قبل الهجوم المفاجئ الذي شنَّته المقاومة الفلسطينية على الأراضي المحتلة يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، اعتمدت حركة حماس خطة تضليل إعلامية وسياسية معقدة، بدأت بحرصها الواضح على تجنب توسيع المواجهة التي اندلعت مع إسرائيل في مايو/أيار الماضي، ما خلق انطباعا بأن حماس تُفضِّل التهدئة في الوقت الراهن والانشغال بتفاصيل حُكم غزة.

وساهم ذلك في التمهيد لعملية خداع إستراتيجي، شملت إجراء المقاومة تدريبات مُعلنة لها في وضح النهار، وتحت عين وبصر العدو، حملت اسم "الركن الشديد 4"، قبل ثلاثة أسابيع من اندلاع "طوفان الأقصى"، تضمَّنت محاكاة لخطف جنود، واقتحام مواقع عسكرية مشابهة للمواقع الإسرائيلية المتاخمة لغلاف غزة (1).

 

بمجرد نجاح المقاومة في اختراق غلاف غزة شديد التحصين، وأسر أكثر من 200 إسرائيلي والعودة بهم إلى داخل القطاع، بدأ الاحتلال معركة مضادة لإعادة شيء من كرامته المهدورة. ولكن إلى جانب تلك التحركات العسكرية، اندلعت حرب موازية أخرى في الفضاء الإلكتروني عبر منابر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وبدأ كل طرف في تقديم سرديته في محاولة لانتزاع شرعية جماهيرية تُبرِّر خطواته العسكرية على الأرض. وفيما يقول الفلسطينيون ومن ورائهم العرب والعالم الإسلامي ومناصري القضية الفلسطينية حول العالم إن ما حدث صبيحة يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول لم يكن سوى آخر حلقة في سلسلة من أعمال المقاومة المشروعة للشعب الفلسطيني لاسترداد أرضه ودفع العدوان عن شعبه، ما انفك الاحتلال يُروِّج لرواية أخرى تقول إنه ضحية هجوم إرهابي مماثل للحادي عشر من سبتمبر/أيلول، مُستعينا بإستراتيجيات إعلامية تمنحه تعاطف الرأي العام العالمي وتُبرِّر له استخدام القوة الغاشمة.

 

لم تقف الرواية الإسرائيلية عند ذلك الحد، فمع ما ظهر من تفوُّق المقاومة على أكثر من صعيد، عسكريا وسياسيا، وتعثُّر جيش الاحتلال في تنفيذ مهامه على الأرض، شنَّ الاحتلال حملة استهدفت الإسرائيليين في الداخل لترويج أكاذيب تطمس الحقائق التي ظهرت سريعا يوما بعد يوم في تسجيلات الإعلام العسكري التابع لكتائب القسَّام، وفي بيانات أبي عبيدة وغيره من قادة حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى. بدورهم، لم يكن الفلسطينيون غافلون عن التحركات الإسرائيلية فحرصوا على توجيه رسائلهم إلى الجميع بما في ذلك الداخل الإسرائيلي نفسه، ومنها مقاطع الفيديو التي انتشرت قبل ساعات لأسرى الاحتلال من النساء والأطفال وهو يودون المقاومين قبل إطلاق سراحهم ضمن صفقة التبادل.

 

صُنع الإنجازات الوهمية

 

في ليلة 28 أكتوبر/تشرين الأول، وتزامنا مع الساعات الأولى لبدء جيش الاحتلال التدخل البري في قطاع غزة مدعوما بسلاحَيْ الجو والبحر، نشرت عدة حسابات ناطقة بالعِبرية مقطعا لجنود إسرائيليين يرفعون العلم الإسرائيلي في مكان يُشبِه قطاع غزة، وسط مزاعم بأن تلك القوات وصلت سريعا إلى قلب القطاع، في محاولة للترويج إلى أن تل أبيب حققت نصرها سريعا، ومن ثمَّ زعزعة المعنويات العربية. ولم تمضِ ساعات على تلك الراوية التي استهدفت رفع معنويات الإسرائيليين، الذين اتهموا حكومتهم بالتقاعس عن حماية الأسرى، حتى تبيَّن أن الموقع الذي وصل إليه جيش الاحتلال لا يبعد سوى ثلاثة كيلومترات عن السياج الحدودي، في أقصى شمال غزة وفي منطقة غير مأهولة بالسكان. لقد احتاج الاحتلال إلى خلق رواية مُضلِّلة عن الحرب في ظل تصدي القسام لمحاولات التوغل البري، في وقت أطلقت فيه الكتائب رشقات صاروخية على تل أبيب وزعزعت ثقة الإسرائيليين في جيشهم، لكن الكذبة انكشفت في الأخير (2).

 

وبينما انقسم السياسيون والعسكريون في دولة الاحتلال حول الاجتياح البري وكيفية تنفيذه، بثَّت كتائب القسام تسجيلا لمحتجزات إسرائيليات في غزة يُوجِّهن رسالة إلى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، اعتبره الأخير دعاية نفسية قاسية هزَّت المجتمع الإسرائيلي، خاصة أنهن طلبن بوضوح إعادتهن إلى منازلهن مقابل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين. وفي اليوم ذاته، نشر بيان مشترك للجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك) أنباء عن تحرير مجندة وقعت في الأسر أثناء عملية "طوفان الأقصى"، لكن لم تصمد الرواية التي هدفت أيضا إلى رفع معنويات الإسرائيليين، وبالأخص بعدما تبين أن المجندة لم تقع في الأسر أصلا، ولم تكن ضمن القائمة الرسمية الصادرة عن السلطات الإسرائيلية بشأن الأسرى لدى حماس، وأن اسمها أُضيف في يوم الإعلان عن تحريرها نفسه.

 

مع استمرار العملية البرية دون إنجازات عسكرية حاسمة، ودون أن يظهر في الأفق أن الاحتلال يحقق هدفه المُعلَن وهو استئصال حركة المقاومة حماس واستعادة الأسرى؛ نشرت القناة 14 الإسرائيلية فيديو قديما وادَّعت أنه تصوير لاقتحام الأنفاق في غزة، دون تحديد المكان والطريقة التي تم بها الاقتحام. ولم تمر تلك السردية أيضا، وسرعان ما اكتُشف زيفها، فخرج المتحدث باسم جيش الاحتلال نافيا صلته بالفيديو، أو أن يكون قد بُثَّ بموافقة الجيش، ومن ثمَّ اضطرت القناة بعدها إلى حذف المقطع، المنشور على موقع يوتيوب منذ أكثر من عامين.

 

مع تواتر أخبار الحرب من جهة المقاومة بشأن حجم الأضرار والخسائر التي مُنيَت بها القوات المشاركة في الحرب البرية، التي بدا وكأنها أخفقت أمام تصدي المقاومة، لجأ الاحتلال إلى الحرب النفسية، واستخدم صور النازحين من شمال القطاع إلى جنوبه دليلا على خلو الشمال من السكان، وكأن مجرد التهجير إنجاز عسكري. علاوة على ذلك، أتى تصريح المتحدث باسم جيش الاحتلال بنزوح 600 ألف مواطن من شمال غزة، في محاولة لإثبات نجاح مهام العمليات العسكرية الإسرائيلية، ورغم مرور أكثر من 50 يوما على الحرب، وتركُّز القتال الميداني في مناطق الشمال التي يستهدفها الاحتلال ليل نهار بالقصف الجوي والمدفعية، فإن هناك عددا كبيرا من المدنيين لا يزال يسكنها ممن آثروا البقاء، كما عاد المئات منذ بدء الهُدنة في تحدٍّ صارخ للوجود العسكري الإسرائيلي، ضاربا بالسردية الإسرائيلية ومخططات التهجير التي تسعى لها تل أبيب عرض الحائط (3).

 

صُنع هزائم القسَّام.. الوهمية أيضا

 

عقب الساعات الأولى التي تلت "طوفان الأقصى" وحملت معها انتصارات مدوية للمقاومة، مقابل فشل استخباراتي وعسكري للاحتلال، انطلقت حرب موازية أخرى عبر شاشات التلفاز والإنترنت تدخلت فيها عدة أطراف دولية، وشارك الجميع في سيل الدعاية والمعلومات. وفي قلب تلك الأحداث، شرع الاحتلال في شنِّ حملة دولية مكثفة لإقناع العالم بأن حماس ليست سوى نسخة من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، في محاولة لتبرير الحملة الوحشية لجيش الاحتلال الإسرائيلي. وكان ذلك هو المبرر الأخلاقي ذاته الذي استندت إليه الولايات المتحدة لرفض إجبار إسرائيل على وقف إطلاق النار، تحت مزاعم أن الهدنة ستسمح للمقاومة بإعادة تجميع صفوفها، وذلك رغم المأساة الإنسانية غير المسبوقة في القطاع، حيث اقترب عدد الشهداء من 15 ألف شخص، بالإضافة إلى انعدام معظم الخدمات الأساسية (4).

 

ورغم أن حماس شاركت في الحرب الإعلامية، وقادت هجمة مضادة عبر الناطق باسمها "أبي عبيدة" وروافدها الإعلامية المختلفة، فإن انحياز الإعلام الغربي للرواية الإسرائيلية وتهميشه للرواية الفلسطينية، لا سيَّما في بداية الحرب، جعل صدى الرسائل الفلسطينية بالأساس بين العرب والمسلمين وأنصار القضية حول العالم، يُضاف إلى تلك الأزمة فرض منصات التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" قيودا كبيرة على انتشار المحتوى المناهض لسردية الاحتلال، مقابل السماح لإسرائيل التي تمتلك جيوشا سيبرانية بفرض الرواية الخاصة بها.

 

مررت إسرائيل أكاذيبها طيلة الأسابيع الماضية، وقد شارك الحساب الرسمي لوزارة الخارجية الإسرائيلية على موقع التواصل الاجتماعي "إكس" (تويتر سابقا) بنشر صورة ادَّعى أنها لغلاف عدد أكتوبر/تشرين الأول من مجلة "فوربس" (Forbes) الأميركية، وعليه صورة رئيس حركة حماس في الخارج "خالد مشعل"، زاعمة أن ثروته تبلغ خمسة مليارات دولار. ورغم نفي المجلة الأميركية للصورة المفبركة، فإن الحساب الرسمي للاحتلال على "إكس" نشر صورة أخرى لإسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، على غلاف مفبرك لمجلة "فوربس" أيضا، وادَّعى فيها أن ثروته تبلغ أربعة مليارات دولار (5) (6). وقد هدفت تلك الأكاذيب إلى تشويه قادة الحركة في أعين الفلسطينيين والعرب المناصرين للقضية الفلسطينية والمتعاطفين مع المقاومة.

 

لم تقتصر محاولة الاغتيال المعنوي للمقاومة على الاحتلال فحسب، حيث زعم الرئيس الأميركي جو بايدن نفسه أنه رأى صورا لمَن سمّاهم "إرهابيين" يقطعون رؤوس أطفال المستوطنين الإسرائيليين، قبل أن يتراجع البيت الأبيض عن هذه التصريحات التي أرجع مصدرها إلى تقارير إخبارية وادعاءات مسؤولين إسرائيليين. وسبق ونشرت السفارة الإسرائيلية في واشنطن فيديو مفبركا لسيدة فلسطينية عجوز تبكي وفاة ابنها إثر قصف إسرائيلي على منزلهم، لكن الحساب وضع ترجمة مضللة باللغة الإنجليزية تفيد بأنها كانت تهاجم حماس، وتقول إن أهل غزة يُفضِّلون جيش الاحتلال، وتتهم حماس باستخدام أهل القطاع دروعا بشرية، وهي الرواية ذاتها التي يحاول الاحتلال تمريرها لتبرير عمليات القصف التي لم تستثنِ المستشفيات للسبب ذاته (7). بيد أن تلك الروايات انكشف زيفها سريعا ولم تُحقق أهدافها في صفوف العرب وقطاع واسع من الرأي العام العالمي.

 

وعلى مدار أيام الحرب، عَمَد الاحتلال لتأكيد رواية واحدة من ضمن عشرات الروايات الكاذبة التي روَّجها ضد المقاومة. ففي أثناء العملية البرية التي شملت جرائم حرب صريحة، روَّج الاحتلال إلى أن حماس تختبئ في المدارس والجوامع والمستشفيات، ومن ثمَّ فإن إسرائيل غير مسؤولة عن وقوع أعداد كبيرة من القتلى. وكان آخر تلك الأكاذيب عقب اقتحام مستشفى الشفاء، حيث نشر الاحتلال مقطع فيديو مُزيَّفا أظهر سيدة تدَّعي أنها ممرضة فلسطينية تعمل في مستشفى الشفاء تتحدث فيه عن سيطرة المقاومة على المستشفى والاستيلاء على الوقود والأدوية. ولم تكن السيدة سوى مجندة إسرائيلية فضحتها لكنتها العربية الركيكة.

 

مثلما حدث في كل المواجهات السابقة، وفي وقت قدَّم فيه الإعلام الغربي روايات منحازة للاحتلال، لم يستطع العرب من مشرقهم إلى مغربهم التعبير بالكامل عن التضامن مع القضية بسبب تعرُّض حساباتهم على موقع "فيسبوك" لخطر الحجب وتقييد الوصول والحذف ضمن حملة تعتيم إعلامي استهدفت إسكات الأصوات الداعمة للقضية الفلسطينية، على النقيض مما جرى حين اندلعت حرب روسيا وأوكرانيا. ولكن الثغرة الوحيدة في هذه المنظومة هي أن منصة "إكس" سَمَحت بنشر المعلومات والفيديوهات دون فرض خوارزميات تُقيِّد المحتوى. وبسبب ما أفسدته منصة "إكس" بخروجها عن سياق السردية العالمية، واجه صاحبها إيلون ماسك تهديدات من الاتحاد الأوروبي بحجب الموقع بسبب سماحه للعرب بنشر روايتهم.

 

يعمد الاحتلال إلى ضمان ولاءات النخب المؤثرة عالميا، ما يجعل الكثير من الصحف الكبرى ووسائل الإعلام الأجنبية مليئة بالروايات المنحازة إلى دولة الاحتلال، تارِكا المُتلقي الغربي مُشوَّش الفكرة حيال القضية الفلسطينية. بيد أن "طوفان الأقصى" وما تبعه أثبت أن السرديات الرسمية المنحازة لإسرائيل في الغرب يتقلَّص تأثيرها يوما بعد يوم في ظل ظهور أجيال جديدة تحصل على معلوماتها من وسائط مختلفة، ولا تعتمد على المنابر الكُبرى، وفي خضم النشاط الكبير لليسار الراديكالي في شتى عواصم الغرب، يبدو أن الحملة الإعلامية الإسرائيلية تخسر أرضا يوما بعد يوم، وأن المستقبل يحمل تضامنا مع القضية الفلسطينية سيزداد اتساعا.

المصادر

 

هل تتجه حماس من المقاومة إلى التحييد؟

الفيديو المضلل لرفع العلم الإسرائيلي في غزة.

مكتب الإعلام الحكومي في غزة: نزوح نحو 70 ألف شخص فقط من شمال القطاع لجنوبه.

US struggles to curb Israel’s Gaza bombardment, despite pressure at home and abroad.

الصورة المفبركة لحساب الاحتلال على تويتر.

تقصي الحقيقة: فوربس لم تضع زعيم حماس خالد مشعل على غلافها في عدد أكتوبر 2023.

White House walks back Biden’s claim he saw children beheaded by Hamas.

فيديو المجندة الإسرائيلية من داخل مستشفى الشفاء.


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: أکتوبر تشرین الأول الاحتلال إلى جیش الاحتلال طوفان الأقصى فی محاولة حرکة حماس أن حماس أکثر من فی غزة

إقرأ أيضاً:

«جيروزاليم بوست» العبرية: كيف ترى إسرائيل المقاومة الفلسطينية بعد طوفان الأقصى؟.. المروجون الفلسطينيون: سكان غزة أمة من الأسود بعد نجاتهم من الإبادة الكاملة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تعد المقاومة الفلسطينية جزءاً لا يتجزأ من تاريخ الشعب الفلسطينى فى نضاله من أجل التحرر واستعادة حقوقه الوطنية. 
انطلقت المقاومة بأشكال متعددة عبر العقود الماضية، متأثرة بالظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التى مر بها الشعب الفلسطينى ورغم التحديات العديدة التى واجهتها، لا تزال المقاومة تشكل محوراً أساسياً فى الصراع الفلسطينى الإسرائيلي.
وفى هذا السياق، نشرت صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية مقالا للكاتب أطار بورات عن استمرار استراتيجية حماس بسبب منطق مشوّه يحتفى بالمعاناة كقوة ويستغل الديناميكيات العالمية لصالحها.
قال بورات إن المنطق فى استراتيجيات الحرب يعتمد بالكامل على نظرية أنه إذا أردت إجبار عدوك على الهزيمة، عليك أن توقع به ثمناً باهظاً بحيث تدفعه للاستسلام ومع ذلك، لا يعمل هذا المنطق مع إسرائيل فى تعاملها مع الفلسطينيين وحماس من وجهة نظر الكاتب.
وأضاف أن هناك عدة أسباب لذلك، لكن السبب الرئيسى هو أن إسرائيل والولايات المتحدة (وجهات دولية أخرى تضغط على إسرائيل) لكى تخلق إطارًا يجعل فكرة المقاومة (المقاومة) بالنسبة للفلسطينيين منطقية بشكل مستمر. 
ولكى تنتصر إسرائيل، يجب أن تعيد صياغة قواعد الصراع بحيث تصبح المقاومة غير مجدية، وغير فعالة على المدى الطويل، وبالتالى لا معنى لها فى نظر الفلسطينيين.
جوهر الروح الفلسطينية هو المقاومة الفكرة يمكن تلخيصها فى جملة واحدة: إسرائيل هى الشر المطلق فى العالم، مصدر كل ما هو خاطئ فى العالم، وإجابة الفلسطينى عن سؤال معنى الحياة هى محاربة إسرائيل، والتضحية بالنفس (وبالعائلة) لإلحاق أكبر قدر ممكن من الدمار بإسرائيل.
وتابع "لا يهم إذا ما حسّنت المقاومة حياة الفلسطينيين، لأن فلسفتها تركز على تدمير إسرائيل وإذا تسبب إلحاق الضرر بإسرائيل أيضًا فى إيذاء المجتمع الفلسطيني، فإنه يُعتبر مسعى مرغوبًا. 
وقد أكد على هذا المعنى أحد قادة حماس فى خطاب ألقاه بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار، قائلاً: "سنواصل السير على درب القادة الشهداء حتى نحقق النصر أو الشهادة، بإذن الله".
ترتكز الروح الفلسطينية على وجود إسرائيل، وتبنى هويتها بالكامل فى معارضة لها باختصار، يحتاج الفكر الفلسطينى إلى وجود إسرائيل لإضفاء معنى على وجوده – كهدف للكراهية وإسقاط كل الشر عليه. 
ويدعى الكاتب أن القضية الفلسطينية وفلسفتها،، تشبه ما يمثله الجوكر لباتمان، إذا اختفت إسرائيل غداً، لن يعرف مروجو الفكر الفلسطينى ماذا يفعلون بأنفسهم، تماماً كما يعتمد وجود الجوكر على مواجهة باتمان.
من وجهة النظر الفلسطينية، لا يُعتبر هناك أى خسارة، كل خسارة فى الأرواح خلال المقاومة تُعتبر تضحية من أجل القضية الكبرى، مما يجعل هذه التضحية ليست فقط مقدسة بل أيضًا مدعاة للاحتفال. كلما عانى الفلسطينيون أكثر، كلما أثبتوا مزيدًا من "الصمود" أو الثبات، وكلما زادت المعاناة، زادت الإشادة بهم – حيث تصبح التضحية عملاً بطوليًا. 
وبعد وقف إطلاق النار، قدم المروجون الفلسطينيون سكان غزة على أنهم "أمة من الأسود" بعد "نجاتهم من إبادة جماعية".
ويرى الكاتب أن  ضمن هذا الإطار الفكري، يصبح من شبه المستحيل ردع الفلسطينيين لأنهم لا يربطون بين الفعل والنتيجة لا يرون الدمار فى غزة، الذى جلبته حماس عليهم، كنتيجة مباشرة لعدوان حماس فى ٧ أكتوبر. والمعاناة التى يتحملونها تُعتبر جزءًا من الثمن الذى يدفعونه مقابل "صمودهم" البطولى فكرة أن "الليل يكون أشد ظلمة قبل الفجر" واضحة فى معظم مقاطع الفيديو الدعائية من غزة فى هذه الأيام لهذا السبب، يرون أنفسهم حقًا كمنتصرين، وليس فقط كوسيلة لحفظ ماء الوجه فى مقاطع الفيديو الدعائية.
وأحد المبادئ الفكرية التى يستند إليها الفلسطينيون هى فكرة "الصبر"، والتى تعنى أنه يمكنك الانتصار على أى خصم إذا لعبت على عامل الوقت وأظهرت تصميمًا أكبر منهم. 
قد تعانى أكثر من خصمك، ولكن إذا تمكنت من الصمود لفترة أطول، فستنتصر فى النهاية. 
وقد قال بسام نعيم، مسئول آخر فى حماس: "الضربة التى بدأت فى ٧ أكتوبر، والصمود والمقاومة التى تلتها، تثبت أن الشعوب قادرة على امتلاك الوسائل والظروف المناسبة لتحقيق أهدافها العظيمة فى الحرية والاستقلال." يشير هذا إلى إيمانهم بأن المقاومة تحقق مكاسب فعلية.
وقال خليل الحية نائب رئيس حركة حماس  فى خطابه: "سيظل يوم ٧ أكتوبر مصدر فخر لشعبنا ومقاومتنا." وإذا حاولنا رؤية الحرب من المنظور الفلسطيني، فإن سلوكهم المدمر ذاتيًا له منطق خاص بهم. منطق مريض ومشوّه، يجعل إسرائيل دون قصد تضفى عليه طابعًا مقبولاً.بعد أن يتم الحكم على من المقاومة الفلسطينية ، غالبًا ما يلقون خطابًا يُفترض أن يكون متحديًا وبطوليًا قبل دخولهم السجن يصرحون بأنهم يدركون أحيانًا أنهم سيتم الإفراج عنهم فى المستقبل، وأن روح مقاومتهم لم تُكسر رغم سجنهم من قبل إسرائيل وللأسف، هم ليسوا مخطئين فى ذلك.
عندما يتم سجن أحدا منهم ويؤمن دينيًا بأنه سيتم إطلاق سراحه فى صفقة مستقبلية، فهذا يعتمد على قصر نظر إسرائيل وتفكيرها العاطفى المفرط.
والمقاومة الفلسطينية تعلم  أن الرهائن سيتم اختطافهم فى المستقبل، مما سيكون بمثابة بطاقة خروجهم من السجن مجانًا.
تحتفل حماس بـ"نصرها" مع حشود فلسطينية تهتف "خيبر يا يهود" لأنهم نجوا من الحرب، ولا تزال حماس مسيطرة. ولا يمكننا السماح للمنطق المشوّه للمقاومة أن يكون مقبولًا للفلسطينيين إذا رأوا أن هذه الاستراتيجية تحقق نتائج – إطلاق سراح الإرهابيين، واستعداد إسرائيل للتخلى عن هدفها فى القضاء على حماس فقط من أجل إطلاق سراح بعض الرهائن – فإنهم سيستمرون فى طريق المقاومة. 
وحماس حققت مكاسب سياسية فى غزة والضفة الغربية بما فى ذلك تحقيق إطلاق سراح المعتقلين من جميع الفصائل كجزء من الصفقة.
 

مقالات مشابهة

  • حماس: رسالتنا خلال مشاهد التسليم ان الشعب هو صاحب الإنجاز 
  • بعدما أعلنت حماس استشهاده ونخبة من كبار القادة.. محطات في حياة محمد الضيف "المتخفي الأبرز" في تاريخ المقاومة الفلسطينية.. نجا من 7 محاولات اغتيال .. وظلت صورته غامضة طوال 6 عقود
  • فصائل المقاومة الفلسطينية تسلم الأسيرة الإسرائيلية "أربيل يهود" إلى الصليب الأحمر في غزة
  • من منزل "السنوار" إلى "الصليب الأحمر"..المقاومة الفلسطينية تبدأ تسليم الأسيرين الإسرائيليين
  • عاجل:- المقاومة الفلسطينية تطلق سراح أسيرة إسرائيلية في غزة وتستعد لتسليم أسرى آخرين
  • المقاومة الفلسطينية وأسطورة ترامب
  • الانتصار في تحرير الرهائن مقابل أسرى الحرب
  • «جيروزاليم بوست» العبرية: كيف ترى إسرائيل المقاومة الفلسطينية بعد طوفان الأقصى؟.. المروجون الفلسطينيون: سكان غزة أمة من الأسود بعد نجاتهم من الإبادة الكاملة
  • “هآرتس”: الحشود التي تعبر نِتساريم حطّمت وهم النصر المطلق‎
  • “هآرتس”: صور الحشود التي تعبر نِتساريم تُحطّم وهم النصر المطلق‎