطاعات التجارة والصناعة هي الأكثر استفادة من هذه العودة، تليها الطاقات المتجددة والاستثمارات التكنولوجية.

واعتبر -في حديثه الجزيرة نت- أن مستقبل الشراكة سيعتمد على مدى قدرة إسبانيا على استعادة الثقة الجزائرية سياسيا واقتصاديا. كما أن الشركات الإسبانية بحاجة إلى إستراتيجية جديدة للدخول إلى الأسواق الجزائرية، نظرا للمنافسة القوية من الشركات الإيطالية والصينية والتركية.

وحسب هباش، ستشهد العلاقات الاقتصادية -ما بين سنة 2025 و2027- مرحلة إعادة بناء التحالفات التجارية نتيجة التوافق السياسي، مما يؤدي إلى عودة تدفقات الاستثمار الإسباني إلى الجزائر، خصوصا في قطاع الطاقة المتجددة، إذ تعتبر الشركات الإسبانية من بين الأوائل عالميا في هذا المجال.

إعلان

كما تحدث عن تحسن العلاقات المصرفية، مما سيسهل العمليات التجارية أو الاستثمارات الثنائية، بالإضافة إلى إعادة إطلاق مشاريع مشتركة في قطاع الصناعات التحويلية والسياحة، خصوصا مع وجود شراكات قديمة بين الجزائر ومدريد في هذا المجال.

وأشار هباش إلى إمكانية عودة التجارة الثنائية إلى مستويات ما قبل الأزمة، أو حتى تجاوزها مع بداية سنة 2027، خاصة مع ارتفاع الطلب الجزائري على منتجات التكنولوجيا والبنية التحتية التي توفرها إسبانيا.

يُشار إلى أن وسائل إعلام جزائرية كانت أعلنت، العام الماضي، عن تأجيل زيارة وزير الخارجية الإسباني التي كانت مقررة في 12 فبراير/شباط 2024 إلى الجزائر، قبل 12 ساعة فقط من موعدها، بناء على طلب من الجزائر بسبب "ازدحام الأجندة وعدم حسم بعض الملفات التي كان من المقرر مناقشتها خلال الزيارة"، من دون الكشف رسميا عن التفاصيل الكاملة وراء هذا القرار.

وأعرب ألباريس مع بداية 2023 عن "رغبة بلاده في إعادة الدفء للعلاقات مع الجزائر وتوجيهها في ضوء الصداقة بين الشعبين"، بالتزامن مع إعلان الجزائر عزمها إعادة سفيرها إلى إسبانيا.

وشكلت عودة السفير الجزائري رسميا إلى مدريد واستئناف العلاقات التجارية بين البلدين، في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، من خلال تعميم أصدره البنك المركزي الجزائري، تضمن ضوءا أخضر لإعادة فتح عمليات التجارة الخارجية من إسبانيا وإليها، أول مؤشرات جزائرية لخفض التوتر بين الجانبين.

مقالات مشابهة

  • مؤشرات على استعادة العلاقات الجزائرية الإسبانية دفأها
  • نادي الترجمة بأسيوط يناقش «دراسات الترجمة بين النظرية والتطبيق» في لقاء ثقافي موسع
  • مواطنو القبة بمجلس الصحوة يعلنون وقوفهم مع القوات المسلحة ورفضهم لحكومة المنفى
  • وفاة الروائي و الكاتب السوداني محمد خير عبدالله متأثرا بداء الكوليرا
  • الكاتب ياسمينة خضرا يشكر رئيس الجمهورية على تهنئته له بعد فوزه بجائزة عالمية
  • الأدب الإماراتي يضيء بلغات أخرى
  • الخارجية الإسبانية: لا يمكن فرض السلام على أوكرانيا
  • اتلانتك: كيف يمكن لترامب أن يحبط تهريب الأسلحة عبر البحر الأحمر من قبل الحوثيين (ترجمة خاصة)
  • عروض فنية ومسابقات في احتفال جامعة القاهرة باليوم الثقافي الياباني
  • المنوفى: نرحب بالشركات الإسبانية للاستثمار والتصنيع المشترك في مصر