مع كل انتقاد للاحتلال وممارساته، تصاب "إسرائيل" بهستيريا الغضب، وكأنها فوق النقد وفوق القانون، حتى أضحى انتقادها بفعل الدعم الغربي، يُجرم باسم معاداة السامية.

شن الاحتلال حربا أقل ما يقال عنها إنها تدميرية على قطاع غزة، حيث شهد العالم أجمع قصف المستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء حتى وصلت الحصيلة إلى أكثر من 15 ألف شهيد، ورغم ذلك لا تقبل دولة الاحتلال حتى دعوات توخي الدقة لعدم الإضرار بالمدنيين خلال الحرب.



وكان استدعاء وزارة خارجية الاحتلال، أمس الجمعة، سفيري إسبانيا وبلجيكا لديها، آخر صيحات جنون الاحتلال الذي أثارته التصريحات التي أدلى بها رئيسا وزراء البلدين عند معبر الحدودي مع قطاع غزة.

"إسرائيل" فوق النقد
استنكر مكتب رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، في بيان صحفي فيه عدم تحميل حركة حماس المسؤولية "عن المذبحة التي ارتكبتها ضد المدنيين الإسرائيليين واستخدامها الفلسطينيين كدروع بشرية".

وذكر البيان، "أن نتنياهو يدين بشدة تصريحات رئيسي وزراء بلجيكا وإسبانيا، اللذين لم يحملا حركة حماس المسؤولية الكاملة عن الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها، بذبح مواطنين إسرائيليين واستخدام الفلسطينيين كدروع بشرية".

وتصاعدت حدة غضب الاحتلال حتى اتهم وزير خارجيته إيلي كوهين، رئيسا وزراء بلجيكا وإسبانيا بالكذب، وتوعد باستدعاء سفيري البلدين في "تل أبيب" وتوبيخهما بقسوة.

وزعم كوهين في منشور على منصة "إكس"، "أن إسرائيل تتصرف وفق القانون الدولي وتحارب منظمة إرهابية قاتلة أسوأ من داعش ترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية"، وفق قوله.

يقول الكاتب والباحث السياسي نظير الكندوري، "إن الغضب الذي أعترى الكيان جراء الانتقادات التي قامت بها حكومات بلجيكا واسبانيا، نابع من خشيته أن يجر دول أوروبية أخرى إلى نفس الموقف، لاسيما وأن المزاج الشعبي الأوروبي اليوم، هو مع الحق الفلسطيني ولم يعد يصدق الرواية الإسرائيلية".

وأضاف، في حديث لـ "عربي21"، "يخشى الاحتلال مواقف هاتين الدولتين، وكان رد فعله عنيفًا وبعيدًا عن اللياقة الدبلوماسية، لأنه يريد غلق هذا الباب الذي فُتح من قبل هاتين الدولتين، وإذا تساهل الكيان مع هذه المواقف الجديدة، فإن من الممكن أن تنضم دول أخرى مهمة لهذا الموقف، وتبدأ بتوجيه انتقاداتها للكيان، وهنا نقصد ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، ولا ننسى الولايات المتحدة. فهذه الدول هي الأكثر أهمية بالنسبة للكيان الصهيوني".



هستريا الغضب
ليست المرة الأولى التي يخرق الاحتلال بروتوكولات العلاقات الدولة، فما إن يخرج أي تصريح من زعيم غربي يتحدث عن المجازر في غزة حتى يكون عرضة لهجوم المسؤولين الإسرائيليين كما حدث مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، المعروف بتأييده المطلق للاحتلال.

ومنتصف الشهر الجاري أعلنت الرئاسة "الإسرائيلية" أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قال في اتصال مع نظيره الإسرائيلي إنه "لم يتهم إسرائيل بإيذاء المدنيين عمدا" في غزة، متراجعا عن تصريحات له في مقابلة مع "بي بي سي" البريطانية.

ودعا ماكرون وقتها، "إسرائيل" لوقف القصف الذي يقتل مدنيين في غزة، قائلا "في الواقع اليوم ثمة مدنيون يُقصفون. هؤلاء الأطفال هؤلاء النساء هؤلاء الكبار في السن يتعرضون للقصف والقتل".

وذكرت رئاسة الاحتلال أن "تصريحات ماكرون تسببت بكثير من الألم والانزعاج في إسرائيل"، فيما وصفها نتنياهو "بأنها خاطئة لجهة الوقائع والموقف الأخلاقي".

كما سببت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأزمة سياسة بين الطرفين خصوصا أنه رفض وصف حركة حماس "بالإرهابية" أواخر تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

ورفضت دولة الاحتلال تصريحات أردوغان، حيث ذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية “الإسرائيلية”، ليور هايات "ترفض إسرائيل باشمئزاز التصريحات القاسية للرئيس التركي بشأن منظمة حماس الإرهابية".

واعتبر هايات أن "محاولة الرئيس التركي الدفاع عن التنظيم الإرهابي وكلماته التحريضية لن تغير من الفظائع التي شاهدها العالم أجمع.

ولم تقتصر ردود الفعل الإسرائيلية على تصريحات الغرب، بل شمل الأمر حتى الدول العربية، حيث طالب "الدول العربية بالتزام الصمت وانتقاد حماس فقط" في تصريحات منتصف الشهر الجاري.

غوتيريش "يدعم الإرهاب" 
خلال جلسة لمجلس الأمن أواخر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "من المهم أن ندرك أن هجمات حماس لم تحدث من فراغ، وأن هذه الهجمات لا تبرر لإسرائيل القتل الجماعي الذي تشهده غزة".

وأكد غوتيريش أن "الشعب الفلسطيني تحت احتلال خانق منذ 56 عاما"، مضيفا: "أكرر دعوتي إلى وقف إطلاق نار إنساني فورا".

وأعرب عن "قلق عميق بشأن الانتهاكات الواضحة للقانون الإنساني الدولي التي نراها في غزة"، قائلا: "لنكن واضحين: كل طرف في أي نزاع مسلح ليس فوق القانون الإنساني الدولي".

وفجرت هذه الكلمات موجة غضب إسرائيلية طالبت غوتيريش بالاستقالة، واتهمته بمعاداة "إسرائيل"، حيث ذكر  خارجية الاحتلال إيلي كوهين "لن ألتقي مع الأمين العام للأمم المتحدة".

وأضاف، أنه "بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول ليس هناك مجال لمقاربة متوازنة، يجب محو حماس من العالم".

من جانبه، دعا مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة جلعاد إردان غوتيريش إلى "الاستقالة فورا"، قائلا، "يجب على الأمين العام للأمم المتحدة، الذي يظهر تفهما لحملة القتل الجماعي للأطفال والنساء والمسنين، أن يستقيل من منصبه، وليس هناك أي مبرر أو فائدة من الحديث مع شخص يظهر تفهما لأفظع الأعمال المرتكبة ضد مواطني إسرائيل، بل وأكثر من ذلك من قبل منظمة إرهابية معلنة! لا توجد كلمات. ببساطة لا توجد كلمات".

بدوره، قال بيني غانتس عضو "مجلس الحرب" الإسرائيلي "الأيام التي يدعم فيها الأمين العام للأمم المتحدة الإرهاب هي أيام مظلمة بالنسبة للعالم. ولا توجد وسيلة لتبرير مذبحة بحق المدنيين الأبرياء، ومن ليس على الجانب الصحيح من التاريخ سيحكم عليه. ومن يبرر الإرهاب لا يستحق أن يتحدث باسم العالم".

حتى زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد لم يفوت فرصة مهاجمة غوتيريش، حيث ذكر، "لقد جلب غوتيريش العار للأمم المتحدة اليوم. لقد قدم خطابه مبررات وتبريرات للإرهاب الهمجي".



غضب أوروبي
ومن معبر رفح قال رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز،، إن "الهدنة الحالية في قطاع غزة ليست كافية، وهناك حاجة إلى وقف دائم لإطلاق النار".

وأضاف أن بلاده "قد تتخذ قراراها الخاص في ما يتعلق بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، إذا لم يوافق الاتحاد الأوروبي على ذلك".

من جانبه ذكر رئيس الوزراء البلجيكي، ألكنسدر دي كرو، الخميس، "أن لإسرائيل الحق في التصرف ومنع الهجمات المستقبلية لكن هذا لا يبرر أبدا حصار منطقة بأكملها، وحجب المساعدات الإنسانية.. هذا ليس عذرا لتجويع شعب".

وسبق موقف دي كرو، تصريحات أكثر جدية من نائبته بيترا دي سوتر، التي طالبت الأربعاء الماضي، حكومة بلادها بفرض عقوبات على إسرائيل والتحقيق في قصف المستشفيات ومخيمات اللاجئين في قطاع غزة.

وقالت دي سوتر لصحيفة نيوسبلاد المحلية: "حان الوقت لفرض عقوبات على إسرائيل، إسقاط القنابل كالمطر غير إنساني.. من الواضح أن إسرائيل لا تهتم بالمطالب الدولية الخاصة بوقف إطلاق النار".

وذكرت دي سوتر أن على الاتحاد الأوروبي تعليق اتفاق الشراكة مع إسرائيل فورا، والذي يهدف إلى تحسين التعاون الاقتصادي والسياسي.

وأضافت أيضا أنه يجب فرض حظر على استيراد المنتجات من الأراضي الفلسطينية المحتلة ومنع المستوطنين الذين ينتهجون العنف والسياسيين والجنود المسؤولين عن جرائم الحرب من دخول الاتحاد الأوروبي.

وفي 15 من تشرين الثاني/ نوفمبر، رفض البرلمان البلجيكي عرض فيلم دعائي للاحتلال عن عملية طوفان الأقصى، ما استدعى انتقادا من وزارة خارجية الاحتلال، حيث اعتبرت الخطوة "غضا للطرف عن جرائم الحرب التي ترتكبها حماس".

وامتد تغير المزاج الأوروبي من ممارسات دولة الاحتلال حتى وصل إلى بريطانيا التي تعتبر من أكثر الدول الداعمة للاحتلال.

وقال وزير الخارجية البريطاني الجديد، ديفيد كاميرون دولة الاحتلال، من أنها لن تكون آمنة أبدا ما لم يكن هناك "سلامة وأمن واستقرار على المدى الطويل" للشعب الفلسطيني.

ورحب كاميرون في مقابلة تلفزيونية، بوقف القتال الجمعة في غزة وتنفيذ صفقة تبادل الأسرى، ودخول المساعدات الإنسانية، لكنه قال؛ إن الخسائر في صفوف المدنيين في غزة مرتفعة للغاية. مشددا على أن "القوات الإسرائيلية يجب أن تلتزم بالقانون الإنساني الدولي".

وحث كاميرون "إسرائيل" على اتخاذ إجراءات صارمة ضد العنف "غير المقبول على الإطلاق"، الذي يمارسه المستوطنون في الضفة الغربية المحتلة.

وأضاف،  إنه من المهم بالنسبة لـ"إسرائيل" أن تدرك أنه "يجب عليها أن تتصرف بطريقة توفر أمنها على المدى الطويل"، وقال؛ إن ذلك سيعتمد في نهاية المطاف على "عيش الفلسطينيين في سلام واستقرار وأمن في هذه الأرض في الوقت نفسه".

يرى الكندوري، "أن استمرار الكيان الصهيوني وبقيادة حكومة نتنياهو شديدة التطرف، من غير المرجح أن تبقى تلك الانتقادات على مستوى بلجيكا وإسبانيا، بل سيزداد عدد الدول التي توجه الانتقادات للكيان وربما تعقبها عقوبات دبلوماسية واقتصادية".

ويشير إلى "أن السبب ذلك، هو أن جميع الحكومات الأوروبية وكذلك الولايات المتحدة، هي أنظمة حكم ديمقراطية تعتمد أحزابها في الوصول للسلطة على أصوات الناخبين".

وأردف، "ومؤخرًا رأينا كيف أن تغييرًا كبيرًا حدث في مزاج الناخب الأوروبي والأمريكي من القضية الفلسطينية، وإذا لم تراعي تلك الأحزاب هذه التغييرات على المستوى الشعبي في بلدانها، فأن من المؤكد لن يكون لها حضًا بالوصول إلى السلطة".



الضغط الدولي
يتخوف الاحتلال من تزايد الضغط الدولي بسبب المجازر التي يرتكبها في غزة وبدا ذلك واضحا في تغير مواقف عدة دول تجاه العدوان، بالتزامن مع عجز الاحتلال عن إثبات رواياته وانكشاف زيف بعضها، بدءا من قصة قتل الأطفال الرضع وانتهاءا بإدعائه وجود مقر قيادة لحماس في مجمع الشفاء الطبي.

ومنتصف الشهر الجاري قال وزير خارجية الاحتلال، إيلي كوهين، إن الضغط الدولي على إسرائيل في الفترة الحالية ليس كبيرا، وأمامنا أسبوعان أو ثلاثة أسابيع قبل أن يتصاعد الضغط الدولي علينا بشأن الحرب في غزة

وأضاف كوهين إن العالم لا يزال حتى الآن يتقبل موقف إسرائيل بأنها لن تتوقف حتى يتم إطلاق جميع الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية في غزة.

وتابع، بأن قضية الأسرى هي ما تعطي إسرائيل الشرعية لمواصلة القتال، بحسب تعبيره، مؤكدا على أن دولة الاحتلال تسعى لتقليل "الأضرار" الناجمة عن الحرب، وأن تل أبيب تحاول اتخاذ خطوات لتقليل الإجراءات الدبلوماسية ضدها من بلدان مثل بوليفيا، وتركيا، وجنوب أفريقيا، والأردن، وكولومبيا، وتشيلي، وهندوراس، وتشاد.

وأضاف أن هنالك عددا من البلدان قد ترغب بقطع العلاقات مع إسرائيل أو إعادة السفراء مقدرا عددها بـ 13-14 دولة وصفها بـ"المتأرجحة".

وأوضح أن وزارته تجري اتصالات وثيقة من أجل منع الإضرار بالعلاقات.

وقطعت عدة دول علاقتها مع الاحتلال من بينها كولومبيا وهندوراس وبوليفيا، بالإضافة لاستدعاء البحرين والأردن سفراءهم من "تل أبيب"، كما عقدت تصريحات أردوغان العلاقات بين الاحتلال وتركيا.

وبين الباحث السياسي نظير الكندوري، "إن إسرائيل تراهن كثيرًا على جعل روايتها هي السائدة في العالم الغربي لتفسير ما يحدث بالأرضي الفلسطينية المحتلة، واعتمدت على ذلك طيلة العقود الماضية من الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين".

وأوضح، في حديثه لـ "عربي21"، "في سبيل ذلك سخَّرت وسائل الاعلام في دول أوروبا والولايات المتحدة لتكريس هذه الرواية وتعميقها، وغض النظر عن الجرائم التي ترتكبها".

وأكد، "أن الاحتلال استفاد كثيرًا من سيطرته على وسائل الإعلام، فمن خلاله، استطاع التحكم بالمزاج الشعبي في دول الغرب، الأمر الذي أسفر عن وصول حكومات في تلك البلدان، لا تستطيع توجيه نقد أو اتهامات للكيان الصهيوني جراء ما يفعله في الأراضي الفلسطينية من جرائم، خشية عدم حصولهم على نتائج جيدة بصناديق الاقتراع في تلك البلدان".

وبحسب الكندوري، فإن ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، جعل الاحتلال عاجز عن ترويج الزيف الذي كا يعتمد عليه في السابق".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية الاحتلال غزة بلجيكا الانتقادات اسبانيا غزة الاحتلال بلجيكا انتقادات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأمین العام للأمم المتحدة خارجیة الاحتلال دولة الاحتلال الضغط الدولی قطاع غزة فی غزة

إقرأ أيضاً:

لماذا استأنفت الفصائل العراقية هجماتها بالتزامن مع محادثات واشنطن؟

على وقع محادثات العراق والولايات المتحدة، التي عقدت في واشنطن، الأسبوع الماضي، لبحث إنهاء القوات الأجنبية في العراق، المنضوية تحت عنوان "التحالف الدولي"، أعلنت المليشيات الشيعية إنهاء الهدنة مع القوات الأمريكية واستئناف الهجمات ضدها.

وقال عضو حركة "النجباء" العراقية، مهدي الكعبي، الثلاثاء، خلال تصريح صحفي ، إن "هدنة (المقاومة الإسلامية) الفصائل المسلحة في العراق مع القوات الأمريكية انتهت".

ونشرت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، قريبة من "النجباء" زعيم الحركة أكرم الكعبي، يطلق طائرة مسيرة على قاعدة عين الأسد غرب العراق، والتي يتواجد فيها العديد من مستشاري قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.


"تصعيد محدود"
وبخصوص أسباب إنهاء الهدنة، قال الخبير الأمني والاستراتيجي العراقي، مهند الجنابي لـ"عربي21"، إن "الفصائل في العراق حتى إذا ذهبت مع خيار التصعيد فإنه سيكون محدودا، وهي في الوقت ذاته لا تريد أن تزعج واشنطن إلى الدرجة التي تدفعها للانتقام".

وأضاف: "الهدنة أعلنها فصيل واحد بشكل صريح إعلانها، وهو كتائب حزب الله، أما باقي الفصائل ضمن تشكيل ما يعرف بـ(المقاومة الإسلامية في العراق) فإنها كانت في هدنة غير معلنة أو سرية، وهذا حصل بعد مقتل 3 جنود أمريكيين بالأردن في شهر يناير الماضي".

وتابع الجنابي، قائلا: "لكن إيقاف العمليات كان ضمن مدة محددة وكانت حتى صيف هذا العام، وقد ورد مثل هذا الشيء على لسان قادة الفصائل أن الهدنة ليست مفتوحة، ولهذا السبب مسألة تعليق الهدنة والذهاب للتصعيد هو قرار سابق من هذه الفصائل".

ويضيف الخبير العراقي، أن "إنهاء الهدنة يرتبط مع موضوع انسحاب القوات الأمريكية، إضافة إلى مسألة استهدافهم للحكومة أو ابتزازها للحصول على عقود ومسائل أخرى تزيد من نفوذ الفصائل وهيمنتها وسطوتها على القرار الرسمي العراقي".

وأشار إلى أن ضربة التحالف الدولي في محافظة بابل الأخيرة ضد الفصائل كان استباقية، لأنه في العادة لا تستخدم الضربات الاستباقية تجاه الفصائل المسلحة، ولكن هذا يعكس جدية حقيقية من واشنطن في كبح هذه التهديدات".

وأعرب الجنابي عن اعتقاده بأنه "إذا ما ذهبت هذه الفصائل إلى المجازفة فإنها ستكون أمام ضربات استباقية وفقا للمتابعة الاستخباراتية  والمعلوماتية الكبيرة للغاية. وأن قادة الفصائل يدركون أنهم تحت أنظار أعدائهم المتمثل بالولايات المتحدة الأمريكية".

من جهته، قال أستاذ الإعلام في العراق، غالب الدعمي، لـ"عربي21" إن "قضية إخراج القوات الأمريكية مرتبطة بالحكومة العراقية ولا شأن لأي جهة أخرى بذلك، بغض النظر عن عنوانها".

وبيّن أن "إنهاء الهدنة مرتبط بقصف إيران ولبنان وجرف الصخر في بابل، وأعتقد أن الوضع لا يبشر بخير من الولايات المتحدة تجاه الفصائل، لأنه إذا قامت الأخيرة باستهداف القوات الأمريكية، فإن الأخيرة ستعود إلى نهج الاغتيالات ضد قادة الفصائل في العراق".

وأردف: "بالتالي هذا سيؤدي إلى خلق جو جديد من عدم الاستقرار في المنطقة وبالعراق تحديدا، ويبدو أن الأمور تسير باتجاه التصعيد من الولايات المتحدة والفصائل العراقية".


"الحكومة محرجة"
وعن تعامل الحكومة العراقية مع إنهاء الهدنة والرد الأمريكي، قال الجنابي إن "نهج الحكومة في التعامل مع الفصائل هو ثابت ومعلن، فهي تؤكد أن التصعيد من هذه المجاميع هو جزء مما تشهده المنطقة من تصعيد".

وبناء على ذلك، يضيف الجنابي، فإن "رئيس الوزراء محمد شياع السوداني يعتمد على مقاربة الحوار والتوازن ما بين علاقة العراق مع واشنطن وتأثير هذه المجاميع على القرار السياسي العراقي".

وأكد الخبير العراقي أن "هذا الموقف لم يجد نفعا رغم أنه أقصى يمكن أن تذهب إليه الحكومة، لأن هذه الفصائل هي جزء من الكتلة الأكبر (الإطار التنسيقي الشيعي) التي شكلت حكومة السوداني، وبالتالي من غير المنطقي أن ينقلب الأخير على حلفائه".

وخلص الجنابي إلى أنه "رغم ذلك كله، كانت هناك بيانات حكومية تصف الهجمات على القوات والتواجد الدبلوماسي الأمريكي في العراق بأنها أعمال إرهابية، لذلك فإن هذا التحدي وإمكانية الحفاظ على التوازن أعتقد بأنه مهمة مستحيلة".

بدوره، أكد الدعمي أن "موقف الحكومة محرج جدا، فهي لا تستطيع أن تمنع الفصائل من استهداف القوات الأمريكية، ولا تستطيع أن توقف الولايات المتحدة من الرد، وهي ماضية في التفاوض مع واشنطن لإخراج القوات الأجنبية".

ولفت إلى أن "الحكومة تسعى إلى إخراج القوات الأمريكية حتى لا يبقى هناك مبرر لما تقوم به الفصائل من هجمات. الفصائل ملتزمة بمحور المقاومة المدعوم من إيران، والأخيرة لديها مشكلات مع أمريكا وإسرائيل، وأن جبهتها مفتوحة من اليمن وصولا إلى العراق وجنوب سوريا".

وزاد الدعمي قائلا: "اليوم حجة الفصائل في العراق، أنهم يضربون القوات الأمريكية لأنهم يحتلون البلد، وبالتالي الحكومة تقوم بمحادثات مع الجانب الأمريكي لإنهاء هذا المبرر. لكن أعتقد أن الموضوع أكبر، لأن البعض من الفصائل تعلن أنهم سيبقون يقاومون الأمريكيين حتى تحرير فلسطين".

ضغط أمريكي
وفي السياق ذاته، أفاد تقرير نشرته إذاعة "مونت كارلو" الدولية، الاثنين، بأن الجانب الأمريكي طلب من الحكومة العراقية تحريك دعاوى قضائية ضد قادة الفصائل، بمعنى اعتقالهم بواسطة مذكرات قضائية بتهمة مخالفة إرادة وهيبة وسلطة الدولة العراقية.

ويأتي هذا التصعيد بعد ذهاب وفد عراقي رفيع المستوى برئاسة وزير الدفاع ثابت العبادي إلى واشنطن لبدء الحوار الأمني المشترك بين الولايات المتحدة والعراق، حيث ناقش الطرفين مستقبل مهمة التحالف الدولي وتعزيز التعاون الأمني بين بلدينا.


وفي بيان مشترك نشرته وزارة الدفاع العراقية، الأربعاء، أكد الطرفين أن البعثة الاستشارية (العسكرية الأمريكية) موجودة في العراق بدعوة من الحكومة العراقية لدعم قوات الأمن العراقية، وأن الممثلين العراقيين أكدوا التزامهم المطلق بحماية الأفراد والمستشارين والقوافل والمرافق الدبلوماسية للولايات المتحدة ودول التحالف الدولي.

وأفادت "رويترز" نقلا عن مصدرين أمنيين، الخميس الماضي، بأن أربعة صواريخ من طراز كاتيوشا أُطلقت في وقت متأخر الخميس، على قاعدة عين الأسد الجوية في العراق التي تتمركز فيها قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.

وفي 16 تموز/ يوليو الجاري، استهدفت طائرتان مسيرتان قاعدة تستضيف قوات أميركية ودولية غربي العراق، إذ كشف مسؤول عسكري عراقي أن "أنظمة الدفاع الجوي التابعة للتحالف الدولي أسقطت إحدى الطائرتين المسيرتين قرب محيط قاعدة عين الأسد الجوية".

ومنذ 30 كانون الثاني/ يناير 2024، أوقفت المليشيات هجماتها على القوات الأميركية، وذلك بعد مقتل اثنين من قادة "كتائب حزب الله" العراقية بمسيّرة أميركية في بغداد، ردا على هجوم استهدف قاعدة عسكرية بالأردن قتل فيه ثلاثة جنود أمريكيين في 28 من الشهر نفسه.

مقالات مشابهة

  • غراهام يحدد مواقع إيرانية لاستهدافها وردع طهران عن إسرائيل
  • البنتاغون يعلن عن إرسال مقاتلات ومدمرات إضافية إلى الشرق الأوسط
  • لماذا هنية وإيران بالتحديد؟!!
  • لماذا تذهب الترجيحات إلى اغتيال هنية بصاروخ موجه لا بعبوة ناسفة؟
  • بعد يومين من انتقاد مسؤول للمنصة.. تركيا تحجب إنستغرام
  • لماذا استأنفت الفصائل العراقية هجماتها بالتزامن مع محادثات واشنطن؟
  • هل سيحارب الجيش إذا هاجم الاحتلال لبنان؟.. إليك ما نفهمه من تصريحات برّي
  • هل سيحارب الجيش اللبناني إذا هاجم الاحتلال لبنان؟.. إليك ما نفهمه من تصريحات برّي
  • لماذا اختارت إسرائيل اغتيال هنية في طهران.. لا الدوحة؟
  • تسقط الأجساد والأفكار لا تموت