سودانايل:
2024-07-05@23:40:08 GMT

هل من موازين قوى جديدة في السودان؟

تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT

المعطيات العسكرية والسياسية المتغيرة قد ترسم ملامح السيناريوهات المقبلة بالبلاد من دون ترجيح لتعقد مستويات الصراع وأطرافه

في وقت ينشغل فيه العالم بأحداث غزة المأسوية فإن مجريات سودانية خطرة توارت وباتت في مرتبة متأخرة من الاهتمامات الدولية عطفاً على ارتباط أحداث غزة بالقضية الفلسطينية التي هي محور التفاعلات في الشرق الأوسط على مدى 70 سنة مضت.



المجريات السودانية الراهنة متعلقة بتطورات عسكرية ميدانية في اتجاهات جديدة، يبدو لنا أنها تنعكس في مسألتي جهود وقف الحرب، وطبيعة توازنات القوى خلال المرحلة المقبلة.

التفاصيل الميدانية تشير إلى عدد من التحولات جارية على الأرض، الأولى أن هناك إرادة سياسية من جانب "قوات الدعم السريع" للسيطرة على السودان بمعظم ترابه الوطني، على الرغم من التحذيرات التي أطلقتها الولايات المتحدة الأميركية ضد هذا التوجه، وشواهد ذلك الانتصارات العسكرية التي حققتها "قوات الدعم السريع"، أخيراً، في عدد من المناطق، تدعمها ذهنية تسكرها انتصارات عسكرية ولا تأخذ بعين الاعتبار الأثمان الأخلاقية المدفوعة فيها.

التحول الثاني هو التركيز العسكري من جانب "قوات الدعم السريع" على إقليم دارفور بهدف السيطرة عليه وهو أمر كان متوقعاً وسبق وأن أشرنا إليه من عدة أشهر، وعلى الرغم من ذلك لم تُتخذ الخطوات الاحترازية له من جانب الجيش حيث انسحبت ثلاث فرق عسكرية للجيش من هناك حتى الآن.

التحول الثالث مرتبط بفاعلية لزعماء القبائل والإدارات الأهلية في إدارة عمليات تفاوضية بين الطرفين المتحاربين بهدف حماية المدنيين، وربما تكون حالة مدنية الضعين بدارفور نموذجاً ممثلاً لهذه الحالة التي انسحبت منها الفرقة 20 التابعة للجيش كنتيجة لتدخل زعيم قبيلة الرزيقات.

التحول الرابع هو موقف الفصائل المسلحة السودانية "مسار دارفور" من التخلي عن مسألة الحياد بين الجيش و"الدعم السريع" واتخاذ قرار الانخراط في قتال "الدعم السريع" انطلاقاً من تمركز هذه القوات بمدينة الفاشر عاصمة إقليم شمال دارفور التي هُرع إليها غالبية سكان دارفور خلال الأشهر الماضية.

التحول الخامس، هو شروع قبائل شمال السودان في التسلح ودعم قدرات مناطقهم الدفاعية ضد تغول "الدعم السريع".

أما التحول السادس، فهو خفوت الصوت السياسي لحزب المؤتمر الوطني وقادة الجبهة القومية الإسلامية الذين خاضوا القتال ضد "قوات الدعم السريع" عبر ميليشيات خاصة بهم ولكنهم فشلوا في إحداث تغيير في الموازين العسكرية لصالح الجيش.

في هذا السياق يمكن القول، إن الانعكاسات السياسية المباشرة لهذه التحولات يمكن رصدها في فشل الجولة الأخيرة من مفاوضات جدة، حيث اعتبر "الدعم السريع" أن استيلاءه على نيالا عاصمة جنوب دارفور مؤشر على ضعف قدرات الجيش في الإقليم، بما يجعل تفويته هذه الفرصة لوقف إطلاق النار يعني أن موقفاً أفضل قد ينتظر الدعم في أي مائدة تفاوض جديدة.

في هذا السياق، فإن السيناريوهات المحتملة لهذه التحولات يمكن إجمالها في احتمال أن تسفر زيارة رئيس المجلس السيادي الفريق عبدالفتاح البرهان على هامش مؤتمر "كوب 28" للتغير المناخي عن دعوة من جانب أبوظبي للبرهان في الانخراط بعملية تفاوضية مع "الدعم السريع" تحت مظلة الموازين العسكرية الجديدة في ضوء أمرين.

الأول عودة الوفد الأميركي مسهل التفاعلات في شأن الأزمة السودانية إلى الولايات المتحدة من منبر جدة، والأخير الدعوة الجديدة من جانب الخارجية الأميركية على لسان المتحدث باسمها صامويل وربيرغ قبل أيام بضرورة الالتفات إلى الملف السوداني على الرغم من أحداث غزة، والانتباه إلى حجم الضحايا المدنيين الذين يقعون يومياً نتيجة استمرار القتال، بالتالي دعا إلى ضرورة استئناف التفاوض لوقف إطلاق النار والانخراط في عملية سياسية جديدة.

هذا الاتجاه قد يدعمه توجهات تحالف الحرية والتغيير في هذه المرحلة التي تسعى أن تكون فاعلاً في المعادلة الراهنة سعياً وراء قدرة على عملية سياسية يمكن أن تتخذ طابعاً مدنياً في المرحلة المقبلة، من هنا حرصت هيئة القيادة على اجتماع في القاهرة استمر ثلاثة أيام لم تكن موفقة فيه في مسألة ممارسة حياد سياسي مطلوب حالياً بشدة بين طرفي الصراع حتى يمكن إنجاح أي مجهودات لوقف إطلاق النار أو توحيد مبادرات الحل السلمي التي تمت المطالبة بها في زيارة تحالف "قحت" إلى جنوب السودان، حيث تبنوا هذا الخيار بدعم مباشر من رئيس جنوب السودان سلفا كير سعياً لتفكيك المعضلة السودانية.

المعطيات العسكرية والسياسية سالفة الذكر قد ترسم ملامح السيناريوهات المقبلة في السودان من دون ترجيح أحدها على الآخر، نظراً إلى تعقد مستويات الصراع، وأطرافه الداخلية والخارجية.
السيناريو الأول، هو النجاح الفعلي في الوصول إلى منصة تفاوض من المرجح أن تكون في جدة، وسيكون من المطلوب أن تنعكس فيها موازين القوى الجديدة بقبول "الدعم السريع" شريكاً في المعادلة المقبلة، ولكن من دون إغفال لأهمية الجيش المركزية في الحفاظ على دولة السودان من الانهيار، وهو أمر يتطلب تفهماً كبيراً من القوى الداعمة لـ"قوات الدعم السريع" التي تكمن مصالحها في تقديرنا في الحفاظ على السودان وليس في انهياره.

بطبيعة الحال يتطلب نجاح منصة التفاوض هذه المرة إجراءات مسبقة لبناء الثقة التي تتطلب أن يتحلى فيها الطرفان بأعلى درجات المسؤولية السياسية والأخلاقية التي ربما أيضاً يرشح فيها دور للمسهلين للعملية التفاوضية من حيث المتابعة والمراقبة بهدف الوصول لبيئة مناسبة لنجاح التفاوض، خصوصاً أن فريق حزب المؤتمر الوطني ومن معه سيسعى باستماتة لتقويض مجهودات بناء الثقة على اعتبار أن قدرته على حجز مقعد في معادلات سودان ما بعد الحرب باتت ضعيفة.

بطبيعة الحال أيضاً إذا نجح هذا السيناريو فسيكون هدفه الأول وقف الحرب بما يعني أوزاناً كبيرة للفواعل العسكرية وأوزاناً أقل لنظيرتها المدنية، ذلك أن تركيز العواصم العالمية سيكون وقف أنهار الدم بدرجة أعلى من الضغط على المكون العسكري بجناحيه للانخراط في عملية تحول ديمقراطي بمعنى تسليم السلطة للمدنيين.

السيناريو الثاني، هو التأخر في الوصول إلى منصة التفاوض وهو الأمر الذي يسهم في إضعاف موقف البرهان والجيش التفاوضي، ويفتح الباب أمام حرب أهلية في السودان واسعة النطاق حيث باتت متوقعة ومنتظرة، بل في الحقيقة قيد رفة فراشة ذلك أن موقف الفصائل المسلحة المتمركزة في الفاشر ضد "الدعم السريع" من ناحية، والاستعداد التسليحي لعدد من القبائل السودانية شمال وشرق السودان من أخرى، فضلاً عن موقف عبدالعزيز الحلو في مناطق جبال النوبة وجنوب كردفان.

كلها تعزز من هذا الاحتمال الذي يعني إمكانية تدخل أطراف إقليمية إضافية لدعم هنا أو هناك للحفاظ على مصالحها أو أوزانها الإقليمية، وكذلك انفتاح باقي مناطق السودان لصراعات متعددة المستويات، منها ما هو مرتبط بنصرة أحد أطراف الحرب، ومنها ما هو مرتبط بصراعات على الموارد أو الماشية أو حتى الحواكير (الأرض)، ومنها ما هو مرتبط بفواعل الجريمة المنظمة النشطة في إقليمي شرق ووسط أفريقيا، ومنها ما هو نتيجة التحولات المناخية والجفاف وتحرك السكان عبر المناطق وهو ما يولد الصراعات في ضوء غياب سلطة الدولة.

السيناريو الثالث، هو انخراط واشنطن في عملية منتظمة لتطويق قوات "الدعم السريع" سياسياً وإدانتها بممارسة انتهاكات ضد الإنسانية عطفاً على طبيعة ممارساتها العنفية في إقليم دارفور، حيث ستتحول هذه الانتهاكات إلى ورقة في المنافسة السياسية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الانتخابات الأميركية المقبلة استهدافاً لأصوات الأميركيين من أصول أفريقية، وهو ما جرى وسبق ممارسته قبل أقل من 20 سنة، وهو ما يعني ضغوطاً كبيرة على "الدعم السريع" ستقوض نتائج أي تقدم عسكري تم تحقيقه من جانبها، أخيراً.

الشاهد أننا نستطيع أن نرصد مصالح ثلاثية الأبعاد في استئناف العملية التفاوضية بين الأطراف العسكرية السودانية.

تأتي الأولى في أن القوات المسلحة السودانية ستقفز إلى العربة الأخيرة بقطار الحفاظ على دولة السودان، ولكن بخسارتين الأولى الاعتراف بـ"الدعم السريع" كشريك سيتحدد وزنه طبقاً للموقف الدولي والأخيرة ضغوط يمارسها حزب المؤتمر الوطني والجبهة الإسلامية، ولكنها ضغوط الضعفاء الذين أنهكتهم حرب فشلوا في تغيير موازينها لصالحهم أو لصالح الجيش الذي اتخذوه أحياناً ستاراً لهم.

أما الثانية، فتتمثل في أن هذه المفاوضات ستنقذ "الدعم السريع" من تجريمه وتطويق عنق قواته بجرائمه البشعة التي ارتكبها ضد المدنيين من الشعب السوداني.

أما المصلحة الثالثة والأخيرة، فهي إقليمية ودولية مرتبطة بالحفاظ على مصالح مهددة نتيجة الحرب وإمكانية انفراط عقد الدولة السودانية.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: قوات الدعم السریع من جانب

إقرأ أيضاً:

25 نازحا سودانيا فروا من الحرب فغرقوا في النيل الأزرق

لقي 25  نازحا سودانيا على الأقل مصرعهم غرقا في نهر النيل الأزرق جنوب شرقي السودان، أثناء محاولتهم الفرار في زورق خشبي من ولاية سنار التي تدور فيها معارك بين الجيش وقوات الدعم السريع.

 

الدعم السريع تسيطر على اللواء 92 جنوب غربي السودان وزير الخارجية يستعرض أزمة السودان وغزة مع رئيسة مجموعة الأزمات الدولية

وأعلنت "لجان مقاومة سنار" في بيان، الخميس، وفاة حوالي 25 مواطنا أغلبهم من النساء والأطفال، في حادث غرق مركب شرق مدينة أبو حجار بين قرية الدبيبة ولوني.

وتابع البيان أن "من بين الضحايا كان هناك أسر كاملة من الدبيبة".

وفي أواخر يونيو سيطرت قوات الدعم السريع على منطقة جبل موية بولاية سنار، مما دفع مئات الأسر السودانية إلى النزوح باتجاه مدينة سنجة عاصمة الولاية، قبل أن تصبح واحدة من جبهات القتال خلال الأيام الماضية، مما دفع الأسر إلى النزوح إما شرقا أو جنوبا.

وأعلنت حكومة ولاية القضارف، التي استقبلت العدد الأكبر من نازحي سنار، في بيان الخميس "ارتفاع أعداد الناجين من الحرب وهجوم قوات الدعم السريع في عدد من المناطق بولاية سنار إلى 120 ألف، نازح تم تسجيل وحصر 90 ألفا منهم عبر التدخل الفوري والسريع من قبل وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية، وأكثر من 20 منظمة وطنية دولية".

 

وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أفاد في نشرته عن السودان، الثلاثاء، أن أكثر من 55 ألف شخص فروا من مدينة سنجة، مع امتداد النزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى المدينة.

 

وفي هذا الصدد أعلنت مبادرة "مفقود" السودانية، التي تتابع حالات المفقودين من المدنيين خلال المعارك والاشتباكات، أن "عدد الأطفال المفقودين ومن ضمنهم أطفال رضع وحديثي ولادة، بلغ 91 طفلا من أطفال مدينة سنجة".

يشهد السودان منذ 15 أبريل 2023، حربا دامية بين الجيش وقوات الدعم السريع، أدت إلى أزمة إنسانية كبرى.

 

وأسفرت الحرب عن عشرات آلاف القتلى، لكن لم تتضح بعد الحصيلة الفعلية للنزاع.

 

ونزح نحو 10 ملايين شخص داخل البلاد وخارجه منذ اندلاع المعارك، بحسب إحصاءات الأمم المتحدة، ودمرت المعارك إلى حد كبير البنية التحتية للبلاد التي بات سكانها مهددين بالمجاعة.

 

مقالات مشابهة

  • لقاء ببرلين لنقاش تطورات الأوضاع السودانية
  • وفيات جراء غرق سودانيين في أثناء هربهم من الحرب.. بينها عائلات كاملة
  • 25 نازحا سودانيا فروا من الحرب فغرقوا في النيل الأزرق
  • السودان.. محاولة للفرار من المعارك تنتهي بمصرع عائلات كاملة غرقا
  • الدعم السريع تسيطر على اللواء 92 جنوب غربي السودان
  • مصرع 25 شخصا غرقا في السودان خلال محاولة الفرار من المعارك  
  • السودان.. نزوح أكثر من 136 ألف شخص بسبب "معارك سنار"
  • ما هي الأهمية الاستراتيجية لولاية سنار السودانية؟
  • ياسر العطا يحدد (4) شروط للتفاوض مع الدعم السريع
  • الجيش السوداني يحدد 4 شروط للتفاوض مع الدعم السريع