كيف نعيش «السعادة المستدامة»؟
تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT
شريف عرفة (أبوظبي)
من كان يصدق أن التقدم الصناعي الذي يهدف إلى تسهيل حياة الإنسان، سيكون له تأثير ضار على سعادته وصحته النفسية؟
كثيراً ما حذر الباحثون من خطورة الاعتماد على المؤشرات الاقتصادية مثل الناتج المحلي الإجمالي، كمقياس وحيد لتقدم المجتمعات.. فالمؤشرات الاجتماعية مثل الرضا عن الحياة ورأس المال الاجتماعي تحكي قصة مختلفة.
لكن العقود الماضية، ساد منظور أناني فردي للسعادة أدى لاستنزاف الكوب وعدم الاكتراث بالعواقب التي تتجاوز عمر الفرد نفسه، تقول الباحثة: ساهم سعينا لتحقيق السعادة في مسار غير مستدام أدى إلى فشل بيئي هائل ومعاناة إنسانية هائلة. لذا يمكن لأبحاث السعادة أن تشجع رؤية أوسع تربط مفهوم السعادة بمعان أكبر كالاستدامة. والتعريف الشهير للتنمية المستدامة بأنها «التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها الخاصة».
هناك تحديان رئيسان لجهود الاستدامة. الأول هو النموذج الذي عفا عليه الزمن والقائل بأن النمو الاقتصادي يساوي التنمية (والذي يميل إلى التغاضي عن التكاليف البيئية للتنمية التقليدية، وبالتالي على سبيل المثال، الاعتقاد بأن تدمير الغابات، سيزيد من الناتج المحلي الإجمالي). التحدي الثاني هو الافتراض الشائع بأن الاستهلاك يؤدي إلى السعادة. يتم أخذ هذين التحديين في الاعتبار في أبحاث السعادة.
علم نفس الاستدامة
في دراسة تحمل عنوان: كيف يمكن لدراسات السعادة أن تساهم في تحقيق المزيد من الاستدامة؟ وجدت الباحثة كاثرين أوبرايات من جامعة كيب تاون، أن مفهوم السعادة والاستدامة بينهما تداخل كبير تعكسه نتائج الأبحاث النفسية، ويتجلى في مفهوم السعادة المستدامة، الذي تعرفه الباحثة بأنه السعي وراء السعادة التي لا تستغل الآخرين أو البيئة أو الأجيال القادمة. بشكل يحمل إمكانيات كبيرة لرفاه الفرد والمجتمع والعالم.
سياسات السعادة والاستدامة
من المدهش أن سياسات الاستدامة لا تحافظ فقط على البيئة، بل تزيد أيضا من مستوى سعادة البشر على المدى البعيد. كيف ذلك؟
عند تخطيط المدن بطريقة مستدامة، يتم إنشاء مساحات عامة تولي اهتماماً بالجمال، والتواصل الاجتماعي، ولعب الأطفال، وحركة أولئك الذين لا يملكون سيارة. حيث إننا لا نبني المدن من أجل الشركات أو السيارات، بل من أجل الناس .. من أجل البشر كبارا وصغاراً.. وبالتالي، بدلاً من الاكتفاء ببناء الطرق السريعة، يمكن إنسان المماشي بالتوازي مع ذلك. بالاستثمار في الأرصفة والحدائق والمتنزهات ومسارات الدراجات، إنشاء نظام النقل السريع والمواصلات العامة المريحة لتقليل استخدام السيارات، وزراعة الأشجار.. كل هذه ممارسات مستدامة.. تحافظ على البيئة وتخفض الانبعاثات الحرارية وتقلل تلوث الهواء، وفي نفس الوقت، تحسن الصحة النفسية! تحسن جودة الهواء، وتشجع النشاط البدني والتواصل الاجتماعي والاستمتاع بجمال الطبيعة، وبالتالي تزيد السعادة. أخبار ذات صلة «أسرار الحياة البرية».. رسالة استدامة الكرة «صديقة البيئة».. حلم يتحقق مؤتمر الأطراف «COP28» تابع التغطية كاملة
السعادة والاستهلاك
في المجتمع الاستهلاكي، حيث أصبح الاستهلاك والسعادة مرتبطين بشكل لا ينفصم، يخلط الأفراد بين «السعادة» و«شراء السلع الثمينة». ويشير عالم النفس دان جيلبرت، إلى أن كثيراً من الاقتصادات تزدهر على أساس الاعتقاد الخاطئ السائد على نطاق واسع بأن السعادة الشخصية مرتبطة بالإنتاج والاستهلاك، وهذا اعتقاد غير صحيح علمياً. إذ يكتشف الناس أن الوقت الذي يقضونه لكسب المزيد من المال لشراء المزيد من الأشياء، قد يكون سعياً غير فعال لتحقيق السعادة. الاستهلاك المفرط لا يحقق الاستدامة، ولا السعادة أيضاً.. إذ يظل الإنسان يجري وراء سراب دائم، سلعة وراء أخرى، دون إشباع فجوة في أعماقه لا تريد إلا المعنى والقيمة المفقودة في المجتمع الاستهلاكي.
تشير الدراسات أن الناس نوعان. هناك من لديهم أهداف «جوهرية» أي يسعون في حياتهم من أجل تلبية «الاحتياجات النفسية الذاتية» مثل التطور الشخصي، وقبول الذات، والعلاقات، واللياقة البدنية، والمشاركة المجتمعية والصالح العام.. ونوع آخر من الناس يسعون وراء الأهداف «الخارجية» مثل النجاح المالي و التباهي والشهرة والشعبية واستجداء تقدير الآخرين وإعجابهم. بحثاً عن الاعتراف الاجتماعي. وتشير الدراسات النفسية الحديثة إلى أن الأفراد ذوي الأهداف الجوهرية، هم أقل مادية وأكثر ميلاً للانخراط في سلوك صديق للبيئة، مثل ركوب الدراجات وإعادة التدوير، من الأفراد ذوي التوجه القيمي الخارجي..أضف إلى ذلك أنهم يكونون أكثر سعادة كذلك.
سعادة ذات معنى
تبني فكرة الاستدامة قيمة جوهرية، تضفي على السعادة طابعاً فلسفياً يزيدها عمقاً وارتباطاً بمعنى الحياة. كيف ذلك؟
تضرب الباحثة مثالاً بفكرة توضع الفرق بين السعادة بمفهومها المعتاد المرتبط بالمتعة اللحظية، وبين السعادة المستدامة. فمثلاً، يستمتع المرء حين يجلس في المقهى لكي يحتسي قهوته المفضلة. عند وضع عدسة السعادة المستدامة، يمكن رؤية هذه المتعة اللحظية في سياق أوسع. من خلال التفكير فيما إذا كان فنجان القهوة هذا أتى من شركة لها سياسات أخلاقية، تراعي حقوق العمال مثلاً أو تهتم بالبيئة، وما إذا كانت هذه المتعة اللحظية جاءت على حساب الآخرين أو البيئة الطبيعية أم لا. بمعنى آخر، هذه الطريقة في التفكير تفي على السعادة بعداً ومعنى يعمق التجارب الحياتية ويربطها بمعنى الحياة ودور الإنسان فيها، ما يزيد من تقديره الذاتي ورضاه عن نفسه وإحساسه بالإنجاز، وعي أمور تتجاوز بكثير فكرة السعادة اللحظية وحدها.
تخيل معي ما سيصبح عليه عالمنا، حين تكون الظروف التي يتم فيها تصنيع ملابسنا، وكيفية تصنيع ونقل فواكهنا، والمبيدات الحشرية التي يتم رشها في حقولنا، والممارسات التجارية غير العادلة وغير الأخلاقية، أموراً يدفعنا للاهتمام بها مجرد سعينا الشخصي للسعادة.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الاستدامة الغابات تلوث الهواء المناخ التغير المناخي كوب 28 مؤتمر الأطراف مؤتمر المناخ من أجل
إقرأ أيضاً:
أطعمة تعالج الاكتئاب وتزيد هرمون السعادة
تلعب التغذية دورًا حيويًا في تعزيز الصحة النفسية وعلاج الاكتئاب حيث ترتبط نوعية الأطعمة التي نتناولها بشكل مباشر بتوازن الهرمونات والناقلات العصبية في الجسم ومن أبرز هذه الناقلات العصبية السيروتونين، وهو هرمون السعادة الذي يؤثر بشكل كبير على الحالة المزاجية والشعور بالراحة النفسية.
تظهر الأبحاث أن بعض الأطعمة قد تسهم في تعزيز إنتاج السيروتونين في الدماغ، مما يساعد على تقليل أعراض الاكتئاب وتحسين المزاج وفي المقابل، هناك أطعمة أخرى قد تؤثر سلبًا على الصحة النفسية وتزيد من مستويات التوتر والقلق.
ووفقا لما جاء في موقع piedmont فإن الأطعمة الغنية بالدهون والكربوهيدرات قد لا تكون الخيار الأفضل عند الرغبة في علاج الاكتئاب.
فيما يلي خمسة أطعمة يوصي بها الخبراء كثيرًا للمساعدة في مكافحة أعراض الخمول وتقلبات المزاج والرغبة الشديدة في تناول الطعام التي غالبًا ما ترتبط بالاكتئاب و لها فوائد صحية عامة معروفة، وهى:
1. البيض مع صفاره: يساعد البروتين الموجود في البيض على استقرار نسبة السكر في الدم، ويحتوي صفار البيض على فيتامينات ب، والتي أثبتت فعاليتها في تخفيف حدة أعراض الاكتئاب.
2. الأسماك التي تعيش في المياه الباردة: تحتوي أسماك التونة والسلمون البري والماكريل على أحماض أوميجا 3 الدهنية التي تدعم صحة الدماغ.
3. المكسرات والبذور: تحتوي الجوز على كميات كبيرة من أحماض أوميجا 3 الدهنية، التي تدعم صحة الدماغ كما أن المكسرات والبذور الأخرى، مثل بذور اليقطين وبذور عباد الشمس والفول السوداني واللوز، مفيدة أيضًا لأنها تحتوي على المغنيسيوم وقد ثبت أن هذا العنصر الغذائي يعزز مستويات السيروتونين، وهي المادة الكيميائية التي تمنح الدماغ شعورًا بالسعادة.
4. الحبوب: تساعد الحبوب الكاملة الغنية بالألياف، مثل المكرونة والخبز المصنوعين من القمح الكامل، ودقيق الشوفان والبطاطا الحلوة، جسمك على إفراز مادة السيروتونين كما أنها تحسن الهضم وتساعد في إدارة الوزن.
5. منتجات الألبان قليلة الدسم: لا تعد الجبن والحليب والزبادي قليلة الدسم مفيدة لعظامك فحسب، بل تحتوي أيضًا على الكالسيوم وفيتامين د في هذه الأطعمة التي تعمل على تعزيز الشعور بالراحة والاسترخاء ومن ثم علاج الاكتئاب ونقص هرمونات السعادة.