صحيفة الاتحاد:
2024-11-24@15:24:41 GMT

كيف نعيش «السعادة المستدامة»؟

تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT

شريف عرفة (أبوظبي)
من كان يصدق أن التقدم الصناعي الذي يهدف إلى تسهيل حياة الإنسان، سيكون له تأثير ضار على سعادته وصحته النفسية؟
كثيراً ما حذر الباحثون  من خطورة الاعتماد على المؤشرات الاقتصادية مثل الناتج المحلي الإجمالي، كمقياس وحيد لتقدم المجتمعات.. فالمؤشرات الاجتماعية مثل الرضا عن الحياة ورأس المال الاجتماعي تحكي قصة مختلفة.

لهذا  ظهرت مؤشرات الرفاه التي تقيم مستويات المعيشة والصحة والتعليم والمشاركة وحيوية المجتمع واستخدام الوقت والفنون والثقافة وسلامة البيئة، كمقاييس تحاول تقييم مستوى السعادة في المجتمع..  
لكن العقود الماضية، ساد منظور أناني فردي للسعادة أدى لاستنزاف الكوب وعدم الاكتراث بالعواقب التي تتجاوز عمر الفرد نفسه، تقول الباحثة: ساهم سعينا لتحقيق السعادة في مسار غير مستدام أدى إلى فشل بيئي هائل ومعاناة إنسانية هائلة. لذا يمكن لأبحاث السعادة أن تشجع رؤية أوسع تربط مفهوم السعادة بمعان أكبر كالاستدامة. والتعريف الشهير للتنمية المستدامة بأنها «التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها الخاصة».
هناك تحديان رئيسان لجهود الاستدامة. الأول هو النموذج الذي عفا عليه الزمن والقائل بأن النمو الاقتصادي يساوي التنمية (والذي يميل إلى التغاضي عن التكاليف البيئية للتنمية التقليدية، وبالتالي على سبيل المثال، الاعتقاد بأن تدمير الغابات، سيزيد من الناتج المحلي الإجمالي). التحدي الثاني هو الافتراض الشائع بأن الاستهلاك يؤدي إلى السعادة. يتم أخذ هذين التحديين في الاعتبار في أبحاث السعادة.
علم نفس الاستدامة
 في دراسة تحمل عنوان: كيف يمكن لدراسات السعادة أن تساهم في تحقيق المزيد من الاستدامة؟ وجدت الباحثة كاثرين أوبرايات من جامعة كيب تاون، أن مفهوم السعادة والاستدامة بينهما تداخل كبير تعكسه نتائج الأبحاث النفسية، ويتجلى في مفهوم السعادة المستدامة، الذي تعرفه الباحثة بأنه السعي وراء السعادة التي لا تستغل الآخرين أو البيئة أو الأجيال القادمة. بشكل يحمل إمكانيات كبيرة لرفاه الفرد والمجتمع والعالم.
سياسات السعادة والاستدامة 
من المدهش أن سياسات الاستدامة لا تحافظ فقط على البيئة، بل تزيد أيضا من مستوى سعادة البشر على المدى البعيد. كيف ذلك؟
عند تخطيط المدن بطريقة مستدامة، يتم إنشاء مساحات عامة تولي اهتماماً بالجمال، والتواصل الاجتماعي، ولعب الأطفال، وحركة أولئك الذين لا يملكون سيارة. حيث إننا لا نبني المدن من أجل الشركات أو السيارات، بل من أجل الناس .. من أجل البشر كبارا وصغاراً.. وبالتالي، بدلاً من الاكتفاء ببناء الطرق السريعة، يمكن إنسان المماشي بالتوازي مع ذلك. بالاستثمار في الأرصفة والحدائق والمتنزهات ومسارات الدراجات، إنشاء نظام النقل السريع والمواصلات العامة المريحة لتقليل استخدام السيارات، وزراعة الأشجار.. كل هذه ممارسات مستدامة.. تحافظ على البيئة وتخفض الانبعاثات الحرارية وتقلل تلوث الهواء، وفي نفس الوقت، تحسن الصحة النفسية!  تحسن جودة الهواء، وتشجع النشاط البدني والتواصل الاجتماعي والاستمتاع بجمال الطبيعة، وبالتالي تزيد السعادة. 

أخبار ذات صلة «أسرار الحياة البرية».. رسالة استدامة الكرة «صديقة البيئة».. حلم يتحقق مؤتمر الأطراف «COP28» تابع التغطية كاملة

السعادة والاستهلاك
في المجتمع الاستهلاكي، حيث أصبح الاستهلاك والسعادة مرتبطين بشكل لا ينفصم، يخلط الأفراد بين «السعادة» و«شراء السلع الثمينة».  ويشير عالم النفس دان جيلبرت، إلى أن كثيراً من الاقتصادات تزدهر على أساس الاعتقاد الخاطئ السائد على نطاق واسع بأن السعادة الشخصية مرتبطة بالإنتاج والاستهلاك، وهذا اعتقاد غير صحيح علمياً. إذ يكتشف الناس أن الوقت الذي يقضونه لكسب المزيد من المال لشراء المزيد من الأشياء، قد يكون سعياً غير فعال لتحقيق السعادة.  الاستهلاك المفرط لا يحقق الاستدامة، ولا السعادة أيضاً.. إذ يظل الإنسان يجري وراء سراب دائم، سلعة وراء أخرى، دون إشباع فجوة في أعماقه لا تريد إلا المعنى والقيمة المفقودة في المجتمع الاستهلاكي. 
تشير الدراسات أن الناس نوعان. هناك من لديهم أهداف «جوهرية» أي يسعون في حياتهم من أجل تلبية «الاحتياجات النفسية الذاتية» مثل التطور الشخصي، وقبول الذات، والعلاقات، واللياقة البدنية، والمشاركة المجتمعية والصالح العام.. ونوع آخر من الناس يسعون وراء الأهداف «الخارجية» مثل النجاح المالي و التباهي والشهرة والشعبية واستجداء تقدير الآخرين وإعجابهم. بحثاً عن الاعتراف الاجتماعي. وتشير الدراسات النفسية الحديثة إلى أن الأفراد ذوي الأهداف الجوهرية، هم أقل مادية وأكثر ميلاً للانخراط في سلوك صديق للبيئة، مثل ركوب الدراجات وإعادة التدوير، من الأفراد ذوي التوجه القيمي الخارجي..أضف إلى ذلك أنهم يكونون أكثر سعادة كذلك.
سعادة ذات معنى 
تبني فكرة الاستدامة قيمة جوهرية، تضفي على السعادة طابعاً فلسفياً يزيدها عمقاً وارتباطاً بمعنى الحياة. كيف ذلك؟
تضرب الباحثة مثالاً بفكرة توضع الفرق بين السعادة بمفهومها المعتاد المرتبط بالمتعة اللحظية، وبين السعادة المستدامة. فمثلاً، يستمتع المرء حين يجلس في المقهى لكي يحتسي قهوته المفضلة. عند وضع عدسة السعادة المستدامة، يمكن رؤية هذه المتعة اللحظية في سياق أوسع. من خلال التفكير فيما إذا كان فنجان القهوة هذا أتى من شركة لها سياسات أخلاقية، تراعي حقوق العمال مثلاً أو تهتم بالبيئة، وما إذا كانت هذه المتعة اللحظية جاءت على حساب الآخرين أو البيئة الطبيعية أم لا. بمعنى آخر، هذه الطريقة في التفكير تفي على السعادة بعداً ومعنى يعمق التجارب الحياتية ويربطها بمعنى الحياة ودور الإنسان فيها، ما يزيد من تقديره الذاتي ورضاه عن نفسه وإحساسه بالإنجاز، وعي أمور تتجاوز بكثير فكرة السعادة اللحظية وحدها.  
تخيل معي ما سيصبح عليه عالمنا،  حين تكون الظروف التي يتم فيها تصنيع ملابسنا، وكيفية تصنيع ونقل فواكهنا، والمبيدات الحشرية التي يتم رشها في حقولنا، والممارسات التجارية غير العادلة وغير الأخلاقية، أموراً يدفعنا للاهتمام بها مجرد سعينا الشخصي للسعادة.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الاستدامة الغابات تلوث الهواء المناخ التغير المناخي كوب 28 مؤتمر الأطراف مؤتمر المناخ من أجل

إقرأ أيضاً:

خبير علاقات دولية: نعيش السنوات الأولى من الحرب العالمية

قال الدكتور عمرو الديب، خبير العلاقات الدولية، إن الحرب الروسية الأوكرانية، التي بدأت منذ أكثر من عام، مع انطلاق العملية العسكرية الروسية، جزء من مشهد عالمي أوسع يشمل التوترات في مناطق أخرى مثل ما يحدث بين الصين وتايوان، وغيرها من بؤر التوتر. 


وأضاف، الديب خلال مداخلة هاتفية ببرنامج "كل الزوايا" مع الإعلامية سارة حازم طه، المُذاع على قناة "أون"، أن الحرب العالمية بمفهومها التقليدي ربما لم تبدأ بعد، لكننا نعيش فعليًا السنوات الأولى من هذه الحرب، مؤكدًا أن النقطة الأكثر سخونة لم تأتِ بعد، حيث لم تحدث مواجهة مباشرة بين روسيا والغرب، إلا أن هناك خوفًا متزايدًا من أن نصل إلى تلك النقطة.


وأشار عمرو الديب، إلى أنه في الفترة الأخيرة، نشهد احتمالات مواجهة مباشرة باستخدام أسلحة نووية أو ذات قوة تدميرية كبيرة، سواء من جانب روسيا ضد أوكرانيا أو من جانب الولايات المتحدة والناتو ضد روسيا، كما لايمكن أن نغفل دور كوريا الشمالية في هذا السياق، حيث أصبحت لاعبًا مؤثرًا فيما يجري حاليًا.


ولفت إلى أن أن السماح الأمريكي والبريطاني لأوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى ضد العمق الروسي يمثل تصعيدًا خطيرًا، إضافة إلى ذلك، وإعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن تغيير العقيدة النووية الروسية يعكس استعداده لاستخدام الأسلحة النووية.


وأوضح، أن هذا التغيير يعد تطورًا مهمًا، إذ يمنح الرئيس الروسي صلاحيات أوسع لاستخدام هذه الأسلحة ومع ذلك، هناك دائمًا من يحاول التهدئة، سواء داخل الإدارة الروسية أو الغربية، خصوصًا الأمريكية والبريطانية.
 

مقالات مشابهة

  • زعيم حزب ألماني: نعيش تحت الإحتلال الأمريكي.. ومهددون بالحرب
  • مسؤول بـالبنك الدولي يؤكد أهمية الاستثمار في العمل المناخي
  • «المصريين»: نعيش معركة وعي.. والحل حماية المجتمع من الفكر المتطرف والشائعات
  •  ”البيئة“ تستضيف الملتقى الدولي الأول لريف السعودية  بالأحساء.. منتصف ديسمبر  
  • «المالية» تطلق مشروع دليل معايير الاستدامة في الحكومة الاتحادية
  • عضو بـ«النواب»: «بداية» من أهم المبادرات التي تعمل على تحسين حياة المواطنين
  • وزارة السياحة خلال مشاركتها بمؤتمر المناخ .. تؤكد التزام المملكة وجهودها في مجال الاستدامة بالقطاع السياحي
  • وزارة المالية تطلق مشروع دليل معايير الاستدامة في الحكومة الاتحادية
  • وزارة المالية تطلق مشروع دليل معايير الاستدامة المالية في الحكومة الاتحادية
  • خبير علاقات دولية: نعيش السنوات الأولى من الحرب العالمية