من الذي يصنع الأحداث في السودان؟
تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT
السؤال الجوهري؛ الذي تتهرب منه النخب السياسية و حتى المثقفين؛ هو من الذي يصنع الأحداث في السودان منذ تشكيل حكومة عبد الله حمدوك الأولى في أغسطس 2019م حتى اليوم و لماذا؟
الإجابة على السؤال؛ سوف تبين أين تكمن القوة و أين يكمن الضعف في المجتمع، و الذي يملك اليد الطولى في صناعة الأحداث هو الذي سوف يكون له الأثر الكبير في تشكيل مستقبل السودان.
إذا رجعنا لتاريخ ثورة أكتوبر و إنتفاضة إبريل، و مع بعض الاختلاف في التغيير الذي حدث في الواقع السياسي و الاجتماعي، نجد أن حركة القوى السياسية هي الأكثر فاعلية، و هي التي كانت تنشر الأخبار و المعلومات، و حتى تحليلات الأحداث يقوم بها عدد كبير من القيادات السياسية للأحزاب، و مبنية على معلومات صحيحة لقدرتها على الاتصال بالكل و تمسكها بثقافتها الحوارية مع الأخر. الآن الأحزاب تنتظر المعلومات عن الحرب من الجيش و الميليشيا، وأيضا تنتظر المعلومات التي لها علاقة مباشرة بالسياسة من قيادات الجيش. ماذا حصل في مفاوضات جوبا؟ هل وفد الجيش حضر، و لا عنده شروط أخرى؟ هل تستجيب قيادة ميليشيا الدعم لمطالب الجيش أم سوف ترفضها و يبقي الحال كما كان عليه...!؟ تتعالى الانفاس عند إعلان بدأ المفاوضات و ترى الاحباط في وجوه الكل عندما تنفض دون أي تقدم، هؤلاء هم الذين أصبحوا يصنعون الحدث، و القوى السياسية ما عليها غير الانتظار و الترقب أنقلب الفعل السياسي تماما.
أن القوى السياسية إذا لم تكن لها علاقة وطيدة بالشعب، و لها قنوات أتصال معه لكي يمكنها من فتح حوار معه، لن تستطيع أن تكون مؤثرة في الواقع، و في حالة ضعف القوى السياسية و انقساماتها لابد أن تبرز قيادات جديدة لها فكر جديد، و قادرة على استيعاب الواقع و تناقضاته، و تستطيع أن تدير الأزمة بكفاءة عالية لإنجاز أفكارها، أن الأجيال الجديدة يجب أن لا تتأثر بإرث الفشل المتراكم الذي خلفته القوى السياسة جميعها. أن تنطلق من أفتراضات جديدة لكي تكسب أكبر قاعدة أجتماعية تغير بها ميزان القوى في المجتمع. و تصدر شعارات تتناسب مع رؤيتها الجديدة، أغلبية الشعارات السابقة أصبحت فيها لغط، و هذا لا يعني بإسقاط شعار الجماهير " حرية سلام و عدالة" هو شعار تؤسس عليه أعمدة التحول الديمقراطي، و يجب أدوات أنجازه تتوافق مع الشعار نفسه لا تتناقض معه.
في حوار أجري مع البروف شريف حرير و نشر في جريدة " الراكوبة" يحمل العديد من الأفكار الجيدة. و بروف شريف حرير و معه الدكتور تيرجي تفيدت ألفا كتاب " السودان الإنهيار أو النهضة" والآن السودان يقف على اعتاب هذا العنوان الانهيار أو النهضة. و النهضة تحتاج لتغيير طريقة التفكير و ضخ متواصل للأفكار و فتح الحوار حولها، و الإنهيار يحتاج من الكل أن يتمسك برؤيتهم و يعتقدون هى وحدها المخرج، أي عدم الاعتراف بالأخر و حوار مشروعه.. يقول الشريف حرير في اللقاء ( أن المشاركة التى توفرها لنا الديمقراطية هدف نصبوا إليه،لكن أى ديمقراطية هى التى تناسبنا ..هذا أمر يستلزم أن نراجع جميعا تفكيرنا حوله. الذين طبقوا نظام ديمقراطية ويستمنستر أخذوا منه صندوق الاقتراع وحده دون مراعاة لمتطلبات الديمقراطية الأخرى) واحدة من إشكالية التحول الديمقراطي " أي ديمقراطية يجب أن نتعلق على أستارها" أن شعار الديمقراطية مقبول من كل السودانيين لكنه يحتاج لفتح حوار حوله، لكي نجعلها تتلاءم مع مجتمعنا، لا نكتف بالنقل.. و هناك فرق كبير بين أن تنقل تجارب الأخرين، أو تستفيد من تجارب الآخرين، و الاستفادة من ما كتب كإستنارة عن الديمقراطية في تطورها التاريخي، و تمظهراتها في مجتمعات الدول الديمقراطية.
و في فقرة أخرى يقول البرف حرير (مهما كانت شعوبنا تحتاج للديمقراطية، وتحتاج منا نحن المتمردين فى الانتلجنسيا السودانية أنت وانا وغيرنا أن نقود التطور لكى ننجز ديمقراطية التحول حتى نستعيد دولتنا، بعدما حولها الإسلاميون لدولة جبهة وحزب. علينا توعية شعبنا من أجل خلق مشروع واضح المعالم لكى ننجز الدولة الديمقراطية) هذا هو التحدي الذي يواجه القوى السياسية تقديم مشروع سياسي واضح و مفصل، و ليس كما درجت الأحزاب تقديم شعارات تؤكد فيها عجزها، و كل قوى سياسية تقدم مشروعا يجب أن تتأكد ليس مشروعها هو القول الفصل، بل كل المشاريع يجب أن تتحاور لخلق مشروع واحد يتفق عليه الجميع، لآن مشروع التحول الديمقراطي في دولة فيها العديد من التيارات السياسية و الأيديولوجية و التنوع بكل أشكاله لابد أن تقتنع قادتها بالتنازل من أجل الوصول للاتفاق.. و الديمقراطية تعتمد فقط على أداتين المفاوضات و الحوار و تسقط تماما ادوات العنف و التعالي و الإقصاء و غيرها.
أن صناعة الحدث؛ تعتمد على الحركة الفاعلة على إقناع الجماهير وفق برنامج معد سلفا، و أيضا على قدرة القيادات على قراءة الواقع قرأة سليمة، و أيضا القدرة على إحداث أختراق في حائط التحديات مع الوعي الكامل في إدارة الأزمة، و الانفتاح على الأخر عبر الحوار، أما وضع الحواجز بالشروط العديدة تعقد الأزمة أكثر. و أدوات الديمقراطية تختلف تماما عن أدوات الشمولية.. يتغير ميزان المعادلة عندما تصبح القوى السياسية عندها القدرة على الإقناع، و أيضا صلة قوية بالجماهير، و تحريكها من أجل تحقيق المشروع السياسي المطلوب.. و هناك فرق كبير جدا أن تتدثر بالشعارات ديمقراطية من أجل مسعى للسلطة، و أنه سوف ينكشف حالا، و بين أن تستخدم الأدوات الديمقراطية لكي تصل لها. نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القوى السیاسیة من أجل یجب أن
إقرأ أيضاً:
الحَرْبُ مُنْعَطَفٌ تِكْتِيكِيٌّ أَمْ مُطَبٌّ دْيالِكْتِيكِيٌّ (4)
المُبْتَدَأُ: -
مِن وِجْهَةِ نَظَرٍ مارْكِسِيَّةٍ تُعْتَبَرُ الحُرُوبُ الأَهْلِيَّةُ تَعْبِيراً عَن الصِراعاتِ الطَبَقِيَّةِ وَالتَناقُضاتِ الاِجْتِماعِيَّةِ الداخِلِيَّةِ داخِلَ المُجْتَمَعِ.
وَالخَبَرُ: -
(31)
للقائد الشيوعي الأممي ف. ايلتش لينين رأي واضح في تيار اليساريين الإصلاحيين فقد وصفهم بالانتهازيين، قائلاً: "الإصلاحيون هم انتهازيون يخونون مصالح الطبقة العاملة من أجل مصالحهم الشخصية أو من أجل تحقيق مكاسب سياسية قصيرة الأجل." مؤكدا أن "الصراع الطبقي هو المحرك الرئيسي للتغيير التاريخي، والإصلاحيون يحاولون تخفيف الصراع عوضا عن تعزيزه.".
(32)
لقد رأينا نحن في السودان؛ بأم أعيننا صدق هذا القول والتحليل؛ حين اعتلت سدة سلطة الانتقال؛ بعد انتصار ثورة 19 ديسمبر 2018م المجيدة مجموعة من الإصلاحيين ضعيفي البصر والبصيرة؛ وكيف أنهم قد فرطوا في أهداف الثورة وشعاراتها، وأضروا بمسارها الثوري؛ حينما ارتضوا شراكة العسكر في السلطة وها نحن نجني علقم غرسهم البائس. القائد الشيوعي الفذ؛ ثاقب البصر والبصيرة لينين؛ ظل يرى أن الإصلاحات قد تحسن ظروف الطبقات المسحوقة على نحو مؤقت، لكنها لا تقضي على اِسْتِغْلالُهُمْ من قبل الرأسماليين؛ قائلا: "الإصلاح هو تحسين ظروف العبودية، أما الثورة فهي تحرير العبيد."
(33)
نحن كشيوعيين؛ ملزمين بقضية نشر الوعي الطبقي؛ ومحاربة أي فكر أو عمل ينتج عنه تأثير معاكس؛ ويؤدي إلى تدهور الوعي الطبقي ومفاقمة الانقسامات القومية بما في ذلك أفكار اليسار الإصلاحي. من الوهم الاعتقاد بأن الطبقة العاملة أو الطبقات المسحوقة على العموم؛ يمكنها أن تجد حلولا لمشاكلها بالتحالف مع هذا الجناح أو ذاك من أجنحة الطبقات السائدة في حالة السلم فكيف بالله عليكم وهي تطحن في رحى حرب ضروس؟!!.
(34)
واجب الشيوعيين يحتم عليهم قول الحقيقة للطبقة العاملة والطبقات المسحوقة، والشرائح الاجتماعية الضعيفة؛ بأن لا تثق بأي جناح من أجنحة الطبقة السائدة، فجميعها دون استثناء بما فيها الأجنحة الإصلاحية؛ تسعى في النهاية فقط لخدمة مصالحها الطبقية؛ ووفقا لميزان القوى في اللحظة التاريخية المعينة.
(35)
طرفا الحرب الدائرة في السودان اليوم؛ يحاولان إخفاء أهدافهما الحقيقية باستعمال كافة أنواع الحيل والدعاوي الأخلاقية. لكن المصالح المادية لا الدعاوي الأخلاقية هي التي تحدد في واقع الأمر؛ ورغم عن ذلك نجد للأسف أن بعض القوى الإصلاحية تعتقد أن بإمكانها ممارسة الضغط على الطرفين لإيفاق الحرب. إن واقع الصراع الدامي الدائر لزهاء العامين حتى الآن يكذب هذا الاعتقاد؛ ويؤكد أن الطرفين لا يضعان أي قيمة لتلك الضغوطات أو المناشدات.
(36)
الحرب وفق تعبير ( كلاوزفيتز) هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى. لقد عجزت أدوات طرفي الصراع (الجيش والدعم السريع) السلمية؛ عن حل تناقضات مصالحهما المادية فانتقلا إلى ممارسة السياسة بوسيلة أخرى أكثر عنفاً. فمن الحتمي عندما يصل الصراع بين طرفين لمرحلة الصراع التناحري؛ أن تتبلور قناعة لدى كل منهما بأن وجود الآخر بات يمثل تهديدا وجوديا له ولمصالحه.
(37)
وفي مثل هذه الحالة التي تطابق حالة طرفي الحرب الدائرة في السودان؛ لا يبقى لدعوات إيقاف إطلاق النار وحقن الدماء العاطفية؛ التي تطلقها بعض القوى الإصلاحية؛ أي تأثير وتظل فقط محض دعوات غارقة في النزعة السلمية والأوهام الدبلوماسية؛ خالية من الموقف الطبقي؛ والحلول الطبقية. وبتصاعد وتيرة التوترات بين القوى الرجعية نتيجة التنافس على السلطة، لحد عجز المنافسة السلمية عن تحديد هوية المهيمن بين القوى، تغدو الحرب هي الخيار الوحيد المتاح؛ خاصة عندما تغدو مصالح القوى الرجعية على المحك.
(38)
الحروب الأهلية ليست مجرد صراعات بين جماعات عرقية؛ أو دينية أو سياسية، بل هي انعكاس لصراع الطبقات الاجتماعية؛ وعلى وجه الخصوص هي صراع الفئات الاجتماعية المهمشة والمستغَلة ضد النخبة الحاكمة أو صراع النخب الرجعية الحاكمة التي تناقضت مصالحها وتعارضت مع بعضها البعض كما هو الحال في الحالة السودانية الراهنة.
(39)
وانطلاقا من هذا الفهم المادي فالدعوات الطيبة للحلول السلمية لمثل هذه الحروب، والمناشدات الخجولة لإيقافها بالحوار المفتقرة للموقف الطبقي، هو موقف مثالي ونهج طوباوي غير واقعي؛ إن المصالح المادية هي الموجه الأساسي للنزاعات والصراعات؛ عليه يجب علينا كشيوعيين أن نرى الواقع كما هو ونسمي الأشياء بأسمائها الصحيحة؛ بقول الحقيقة المستندة على الصراع الطبقي.
يَتْبَعُ
تيسير ادريس
tai2008idris@gmail.com