ولد القديس يعقوب الفارسي الذي تحتفل الكنيسة اليوم بذكرى استشهاده في مدينة اسمها لابات، في ناحية سوز الفارسية، على بعد ثلاثمئة كيلومتر تقريباً شمالي الخليج الفارسي.

 وكان من عائلة ثرية من فئة النبلاء، قيل امتازت بالكرم وإضافة الغرباء، وكانت على المسيحيّة.

رجل الدنيا

تَلَقَّى يعقوب قِسْطاً وافراً من علوم عصره وكان دَمِثاً، غيوراً على خدمة الناس، وَديعاً.

ارتبطَ بصداقة حميمة بالشاه الفارسي، يزدجرد الأول (٣٩٩ - ٤٢٥). وقد أسبغ عليه هذا الأخير امتيازات شتى فبات أكثر معشر يعقوب أهل القصر وأكثر أجوائه مَجالِس كبار القوم. كل ذلك أثّر في وجدانه وجعله سكير المَقامات والأَمْجاد العالمية. يومذاك كانت المسيحية في بلاد فارس مرذولة ومضطهدة، لاسيما بعدما عمد أسقف المدائن، عبدا الشهيد، إلى إحراق معبد الشمس حيث اعتاد يزدجرد الأول تقديم ذبائحه (٤١١ م). وإذ كان على يعقوب أن يختارَ بين إيمانِهِ بالرَّبِّ يسوع المسيح والحظوة لدى الشّاه، اختار امتيازات هذا الدّهر وأمجاده وبات شريك الشّاه في عبادة الأوثان.

ثاب إلى رُشْدِهِ

     وبلغَ المسيحيّين خبر سقوط يعقوب فكان له فيهم وقع الصّاعقة لا سيّما وأنّ يعقوب أحد أعمدتهم. ثمّ أنّ والدة يعقوب وزوجته بلّغاه أنّهما يقطعان به كلّ علاقة لأنّه آثَرَ مَجْدًا عابِرًا على محبّة المسيح ووعد الحياة الأبديّة. وثمّة رسالة قيل إنّهما وجّهتاها إليه، بهذا المعنى، وقيل أيضًا إنّها من رعيّة المَسيحيّين. جاء في الرّسالة: “عار على مَن هو مثلك، رفيع في الحسب والنّسب والإيمان أيضًا، أن يسقط في جبّ الضّلال العالميّ طمعًا في أمجادٍ تافهةٍ مزيّفة. من المؤسف كلّ الأسف أن تُؤَثِّرَ الملك الأرضيّ على الملك السّماويّ، ملك الملوك وربّ الأرباب. ماذا نقول فيك يا مُستحقّ النّوح والبكاء والشّفقة؟ أيّة عطيّة سيجزل لك يا عديم العقل؟ إنّنا ننوح من القلب ودموعنا تتساقط مدرارة حزنًا على صنيعك الممقوت. لكنّنا نضرع إلى الرَّبّ أن يفتح عينيك المُغمضتين وأن يلقي بنوره الإلهيّ في صدرك كي تعود عن غيّك وضلالك. حاول أن تفهم ما آلت إليه حالك. جرّب أن تدرك الخطيئة العظيمة الّتي وقعت فيها. فكّر في أنّك كنت ابنًا للنّور. فأصبحت ابنًا لجهنّم. لا تفوّت فرصة خلاصك، ولا تؤجّل عمل التّوبة. مدّ إلى العليّ يد التّضرّع والانسحاق. عد إلى رشدك وصوابك فيعود فرحنا بك. ولا تنس أنّ إصرارك على ما أنت فيه سيجعل بينك وبيننا قطيعة“.

وأفاق يعقوب من سُكْرِهِ وبَكَى بُكاءً مُرًّا. كلّ همّه بات أنْ يمحو خيانته لربّ السّماوات والأرض، وبالدّم إذا لزم الأمر. لذلك جاهر بإيمانه بالرَّبّ يسوع ونبذ الأوثان. لم يترك مناسبة إلّا فعل كذلك إلى أن بلغ خبره الشّاه نفسه، فاستدعاه وسأله عن حقيقة الأمر، فاعترف ولم ينكر. بدا الشّاه لبعض الوقت غير مصدّق، لكن يعقوب أصرّ. حاول يزدجرد إغراءه بالمَناصِب والمال والأمجاد فلم يُبال. قال إنّه مُستعدّ أن يهبه حتّى نصف مملكته فلم يصغ. ذكّره بالشّباب وحلاوات الحياة الدّنيا فلم يتزحزح. هدّده فلم يكترث. إذ ذاك خرج الشّاه عن طوره وأسلمه، في غضب شديد، إلى التّعذيب.

تحت التّعذيب

 

 

  كانت المرحلة الأولى من التّعذيب عاديّة، لكنّ حمية يعقوب واستخفافه بها جعلا يزدجرد في هياج، فأمر إذ ذاك بإنزال أقسى وأصعب أنواع التّعذيب بيعقوب: تقطيعه قطعة قطعة حتّى يلفظ نفسه الأخير. وشاء الشّاه أن يدعو المدينة كلّها إلى هذا المشهد المُريع. ولمّا حضرت السّاعة، بدا بعض النّاس حَزانى باكين فقال لهم يعقوب: “لا تبكوا عليّ أيّها البائسون، ابكوا على أنفسكم وشهواتكم وملذّاتكم. سأتوجّع قليلًا، ثمّ ينتهي كلّ شيء. أمّا أنتم فمصيركم هنا غير مضمون“.

 

 

ثمّ أنّ الجلاّدين بدأوا بتنفيذ الحكم فقطعوا أصابع يديه ورجليه ثمّ ذراعيه وساقيه. وإذ كان يعقوب في آلام فظيعة صرخ إلى الرَّبّ يسوع: “أغثني يا ربّ!” فجاءت قوّة من عند الله جعلته غريبًا عن الألم، وكأنّ ما يجري كان على جسد شخص آخر. أخيرًا قطع الجلاّد رأسه فتوقّف مجرى الأوجاع وأكمل يعقوب الشّهادة أمانةً وتكفيرًا.

 

 

 

وقد جاءَ في التّراث أنّه عندما قطع الجلّاد إبهامه قال: “هكذا تقلّم الكرمة لكي تنمو جديدًا في أوانها“. وعندما قطع اصبعه الثّاني قال: “تقبّل، يا ربّ الغصن الثّاني من زرعك“. ولما قطع الثّالث قال: “أبارك الآب والابن والرّوح القدس“. وعندما قطع الرّابع قال: “يا من قبلت مديحًا من الحيوانات الأربع، اقبل ألم هذه الأصابع الأربع“. وعند الخامس قال: “ليت فرحي يكون عظيمًا كفرح العذارى الخمس العاقلات“. وعند السّادس قال: “المجد لك يا ربّ، يا مَن مَدَدت يديك الطّاهرتين على الصّليب، في السّاعة السّادسة وجعلتني مُستحقًّا أن أقدّم لك أصابعي السّتّة“. وعند السّابع قال: “كمثل داود الّذي سبّحك سبع مرّات في اليوم، هكذا أنا اليوم أسبّحك بأصابعي السّبعة المبتورة من أجلك“. وعند الثّامن: “أنت يا ربّ استرحت في اليوم الثّامن“. وعند التّاسع: “في السّاعة التّاسعة، يا ربّ، استودعت روحك يدي أبيك، يا مسيحي، وأنا أقدّم لك الشّكر لألم الاصبع التّاسع هذا“. وأخيرًا لمّا قطع الجلّاد آخر اصبع من أصابعه قال: “أرتّل لك، يا ربّ، على عود ذي عشرة أوتار وأباركك لأنّك أهّلتني لاحتمال قطع أصابع يديّ الاثنتين من أجل وصاياك العشر المكتوبة على ألواح الحجر“.

 

وكان  استشهاد يعقوب في مدينة بابل على نهر الفرات وقيل إنّه كان يوم جمعة. وقد تمكّن بعض الأتقياء من سرقة الجثمان ولملمة الأطراف ونقل الهامة لتوارى الثّرى بإكرام وخشوع.

 

 

 

هذا، ورفات القدّيس اليوم في أكثر من موضع في العالم، فالهامة في روما وبعض من عظامه في بلاد البرتغال حيث يُحتفل بعيده في اليوم الثّاني والعشرين من شهر مايو  تجدر الإشارة إلى أنّ العديد من الكنائس والأديرة عندنا، لا سيّما شمالي لبنان، يتّخذ القدّيس يعقوب شفيعًا.

       

 

 

 

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: أقباط

إقرأ أيضاً:

ميديابارت: لماذا تريد السلفادور أن تصبح سجن الولايات المتحدة؟

قال موقع ميديابارت إن رئيس السلفادور ناييب بوكيلي عرض على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استقبال المجرمين المدانين في الولايات المتحدة في سجون بلاده، بعد فشل رهانه على العملات المشفرة، في محاولة للبحث عن نموذج اقتصادي جديد لبلاده.

ويسعى ناييب بوكيلي الذي اشتهر بتدميره قبضة العصابات وجعل السلفادور تحتل الصدارة عالميا في معدلات السجون، إلى استغلال سياساته القمعية -حسب الموقع- بجعلها خدمة اقتصادية تُقدّم للدول الأخرى، خاصة الولايات المتحدة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 26 أسئلة توضح ما قد يحدث إذا تجاهلت إدارة ترامب قرارات القضاءlist 2 of 2ماكرون عن ترامب: لا تهُن أمامه ولا تعطه دروساend of list

وقد قدم ناييب بوكيلي، الذي يحب أن يقدم نفسه باعتباره "الديكتاتور الأكثر برودة في التاريخ"، هذا العرض لوزير الخارجية الأميركية ماركو روبيو الذي قبله ووعد بدراسته، رغم أن هذا النهج يحول البلاد إلى "سجن عملاق" بدلا من تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، حسب ميديابارت.

وذكر الموقع -في تقرير بقلم روماريك غودين- بأن اقتصاد السلفادور يعتمد اليوم إلى حد كبير على التحويلات المالية من المهاجرين الذين يعيش أغلبهم في الولايات المتحدة، وقد شكلت تحويلاتهم المالية حوالي 26% من الناتج المحلي الإجمالي السلفادوري عام 2021.

الانحناء للعاصفة

ولذلك بدا وصول الملياردير إلى البيت الأبيض محفوفا بالمخاطر بالنسبة لناييب بوكيلي، لأن سياسته في مجال الهجرة تنذر بتسفير السلفادوريين من الولايات المتحدة، وتهدد اقتصاد البلاد، الذي كان يمر بفترة اقتصادية صعبة، السلفادور نتيجة سياسات بوكيلي المرتبطة بالعملات الرقمية التي أدت إلى فقدانه ثقة الأسواق العالمية واضطرته للجوء إلى صندوق النقد الدولي مقابل تنازلات قاسية، من بينها إنهاء اعتماد البيتكوين كعملة قانونية.

إعلان

وعندما قرر بوكيلي العودة إلى السوق المالية في البلاد، كانت تكلفة السندات التي صدرت على مدى 6 سنوات باهظة، وفي النهاية اضطرها هذا الدين "السخيف" -على حد تعبير فايننشال تايمز- إلى إعلان الاستسلام لصندوق النقد الدولي.

وأعلن صندوق النقد الدولي التوصل إلى اتفاق مع الحكومة السلفادورية، وبالتالي يتعين على السلفادور أن تطبق سياسة تقشف صارمة لخفض العجز الأولي بنحو 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي في غضون 3 سنوات، مع التخلي عن مشاريع البتكوين، لتحصل على قرض بقيمة 1.4 مليار دولار يحميها مؤقتا من الإفلاس.

ولهذا وجدت حكومة السلفادور نفسها مضطرة لحماية العلاقة مع واشنطن، في انتظار أن تعمل على بناء نموذج اقتصادي جديد، ولتحقيق ذلك، يسعى بوكيلي، الذي تفاخر بأنه أنهى "العمل البيئي الأكثر طموحا وتأثيرا في تاريخ" البلاد، الآن إلى إعادة إطلاق النشاط لاستخراج الذهب.

لقد صنع بوكيلي اسمه من خلال ملاحقة العصابات باستخدام القوة. فمنذ عام 2021، تخضع البلاد لنظام استثنائي مستمر. واعتقل أكثر من 100 ألف شخص ولا يزالون محتجزين، وفي كثير من الأحيان دون محاكمة.

ولم يتم الإفراج إلا عن 8 آلاف منهم، وتمتلئ الصحافة الدولية بشهادات من عائلات لم تتلق أي أخبار عن أحبائها الذين اختفوا بعد الاعتقال.

التخصص في احتجاز المجرمين

وقد حققت هذه السياسة القمعية مكاسب سياسية واضحة بالنسبة إلى ناييب بوكيلي، وهو رئيس الدولة الأكثر شعبية في العالم في بلاده، بعد أن وجد السلفادوريون الذين عاشوا في رعب دائم من عنف العصابات، الهدوء في الشوارع وهم ممتنون لرئيسهم.

ولكن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر إلى الأبد -حسب الموقع- لأن احتجاز 1.7% من سكانها في ظروف قاسية أمر مكلف من حيث البنية التحتية والأفراد، كما أن السكان مع العودة إلى الهدوء، سوف يطالبون بالمزيد، وخاصة بالتقدم الاقتصادي، ولكن أيضا بالحق في القدرة على الطعن في بعض القرارات.

إعلان

ومن أجل توفير المال، قرر الرئيس تحويل سياسته القمعية إلى نشاط، وهو يقترح على ترامب الاستعانة بمصادر خارجية لتنفيذ جزء من سياسته الأمنية في الولايات المتحدة، مقابل رسوم، وبهذا يأخذ الاقتراح المقدم إلى ترامب بتحويل السجناء معناه الكامل.

وخلصت ميديابارت إلى أن رئيس السلفادور يريد أن تختص بلاده في تصدير خدمات الاحتجاز للمجرمين الخطرين، وهذا من شأنه أن يسمح له بمواصلة سياسته الأمنية لضمان سلطته في بلاده، وهو يأمل إذا أثبتت التجربة نجاحها، في أن دولا أخرى قريبة من اليمين المتطرف الدولي سوف تستخدم خدماته.

ويعتبر هذا الاقتراح وسيلة للحصول على استقبال إيجابي من ترامب، كي يتم تجنيب السلفادوريين في الولايات المتحدة الطرد، وحتى الآن يتمتع مواطنو بوكيلي "بوضع الحماية المؤقتة" حتى سبتمبر/أيلول 2026، مما يمنع عمليات الطرد بسبب الوضع الداخلي في بلدان المنشأ الذي يهدد دونالد ترامب بإزالته.

مقالات مشابهة

  • قد يكافح شيخوختك.. كل ما تريد معرفته حول فوائد التمر الهندي
  • ترامب لزيلينسكي: بلادك في ورطة وأنت لا تريد وقف إطلاق النار
  • ميديابارت: لماذا تريد السلفادور أن تصبح سجن الولايات المتحدة؟
  • ظهور ليلى إسكندر مع طليقها يعقوب الفرحان
  • 20 مصطلحا عقاريا يهمك معرفته.. «قبل توقيع العقد»
  • البرعي وابنه يعقوب يحصدان ذهبية وفضية «الشرق الأوسط للاختراعات»
  • الذكاء الاصطناعي يكتسح هواتف آيفون .. كل ما تحتاج معرفته عن iOS 18.4
  • تسريبات جديدة عن «آيفون 17».. كل ما تريد معرفته
  • ما هو أول واجب على المؤمن معرفته؟ علي جمعة يكشف عنه
  • إقامة صلاة جماعية في ساحة القديس بطرس من أجل سلامة البابا فرنسيس