كيف يستغل سكان غزة الهدنة المؤقتة؟
تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT
غزة- كانت زيارة أهلها بالنسبة لها أولوية فور دخول اتفاق الهدنة المؤقتة حيز التنفيذ، فمنذ شهرين لم تتمكن تغريد الخطيب من الوصول إليهم في مخيم الشابورة للاجئين بمدينة رفح جنوب قطاع غزة، وهي التي تسكن حي تل السلطان، وتبعد عنهم مسافة 10 دقائق بالسيارة فقط.
وحولت الحرب الإسرائيلية الضارية المسافات إلى "شواخص موت"، حيث تتربص آلة القتل بكل متحرك، وتركت أثرها القاتل والمدمر على كل متر مربع في القطاع الساحلي الصغير.
تقول تغريد للجزيرة نت "الحرب باعدت المسافات بيننا، وفرقت بين الأهل والأحبة بالقتل وبالتدمير، وباستهداف خدمات الاتصالات والإنترنت، وجعلت حياتنا بائسة، يسيطر علينا القلق ويقتلنا ببطء، كما تقتلنا الصواريخ فرادى وجماعات".
يخشى الغزيون من حرب أشد دموية بعد انتهاء أيام الهدنة المؤقتة (الجزيرة) لقاء بعد غياب قسريواستغل الغزيون الهدنة المؤقتة لاستعادة حياتهم الروتينية ولو جزئيا، رغم تداعيات الحرب الدموية المدمرة التي تركت آثارها الثقيلة في كل منزل وشارع وحارة.
كانت الهدنة المؤقتة فرصة لتغريد لزيارة أهلها، وهو حال كثيرين استغلوا الهدنة للتزاور وتفقد أحوال الأهل والأحباب، فيما انشغل آخرون بأمور أخرى كتفقّد الجرحى وقبور الشهداء، ودفن الكثيرين منهم بصورة "طبيعية" بدلا من قبورهم الطارئة تحت أنقاض منازلهم، والتزود باحتياجات تحسبا لتجدد الحرب، حيث يعتقدون أنها ستكون أشد عنفا بعد انتهاء أيام الهدنة الأربعة.
وبصبر وترقب كبيرين، انتظرت تغريد أول خيوط نهار أول أمس الجمعة، عندما دخلت الهدنة حيز التنفيذ عند السابعة صباحا، فحملت طفليها لزيارة أهلها، لكنها اصطدمت بأزمة العثور على سيارة أجرة، حيث إنها نادرة التواجد في شوارع القطاع منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، جراء مخاطر الحركة أو لنفاد الوقود.
وبعد طول انتظار يقترب من الساعة على قارعة الطريق، حالفها الحظ بسيارة قديمة، تغلب أصحابها على أزمة الوقود باستخدام زيت الطعام كبديل طارئ، تسبب في تلوث هائل وروائح كريهة.
كان لقاء تغريد وطفليها دلال (6 أعوام) ومحمود (3 أعوام) بعائلتها حارا بحسب وصفها، وكأنها عادت لتوها من رحلة سفر طويلة، فهي لم تتمكن خلال 49 يوما من الحرب من الاتصال بهم سوى مرتين أو ثلاثة، وشعرت في أحد أيامها بقلق أفقدها القدرة على النوم، بعدما علمت بقصف منزل مجاور لهم في الأسبوع الخامس من الحرب، ألحق أضرارا مادية بمنزل ذوي تغريد، لكنها لم تستطع الاطمئنان عليهم.
تقول تغريد، وهي معلمة أربعينية عايشت كل الحروب الإسرائيلية على غزة منذ العام 2008، إن "هذه الحرب مغايرة ومختلفة بكل تفاصيلها، وبمستوى الجرائم غير المسبوق. كل يوم نُصدم بأنها خطفت أرواح أقارب وأصدقاء، ولم تمنحنا مجرد فرصة لوداعهم".
الهدنة أتاحت فرصة لانتشال شهداء عالقين تحت أنقاض المنازل والمباني السكنية المدمرة (الجزيرة) نوم بلا ضجيج وانفجاراتكانت تغريد في شوق للولائم المعتادة لإكرام الزوار والضيوف، لكن هذا لم يعد متاحا بسبب شح الأسواق والمحال التجارية من السلع والمواد الغذائية، فشاركت والدتها في إعداد الباذنجان والبطاطا المقلية مع صحن السلطة الغزاوية الحارة، وهي أكلة الطفولة المفضلة لديها.
وبالنسبة للابنة فإن أي طعام مهما كان بسيطا، سيكون وليمة لذيذة برفقة الأهل والأحبة، إذا توافرت أجواء الألفة والمحبة والهدوء، بعيدا عن ضجيج الطائرات ورعب الانفجارات.
وبعد ضجيج المقاتلات الحربية الإسرائيلية والطائرات المسيرة التي لم تفارق أجواء القطاع على مدار الساعة، خاصة خلال في الليل، قضى الغزيون أكثر ليلة هادئة لم تعكرها غارة هنا أو هناك، ولم تنخر رؤوسهم أصوات المسيّرات (التي تسمى شعبيا الزنانة)، لما تحدثه من أصوات صاخبة ومتصلة تبث الرعب في الأرجاء.
يقول سعد صلاح للجزيرة نت، إنها أكثر ليلة ينام فيها نوما متصلا، دون أن ينتفض فزعا من غارة جوية أو قصف مدفعي، جعلت ليل الغزيين يتساوى مع نهارهم، بانفجارات لا تتوقف إلا قليلا.
استيقظ صلاح صباح يوم الهدنة، ليتابع حركة معبر رفح البري مع مصر، المنفذ الوحيد حاليا لدخول شاحنات المساعدات والوقود، من أجل التزود باحتياجات أساسية لأسرته المكونة من 6 أفراد، من المواد الغذائية والوقود وغاز الطهي، بعد أن اعتاشوا منذ عدة أسابيع على الزعتر وزيت الزيتون والقليل من الأغذية المعلبة، وحيث نفد غاز الطهي من منزله، وشحت السلع والمواد الغذائية في الأسواق، وتضاعفت الأسعار.
وتشرف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني على تسلم شاحنات المساعدات والوقود، بما فيهت غاز الطهي، الذي تسمح سلطات الاحتلال بتوريده لأول مرة منذ فرضها حصارا مطبقا على القطاع تزامنا مع الحرب.
الهدنة أعادت الحياة جزئيا لميدان النجمة أشهر معالم مدينة رفح جنوب قطاع غزة (الجزيرة) عودة الحياة ولو مؤقتاوأصبحت الهدنة فرصة لتمكين فرق الإسعاف والدفاع المدني من انتشال شهداء ظلوا عالقين تحت أنقاض منازلهم المدمرة، سواء بسبب مخاطر العمل في ظل كثافة النيران، أو لقلة الإمكانيات والضغط الشديد جراء الغارات المتتالية.
ففي مدينة رفح، انتشلت هذه الفرق جثمان الشهيد يوسف رائد أبو مذكور، بعدما ظلت جثته عالقة تحت أنقاض منزل أسرته الذي دمرته غارة جوية إسرائيلية في اليوم الثالث من الحرب.
وعادت الحياة لـ "ميدان النجمة" أحد أشهر معالم هذه المدينة الواقعة أقصى جنوب القطاع على الحدود مع مصر، بعدما اختفت منه طوال أيام الحرب، خاصة مع ساعات المساء، مشاهد لمجموعات متناثرة ومتجاورة لشبان يشربون القهوة التي نفدت أيضا من الأسواق والمحال التجارية منذ نحو 3 أسابيع، وشهدت أسعار الكمية الشحيحة منها لدى بعض المحال ارتفاعا هائلا.
وأسهمت عودة الاتصالات -لحد ما- في مناطق جنوب القطاع إلى انتعاش التواصل بين أهالي القطاع والخارج. وانتعشت الحركة في الشوارع، وكان لافتا رؤية الناس يتبادلون العناق والتهاني بالسلامة و"النجاة المؤقتة"، حسبما وصفها عدنان أبو حجر للجزيرة نت.
وقال هذا اللاجئ الأربعيني "نجونا مرة أخرى، وسنبقى نتمسك بالأمل وبحقنا في حياة أفضل".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الهدنة المؤقتة تحت أنقاض
إقرأ أيضاً:
آخر تطورات صفقة الأسرى ووقف الحرب في غزة.. عاجل
عواصم - رويترز
أشار مسؤولون فلسطينيون وإسرائيليون اليوم الاثنين إلى تقلص بعض الفجوات بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) بشأن إمكانية وقف إطلاق النار في قطاع غزة، لكن دون التوصل إلى حل لنقاط خلاف حاسمة.
واكتسبت محاولة جديدة للوساطة من جانب مصر وقطر والولايات المتحدة لإنهاء القتال وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين والأجانب زخما هذا الشهر، ومع ذلك لم يتم الإعلان عن أي تقدم حتى الآن.
وقال مسؤول فلسطيني مطلع على المحادثات إنه في حين تم حل بعض النقاط العالقة، لم يتم الاتفاق بعد على هوية بعض المعتقلين الفلسطينيين الذين ستفرج عنهم إسرائيل مقابل إطلاق سراح رهائن محتجزين لدى حماس، وكذلك لم يتم الاتفاق بشأن تفاصيل النشر الدقيق لقوات إسرائيلية في غزة.
وجاء ما قاله المسؤول الفلسطيني متوافقا مع تصريحات وزير الشتات الإسرائيلي عميحاي شيكلي الذي قال إن القضيتين لا تزالان قيد التفاوض. ومع ذلك قال شيكلي إن الجانبين أقرب إلى التوصل إلى اتفاق مما كانا عليه قبل أشهر.
وقال شيكلي لهيئة البث العامة الإسرائيلية (راديو كان) "يمكن أن يستمر وقف إطلاق النار هذه المرة ستة أشهر أو يمكن أن يستمر عشر سنوات، وهذا يعتمد على التحركات التي ستتم على الأرض". وأضاف أن الكثير يتوقف على السلطات التي ستدير غزة وتعيد تأهيل القطاع بمجرد توقف القتال.
وشكلت مدة وقف إطلاق النار نقطة خلاف أساسية خلال عدة جولات من المفاوضات غير المثمرة. وتريد حماس إنهاء الحرب، في حين تريد إسرائيل إنهاء إدارة حماس لقطاع غزة أولا.
وقال المسؤول الفلسطيني إن "مسألة إنهاء الحرب تماما لم يتم حلها بعد".
وقال زئيف إلكين، عضو مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لإذاعة الجيش إن الهدف هو إيجاد إطار متفق عليه من شأنه حل نقاط الخلاف خلال مرحلة ثانية من اتفاق وقف إطلاق النار.
وأشار الوزير شيكلي إلى أن المرحلة الأولى ستكون مرحلة إنسانية تستمر 42 يوما وتتضمن إطلاق سراح رهائن.
* مستشفى
أطلقت إسرائيل حملة عسكرية على غزة ردا على هجوم شنته حماس عليها في السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023 وأسفر وفقا لإحصاءات إسرائيلية عن مقتل 1200 شخص واحتجاز 251 رهينة.
وتقول وزارة الصحة في القطاع إن أكثر من 45300 فلسطيني قتلوا في الحملة الإسرائيلية منذ ذلك الحين. كما نزح معظم سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، وتحول جزء كبير من القطاع إلى أنقاض.
وقال مسعفون إن 11 فلسطينيا على الأقل قتلوا في غارات إسرائيلية اليوم الاثنين.
ويسعى أحد المستشفيات القليلة التي لا تزال تعمل جزئيا في شمال القطاع، وهي منطقة تتعرض لضغوط عسكرية إسرائيلية مكثفة منذ ما يقرب من ثلاثة أشهر، إلى الحصول على مساعدة عاجلة بعدما أصابته النيران الإسرائيلية.
وقال حسام أبو صفية مدير مستشفى كمال عدوان "نواجه تهديدا مستمرا يوميا... القصف مستمر من جميع الاتجاهات، مما يؤثر على المبنى والأقسام والموظفين". وجدد أبو صفية مطالبة المجتمع الدولي بتوفير الحماية والمساعدة الإنسانية.
ولم يدل الجيش الإسرائيلي بتعليق بعد. وقال أمس الأحد إنه يزود المستشفى بالوقود والغذاء ويساعد في إجلاء بعض المرضى والموظفين إلى مناطق أكثر أمانا.
ويتهم الفلسطينيون إسرائيل بالسعي إلى إخلاء شمال غزة من السكان بشكل دائم لإنشاء منطقة عازلة، وهو ما تنفيه إسرائيل.
وتقول إسرائيل إن عملياتها عند المناطق السكنية الثلاث في الطرف الشمالي لغزة، وهي بيت لاهيا وبيت حانون وجباليا، لاستهداف مسلحي حماس.
وقال توم فليتشر منسق المساعدات الإنسانية بالأمم المتحدة اليوم الاثنين إن القوات الإسرائيلية تعيق جهود توصيل المساعدات الضرورية إلى شمال غزة.
وأضاف "شمال غزة يخضع لحصار شبه كامل منذ أكثر من شهرين، مما يثير شبح المجاعة... وجنوب غزة مكتظ جدا بالسكان مما يجعل الظروف المعيشية مروعة والاحتياجات الإنسانية أكبر مع حلول فصل الشتاء".