الفلسطيني في غربة سؤاله المصيري
تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT
آخر تحديث: 26 نونبر 2023 - 9:52 صبقلم: فاروق يوسف منذ عهد بلفور (1917) والغرب مجمع على حرمان الفلسطينيين من وطنهم واعتبار مَن يبقى منهم على أرضه أقلية بتوصية بمراعاة مصالحها والحفاظ عليها من الاندثار. ذلك ما لم يفرضه اليهود بالسلاح.قبلهم كان الغرب نظريا قد مهّد لعملية طمس الهوية الفلسطينية ومحوها وإزالة اسم فلسطين من خرائط العالم.
ولو شئنا الحقيقة فإن دولتين تقعان خارج المعسكر الغربي، بل وتعاديانه عقائديا هما روسيا (الاتحاد السوفييتي سابقا) والصين لم تطالبا بإعادته إلى تلك الخرائط الرسمية، كونه لا يشير إلى واقع سياسي متحقق. غير أن ذلك وإن انطوى على الكثير من الخذلان لم يحبط عزيمة الشعب الفلسطيني ولم يحوّله إلى مالك سابق للأرض. بل ما حدث هو العكس تماما. وإذا ما كانت تلك الوقائع السياسية الدولية قد عملت على تذويب الشعب الفلسطيني عبر أكثر سنة من التشريد والضياع والإقامة “خارج المكان” الطبيعي فإن مقاومته كانت مصدر معجزته.ولأن العرب قد اعتبروا فلسطين قضيتهم المركزية وحاربوا من أجل استعادتها وعملوا في المحافل الدولية من أجل التذكير بها ووضعها على جدول أعمال كل المؤتمرات الدولية فقد وجد الفلسطينيون سندا صادقا ومخلصا لهم عبّر عن أخوّته العميقة من خلال دعمهم ماديا وتقويتهم وإمدادهم بكل أسباب العيش الكريم، كل دولة حسب قدرتها.أما حين ظهرت التنظيمات الفلسطينية المسلحة أواسط ستينات القرن الماضي فإن غير دولة عربية قد أمدّتها بالمال والسلاح من غير أن تتدخل في شؤونها والكويت مثل بارز على ذلك، إضافة إلى الدول التي كانت لها أجنداتها الخاصة. وفي كل الأحوال فقد وقف الفلسطينيون ضد إرادة العالم “الحر” وأجبروه بقواهم الذاتية التي هي لا شيء بالمقارنة بقوته على الاعتراف بوجودهم. أما حين وقف ياسر عرفات على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة فإنه صنع من كوفيته رمزا للحرية.ليست حرية الفلسطينيين وحدهم، بل وحرية جميع الشعوب المحرومة والمضطهدة والمطالبة بولادة عالم أكثر عدلا وأقل ظلما. ولكن حتى عرفات كان قد وقع في فخ إضاعة الوقت والتسويف والرغبة الغربية في عدم الاعتراف بولادة دولة فلسطين وذلك تحاشيا لما يمكن أن يشكل إخلالا بوعد بلفور. لم تعد فلسطين إلى الخرائط الدولية الرسمية حتى ولو كانت على الأرض المجزأة التي صارت من حصة السلطة الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو.لم يتخل العرب عن فلسطين ولا عن الفلسطينيين. لكن الزلازل التي ضربتهم في الألفية الثالثة لم تعد تسمح لهم بالنظر إلى ما يقع من حولهم. لقد غرقت كل دولة بمشكلاتها المصيرية. فبعد انهيار العراق المأساوي عام 2003 بفعل الغزو الأميركي صارت كل الدول العربية، سواء تلك التي عصفت بها رياح “الربيع العربي” أو لم تعصف بها، مسكونة بالخوف مما يخبئه المستقبل لها. وهو مستقبل كان جزء منه من صناعة غربية. لم يكن الأميركان قد غزوا العراق وحدهم. ولم يقصفوا ليبيا وحدهم. ولم يتدخلوا في شؤون سوريا وحدهم. ولم يكونوا وحدهم حين وقفوا وراء الاضطراب الذي شهدته غير دولة عربية. كان الغرب كله معهم. لا يزال الغرب معهم. ذلك ما أثبتته حرب غزة الأخيرة.يشعر الغرب بالأسف لأن بنيامين نتنياهو قبل بالهدنة المؤقتة. ألأنه تورط في موقف لا أخلاقي أم لأنه يرغب في استمرار مشروعه القائم على اعتبار الفلسطينيين مجرد أقلية لا ينبغي السماح لها بالمطالبة بالمزيد من الحقوق التي تقع خارج حق العيش في الحدود الدنيا؟ في مثل هذه الحالة يمكن أن يكون توجيه اللوم إلى العرب نوعا من تضييع الوقت في محاولة الانتقاص من دول، كان لها دور حقيقي في ما فعله الفلسطينيون على مستوى وضع فلسطين على خارطة وعي الرأي العام العالمي على الأقل.فمصر كانت ولا تزال حاضرة في المشهد الفلسطيني وكذلك لا يُنسى دور سوريا والعراق يوم لم يكن محتلا والأردن بالرغم من إمكانياته المحدودة، كما أن السعودية ودول الخليج قد وضعتا كل إمكاناتهما في خدمة القضية الفلسطينية.لقد حارب العرب من أجل فلسطين وقاوموا الغرب ودفعوا الثمن وهو ما لا يدركه الكثيرون ممَّن يوجّهون اللوم إلى العرب من غير أن يلتفتوا إلى حقيقة أن حركة حماس التي هي الطرف الفلسطيني في ما حدث لا تكترث بما يقوله العرب بقدر انشدادها عقائديا إلى إيران.
المصدر: شبكة اخبار العراق
إقرأ أيضاً:
بروفيسور بريطاني: الحداثة ليست غربية والخبراء الدوليون أدوات استعمارية
وفي حلقة جديدة من برنامج "المقابلة" فند ميتشل أستاذ دراسات الشرق الأوسط بجامعة كولومبيا أطروحات مركزية الحداثة الغربية، معتبرا أن التاريخ الاستعماري الغربي أنتج مجموعة من الأفكار التي لم تخضع للنقد الكافي، وأن دراسة مناطق خارج الغرب يمكن أن تساعد في إعادة التفكير بتلك الأفكار.
وانتقد ميتشل النظرة التقليدية للحداثة بوصفها منتجا غربيا يعمم على العالم، مشيرا إلى أن الحداثة نشأت في سياق تفاعلي بين الغرب وبقية العالم، وأنها ليست مرحلة عالمية حتمية من التاريخ، بل طريقة خاصة لتنظيم العلاقة بين المستعمِر والمستعمَر.
وولد ميتشل في جنوب لندن مطلع الخمسينيات، وتلقى تعليمه في كامبردج وبرينستون، قبل أن ينتقل إلى جامعة كولومبيا، ويعد اليوم من أبرز الباحثين في تاريخ الشرق الأوسط، وهو متزوج من الأكاديمية الفلسطينية الأميركية ليلى أبو لغد، وينشط في دعم القضية الفلسطينية ومقاطعة إسرائيل.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4ليوبولد سيدار سنغور رمز الأدب والسياسة في أفريقيا الحديثةlist 2 of 4أندرو مارش "حول الديمقراطية المسلمة".. تأملات في فكر راشد الغنوشيlist 3 of 4كيف حارب الشيخ محمد رشيد رضا انحطاط الأمة الإسلامية؟list 4 of 4هكذا تشوّه أفلام هوليود صورة العرب والمسلمينend of listوعن سبب اختياره مصر ميدانا لدراساته، قال ميتشل إن مصر هي التي اختارته بعد زيارته الأولى للقاهرة لتعلم اللغة العربية، إذ أقام علاقات مع علماء مصريين، ووجدها المكان الأنسب لمواصلة أبحاثه عن تاريخ وسياسة العالم العربي، وقلب الحياة الفكرية في المنطقة.
إعلانويرى ميتشل أن كتابه "استعمار مصر" لم يتناول فترة الاحتلال البريطاني المباشر فحسب، بل المواجهة الأوسع بين مصر وتجربة الحداثة الغربية منذ عهد محمد علي باشا، مشيرا إلى أن الاستعمار ليس مجرد احتلال أجنبي، بل هو تفاعل شامل بين منطقة عربية وتجربة الغرب.
ويوضح أن كتابه يفتتح بملاحظات علماء مصريين زاروا أوروبا في القرن الـ19، وتفاجؤوا بتنظيم الأوروبيين حياتهم وتقديمهم المعرفة بطريقة تجعلها تبدو أكثر واقعية، وهو ما سماه "العالم كمعرض"، إذ يسعى الغرب إلى تكوين صور للعالم تبدو نسخا دقيقة للواقع.
مواجهة مع الحداثةويشير ميتشل إلى أن الاستعمار في مصر لم يكن احتلالا مباشرا حتى ثمانينيات القرن الـ19، لكنه كان مواجهة شاملة مع الحداثة الغربية، وأن المصريين لم يتقبلوا المصطلحات والمفاهيم التي جاء بها الأوروبيون، والتي لم تتناسب مع طرق عيشهم وترتيب حياتهم.
وبشأن تقييمه حقبة محمد علي باشا، يرى ميتشل أنها مثلت نوعا جديدا من الحكم القائم على القوة العسكرية، ومحاولة لتحويل البلاد زراعيا وعسكريا، لكنها واجهت حدودا بسبب طبيعة القوة العسكرية المفرطة التي مورست على السكان.
وفي سياق حديثه عن الأثر الاقتصادي لتلك الحقبة، أوضح ميتشل أن التحول الاقتصادي في مصر ارتبط بإنتاج وتصدير القطن إلى أوروبا، واندماج مصر في اقتصاد عالمي تهيمن عليه أوروبا، لكنه يرى أن بعض جوانب هذه القصة أسيء فهمها من منظور بريطاني.
ويضيف أن البريطانيين عندما وصلوا إلى مصر في ثمانينيات القرن الـ19 اعتبروا نظام الري المصري فاشلا، وغيّروه جذريا ببناء السد المنخفض في أسوان، وهو ما صوره البريطانيون على أنه تحول في إمكانيات البلاد، في حين يراه ميتشل تدميرا لنهر النيل.
ويشير ميتشل إلى أن الهيمنة الغربية على مصر لم تقتصر على الاحتلال العسكري، بل شملت الجانب المالي بوصول المصرفيين الذين أغرقوا الحكومة المصرية بالديون لتمويل مشروعات التنمية، وهو ما أدى لاحقا إلى الاحتلال البريطاني.
إعلانويرى ميتشل أن مصر كانت لديها فرصة لاتباع مسار مختلف في بناء دولتها واقتصادها، مشيرا إلى أن نظام الزراعة الذي تطور في القرن الـ19 كان يعتمد على التنوع الزراعي والمحاصيل الغذائية بدلا من مجرد القطن للتصدير، لكن قوة التمويل الأوروبي حالت دون ذلك.
خبراء غير موضوعيينويؤكد ميتشل أن الخبراء الدوليين ليسوا موضوعيين، وأن كل خطة علمية يقدمونها ليست إلا تطبيقا لأجندة سياسية اقتصادية معينة، مشيرا إلى أن خطاب الخبراء يقوم على انتقاد الدول النامية ووصفها بالرجعية، وتحميل ثقافتها أسباب الفشل الاقتصادي والسياسي.
وينتقد ميتشل التعالي الذي مارسه البريطانيون والأميركيون في تعاملهم مع مصر وكأنهم يمتلكون المعرفة الكاملة، في حين فشلوا في كثير من المجالات، ويرى أن هذا الفشل لم يكن دائما بسبب عدم امتلاك المعرفة، بل بسبب عدم الجدية في نقل المعرفة الحقيقية.
ويشير ميتشل إلى مفهوم "جغرافيا الحداثة"، ويرى أن الحداثة ليست منتجا غربيا خالصا، بل هي نتاج مشترك، وأن النظرة المعيارية التي تحصر الحداثة في الغرب خاطئة، مؤكدا أن الحداثة تبدو مختلفة تماما عند قراءة تجارب أولئك الذين كانوا في طرف المتلقي لها.
وينتقد ميتشل التفسير الثقافي والاقتصادي لمشكلة الديمقراطية في العالم العربي، ويرى أن الديمقراطية تنبع من القدرة على قول "لا"، وأن النفط يصعّب هذه القدرة مقارنة بالفحم الذي مكن العمال في القرن الـ19 من رفض السلطة والمطالبة بحقوقهم.
ويوضح أن النفط يختلف عن الفحم في كونه سائلا يسهل نقله وشحنه، مما يصعب على العمال استخدامه سلاحا سياسيا، مشيرا إلى أن مشاكل النفط للديمقراطية لا تقتصر على العالم العربي، بل تمتد إلى الغرب، إذ أدى توفر النفط إلى إضعاف قوى الديمقراطية.
وبشأن التحديات التي تواجه الديمقراطية اليوم، يرى ميتشل أن صعود أشكال السياسة الشعبوية هو أحد التهديدات، مشيرا إلى تراجع حرية الصحافة في بريطانيا وتآكل الجانب الديمقراطي في المؤسسات، بما في ذلك الجامعات.
إعلانويختتم ميتشل حديثه بالتمييز بين النموذجين الاستعماريين الأوروبي والأميركي، موضحا أن أميركا لم تضطر إلى تطوير قوتها الإمبريالية عبر الاحتلال الاستعماري المباشر، بل اعتمدت على أساليب أخرى، مثل القوة العسكرية والاقتصادية والثقافية.
20/4/2025