نظم الأرشيف والمكتبة الوطنية بالامارات العربية المتحدة ندوة  "التسامح في التضامن الاجتماعي المستدام" ضمن موسمه الثقافي الثاني 2023، شارك فيها عدد من الخبراء والمختصين بهذا المجال، وجاءت الندوة بالتزامن مع اليوم الدولي للتسامح، ومع عام الاستدامة 2023، وانطلاقاً من مسؤولية الأرشيف والمكتبة الوطنية الاجتماعية تجاه أبناء المجتمع.


تحدث في الندوة سعادة عبد الله ماجد آل علي مدير عام الأرشيف والمكتبة الوطنية عن أهمية التسامح، فقال: إن التسامح صفة النفوس الطيبة، وهو سلوك حضاري تسلكه الأمم في مسيرتها نحو التقدم والازدهار، وقيمة التسامح في المجتمع تعني التضامن والتقدم والسلام المستدام.
وأشار إلى أن التسامح والتعايش مع الآخرين عناصر رئيسية في ثقافة مواطني دولة الإمارات العربية المتحدة وسكانها، وقد باتت الدولة حاضنة لقيم التسامح والسلم والأمان وصون الحريات واحترام الآخر، وهي تحتضن أكثر من 200 جنسية من مختلف أنحاء العالم، ومن يتأمل هذه التوليفة البشرية الرائعة والتعايش الإنساني النبيل يدرك أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد أضحت واحة نموذجية ومثالية للتسامح في العالم.
وأكد سعادته أن الفضل في نشر هذه القيمة الأخلاقية العليا في المجتمع الإماراتي يعود إلى جهود المغفور له -بإذن الله- الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، التي بذلها من أجل الارتقاء بالإنسان، وإلى جهود القيادة الرشيدة التي سارت على نهجه.
استهلت الندوة الدكتورة عائشة بالخير مستشار البحوث في الأرشيف والمكتبة الوطنية التي أدارت الندوة، بقول للمؤسس والباني الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه: "إننا جميعاً على هذه الأرض خلقنا الله سبحانه وتعالى، وساوى بيننا، وكانت مشيئته أن يخلقنا أجناساً وديانات مختلفة، وإن تعاليم ديننا تدعو إلى التعاون مع كل إنسان، مهما كانت ديانته".
ثم بدأت الندوة بحديث المستشار راشد المطوع بوزارة التسامح والتعايش، والمنسق العام للمبادرة الوطنية الحكومة حاضنة التسامح، وقد سلط الضوء على استدامة مفاهيم التسامح وانعكاساته على القيم المجتمعية، واستهلّ حديثه بكلمة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله: "التسامح مصدر قوتنا وتميز تجربتنا ومسؤوليتنا جميعاً تجسيد هذه المعاني لأجل خير البشرية".
ثم تحوّل المطوع إلى منظومة قيم المجتمع الإماراتي، وجهود دولة الإمارات العربية المتحدة في استدامة مفاهيم التسامح، وتعزيز التسامح، وعاد إلى مبادئ الخمسين التي اعتبرها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد مرجعاً لجميع المؤسسات في إطار تعزيز أركان الاتحاد وبناء اقتصاد مستدام، وتسخير جميع الموارد لمجتمع أكثر ازدهاراً، وتطوير علاقات إقليمية ودولية لتحقيق مصالح الدولة.
وركز المتحدث في المبدأ الثامن: " منظومة القيم في دولة الإمارات ستبقى قائمة على الانفتاح والتسامح وحفظ الحقوق وترسيخ دولة العدالة".
وذهب بحديثه نحو المستقبل فتطرق لمئوية الإمارات 2071، ولرؤية "نحن الإمارات 2031"، وتحدث عن مجالات عمل وزارة التسامح والتعايش ومبادراتها، وعن مبادرة الحكومة حاضنة للتسامح.
وتحدثت الدكتورة وديمة الظاهري من جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية عن مفهوم التسامح في اللغة العربية وفي الشريعة الإسلامية وكمصطلح معاصر، مشيرة إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد عرفت التسامح وعززته في قانونها الاتحادي بشأن مكافحة التمييز والكراهية، واستحداث وزارة للتسامح والتعايش، واعتماد البرنامج الوطني للتسامح.
وأشارت إلى أن للتسامح عدة جوانب؛ منها: الديني والسياسي، والاجتماعي، وركزت في دور المؤسسات على صعيد التسامح الاجتماعي وأهميته في إرساء ثقافة التعايش بين أبناء المجتمع والمقيمين على أرض الإمارات الطيبة، وتطرقت إلى بعض مبادرات جامعة محمد بن زايد في مجال التسامح الاجتماعي، وفي مقدمتها برنامج "بكالوريوس التسامح والتعايش" الأول من نوعه في العالم.
واختتمت الندوة بحديث الأستاذ عيسى ثاني البلوشي، من مركز تريندز للبحوث والاستشارات؛ والذي قال: إن دولة الإمارات العربية المتحدة تعتبر التسامح والتضامن الاجتماعي أساسيّين لتحقيق التنمية المستدامة والازدهار، حيث إن المجتمع الإمارات يتسم بالتنوع الثقافي والديني، وأشار إلى أن التسامح يعزز الفهم المتبادل، ويسهم في بناء جسور التواصل بين الأفراد، وبالتالي فهو كفيل بتحقيق الوحدة في المجتمع.
وأكد أن التسامح لا يعني فقط قبول الآخر، وإنما يضمن حقوق الإنسان بصرف النظر عن الخلفيات الثقافية.
واستعرض البلوشي عدداً من النقاط التي تعزز الفهم لأهمية مبادئ العدل والمساواة والتآلف والتسامح في بناء مجتمع إماراتي مستدام، ومنها: تعزيز التفاهم الثقافي والديني، وتعزيز دور المرأة، والمشاركة المجتمعية، والتربية والتعليم... وغيرها.
تجدر الإشارة إلى أن الأستاذة إيمان البريكي من الأرشيف والمكتبة الوطنية (مؤلفة كتاب التسامح في دولة الإمارات العربية المتحدة) قدمت المشاركين في الندوة، وأن الندوة اختتمت بتكريم الأرشيف والمكتبة الوطنية للمشاركين جميعاً.

 

التسامح في التضامن الاجتماعي المستدام ندوة الأرشيف والمكتبة الوطنية ضمن موسمه الثقافيعبد الله ماجد آل علي مدير عام الأرشيف والمكتبة الوطنية

 

 المدير العام الارشيف  يكرم المشاركين في الندوة

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الشيخ زايد بن سلطان اليوم الدولي للتسامح المكتبة الوطنية بالإمارات بالإمارات العربية المتحدة دولة الإمارات العربیة المتحدة الأرشیف والمکتبة الوطنیة التضامن الاجتماعی التسامح والتعایش محمد بن زاید التسامح فی إلى أن

إقرأ أيضاً:

العامرات.. عندما تتحول واحة التسامح إلى مرآة لأزمات المجتمع

 

 

 

مرتضى بن حسن بن علي

 

لم يكن احتفال الجالية الهندية في حديقة العامرات إلا مجرد فعالية ثقافية عابرة، ومع ذلك نجح في إشعال نقاش وطني واسع امتد لأيام. فما الذي جعل مشهدًا ثقافيًا يتحول بهذه السرعة إلى عاصفة رقمية هزّت المزاج العام؟

الجواب أن حادثة العامرات لم تكن أزمة دينية ولا خلافًا مع جالية بعينها؛ بل كانت مرآة لعمق التوترات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والثقافية التي تراكمت عبر السنوات، ووجدت في تلك الواقعة منفذًا للتعبير عن خيبة وقلق واحتقان أصبح يصعب كبته.

الجمر تحت الرماد: اقتصاد مضغوط وجيل يعيش صدمة التحول

على امتداد العقد الماضي، مرّت عُمان بتحولات اقتصادية عميقة اعادت رسم توقعات جيل كامل؛ إذ بعد عقود كان فيها القطاع الحكومي مظلة التوظيف والاستقرار، بدأت قدرة الدولة على استيعاب الخريجين تتراجع بفعل أزمات المالية العامة وتذبذب أسعار النفط، إضافة إلى تشبع الوحدات الحكومية بالوظائف.

وفي الوقت ذاته، واجهت الأسر العُمانية ارتفاعًا ملحوظًا في تكاليف الحياة مع تطبيق الضرائب المختلفة وسحب الدعم التدريجي عن الخدمات لإيجاد توازن بين المصروفات والإيرادات حسبما ذكرتها الحكومة.

هذه التحولات لم تكن “قرارات مالية” فحسب؛ بل تغيير جذري في نموذج الأمان الاجتماعي الذي نشأ عليه جيلان كاملان. ومع ضرورة الإصلاح الاقتصادي، بقي الأثر المباشر على الناس قاسيًا في صورة: زيادة في الالتزامات الشهرية، وتراجع في القوة الشرائية، وتقلص في فرص العمل المناسبة.

التحولات الحالية لم تنشأ من فراغ؛ بل هي امتداد لمسار طويل؛ فمنذ عام 1976، دعت الخطط الخمسية المتتالية إلى: تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، وزيادة الاستثمار في القطاعات المنتجة والموفرة للوظائف، وتعزيز دور القطاع الخاص والتنافسية، وتطوير أنظمة التعليم والتدريب لإحلال العمالة الوطنية. لكن التنفيذ على أرض الواقع لم يواكب طموح تلك الخطط.

وظل النفط المصدر الرئيسي للدخل، وبقي القطاع الخاص هشًا في بنيته، بينما لم تخلق منظومات التعليم المهارات اللازمة لاقتصاد رقمي حديث.

والنتيجة وجود جيل يدخل سوق عمل لا يشبه ما أعدّته له المدارس والجامعات.

الجالية الهندية: شريك تاريخي أم منافس اقتصادي؟

وللجالية الهندية حضور عميق ومتجذر في عُمان، ومساهمة واضحة في التنمية. لكن ضخامة حجمها وانتشارها في قطاعات رئيسية، في ظل بطالة شبابية متنامية، خلقت تصورًا لدى البعض بأنها “شبكة مغلقة” تهيمن على فرص العمل.

ومشكلة هذا التصور أنه ناتج عن نقص التواصل الثقافي والاجتماعي المباشر، ويُغذِّيه الفراغ المعلوماتي حول طبيعة سوق العمل، ويُضخَّم عبر منصات التواصل التي تفضل المحتوى العاطفي على الحقائق.

هكذا أصبح أي احتفال أو تجمع هندّي يبدو- في عين بعض المتابعين- "استعراضًا للنفوذ"، رغم أنه غالبًا مجرد نشاط ثقافي طبيعي يمارسه مئات الآلاف من المقيمين منذ عقود.

الظرف الإقليمي… وتأثير الإعلام

لم يكن المزاج الديني المحيط بعيدًا عن الصورة؛ فالتغطيات الإعلامية في السنوات الأخيرة حول التوترات الدينية في الهند خلقت حساسية عالية تجاه أي رمز هندوسي، حتى لو كان بعيدًا تمامًا عن السياسة. ثم جاءت الحرب على غزة وما رافقها من ألم وغضب وتعبئة عاطفية، لتجعل الشارع أكثر توترًا تجاه كل ما يلامس الهوية والدين.

وفي هذه الحالة المشحونة، يصبح أي اختلاف بسيط قابلًا للتأويل المبالغ فيه.

منصات التواصل: وقود العاطفة وسرعة الاشتعال.

وسائل التواصل الاجتماعي لم تكن مجرد مرآة؛ بل كانت مسرّعًا؛ فالخوارزميات تدفع نحو المحتوى الأكثر إثارة، بينما يضعف المحتوى التحليلي والهادئ. وهكذا تحوّلت الحادثة الصغيرة في حديقة العامرات إلى موجة وطنية، ليس لأن المشهد كان خطيرًا؛ بل لأن المجتمع كان أصلًا محمّلًا بالأسئلة والضغوط.

درس التاريخ: الانفتاح قوة لا تهديد.

في وسط الانفعال، يبرز درس من تاريخنا: الحضارات القوية لا تخشى الاختلاف؛ بل تستثمره.

في العصر العباسي الأول، لم تكن بغداد قلعة مغلقة؛ بل مركزًا لترجمة علوم الإغريق، واستيعاب خبرات الفرس، والاستفادة من المعارف الهندية في الرياضيات والفلك والطب. وهذا الانفتاح لم يُضعف الهوية الإسلامية؛ بل جعلها أكثر نضجًا وثراءً.

وهذا بالضبط ما تحتاجه عُمان اليوم: ثقة بالذات تسمح بالتفاعل دون خوف، والبناء دون ردّات فعل.

ماذا يجب أن نفعل الآن؟

لكي لا تتكرر أحداث مشابهة، ولتستعيد واحة التسامح توازنها الطبيعي، نحن بحاجة إلى خطوات واضحة لا شعارات عامة:

1. إصلاح اقتصادي حقيقي يولّد وظائف حقيقية، وذلك عبر تنمية قطاعات إنتاجية (الصناعة، اللوجستيات، التكنولوجيا، الطاقة المتجددة)، وتقليل الاعتماد على العمالة منخفضة التكلفة.

2. إصلاح تعليمي وتدريبي جذري، يُركِّز على المهارات الحديثة: الرقمية، التقنية، الابتكار، والتفكير التحليلي، حتى يصبح العُماني قادرًا على المنافسة في سوق يتغير بسرعة.

3. حوار وطني شفاف، يُوضِّح للناس مسار الإصلاح وأهدافه، ويعالج فجوات المعلومات التي تتحول إلى تصورات خاطئة وتوترات اجتماعية.

4. بناء جسور مع الجاليات المقيمة، عبر برامج ثقافية وتطوعية وتربوية تخلق تفاعلًا إنسانيًا مباشرًا، وتكسر الصور النمطية من الطرفين.

حادثة العامرات لم تكن أزمة؛ بل "إنذار".. إنذارٌ يذكّر بأن التحديات الاقتصادية والاجتماعية إن تُركت دون معالجة، ستبحث عن منفذ تعبّر من خلاله، ولو كان احتفالًا صغيرًا في حديقة عامة.

والقوة ليست في تجنب العواصف؛ بل في معالجة أسبابها وبناء مجتمع قادر على تحويل اختلافه إلى ثراء لا صراع.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • «الطاقة» و«إيرباص» تنظمان جلسة لتعزيز منظومة وقود الطيران المستدام
  • وزيرة التضامن تترأس اجتماع مجلس إدارة بنك ناصر الاجتماعي
  • مكانة المرأة فى الأديان والمجتمع ندوة بمجمع إعلام قنا
  • «مكانة المرأة في الأديان والمجتمع» ندوة بمجمع إعلام قنا
  • العامرات.. عندما تتحول واحة التسامح إلى مرآة لأزمات المجتمع
  • كلية التجارة جامعة قناة السويس تنظم ندوة دينية لتعزيز قيم التسامح واحترام الكبير
  • بدر بن حمد يستعرض التوجهات المستقبلية لسلطنة عُمان وجهود تعزيز النمو المستدام
  • خليفة بن محمد: احتفاء الإمارات بيوم التسامح يُجسّد الالتزام الراسخ بنهجها الإنساني
  • سلطان بن طحنون: التسامح قيمة إنسانية أصيلة وجسر للتعايش وركيزة أساسية في مسيرة التنمية المستدامة
  • الجالية الهندية تشيد باستدامة نموذج التسامح والتعايش السلمي في الإمارات