البوابة نيوز:
2024-07-31@04:39:27 GMT

وحدة الإنسانية وانشطار العالم

تاريخ النشر: 25th, November 2023 GMT

اختار وفد وزراء خارجية القمة العربية - الإسلامية المنعقدة بالرياض لإغاثة غزة وفلسطين أن يبدأ زياراته للدول دائمة العضوية بمجلس الأمن بزيارة الصين فروسيا فبريطانيا ففرنسا فالولايات المتحدة. وهذا عكس ما كان يجري سابقًا عندما كان سائر المطالبين أو المحتجين يبدأون بالولايات المتحدة بصفتها "زعيمة العالم الحر، والمؤتمنة على المبادئ والقيم المستقرة في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان".

طالب وزراء الخارجية العرب والمسلمون ومعهم وزير الخارجية الصيني بثلاثة أمور رئيسية: وقف الحرب على غزة، والإمداد غير المحدود بالمساعدات لقطاع غزة المنكوب بالاجتياح الإسرائيلي، والسير باتجاه حل الدولتين ليحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة فتنتهي حالة النزاع المستعرة على فلسطين منذ مائة عام.

تتحدث سائر الأطراف هذه الأيام عن حل الدولتين بوصفه السبيل لإنهاء النزاع الرئيسي في الشرق الأوسط. لكنّ مبادرة القمة العربية - الإسلامية هي الرئيسية، لأنها تمثّل تصور أهل المنطقة والقضية. ولا يضاهيها في علوّ الصوت غير صرخات المنظمات الدولية والإنسانية المروَّعة بأحداث غزة، التي تبهظ كواهلها الكارثة الإنسانية بالقطاع. والجهتان: العرب والمسلمون، والمنظمات الإنسانية ما يزالون منتظمين تحت مبادئ القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وإنما يشكون من أمرين: ازدواجية المعايير، وتوقف المعايير عن التوجيه والنفاذ بسبب الصراع الدولي، والرؤية بالعين الواحدة!.

وما افتقدت المبادرة العربية - الإسلامية للتوازن. فبتقديم زيارة الصين (على الولايات المتحدة)، والالتزام بالقوانين الدولية وقرارات الشرعية الدولية في الوقت نفسه، احتجت على الانحياز الأمريكي والغربي مرتين، وراعت تحولات القوة في النظام الدولي. فالمعايير التي وضعها الغرب في ميثاق الأُمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لا يراعيها ولا يحترمها الغرب نفسه؛ في حين تقول القوة العالمية الجديدة، ويقول أصحاب القضية إنهم يريدون إعادة احترام النظام الدولي من أجل الحق السياسي والإنساني، ومن أجل منع الحروب، وهي المهمة التي عجز مجلس الأمن عن القيام بها بسبب تبادل تعطيله من جانب القوى الكبرى.

هل تنجح المبادرة العربية - الإسلامية في وقف الحرب لاقترانها بالمبادرات الإنسانية الشاملة، وبالرأي العام العالمي؟ هناك إضافةً لذلك مبادرة جديدة من جانب جنوب أفريقيا، التي دعت لاجتماعٍ افتراضي للبريكس، وهو تحالفٌ بين اقتصادات كبرى غير غربية. في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وقد شارف الاستعمار على الزوال، ما عادت هناك غير مشكلتين: نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا حيث تحكم أقلية بيضاء كثرةً من السود، ومشكلة الاستعمار الصهيوني في فلسطين. لقد صار مانديلا رمزًا للنضال ضد الاستعمار والتفرقة العنصرية، يضاهي نموذجه نموذج غاندي وحركة اللاعنف بالهند. بالنضال سقط نظام التفرقة وزال، وصارت دولة جنوب أفريقيا إحدى أبرز الدول الحرة والجديدة في أفريقيا. وبهذا الميراث للتحرر الإنساني تنهض جنوب أفريقيا الآن من خلال البريكس لتتحدى استعمار الاستيطان والتفرقة والحرب في غزة وفلسطين. رئيس جنوب أفريقيا ما تحدى بمبادرته من أجل السلام في غزة وفلسطين الحرب على المدنيين فقط؛ بل تحدى أيضًا الاستثناء المتمثل في الحالة الإسرائيلية على حساب الشعب الفلسطيني. جدعون ليفي المسؤول السياسي والعسكري السابق في النظام الصهيوني، قال إنّ لهذا الاستثناء ثلاثة أركان: اعتبار كثرة في إسرائيل أنهم شعبٌ مختار لا يخضع للمقاييس الدولية والإنسانية - وتعدُّ تلك الكثرة أنّ الفلسطينيين أقلّ قيمةً منهم من الناحية الإنسانية - واستناد الإسرائيليين في تفوقهم المطمئن إلى الولايات المتحدة. جدعون ليفي رأى أنّ إسرائيل ضائعة لناحية الروح الإنساني ويطلب من الولايات المتحدة إنقاذها (!). رئيس جنوب أفريقيا في مخاطبته للبريكس رأى وجوب إسقاط الاستثناء، ولا يضع آماله في الولايات المتحدة المستسلمة. لإسرائيل من زمان؛ بل في المقاييس الإنسانية الدولية التي ينبغي إعادتها للعمل والنفاذ.

ما عاد أحدٌ يشكّك في وحدة الإنسانية، وإنما المشكلة في «انشطار العالم». وهو انشطارٌ يتجاوز مسائل الصراع بين الكبار، إلى قضايا القيم الحاكمة. كان إدوارد سعيد في الاستشراق، يرى أنّ المشكلة مع المستشرقين أنهم تجاوزوا قيم التنوير وخانوها في تعقيدات علائق السلطة بالمعرفة. بيد أنّ مدرسة التابع Subaltern ذهبت إلى أن المشكلة هي في قيم التنوير بالذات، التي صارت في أزمنة الاستعمار وما بعد حكرًا على الغرب المتألّه، الذي تصرف ويتصرف بمقتضى التفوق في علائق القوة، ويتحكم في مسائل الحق الإنساني بما يتجاوز حتى ازدواجية معايير. إنّ انشطار العالم حتى في مسائل شمولية القيم، الذي كشفت عنه الحرب على غزة التي صارت حربًا على المستشفيات والنازحين والأطفال، تمضي إلى أعمق أعماق الإنسان. هناك افتقاد شاسع للثقة ليس في النظام الدولي وحسب، بل وفي اعتبارات الخير والشر والصالح والطالح، والمساواة بين الناس. ولأنّ الأطفال يُقتلون من دون حساب، هناك كثيرون يحملون على التأملات الفلسفية وعلى الجدالات في الحق والباطل. إنّ لدينا هذه الرؤية لدى رئيس جنوب أفريقيا الذى يتحدث عن إسقاط الاستثناء، والعودة إلى المبادئ العامة للمساواة بين البشر في الحقوق والواجبات، وفي ذهنه نظام التفرقة العنصرية القديم والذي كان سائدًا في جنوب أفريقيا، وأجزاء مختلفة من القارة الشقية. فلا بد من إنهاء الحرب على أطفال غزة كما تفرضه إنسانية الإنسان، ويفرضه القانون الدولي والدولي الإنساني. وولي العهد السعودي عاد فأكّد منطلقًا من مقررات القمة العربية - الإسلامية، ومن الشرعية الدولية وقراراتها، على ضرورة وقف الحرب على غزة، وإطلاق المساعدات الدولية في الغذاء والدواء والوقود، والسير باتجاه السلام العادل والدائم من حل خلال الدولتين.

يستطيع الفلاسفة أن يتابعوا تأملاتهم في الواجبات والضرورات، وفي مقاييس الفضائل والرذائل، وهي مفيدةٌ في النهاية، وليست تمرينًا لسانيًا وحسب. لكنّ المطلوب الآن إيقاف القتل وإيقاف التهجير وإيقاف العدوان على الإنسان والعمران.

كيف الخروج من «انشطار العالم»، الذي يقسم الناس إلى أبناء سيدةٍ وأبناء جارية، فلا تسري قيم وفضائل الإنسانية إلّا على السيدة وأبنائها!

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: القمة العربية الإسلامية الصين الولایات المتحدة جنوب أفریقیا الحرب على

إقرأ أيضاً:

دعوة إلى توحيد الجهود الدولية لمكافحة الاتجار بالبشر

أكَّد مجلس حكماء المسلمين برئاسة فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، أنَّ الاتجار بالبشر واحد من أكثر التحديات صعوبة التي تواجه المجتمع الدولي في العصر الحديث، كونه يستغل الأفراد لأغراض متعدِّدة منها العمالة القسرية، والجريمة، والتسول، وغيرها، ما يتطلب توحيد الجهود الدولية لمكافحة هذه الظاهرة الخطرة التي تنتهك الكرامة الإنسانية، وتعرِّض ملايين الأشخاص للمعاناة والاستغلال.

وقال مجلس حكماء المسلمين، في بيان له بمناسبة «اليوم الدولي لمكافحة الاتجار بالبشر» الذي يوافق 30 يوليو من كل عام: إنَّ الشرائع السماوية كافة تحثنا على ضرورة احترام حقوق الإنسان وحفظ كرامته، بغض النظر عن جنسه أو دينه أو عرقه، يقول الله تعالى في كتابه الحكيم: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا. [سورة الإسراء: 70]، داعياً إلى تعزيز التوعية بمخاطر الاتجار بالبشر، وضرورة حماية الفئات الأكثر عرضة لهذه الجريمة خاصة من النساء والأطفال واللاجئين والمهجَّرين ومَن فقدوا السكن والمأوى، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي والقانوني للضحايا لضمان إعادة دمجهم في المجتمع بشكل يليق بكرامتهم الإنسانية.

وأشار البيان، إلى أنَّ وثيقة الأخوة الإنسانية، التي وقَّعها فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف رئيس المجلس، وقداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، في أبوظبي في عام 2019، أكَّدت أن الله عز وجل خلق البشر جميعاً متساوين في الحقوق والواجبات والكرامة، ودعاهم للعيش أخوة فيما بينهم ليعمروا الأرض، وينشروا فيها قيم الخير والمحبة والسلام، كما دعت الوثيقة إلى رعاية حقوق المهجَّرين والنازحين من ديارهم وأوطانهم، وكل ضحايا الحروب والاضطهاد والظلم، والمستضعفين والخائفين والأسرى والمعذَّبين في الأرض، دون إقصاء أو تمييز. (وام)

مقالات مشابهة

  • دعوة إلى توحيد الجهود الدولية لمكافحة الاتجار بالبشر
  • الأمم المتحدة: على دول العالم إعادة النظر في كل العلاقات مع إسرائيل
  • المفتي: نُهيب بالمجتمع الدولي ضرورة وجود سقف أخلاقي لضبط التسارع العالمي
  • إبادة غزة وحصارها.. هل يدفع السيسي الثمن؟
  • "حريات" يدعو الأمم المتحدة لتفعيل نظام الحماية الدولية لشعبنا
  • "حريات" يدعو الأمين العام للأمم المتحدة لتفعيل نظام الحماية الدولية للشعب الفلسطيني
  • السودانيون يأملون نجاح مفاوضات سويسرا
  • مجلسُ الأمن.. إخلالٌ بالواجبات القانونية وزعزعةٌ لاستقرار الإنسانية
  • وكالة الطاقة الذرية.. هل يمكن إنقاذ العالم من الخطر النووي؟
  • جيش الاحتلال يعلن مقتل جندي متأثرا بجراح أصيب بها جنوب قطاع غزة