أحلاهما … مُرٌّ (4) هذا التهميش والاستخفاف المستفز
تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT
(22)
لقد ختمنا حديثنا السابق، ونحن نتحدث عن هذه الحركة الدائرية العبثية للقيادات السياسية المدنية التي تتصدى لتحديات ملفي: وقف هذه الحرب ومعالجة أضرارها، ووضع الأسس لتأسيس الدولة الحديثة، بنصح أن لا تملأ كفيك بحصاد سعيهم ... فهو هباء !.
وبالتساؤل: لماذا هو رماد ؟!.
وما الحل البديل الذي يمكن أن يقود إلى مكان ما ؟؟.
(23)
لأن قيادات الأحزاب والتنظيمات التي قفزت لقاطرة الثورة قبل محطتها الأخيرة – وكانت تستعد لملاقاة وفد الكيزان لحوار وثبة جديد في أديس أببا – اختارت منذ خطوتها الأولى فور امساكها دفة القيادة، السير في الطريق الخطأ.
لقد جهرت أعينهم أضواء الكاميرات عشية الاحتفال بالنصر الذي لم يكتمل بعد وأعشت ابصارهم عن رؤية الأبطال الحقيقيون، النبلاء، الذين نجحوا بتضحياتهم في خلخلة قلعة الطغيان الحصينة واسقاط الطاغية عن عرشه، فغرهم بالشعب الغَرور ... (وما يزال !).
(24)
وكما هو متوقع بداهة، واجهوا العسكر بجناحيهم(الرسمي منهما وداعمه)، والفلول وميلشياتهم، وحركات الارتزاق المسلحة، وبعض الطفيليون ممن لا يستحون عن التظاهر تحريضاً على الانقلاب، حفاة، عراة، وأيدهم خاوية، لا يملكون من أدوات القوة ووسائل الضغط ما يواجهون به تنمر تحالف العسكر وتآمرهم.
فانقلب العسكر، – بدفع وتحريض ومشاركة مع حلفائهم الآخرين – على الوثيقة الدستورية، وتم تمزيق ورقة توت الشرعية التي كانت تغطي عورة تآمرهم وخيانتهم. ودقَّت الأقدار والمطامع عطر منشمٍ بينهم، وأن تفتنهم لينقلبوا على بعضهم البعض.
(وحدث ما حدث).
(25)
ولا أجد الآن مبرراً واحداً للتفاؤل الذي تبديه أبواق كل فريق من المتقاتلين في منصاتهم الاسفيرية، وحديثهم الباهت عن قرب حسم المعركة لصالحه. فكل المؤشرات تؤكد بأن انتهاء هذه الحرب لصالح أي منهما – انتصارا يحقق له حكم السودان – من رابعة المستحيلات. وكما كتبت من قبل فإنه: " لا البرهان متكئاً على حيطة الفلول المائلة يستطيع أن يحكم السودان... ولا حميدتي مستنداً على عصبيته القبلية يستطيع.
وبالتالي لا الفلول، ولا قحت تستطيعان"! (1).
بالطبع لن يستطيع أي من المكونات أعلاه أن يستوعب هذه الحقيقة ويبلعها أو أن يتصورها، فهم في غفلة عن القوى الجديدة التي تتمتع بثقل شرعية حق تقرير مستقبل السودان، لأنها هي من أحدث هذا التغيير الذي عجزت كل الأحزاب، يمينها ويسارها ووسطها، والحركات والمليشيات المسلحة ، ومنظمات المجتمع المدني عن إحداثه.
(26)
لماذا فشلت القوى السياسية الحزبية الكلاسيكية بكل توجهاتها الأيديولوجية في ايقاف الحرب إلى الآن ؟.
مهما تعددت الأسباب التي يمكن أن يسوقها لك "كبار" المفكرين والكُتَّاب والمحللين والمراقبين فإن السبب الأول/ الأساس هو ما ذكرناه: "تغييب" قوى الثورة الحية، بينما هي السلاح المُجَرَب في دحر ديكتاتورية المافيا الإسلاموية في الجولة الأولى من المواجهة التي أطاحت بحكومة البشير، حين كانت – الأخيرة – بعافيتها، وأسلحتها وقواها الأمنية والأيديولوجية متحدة.
وما يحيرك ويصيبك بالجنون، أن قوى الحرية والتغيير "المركزي" ورغم التجارب المريرة مع المكونين العسكريين المتصارعين – الجيش والدعم السريع – ونتائجه الماثلة في الواقع الآن على الأرض لا زالت تمارس تكرار نفس الخطأ: أن تتوهم أحزابها، بأنها منفردة – وبشعور وصائي وفوقية سلطوية أبوية – تستطيع أن توقف الحرب بين حلفاء الأمس، بل ووضع أسس بناء دولة المستقبل، بتسلط عنيد ولؤم إقصائي، لأصحاب الحق !! .
(27)
وإلا، لماذا تريد "قحت" منفردة الاجتماع والتفاوض مع البرهان وحميدتي لوقف الحرب، وقد طلبت من سلفاكير أن يتوسط لهما لعقد هذا اللقاء ؟!.
لماذا لم يفكروا في طرح مشروعهما الذي سيرفعونه لحكومة الجنوب على الشعب أولاً ؟!.
ما دافعهم؟.
لماذا يصرون على اتباع هذا النهج الاقصائي ؟!.
هل قوى الثورة الحية وعلى رأسها لجان مقاومة الأحياء وجماهير أحزابهم ذاتها، أقل شأناً من أن تتنازل وتتواضع قليلاً لتعرض عليهم ما ستقترحه على الخارج من "مشروعها الوطني" أولاً، وأن تعرض على هذه القوى أولاً – هي (صاحبة الجلد والراس – قبل أن تطرحه على "الوسطاء" ؟!!.
لماذا هذا التهميش المستفز والاستخفاف بهذه القوى ؟!!.
(2)
هذا الداء العضال لا تعاني منه حزمة أحزاب قوى الحرية والتغيير وحدها ولكنه فيروس يسكن جسد كل الأحزاب السياسية السودانية، وبلا استثناء (مركزية وغير مركزية). وكما قلت في موقع آخر بأنها ليست أحزاباً سياسية بالمعنى الحديث لهذا المفهوم، ولكنها أقرب إلى الكيانات الطائفية، بالمعنى التراثي في الاجتماع السياسي العربي والإسلامي في عصوره الوسيطة (أي عصور الانحطاط). (2)
فهي طوائف دينية من حيث بنيتها وآليات خطابها، بغض النظر عن ما تطرحه مضامينها الفكرية والأيديولوجية، وما ترفعه لافتاتها وشعاراتها السياسية .
وبالتالي فهي مغلقة الأفق والرؤى، ومنغلقة الأفكار والمواقف. بالتالي ممنوعة من الصرف في سوق التوافق، والحوار الديمقراطي المفتوح والمنفتح على الآخر.
::::::::::::::::::::::::::::
وتسأل: لماذا يفشلون دوماً ؟!!!.
(28)
طيب... والحل شنو ؟؟!.
مصادر وهوامش
1 – https://sudanile.com/%D9%82%D8%A8%D9%84-%D8%A3%D9%86-%
قبل أن يُسدل الستار، موقع صحيفة سودانايل الرقمية، 24 May, .2023
ttps://sudanile.com
2 – راجع لكاتب المقال: فصل بعنوان "ولكن أين هي الأحزاب؟"، من كتاب: "متلازمة العصاب الأيديولوجي القهري: عبد الوهاب الأفندي نموذجاً"، نشر في الراكوبة يوم 20 / 12/ 2012.
- :و الرقصة الأخيرة قبل أذان الفجر (2)، صحيفة سودانايل الرقمية بتاريخ: 7 April, 2020
https://sudanile.com/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D9%82%D8%A8%D9%84-%D8%A3%D8%B0%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AC%D8%B1-2-%D8%A8%D9%82%D9%84%D9%85-%D8%B9%D8%B2%D8%A7
izzeddin9@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
ما الدروس التي استخلصتها شعبة الاستخبارات الإسرائيلية من فشل السابع من أكتوبر؟
قال مراسل إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي، دورون كادوش، إن جيش الإسرائيلي سيقدم في الأيام المقبلة سلسلة طويلة من التحقيقات الصعبة، تتناول أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والفشل النظامي والاستخباراتي الذي سبقها، بالإضافة إلى معارك الاحتواء الصعبة في غلاف غزة خلال الأيام الأولى من الحرب.
وأشارت مصادر اطّلعت على تفاصيل التحقيقات لإذاعة الجيش٬ إلى أن هذه التفاصيل ستكون صعبة القراءة، وأن الجمهور الإسرائيلي سيتعرض لأول مرة للصورة الكاملة والظروف التي أدت إلى الفشل العسكري الكبير.
פרסמנו אצל @efitriger:
לקראת הצגת התחקירים: הלקחים שאגף המודיעין מפיק בעקבות לקחי 7/10 – והמהפכות הפנימיות בארגון
בימים הקרובים יציג צה"ל לציבור הישראלי שורה ארוכה של תחקירים קשים, על אירועי 7 באוקטובר, המחדל המערכתי והמודיעיני שקדם להם, וקרבות הבלימה הקשים בעוטף ביממות… — דורון קדוש | Doron Kadosh (@Doron_Kadosh) February 25, 2025
وقد أنجز قسم الاستخبارات الجزء الأكبر من تحقيقاته منذ عدة أشهر، وبدأ في تنفيذ عدد من التغييرات التنظيمية والإصلاحات الاستخباراتية الداخلية أثناء الحرب، مستفيدًا من الدروس المستفادة من أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
ونشرت الإذاعة التغييرات الرئيسية التي نفذتها مديرية المخابرات العسكرية بعد الحرب، والتي تشمل التالي:
أولا: زيادة كبيرة في دراسة اللغة العربية والدين الإسلامي والثقافة العربية: اعترفت الاستخبارات العسكرية بأنه على مدى فترة طويلة، تم التخلي تدريجيًا عن دراسة اللغة العربية والثقافة الإسلامية بين العديد من العناصر المهنية في القسم.
وباستثناء المتخصصين في اللغة، الذين يشكلون جزءًا من دورهم الاستخباراتي، فإن العديد من العناصر داخل العملية الاستخباراتية لم يدرسوا الإسلام بعمق. وستخضع العناصر القيادية في وحدة 8200، وضباط الاستخبارات في الكتائب والألوية والفرق، وحتى أفراد الإنترنت والتكنولوجيا، لتدريب مكثف في مجالات الدين والثقافة وفقًا لأدوارهم.
ثانيا: ثقافة "تعدد العملاء"٬ سيتم استخدام مصادر استخباراتية متنوعة بخلاف الاستخبارات الإلكترونية، مع تعزيز تبادل المعلومات بين الهيئات المختلفة داخل قسم الاستخبارات، بما في ذلك العاملين في مجال الاستخبارات الإلكترونية ومشغلي العملاء، وجامعي المعلومات من المصادر العلنية، ومحللي صور الأقمار الصناعية.
ثالثا: تعزيز عنصري الاستخبارات البشرية والاستخبارات الطبية٬ اللذين تم إضعافهما بشكل كبير في مديرية الاستخبارات العسكرية على مر السنين. ولم تقم الوحدة 504 (وحدة تشغيل العملاء) بتشغيل أي عميل في غزة حتى السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
وفي أعقاب الحرب، فتحت الوحدة 504 منطقة جنوبية، وبدأت في تشغيل عملاء ومصادر استخبارات بشرية في قطاع غزة، كما تمت ترقية قائد الوحدة إلى رتبة عميد. وفي مجال الاستخبارات من المصادر المفتوحة، تم إغلاق وحدة "هاتساف" قبل عدة سنوات، ويتم حاليًا افتتاح وحدة جديدة لتحل محلها.
رابعا: تعزيز العلاقة بين الاستخبارات العسكرية وجمع المعلومات القتالية من الميدان: حتى الآن، لم تصل التقارير من المقاتلين الذين جمعوا المعلومات من الميدان إلى رئيس الاستخبارات العسكرية.
وستدرس مديرية الاستخبارات العسكرية إمكانية وضع ضباط منتدبين منها في فرق جمع المعلومات الاستطلاعية في كل قطاع، حيث سيعمل باحثو الاستخبارات على تشكيل فرق العمليات الميدانية وربط المعلومات الاستخباراتية الميدانية بالمعلومات الواردة من مصادر أخرى.
خامسا: تعزيز مجال الإنذار الاستخباراتي٬ حيث تقوم الاستخبارات العسكرية حاليًا بأعمال واسعة النطاق في المقر الرئيسي لتعزيز مجال الإنذار، مع تركيز وتخصص أكبر لأفراد الاستخبارات في قضايا الإنذار الاستخباراتي في القيادات والفرق والألوية.
سادسا: توسيع "منصة إيبكا"٬ كان قسم الرقابة في مديرية الاستخبارات العسكرية، المعروف باسم "منصة إيبكا"، يضم شخصين فقط في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وكانت صلاحياتهما محدودة بتقييمات قسم الأبحاث فقط.
ومن المتوقع أن يتوسع القسم عدة مرات، مع توسيع صلاحياته ليشمل جميع أجهزة الاستخبارات العسكرية، وسيرأسه ضابط برتبة عميد بدلاً من عقيد.