مسقط- الرؤية

نظم الاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان ندوة بعنوان "الانتقال العادل وأنماط العمل الجديدة"، تحت رعاية سعادة فيصل بن عبد الله الرواس رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عُمان.

وعُقدت الندوة مواكبةً لما يشهده العالم من تحولات اقتصادية انعكس تأثيرها على علاقات العمل؛ إذ شرعت العديد من المنظمات العمالية والنقابية حول العالم في معالجة التحديات التي تواجه منتسبيها، منها قضايا الطاقة البديلة، والحاجة إلى تفعيل مبادئ الانتقال العادل، والذي يشمل سلسلة من الإجراءات اللازمة للحفاظ على حقوق العمال وضمان مصادر رزقهم في ظل تحول الاقتصادات نحو الإنتاج المستدام، وتأسيسا على مستهدفات رؤية "عُمان 2040" في الاستثمار في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والاقتصاد المستدام، والاستثمار في الهيدروجين الأخضر، والطاقة البديلة، والحد من الانبعاثات الكربونية، التي قطعت سلطنة عُمان فيها خطوات لافتة لتحقيق التنمية المستدامة؛ فقد اعتمد حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- عام 2050 موعدا لتحقيق الحياد الصفري الكربوني، وإعداد خطته الوطنية، وإنشاء مركز عُمان للحوكمة والاستدامة بناء على مخرجات مختبر إدارة الكربون.

وهدفت الندوة إلى التوعية بأهمية الانتقال العادل وتأثير هذه التحولات على المجتمعات والعمال، ورصد التحديات التي يواجها العمال في أسواق العمل والتشغيل وتداعياتها الاجتماعية، والتطرق للأدوات والمهارات العملية اللازمة لمساعدة العمال على التكيف مع التحولات والتحديات في سوق العمل، وتعزيز فرصهم في الحصول على عمل مستدام والنجاح في بيئة العمل المتغيرة.

وتضمنت الندوة ورقتي عمل، حملت الأولى عنوان (دور الذكاء الاصطناعي وأثره على مستقبل العمل)، قدمها الدكتور سالم بن حميد الشعيلي، مدير دائرة مشاريع الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة بوزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، فيما تناولت الورقة الثانية محور (الانتقال العادل وتداعياته على أسواق العمل ودور المنظمات النقابية في التحولات الاقتصادية)، قدمها عبد المجيد العموري بوعزة، مستشار ومدرب نقابي دولي.

وأكدت الندوة أن قضية التغير المناخي تعد من القضايا التي أولاها المجتمع الدولي أهمية بالغة؛ نظرًا لأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وقد أثبتت التقارير الدولية الصادرة في هذا الشأن أن درجات الحرارة في مختلف قارات العالم قد سجّلت أرقاما قياسية وبلغت أعلى مستوياتها منذ 40 عاما، وكان للاحتباس الحراري والتغير المناخي أثر كبير على أوضاع العمال من خلال اضطرارهم للعمل في درجات حرارة عالية، وتأثر مستقبلهم الوظيفي من جرّاء الاستغناء عن بعض المهن والوظائف أو إغلاق المؤسسات؛ الأمر الذي يستوجب ضرورة أن تضمن برامج الانتقال العادل الوطنية مراعاة جميع الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية وتأثيرها على العمال.

وأكدت الندوة أن الاستثمار في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والاقتصاد المستدام، والاستثمار في الهيدروجين الأخضر، والطاقة البديلة، والحد من الانبعاثات الكربونية كأحد منطلقات رؤية عُمان 2040، واعتماد عام 2050 موعدًا لتحقيق الحياد الصفري الكربوني، وإعداد خطة وطنية للوصول إلى ذلك الهدف، يعد ركيزة أساسية لصياغة مبادرات وقائية بالتعاون مع بقية الأطراف المعنية ضمانا لعملية انتقال عادل للعاملين في المهن والوظائف التي من المحتمل الاستغناء عنها إلى وظائف أكثر استدامة، وتأمين حقوق العمال، وتعزيز سبل الحياة الكريمة، وزيادة الفرص الاجتماعية والاقتصادية للعمل المناخي من خلال الحوار الاجتماعي الفعّال بين جميع أطراف الإنتاج، واحترام المبادئ والحقوق الأساسية في العمل في ظل ما يشهده العالم من تغيرات مناخية تتمثل في الانبعاثات الغازية والكربونية، وارتفاع درجة الحرارة بشكل غير مسبوق؛ إذ تعد معضلة التغير المناخي من أكبر التحديات للبشرية في هذا العصر.

وأظهرت الندوة اهتمام مختلف الجهات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني بسياسات التغير المناخي ومواجهة تلك التحديات، بما يضمن مستقبلا مشرقا، وتحقيق المزيد من الرخاء والرفاه للعاملين على أرض سلطنة عُمان، كما أظهرت الندوة التحول الهائل نحو استخدام التقنيات الحديثة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.

وأظهرت أعمال الندوة أنه على المستوى الدولي قد أصدرت منظمة العمل الدولية دليل المستخدم الذي يتضمن إرشادات ومبادئ تضمن إلى حد كبير انتقالا عادلا نحو اقتصادات ومجتمعات مستدامة بيئيا للجميع؛ بهدف تشجيع النقابات العمالية، ومساعدتها على المشاركة على جميع المستويات في المناقشات ذات الصلة بسياسات ضمان انتقال عادل، وتشمل تنفيذ المساهمات المحددة وطنيا لاتفاق باريس للمناخ (2015) الذي صدقت عليه حكومة سلطنة عُمان، وتمكينها من توفير ضمانات انتقال عادل لمنتسبيها، واعتبار الانتقال العادل هدفا أساسيا ضمن أهداف التنمية المستدامة.

وقالت الندوة إن التغييرات المناخية تشكل تحديًا صعبًا على مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وتتأثر بها أنظمة الحماية الاجتماعية في كثير من دول العالم؛ إذ إنّ العمال ذوي المهارات المنخفضة والمتوسطة يتأثرون بشكل أكبر من غيرهم، بحكم عدم جاهزيتهم المالية والفنية لمواجهة تحديات تغير المناخ؛ ولمعالجة تلك التحديات ينبغي للتنظيمات النقابية المساهمة الفاعلة في صياغة السياسات والأطر المنظمة للعمل المناخي، وطرح القضايا التي تمس مصالح العمال في مختلف بيئات العمل؛ لتحقيق ضمان الانتقال العادل للعمال، ومن جانب آخر يتعيّن أن يكون لأنظمة الحماية الاجتماعية دور في حماية العمال المتأثرين بالتغيرات المناخية.

وبينت الندوة أن التنظيمات النقابية تمثل جزءًا مهمًّا من النظام العالمي في دعم سبل مواجهة اضطرابات سوق العمل وما يصاحبه من تغيرات مناخية وتكنولوجية، وللوصول إلى انتقال عادل للبيئة وللإنسان يجب حشد الدعم والإمكانيات، وإشراك جميع الأطراف المعنية، ومن ضمنها العمال من خلال ممثليهم من التنظيمات النقابية، وذلك من خلال إبداء وجهات نظرهم، ومساهمتهم الفاعلة في تعزيز السياسات والأطر القانونية المعنية بالبيئة والمناخ؛ لتتماشى مع تحقيق ضمان الانتقال العادل للعمال، وتوليد الوظائف اللائقة وفقا لأولويات التنمية وإستراتيجياتها.

وتناولت الندوة الاتجاهات الحديثة لمجال الذكاء الاصطناعي في قطاع العمل، منها تطوير المهارات، والتعاون بين الإنسان والآلة، والتحسين في سلامة العمل، وتحسين كفاءة العمل والرعاية الصحية والنفسية للعمال.

وخرجت الندوة بجملة من التوصيات، تضمنت أهمية تفعيل الحوار الاجتماعي بين أطراف الإنتاج، وبالأخص الفئات المتأثرة من العمال في بيئات العمل الأكثر عرضة لفقد الوظائف، والحاجة الماسة إلى احترام الحقوق الأساسية للعمال من خلال تفعيل الشراكة، والعمل المشترك بين العمال وأصحاب العمل لضمان أفضل مستوى من الانتقال العادل لجميع القطاعات الاقتصادية؛ تحقيقا لأهداف التنمية المستدامة المتمثلة في تلبية الاحتياجات الاجتماعية، ومنها الحماية الاجتماعية، وفرص العمل مع معالجة تغيّر المناخ وحماية البيئة.

ودعت الندوة إلى تشجيع مؤسسات القطاع الخاص على المشاركة في التصدي لتحديات التغير المناخي، وتقديم حلول ابتكارية ومساهمات فعّالة باستخدام التقنيات المتطورة والأجهزة الحديثة، والتحول التدريجي في قطاعات الطاقة، مثل الصناعة، والكهرباء، والنفط والغاز، وغيرها، والحد من الانبعاثات الكربونية لأقصى مستوى ممكن، من خلال الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة، والتي تعمل على استثمار طاقة مستدامة وصديقة للبيئة كطاقة الشمس والرياح والماء والهيدروجين الأخضر، التي تحد من الانبعاثات الكربونية لتحقيق الحياد الصفري.

وحثت الندوة على تعزيز دور الجهات الحكومية المعنية، مثل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وهيئة البيئة، وأطراف الإنتاج الثلاثة في عمل دراسات وبحوث إستراتيجية لتقييم الآثار الاقتصادية والاجتماعية المحتملة لسياسات تغيرات المناخ على بيئة العمل، مع دعم استخدام التقنيات الجديدة الصديقة للبيئة، وتعزيز الاهتمام بتقديم الدعم النوعي والفني لبرامج التدريب، وتنمية مهارات العمال، وتأهيلهم على أنماط العمل الجديدة؛ لتكون لديهم القدرة على مواجهة تغيرات عالم العمل، ومواكبة التطورات ذات الصلة بالتخصصات الفنية الحديثة لتحقيق النمو الاقتصادي والرفاه الاجتماعي.

وطالبت الندوة برفع مستوى وعي منتسبي التنظيمات النقابية في سلطنة عُمان بقضية التغير المناخي والانتقال العادل من خلال الاستمرار في تنظيم برامج وأنشطة بمشاركة خبراء ومتخصصين وممثلين عن أطراف الإنتاج والجهات الأخرى ذات العلاقة.

وأكدت الندوة أهمية إشراك التنظيمات النقابية لتكون طرفا أساسيّا في عمليات صنع السياسات والقرارات في الحوار الوطني المشترك حول التنمية المستدامة والتغير المناخي، وإدراج موضوع الانتقال العادل في جدول أعمال الحوار المشترك لأطراف الإنتاج.

وأوصى المشاركون في الندوة بتوفير فرص التدريب والتطوير للعمال لتعلم مهارات جديدة تتعلق بالذكاء الاصطناعي وتقنيات المستقبل؛ بغرض تأهيلهم للمهن والوظائف التي تستجد في قطاع العمل ضمانا للوصول إلى انتقال عادل.

وحثت الندوة على استخدام التقنية لتحسين بيئة العمل ودعم العمال من الناحية النفسية والصحية، كالعمل عن بعد، وتعزيز السلامة والصحية المهنية، والتركيز على تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تحترم الخصوصية وتوفر أمانا للعمال.

ودعت الندوة إلى تعزيز دور التنظيمات النقابية في مجال التغير المناخي والانتقال العادل من خلال تقييم المخاطر والتداعيات التي تصاحب التحولات المرتقبة في إستراتيجيات العمل المناخي، وتقديمها للجهات المختصة لوضع الإجراءات التي تحد من المخاطر التي قد تلحق بمنتسبيها، وتضمن لهم انتقالا عادلا، فضلا عن بناء شراكات محورية مع منظمات المجتمع المدني ذات الأهداف المشتركة.









 

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

معلومات الوزراء يتناول تأثيرات التغير المناخي والصدمات على عملية التعليم

أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً تناول من خلاله التأثيرات المباشرة وغير المباشرة التي يفرضها التغير المناخي على عملية التعلم، والحواجز التي تحول دون الحق في التعلم، بالإضافة إلى التحرك الدولي المطلوب لتكييف أنظمة التعليم مع تغير المناخ، مشيراً إلى أن تغير المناخ يؤدي إلى زيادة وتيرة وشدة الأحداث الجوية المتطرفة، مثل الأعاصير والفيضانات والجفاف وموجات الحر الشديدة وحرائق الغابات، مما يؤثر بشكلٍ سلبي في عملية التعلم من خلال تعطيل الدراسة وإغلاق المدارس بفعل تدمير البنية التحتية لها، وهو ما يؤدي بدوره إلى خسائر في التعلم وانقطاع الطلاب عن الدراسة وعدد من التأثيرات طويلة الأجل.

وتناول التحليل التأثيرات المباشرة التي يفرضها التغير المناخي على عملية التعلم والالتحاق بالمدارس، حيث أوضح أن التأثيرات المباشرة للصدمات المناخية، كالأعاصير والفيضانات وحرائق الغابات، تؤدي إلى الإضرار بجودة تقديم الخدمات التعليمية وبيئة الفصول الدراسية وإطالة مدة إغلاق المدارس بسبب استخدامها كمراكز للطوارئ والإيواء، علاوة على تدمير البنية التحتية للمدارس، وهو ما يؤدي بدوره إلى خسائر فادحة في العملية التعليمية، فعلى سبيل المثال، عندما ضرب الإعصار "فريدي" جنوب إفريقيا في مارس 2023، واجه ما يقرب من 5% من الطلاب في جميع أنحاء دولة ملاوي إغلاقًا للمدارس، كما سبق أُغلقت 42% من المدارس الابتدائية بسبب الجفاف في عام 2015، مما أجبر أكثر من 130 ألف طالب على ترك المدرسة. وفي دولة الفلبين، تغمر المياه أكثر من 21% من المدارس مرة واحدة على الأقل كل عام دراسي، ويمكن أن يحدث ذلك الأمر مرتين في الشهر في بعض المناطق، بالإضافة إلى ذلك، فقد ألحقت الأعاصير في دولة الفلبين في عامي 2009 و2013 أضرارًا بـ 4300 و19300 مدرسة على التوالي، مما أدى إلى إغلاق المدارس لفترات طويلة، وخلال فيضانات عام 2022 في دولة باكستان، أظهرت التقديرات أن 3.5 ملايين طفل تعطلوا عن الدراسة وأن مليون طفل قد يتوقفون عن الذهاب إلى المدرسة، وتولد هذه الإغلاقات خسائر فادحة في العملية التعليمية.

وفي السياق ذاته، يمكن أن يؤدي الطقس البارد أيضًا إلى تعطيل الدراسة والتعلم، حيث شهد بعض المناطق مثل آسيا الوسطى ومناطق في أستراليا وأمريكا الجنوبية زيادة في كل من الحرارة الشديدة والبرودة، ويمكن أن تتسبب موجات البرد والعواصف في أضرار بالممتلكات وانقطاع التيار الكهربائي مما قد يكون له عواقب على البنية التحتية والأنظمة التعليمية، وهو ما يترتب عليه إغلاق المدارس. ففي دولة منغوليا، كان الأطفال في سن الدراسة الذين يعيشون في المناطق المتضررة بشدة أثناء العواصف الشتوية أقل احتمالية لإكمال التعليم الأساسي بعد عشر سنوات من الصدمة المناخية، مقارنة بالأطفال في المناطق الأقل تضررًا.

وفي شهري يناير وفبراير 2024، تسببت العواصف الشتوية في إغلاق المدارس في وسط وشرق أوروبا والغرب الأوسط للولايات المتحدة الأمريكية. وبشكلٍ عام، فإنه على مدار العشرين سنة الماضية، أُغلقت المدارس في 75% من الدول على مستوى العالم على الأقل نتيجة الأحداث الجوية المتطرفة التي أثرت في 5 ملايين شخص أو أكثر.

ومن ناحية أخرى، فإنه حتى في حالة عدم إغلاق المدارس، فإن الأحداث الجوية المتطرفة تقلل من الحضور والتحصيل الدراسي. فعلى سبيل المثال، تزداد حالات الغياب في دولة البرازيل خلال موسم الأمطار حتى عندما لا يتم تعليق الفصول الدراسية، ويرجع ذلك إلى التحديات التي يواجهها الطلاب في التنقلات، وبشكلٍ عام، يقضي الطلاب في المناطق المتضررة من الفيضانات وقتًا أطول في السفر من المنزل إلى الجامعة في أيام الفيضانات، وبالتالي فإن نسبة الطلاب الحاضرين للفصول الدراسية وجهًا لوجه تنخفض من 77% في الأيام التي لا تشهد فيضانات إلى 27% في أيام الفيضانات.

وعلاوة على ذلك، فإن التعلم عبر الإنترنت يمكن أن يتأثر بالأحداث الجوية المتطرفة، فقد انخفضت المشاركة الإجمالية على منصة التعلم عبر الإنترنت لدورات البكالوريوس والدراسات العليا بنسبة 20% بسبب حدثي إعصارين كبيرين أثرا في الفلبين في عام 2020.

وسلط مركز المعلومات الضوء على التأثيرات غير المباشرة التي يفرضها التغير المناخي في عملية التعلم والالتحاق بالمدارس، حيث يؤثر تغير المناخ سلبًا في نتائج التعليم بشكلٍ غير مباشر من خلال الصدمات الاقتصادية، وانعدام الأمن الغذائي، والصدمات الصحية، وتؤدي هذه المسارات غير المباشرة إلى انخفاض استعداد الطلاب للتعلم، وانخفاض الطلب على التعليم بسبب آليات التكيف الأسري، وتعطل الخدمات التعليمية، وذلك كما يلي:

-أثر الصدمات الاقتصادية وانعدام الأمن الغذائي على التعلم: حيث تفرض الأحداث المناخية المتطرفة ضغوطًا على موارد الأسر وتتسبب في انعدام الأمن الغذائي والهشاشة الاقتصادية وهو ما يؤدي إلى انخفاض الإنفاق على التعليم لسنوات بعد الصدمة، ففي دولة بنجلاديش، أدى التعرض للأعاصير والفيضانات والجفاف إلى زيادة حالات زواج الأطفال، حيث تستخدم الأسر مدفوعات العروس كآلية للتكيف مع الصعوبات المالية. وتشير التقديرات إلى أن ما يصل إلى 170 مليون شخص إضافي سيكونون معرضين لخطر الجوع بحلول عام 2080 بسبب تغير المناخ، وسوف يؤدي الضغط الاقتصادي على الأسر الناجم عن الصدمات المناخية إلى خلق آثار سلبية على تعلم الطلاب وإنجازهم.

-أثر الصدمات الصحية الناجمة عن تغير المناخ في التعلم: حيث يمكن أن يؤدي تغير المناخ إلى زيادة ملوثات الهواء من خلال التغييرات في التفاعلات الكيميائية وهطول الأمطار، ومن المرجح أن يؤدي تغير المناخ إلى زيادة تلوث الهواء العالمي والوفيات المرتبطة به، وقد أظهرت التوقعات أن 14٪ من الزيادة الإجمالية في حالات الوفاة المرتبطة بتلوث الهواء بالأوزون من عام 2000 إلى عام 2100 المقدرة في سيناريو الانبعاثات العالية ستعزى إلى تغير المناخ، كما يمكن أن تؤثر جودة الهواء الرديئة في التعلم والمدارس من خلال الإغلاقات والتأثيرات في الإدراك والإنجاز الأكاديمي، فعلى سبيل المثال، أثبتت الدراسات أنه في كلٍ من البرازيل وتشيلي والصين والهند وإيران وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية، عملت درجات الحرارة المرتفعة على تضخيم آثار تلوث الهواء في صحة الأطفال وأدائهم الأكاديمي، حيث يؤدي التعرض للجسيمات الدقيقة (PM2.5) - وهي مواد جسيمية ملوثة صغيرة جدًا في الحجم ولا ترى بالعين المجردة - إلى انخفاض درجات الطلاب في الاختبارات وزيادة حالات الغياب عن المدرسة.

وفي السياق ذاته، يمكن أن يكون للصدمات المناخية كالجفاف والأعاصير وحرائق الغابات تأثيرات سلبية في الصحة العقلية للطلاب، ففي أعقاب إعصار كاترينا في الولايات المتحدة الأمريكية، عانى أغلب طلاب الأقليات العرقية المتضررين في الصف التاسع من أعراض خفيفة أو شديدة من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD). كما عانى طلاب الكليات المتضررين من حرائق الغابات في مدينة فورت ماكموري في كندا من اضطراب ما بعد الصدمة بنسبة 11% بعد الحرائق، كما ثبت أن القلق المناخي يشكل مصدر ضغط متزايد الانتشار بين الشباب، ففي 50 دولة تغطي 56% من سكان العالم، يعتقد ما يقرب من 70% من الشباب تحت سن 18 سنة أن تغير المناخ يشكل حالة طوارئ عالمية يمكن أن تؤدي إلى زيادة التوتر والقلق، ومن المرجح أن تؤثر هذه العوامل بشكلٍ سلبي في الصحة العقلية للطلاب وعلى تعلمهم وذهابهم إلى المدرسة.

كما يوجد عدد من الحواجز أمام التعليم تؤثر بشكل أكثر سلبية في الفئات الأكثر حرمانًا، والفتيات والنساء والمجتمعات الريفية، وأولئك الذين لديهم مخاطر صحية قائمة مسبقًا والأشخاص ذوي الإعاقة. ومن ذلك، الحواجز اللغوية، حيث إنه عندما ينزح الطلاب بفعل تغير المناخ، سواء على المستوى الدولي أو المحلي، فقد يضطرون إلى الالتحاق بمدرسة بلغة لا يفهمونها أو ليست لغتهم الأم. كما أنه ما يزال مفهوم النزوح المناخي غير مرئي في السياسات الوطنية في العديد من الدول، فالافتقار إلى الاعتراف القانوني أو السياسي يجعل من الصعب تطوير إجراءات مستهدفة وحقوق قانونية للأشخاص النازحين بسبب تغير المناخ، بما في ذلك الحق في التعليم.

وأوضح المركز أنه بناءً على ما سبق من المتوقع أن تزداد شدة الصدمات المناخية، وبدون اتخاذ إجراءات مستهدفة تعمل على الحد من التأثيرات السلبية للتغير المناخي على مستقبل الطلاب التعليمي، ومن المرجح أن تؤدي أزمة المناخ إلى تفاقم التفاوتات التعليمية، مما يترك العديد من الطلاب خلف الركب.

وأشار التحليل إلى أن هناك حاجة مُلِحَّة لتكييف أنظمة التعليم مع تغير المناخ وبناء أنظمة تعليمية وطنية قادرة على الصمود في مواجهة آثار تغير المناخ تضمن الحد الأدنى من انقطاع العملية التعليمية لجميع الأعمار أثناء عمليات النزوح. وفي هذا السياق، يمكن لصانعي القرار تنفيذ العديد من الإجراءات لزيادة قدرة أنظمة التعليم على التكيف والتعامل مع الضغوط المناخية المتزايدة الانتشار.

وقد استعرض التحليل أبرز التوصيات المقترحة في هذا الصدد:

-دعم التخطيط لمخاطر الكوارث على مستوى قطاع التعليم، وذلك من خلال وضع سياسات تعليم، على المستويين الوطني والدولي، تعكس واقع تغير المناخ، وتشمل الجوانب المهمة التي تجب تغطيتها، والاستراتيجيات الرامية إلى تقليل التأثيرات في البنية التحتية ونتائج التعليم، وآليات التكيف الواضحة لإدارة استمرارية التعلم أثناء الصدمات المناخية، والخطط اللازمة لاستعادة عملية التعلم بشكل فاعل بعد الكوارث الطبيعية، بالإضافة إلى وضع نهج مناسب لإشراك المعلمين والطلاب وأسرهم في عملية التكيف الشاملة.

-الاستثمار في أنظمة الإنذار المبكر، وتنبيه المدارس في الوقت المناسب واتخاذ إجراءات مبكرة، وهو ما سيقلل من الضرر الناجم عن الأحداث المناخية الضارة على الطلاب والمعلمين والمدارس.

-تعزيز البنية الأساسية للمدارس، وذلك من خلال تعزيز مرونة المباني القائمة، وحماية الفصول الدراسية من الحرارة، وتبني أفضل الممارسات المبتكرة للمرونة والتبريد لأي مبنى جديد، وتنفيذ تدابير تهدف على وجه التحديد إلى منع جريان المياه والفيضانات على مستوى مبنى المدرسة.

-ضمان استمرارية التعلم في مواجهة الصدمات المناخية، وذلك من خلال إغلاق المدارس عند الضرورة القصوى فقط، وبذل كل الجهود لإعادة فتحها في أقرب وقت، وتقليل الوقت الذي يتم فيه استخدام المدارس كملاجئ للطوارئ، وفي حالة إغلاق المدارس، يجب اتخاذ إجراءات تعمل على تعزيز آليات التعلم عن بعد لضمان استمرارية التعلم، وتوفير دعم مالي موجه للطلاب الأكثر احتياجًا لإعادتهم إلى المدرسة.

وأوضح التحليل في ختامه أن تغير المناخ والصدمات المناخية تؤثر بصورة سلبية في العملية التعليمية، بشكلٍ مباشر من خلال الأعاصير والفيضانات وحرائق الغابات التي تُلحق الضرر بجودة تقديم الخدمات التعليمية وتُدمر البنية التحتية للمدارس في كثير من الأحيان، كما تؤثر الصدمات المناخية في التعليم بشكلٍ غير مباشر من خلال الصدمات الاقتصادية، وانعدام الأمن الغذائي، والصدمات الصحية، وإذا لم يتم اتخاذ إجراءات تعمل على تكييف أنظمة التعليم مع تغير المناخ وبناء أنظمة تعليمية وطنية قادرة على الصمود في مواجهة آثار تغير المناخ، فسوف يؤدي ذلك إلى تفاقم التفاوتات التعليمية.

مقالات مشابهة

  • “التغير والنظام العالمي.. فهم التحولات التي تشكل عصرنا” .. ندوة حوارية بمعرض الكتاب
  • «التغير والنظام العالمي».. ندوة حوارية للكاتب فريد زكريا بمعرض الرياض الدولى للكتاب
  • القمة العالمية للاقتصاد الأخضر تناقش تداعيات التغير المناخي
  • رئيس بالاو يشيد بجهود الإمارات في مواجهة التغير المناخي
  • وزارة العمل تنظم ندوة "أثر التعليم والتدريب على تنمية المجتمعات" بالمنيا
  • وزارة العمل تنظم ندوة حول "الحقوق والواجبات وأحكام تشغيل النساء" ببورسعيد
  • وزيرة البيئة: مصر أطلقت مبادرة الانتقال العادل للطاقة مراعاة للأبعاد الاجتماعية
  • الطاقة النيابية:قانون الطاقة الجديد سيساهم في مكافحة التغير المناخي
  • معلومات الوزراء يتناول تأثيرات التغير المناخي والصدمات على عملية التعليم
  • درجات الحرارة في خريف محافظات مصر ترتفع عن المعتاد..الخبراء يحذرون من انعكاسات التغير المناخي