أسرى فلسطين الفتيان: تخشيب لا يقرأ بالمقلوب
تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT
لم يكن مفاجئاً، إلا عند الجهلة والمتجاهلين عن سابق قصد، أنّ أعمار الفتيات والفتيان الفلسطينيين الذين أفرج عنهم الاحتلال، بموجب الدفعة الأولى من صفقة التبادل مع المقاومة الفلسطينية، كانت فتية حقاً، شابة أو حتى يانعة غضّة كما يصحّ القول. معطيات نادي الأسير الفلسطيني تقول إنّ 250، من أصل 7.200 أسير، هم في أعمار تقلّ عن 17 سنة؛ وتقول، أيضاً، إنّ 26 قاصراً هم اليوم قيد السجن الإداري، أي لا تهمة ولا محاكمة.
ولن يكون جديداً التذكير بالمسارات التي حكمت علاقة الأسير الفلسطيني عموماً، والأسير الفتى خصوصاً، بالقضاء الإسرائيلي؛ وأنّ المتغيرات الجوهرية التي طرأت عليها لم تكن تدور حول المحاكم والقضاة والمحامين والأسرى، بقدر ما عكست تحوّلات الكيان الصهيوني ذاته: من «دولة» تزعم الركون إلى المؤسسات وسلطة القانون، إلى كتلة منظومات استيطانية وعنصرية وعسكرية وميليشياتية، توجّب أن تضع القضاء على رفوف شتى؛ أحدث فصولها مسعى الائتلاف الحاكم اليوم إلى ردّ المحكمة العليا إلى حيث ابتدأت خرافاتها أصلاً، أي إلى مزابل تاريخ الكيان.
كما أنّ للاحتلال الإسرائيلي تواريخه المفصلة مع كلّ شريحة في المجتمع الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال، عُمرية كانت أم طبقية أم سياسية أم مناطقية؛ فإنّ تاريخ الفتيات والفتيان الفلسطينيين يتسم بخصوصية لافتة
وكما أنّ للاحتلال الإسرائيلي تواريخه المفصلة مع كلّ شريحة في المجتمع الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال، عُمرية كانت أم طبقية أم سياسية أم مناطقية؛ فإنّ تاريخ الفتيات والفتيان الفلسطينيين يتسم بخصوصية لافتة، حتى إذا لم تكن فريدة أو منفردة. وأقرب تجلياتها ذلك الخطاب (التلقائي والعفوي، ولكن الطافح بالمغزى والصلابة والأمثولة) الذي سار على ألسنة الأسيرات الفتيات والأسرى الفتيان فور مغادرتهم حافلات الأسر في بيتونيا وفي القدس المحتلة؛ بمعزل عن السلوكيات غير المفاجئة، ابتداء من المسارعة إلى تقبيل يد الأمّ إلى السجود ولثم أرض فلسطين.
وكان المحامي الفلسطيني وليد الفاهوم، في كتابه البديع «ولا بدّ للقيد أن ينكسر»، 1979، قد توقف عند تفصيل إنساني، تربوي وثقافي في آن معاً؛ هو ابتكار تلامذة فلسطين طريقة في القراءة قد لا تتوفر في أيّ مكان آخر باستثناء فلسطين المحتلة: القراءة بالمقلوب. لأنّ الكتب المدرسية كانت نادرة والأحوال المعيشية لا تسمح لكلّ طالب بترف اقتناء كتاب مدرسي خاصّ به وحده، يتناوب أكثر من تلميذ على استخدام النسخة ذاتها، فيجلس واحدهم مقابل الآخر ويكون الكتاب بينهما، فيقرأ الأوّل بصورة طبيعية ويقرأ الثاني بالمقلوب!
محام فلسطيني آخر، حنا نقارة، عُرف عنه «تكنيك» خاصّ في تصليب الأسير الفلسطيني، داخل قاعة المحكمة وعلى نحو ظلّ يصيب قضاة الاحتلال بالحيرة إزاء المفعول السحري لكلمة واحدة يهمس بها في أذن موكّله: «خشّبْ!»؛ أي، لا تتنازل ولا تتراجع عن عنادك، الأمر الذي كان يسفر غالباً عن «تخشيب» في الكلام وفي لغة الجسد معاً، كان يدهش نقارة نفسه. من جانبها دأبت فلتسيا لانغر، المحامية الإسرائيلية صديقة السجناء الفلسطينيين، على اقتباس عبارة نطق بها أسير فلسطيني فتى: «أنا من الدهيشة، وقد جعلنا الاحتلال نبرز على الخريطة وكأننا مدينة وليس مخيماً للاجئين».
وإذا جاز القول بأنّ «التخشيب» يواصل رسوخه في نفوس الأسرى الفلسطينيين، فالأرجح أنّ قراءة هؤلاء لـ 75 سنة من لهاث دولة الاحتلال نحو وراثة الأبارتيد، أو إعادة إنتاجه على النحو الأسوأ والأبشع، لم تكن بالمقلوب في أيّ يوم؛ لاعتبار جوهري أوّل هو أنّ أبجدية الفلسطيني اليومية لا يعقل أن تغلق القراءة عن الممارسات الفاشية في الاغتيال والاعتقال وتخريب العمران وهدم البيوت ومصادرة الأراضي واقتلاع أشجار الزيتون وإحراق القرى وتصريف مجاري المستوطنين في الأراضي والحقول الفلسطينية.
اعتبار آخر، حفظه التاريخ على الدوام، مفاده أنّ جرائم أيّ احتلال هي في الآن ذاته تواريخ مقاومة، وهذه الأخيرة لا تتجلى كواحدة من أعراض الإخضاع والاقتلاع والتنكيل فقط، بل ترسّخ مفاعيلها كعلامات أصيلة وأصلية، عند فلسطيني يُحسن القراءة، حتى بالمقلوب؛ كما أجاد ويجيد «التخشيب».
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطينيين الاحتلال فلسطين الاحتلال مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
أسرى محررون يتحدثون للجزيرة
تحدث أسرى محررون إلى الجزيرة بعد قليل من وصولهم إلى منازلهم ليل الأحد/الاثنين تنفيذا للمرحلة الأولى من صفقة تبادل الأسرى التي أبرمتها حركة حماس وإسرائيل.
وركز المتحدثون على ما عاشوه من أوضاع صعبة في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
الأسير المحرر آدم هدرة أوضح للجزيرة أن الاحتلال الإسرائيلي اعتقله من منزله مشيرا إلى أن فترة السجن كانت قاسية.
واستعرض هدرة عددا من جوانب سوء المعاملة في سجون الاحتلال وفي مقدمتها الإهمال الطبي والحرمان من الدواء، مؤكدا أن ذلك شمل حتى المسنين من الأسرى.
وصول الأسير المحرر آدم الهدرة إلى منزله في الطور بالقدس الشرقية#الأخبار #حرب_غزة pic.twitter.com/vCHLacsnMa
— قناة الجزيرة (@AJArabic) January 19, 2025
أوضاع صعبةوبدورها، أوضحت الأسيرة المحررة سماح حجاوي للجزيرة أنها كانت معتقلة للمرة الثانية وعانت خلالها من شتى صنوف التعذيب والاضطهاد.
كما تحدثت حجاوي عن أوضاع صعبة عايشتها للعديد من الأسيرات خصوصا بسبب المرض والإهمال الطبي.
أما الأسيرة المحررة شيماء عمر رمضان فأوضحت للجزيرة أنها قضت في سجون الاحتلال 6 شهور، ولم تكن فترة محكوميتها قد تقررت بعد.
وكشفت شيماء عن أنها لم تتأكد من كونها ضمن قائمة الدفعة الأولى من الأسرى المحررين إلا قبل ساعات من الإفراج عنها.
إعلانمن جانبها، قالت شقيقة الأسيرة المحررة الصحفية رولا حسنين للجزيرة، إن شقيقتها تعاني إنهاكا شديدا تطلب نقلها للعلاج بعد الإفراج عنها، وذلك لأنها عانت من إهمال طبي في السجن انعكس بشكل سلبي على صحتها.