لودريان آتٍ بـمبادرة ما بعد غزة...
تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT
كتب طارق ترشيشي في" الجمهورية": الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان قريباً الى لبنان في ختام جولة له إلى المنطقة، آتياً في مهمّة مزدوجة: نقل رسالة فرنسية تشدّد على عدم توسّع الحرب الى لبنان والمنطقة، ومعاودة تحريك ملف الاستحقاق الرئاسي اللبناني الذي تتعاون فرنسا فيه مع بقية المجموعة الخماسية العربية ـ الدولية.
يهدف التحرّك الفرنسي المتجدّد، حسب مصدر ديبلوماسي اوروبي، الى منع توسّع رقعة الحرب وعدم انجرار لبنان الى التصعيد، ولهذا فإنّ فرنسا عبر ديبلوماسيتها، تبعث برسائل الى مختلف الاطراف اللبنانية والى اسرائيل، وهذه الرسائل مرتبطة ايضاً بوضع المؤسسات، لأنّ الاوضاع بلغت مرحلة باتت تُطرح فيها «مسألة اليوم التالي»، فالحرب في غزة لا بدّ من معالجتها، فيما جنوب لبنان بات في حالة حرب، وبات من المفيد ان يتمّ الحديث عن اليوم التالي، فالهدنة قد تفتح نافذة للتنفّس، ولذا المطلوب ان يُعالج الوضع في الجنوب، وهذه المعالجة ستحصل مع لبنان او من دونه، ولكن من الأفضل ان تحصل مع لبنان وفق ما ترى فرنسا، ولأجل ذلك يجب إيجاد سلطات لبنانية تتحمّل المسؤولية، فعدم وجود رئيس جمهورية يشّكل عائقاً للبحث في اوضاع الجنوب وتنفيذ القرار 1701، ولذلك يجب ان تقوم المؤسسات اللبنانية بعملها الطبيعي، وانّ المزيد من الانتظار في سبيل حسابات داخلية لن يكون مجدياً، وانّ هدف فرنسا هو ان يتمكّن لبنان من الحصول على شيء ايجابي مما حصل، وهي تأمل في هذا، ولكنها ترى انّ ما من شيء مضموناً لأنّ الوضع يمكن ان يتدهور، وهناك خطر اندلاع حرب اقليمية، الاحتمال الآن اقل، ولكن لا يمكن إسقاطه من الحسبان.
ويؤكّد المصدر الديبلوماسي انّ لودريان آتٍ الى لبنان في ختام جولة له في المنطقة. فالموقف الفرنسي من الاستحقاق الرئاسي تعرّض لانتقادات كثيرة خصوصاً لجهة ما يتعلق بمعادلة رئاسية، لأنّ الفكرة كانت ترتكز على معادلة تضمن انتخاب رئيس جمهورية ووصول رئيس للحكومة يطبّق الاصلاحات المطلوبة للبنان، ولكن البعض صوّر فرنسا على انّها تتحدث عن شخص واحد على الرغم من انّه لم يكن هذا موقفها، فهي لم تدعم شخصاً وانما دعمت معادلة معينة، الّا انّ البعض أظهر المفهوم الفرنسي لهذه المعادلة بنحو مغاير يناسبهم هم ولا يناسب فرنسا ولبنان.
ولا يخفي المصدر الديبلوماسي انّ المعطيات التي لدى فرنسا تشير الى انّ لبنان يقف على شفير الهاوية، وانّ الوقت حان للقول للبنانيين انّ عليهم التقدّم والمبادرة، فالوضع لا يزال مثيراً للقلق ولا تزال باريس تلاحظ انّ هناك حسابات سياسية لدى البعض تعطّل الحلول، وانّ لودريان يعي صعوبة الوضع، ولكن ما زال لدى فرنسا كل العزم لمساعدة لبنان على الخروج من الازمة، وتعتبر انّ التقليل من دورها انما هو تقليل من دور لبنان، وانّ التشكيك في التزامها تجاهه لا يخدمه.
وحيال ما يُقال عن تعرّض شركة «توتال اينرجيز» لضغوط اميركية وغيرها تمنعها من اعلان حقيقة نتائج الحفر للعثورعلى النفط والغاز في الحقول اللبنانية بكميات تجارية، يقول المصدر الديبلوماسي «انّ «توتال» هي شركة خاصة لا تتلقّى تعليمات لا من فرنسا ولا من اميركا، وهي شركة عالمية لها استراتيجيتها الخاصة وصاحبها لبناني من آل سعادة، وانّها لا تزال تنتظر نتائج عمليات التثبت من وجود الغاز في البلوك 9، فيما هي مهتمة لمواصلة العمل في البلوكين 8 و 10، فالمسألة ليست مسألة «توتال» وانما هي ماذا يتوقع لبنان، فهناك مشكلات سياسية كبيرة، وكميات الغاز الموجودة لم يثبت بعد انّها كميات تجارية، ولذلك سيكون هناك استكمال للحفر للعثور على مثل هذه الكميات، والوضع في هذا السياق امام ثلاثة احتمالات:
- اما عدم وجود غاز.
- إما موجود بكميات يجب التأكّد من امكانية ان تكون كافية للتجارة.
- إما وجود آبار كبيرة، وهذا احتمال ضئيل.
ويقول المصدر الديبلوماسي «انّ الاحتمال الأقرب هو الاحتمال الثاني، وهذا يعني انّ ثروة الغاز لن تحلّ كل مشكلات لبنان، وبالتالي فإنّ الانتظار ليس مفيداً لأنّ ليس هناك كميات من الغاز تجعل من لبنان بلداً غنياً».
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
سباق الإعمار في ليبيا.. مبهج ولكن!
جيد أن يتحول إشباع رغبة تعظيم النفوذ والوصول للسلطة من استخدام القوة وإشعال الحروب إلى إبهار الناس وكسب المؤيدين عبر مشاريع "الإعمار" والاحتفالات وإطلاق الألعاب النارية ابتهاجا بها، وجميل أن تشهد البلاد تنفيذ مشروعات غربا وشرقا، ويحل البناء والتشييد محل الهدم والدمار، وإني لا أجد غضاضة في أن يكون لبنغازي ملعب حديث أو في طرابلس طريق دائري ثالث طويل، بل هما إضافة، ولكن!
ينبغي أن لا يجرنا الابتهاج بالمشروعات الجديدة بعيدا عن التقدير الصائب للأمور والفهم الصحيح لعملية التنمية الشاملة، وسيكون نوعا من التضليل الإصرار على إطلاق مسمى الإعمار على ما نراه من مشروعات.
ينبغي أن يقوم الإعمار على أرضية صلبة مستقرة، وأن يتأسس وفق منهجية صحيحة، فالإعمار له شروطه ومرتكزاته، ولك أن تكتب أخي القارئ عبارة "مفهوم الإعمار" في محرك البحث "غوغل" لتطلع على بعض ما أعنيه، فالإعمار مقاربة لها أسسها وغاياتها، لا تنفك عن التخطيط السليم المقترن بدراسات معمقة تأخذ في الاعتبار المعطيات الجغرافية والديمغرافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى التاريخية بمدلولها الواسع والإيجابي.
الإعمار مقاربة لها أسسها وغاياتها، لا تنفك عن التخطيط السليم المقترن بدراسات معمقة تأخذ في الاعتبار المعطيات الجغرافية والديمغرافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى التاريخية بمدلولها الواسع والإيجابي.الاتجاه غير المطمئن في ما نشهده من مشروعات تنموية هو أنه لا يقع ضمن تحول شامل يأخذ في الاعتبار كل الإشكاليات القائمة والتحديات الحاضرة، وأنه يتحرك بدوافع تعلو فيها السياسة على المصلحة العامة، أو يختلطان بشكل لا يحقق المرجو في نهاية المطاف.
هناك قرى وأحياء في بعض مناطق الجنوب، على سبيل المثال، تفتقر إلى أبسط أساسيات العيش وتواجه ظروفا حياتية بائسة، لكنها خارج دائرة الاهتمام، والسبب ليس فقط أمني أو لوجستي، بل أيضا لأنها تتطلب جهدا ووقتا في مقابل مردود قليل بالحساب السياسي، ذلك أن الجنوب لا يمثل في ميزان التنافس ثقلا كما يمثل الغرب والشرق، والتمييز يظهر حتى بين مدن الغرب والشرق، فما تحظى به المدن الكبرى لا يتوفر لتلك الأقل في عدد السكان والوزن السياسي والاقتصادي.
ويظهر على تنفيذ المشروعات الاستعجال كما تغيب اشتراطات مهمة في التعاقدات الأمر الذي ينتهي بها إلى نتائج غير إيجابية على صعيد التكلفة والجودة، دع عنك الفساد الذي يعشش عندما تتعطل أو تتعثر الدورة الصحيحة للتعاقد والتنفيذ والتقويم.
هناك أيضا مشكلة الاستنساخ الأعمى والانغماس في البهرج على حساب المضون، والاحتفاء بالمظهر أكثر من الغاية والهدف، وهي آفة لن تتسبب في هدر الاموال فحسب، بل تفسد العقول وتجعلها أسيرة ما تراه حولها من تكلف زائد وترف مفسد.
إن من أخطر ما يواجه البلدان التي مرت بفترات تخلف على مستوى الإدارة العامة، وواجهت ازمات سياسية وأمنية كشفت عوار التخلف، أنها تُدفع إلى مسارات بعيدة عن المأسسة والمؤسساتية، وما نراه من توجهات قائمة يؤكد هذا الافتراض، ولو أن مشروعات وبرامج وطنية كبرى من مثل الدستور ونظام الحكم والمؤسسات الفاعلة وسيادة القانون ومجابهة الفساد والإصلاح الاقتصادي القائم على رؤية استراتيجية وتطوير قطاعي التعليم والصحة لقيت احتفاء واهتماما من المسؤولين وكانت مطلبا أساسيا يتحرك لأجله الجموع، لتحقق الإعمار بمفهومه الصحيح، وما يقلقني أننا بالترتيب الخاطئ للمسارات والغفلة عن الأولويات نكون كمن يبني على "شفا جرف هار"، قد يأتي على ما أنجز في أول هزة لا سامح الله.
إننا مجتمع عانى من الحرمان وعايش أوقاتا وظروفا صعبة جدا ومُورس عليه التجهيل وتزييف الوعي فانحرفت عنده المفاهيم، وعندما تضيف إلى ما سبق سلوك طابور المتعاقبين على كرسي السلطة الذين يفسدون ولا يصلحون وياخذون ولا يعطون ينتهي الحال بالمواطن إلى تقديس المسؤول الذي يقدم له خدمة أو يحقق له مصلحة أو تنفذ على يديه بعض المشروعات، وهي من المترض حقوق ملزم من تولى أمرهم بها، لا يقابلها بالضرورة مدح ولا تهليل.
الاتجاه غير المطمئن في ما نشهده من مشروعات تنموية هو أنه لا يقع ضمن تحول شامل يأخذ في الاعتبار كل الإشكاليات القائمة والتحديات الحاضرة، وأنه يتحرك بدوافع تعلو فيها السياسة على المصلحة العامة، أو يختلطان بشكل لا يحقق المرجو في نهاية المطاف.الإعمار الحقيقي يهتم بالإنسان باعتباره مرتكز التغيير وأداة التطوير ومحرك الإصلاح، ويلاحظ المتابع المدقق أن عقول وتفكير المعنيين بمشروعات التنفيذية مرتهنة إلى "الأسمنت والحديد" ومظاهر التجميل المكملة، ولم استمع إلى حديث رصين عن قيمة الإنسان في التنمية والإعمار، وطرح جاد عن سمات وخصائص العنصر البشري الفعال، التي يفتقرها إليها شريحة واسعة من الليبيين، وكيفية غرسها فيهم عبر خطط قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل، وهذا كافي للحكم بأننا مانزال تائهون عن الإعمار.
فلنفرح بملاعب القدم والطرق والكباري وغيرها من مشاريع البناء، لكن لا نتوقف عندها لتكون بالنسبة لنا هي معيار التقدم والازدهار، ولنبتهج بالزينة والأفراح، على أن لا تكون نهاية المطاف عندنا، ولنعي أنه ما لم تستقم القاطرة على سكة البناء المؤسسي بمفهومه الواسع والدقيق، ويكون المواطن الليبي الواعي والمسؤول والمدرب والمبادر هوي الغاية الأولى في مشروعاتنا وبرامجنا فنحن لا نسير في خط مستقيم صوب الاستقرار والإعمار.