رغم أنه ولد مصابا بعمى الألوان، فإنه اختار "الألوان" كأسلوب حياة، وقام بدراسة الفنون الجميلة في تونس وألمانيا، إنه التونسي رشيد العلاّقي، يرصد دقائق الحياة اليومية والشعبية في تونس، ويعتبر ما يراه في أسفاره "كنزا" يظل في داخله.

ورغم أنه يقطن الآن في حي ميتوال فيل الراقي بالعاصمة تونس، فإنه يحتفظ بورشته الخاصة في حي باب الفلة الشعبي جنوب المدينة العتيقة حيث ولد عام 1940، إضافة لرواق دائم بمدينة كولونيا الألمانية على مقربة من نهر الراين، التي ذهب إليها عام 1961 لمواصلة دراسة فن الرسم في أكاديمية الفنون الجميلة.

الحياة اليومية موضوعا أساسيا

وعلى جدران بيته لوحات ترصد دقائق الحياة اليومية في تونس مثل: لوحة بيع السمك بالطريقة التقليدية في جزيرة جربة، جنوب شرقي تونس، ولوحة العروس الشابة في موكبها التقليدي (من مدينة تابعة لولاية المهدية على شاطئ المتوسط شرق تونس)، وأخرى ترصد امرأة تحمل على رأسها قصعة كسكسي (من ضابط شرطة للولي الصالح سيدي بلحسن الشاذلي على الهضبة الجنوبية التي تطل على مدينة تونس العتيقة).

رشيد العلاّقي تأثر بنشأته في حي باب الفلة العتيق في العاصمة التونسية (الأناضول) باب الفلة الجذور

ويعود العلاقي إلى الحفر في الجذور بالرجوع إلى حي باب الفلة وأثره في اختياراته الفنية بالقول:" فعلا تأثرت بباب الفلة وأنا ابن باب الفلة، وفي صغري في حيّنا كانوا يبيعون التين الشوكي بالصندوق ويبيعونه مقشرا، وهذا لا يزال إلى الآن، وكذلك يبيعون البسيسة (أكلة شعبية تونسية تتكون من دقيق خليط من القمح والبقول المحمصة والمكسرات) والنساء تعد الخبز في البيت ويحملنه في أطباق للفرن الشعبي في الحي".

ويضيف بصوت يعكس الحنين إلى تلك الأيام "هذه الحياة الشعبية والأصالة الشعبية سيطرت عليّ وتركتني فنانا لا ينجز الطبيعة والبورتري ولا باقة الزهور ولا منظر البحر بل يبدع أعمالا حول ما يعيشه الناس توًّا وليس في القرون السابقة".

رشيد العلاّقي: الحياة الشعبية والأصالة الشعبية سيطرت عليّ (الأناضول) أنا شاعر الريشة

ويقول العلاّقي، "كان شغلي هو رصد ما يقع في الحياة اليومية، وبعد تفكير في أي اتجاه فني أختار بين الاتجاهات الفنية التي برزت للوجود منذ العصر الحجري إلى القرن الـ21، اخترت وأنا دارس الفن والعارف بأصوله وأسبابه وكل مدارسه، أن أصبح شاعرا ليس بالكتابة بل بالريشة".

ويبين أن اللوحة عندما تُرسم قد تبقى سنوات حتى تنجز، والفن التشكيلي يختلف عن الكتاب لان الكتاب يجب قراءته كله لفهمه ولكن اللوحة عندما يرسمها الفنان وحين تشاهدها في دقائق قليلة تفهمها.

الفنان رشيد العلاّقي كان العربي الأول الذي درس بمدرسة الفنون الجميلة بتونس (الأناضول) محطات في الذاكرة

ويعود الفنان العلاّقي إلى مرحلة البدايات في خمسينيات وستينيات القرن الماضي بالقول: "أنا كنت العربي الأول الذي درس بمدرسة الفنون الجميلة بتونس، وكل زملائي كانوا فرنسيين وأجانب، مديرها بيار بورجون هو الذي جعلني شغوفا بالفن وأحبني كثيرا".

وأضاف "مدير المدرسة أعطاني دفترا صغيرا وقلما فحميا، وأمرني برسم أي شيء يعترضني، وبقيت على تلك العادة إلى اليوم عندما أجلس في مقهى أشكل تجسيما أوليا للوحة التي سأرسمها فيما بعد وتخلد المشهد".

العلاّقي يحتفظ بورشته الخاصة في حي باب الفلة الشعبي جنوب المدينة العتيقة (لأناضول)

وذكر العلاّقي أستاذه بمدرسة الفنون الجميلة هنري سعادة تونسي من قابس (جنوب شرق) كأحد الذين غرسوا فيه حب الرسم والبحث عن مواضيع حياتية يومية، وتابع "عند نجاحي في دراستي عام 1958 أهداني "فيسبا" (دراجة نارية إيطالية شهيرة) فذهبت إلى روما وتجولت بها في كامل أوروبا.

العلاقي يوثق أعمال بعض النساء في الأسواق (الأناضول) بين مكانين.. تونس وألمانيا

ويقول العلاقي عن مدرسة الفنون الجميلة بتونس، التي دخلها بتشجيع من شقيقه المهندس المعماري خميس العلاقي وتخرج منها عام 1958، ثم ذهب إلى ألمانيا عام 1961 لمواصلة دراسته لفن الرسم في أكاديمية الفنون الجميلة في كولونيا.

يقول "وجدت أساتذة شجعوني وأخذت فيها كل التقنيات العلمية للرسم، وبعد تخرجي اشتغلت أستاذا للرسم في عدة معاهد دولية، ثم اخترت إنشاء رواق خاص بي أشتغل فيه في كولونيا بألمانيا". إضافة لورشته في تونس.

العلاّقي يملك رواقا دائما بمدينة كولونيا على مقربة من نهر الراين (الأناضول) البداية.. ضد عمى الألوان

وأضاف العلاّقي "ولدت مصابا بعمى الألوان ولكن المهنة والموهبة في القلب، وليست في العينين تغلبت على هذه الإصابة واخترت طريق الفنون الجميلة".

ويوضح العلاقي "أنا عندي مشكلة في ألوان لا أراها مثل الأحمر والأزرق وبين الأكحل (الكحلي) والأحمر وفي ألمانيا صعب وضع الأصفر بجانب الأكحل أو الأحمر بجانب الأزرق أنا تشجعت ووضعتها مع بعض وهذا أعطاني صبغة خاصة في ألمانيا".

و(عادةً ما يكون عمى الألوان موروثًا. والرجال على الأرجح يولدون مصابين بهذه الحالة من عمى الألوان).

لكل لون لغة، فالأبيض للفرح، الأزرق للأمل، والأصفر للقطيعة، والأحمر للحب، والأسود للغضب (الأناضول)

ويعتبر أن موقع تونس أثر في اختياراته للألوان رغم إصابته بعمى الالوان يقول "أنا من مواليد البحر المتوسط، وفيه ألوان البرتقال والياسمين، والألوان الأولية الأبيض والأكحل (الكحلي) والأحمر والأزرق والأصفر".

وبين أن لكل لون لغة، فالأبيض للفرح، الأزرق للأمل، والأصفر للقطيعة، والأحمر للحب، والأسود للغضب.

وتابع "نحن بلد الشمس أكثر من 300 يوم مشمس بتونس في السنة أما في ألمانيا فكل شيء رمادي، الناس والمباني والسحاب رمادي وكنت أعمل على توليفة كيف أصل لأجد موضوعا يربط بين الاثنين تونس وألمانيا".

في ألمانيا هناك مزاحمة قوية بين الفنانين، فأختار تجسيد مواضيع من صميم الحياة (الأناضول) صراع الجذور

وحول تجربته في ألمانيا يقول العلاقي، "في ألمانيا هناك مزاحمة قوية بين الفنانين، فكان المطروح ما الموضوع الذي أختاره وما اللون الذي أختاره وكانت معركة بين الحضارة الفنية الأوروبية وجذوري التونسية، فاخترت أن أجسد مواضيع من صميم الحياة، وما يقع فيها وكيف يعيش الناس".

وتابع "ألمانيا لها تاريخها وأصولها وتقاليدها، في كولونيا يقام مهرجان وكرنفال يحضره نحو 3 ملايين شخص ونرى كيف الناس يرتبطون بمهرجان عمره أكثر من قرن والناس تتنافس في كيفية البروز بالزينة اليومية، وهذا يلفت انتباهي وأجسده في لوحات".

حياة الأتراك في ألمانيا لفتت انتباه العلاّقي وخاصة تمسك النساء بالتقريطة، غطاء الرأس التقليدي (الأناضول) تركيا مصدرا للإلهام أيضا

ويعتبر ما يراه في أسفاره "كنزا" يظل في داخله، فهو لا ينسى ما رآه في إيطاليا وتركيا وبخاصة جامع السلطان أحمد، وأسواق إسطنبول، مستذكرا أسواق تونس، والمأكولات في المطاعم لها طابع خاص إذ يأتونك بطبق واحد فيه كل شيء.

حياة الأتراك في ألمانيا لفتت انتباه العلاّقي وخاصة تمسك النساء بالتقاليد إلى حد الآن يستعملن التقريطة (غطاء رأس تقليدي)، رغم أنهن يلبسن لباسا عصريا ولكن التقريطة حاضرة وكانت موضوعا لبعض لوحاته.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الفنون الجمیلة الحیاة الیومیة فی ألمانیا فی تونس

إقرأ أيضاً:

عشاء السيسي وماكرون .. حكاية مطعم نجيب محفوظ في خان الخليلي

في قلب القاهرة القديمة ، وسط أصالة المصريين البسطاء، بعيداً عن أي تكلف ومراسم فخمة، تحت ضي القناديل والطعم المصري الأصيل للأكلة الشعبية، تجد نفسك في قلب التاريخ، الجدران تحكي الحكايات ورائحة مصر القديمة تملأ الأرجاء، هنا تحديداً داخل منطقة خان الخليلي ومطعم نجيب محفوظ الكائن في 5 درب البادستان في منطقة خان الخليلي.

السيسي وماكرون

عشاء لن ينساه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي لم يخطر على باله وهو في طريقه إلى مصر، أنه سيجد ذاته جالساً بجوار الرئيس السيسي في مطعم عريق داخل منطقة شعبية هي الأكثر ازدحاماً في القاهرة القديمة ولا يستطيع المصريون ذاتهم السير بداخلها بسهولة من كثرة الزحام ، ربما كان يتوقع أن يجد نفسه في مأدبة عشاء فخمة بقصر الرئيس ويحيطه الوزراء والمسئولون، لكن الأمر برمته كان مفاجأة ورسالة قوية للعالم في نفس الوقت.

السيسي وماكرون

لفتة ذكية من الرئيس السيسي الذي قرر أن يصطحب نظيره الفرنسي في جولة فريدة من نوعها لم يعشها رئيس من قبله، ليصبح هذا المطعم هو الأشهر في العالم حالياً بعدما جمع الرئيسين المصري والفرنسي وشهد العالم على هذا اللقاء من خلال الفيديوهات التي خرجت من أرجاء خان الخليلي.

السيسي وماكرون

لكن هل تعرف قصة مطعم نجيب محفوظ العريق؟.. وهل كان ملكاً للأديب المصري أم أُطلق أسمه عليه من باب التكريم لمسيرته؟

يقع مقهى ومطعم نجيب محفوظ في درب " حارة" البادستان داخل خان الخليلي، تم افتتاحه عام 1989، أي بعد عام واحد من حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل في 1988 ، وذلك بعد تجهيزات دامت خمس سنوات . 

لكن في الواقع المطعم ليس ملكاً لنجيب محفوظ، ولكن أديبنا العالمي كان من رواد المقهى، يزوره باستمرار ويجلس فيه بالساعات يستحي قهوته ويقضي أمسياته داخل المطعم ليصبح زبوناً دائماً بالمكان.

مقهى نجيب محفوظ

ومن هنا قررت إدارة المطعم الذي كان يحمل اسم خان الخليلي، لتغيير اسمه على اسم الأديب نجيب محفوظ، وفي ليلة كان يجلس نجيب في المقهى وفوجئ بأصحاب المكان يعرضون عليه تسمية المكان على اسمه، ووافق على الفكرة وقام بالإمضاء وكتابة توقيعه على جدران المطعم ، ومن وقتها تم فصل المطعم عن المقهى، وأصبح المطعم باسم خان الخليلي، أما المقهى باسم نجيب محفوظ . 

مقهى نجيب محفوظقصة مطعم نجيب محفوظ

هذا المكان التاريخي استغرق إعداده وتجهيزه حوالي 5 سنين، تم تصميمه بديكورات عربية وبنقوش دقيقة وفوانيس تاريخية نحاسية، وعلى الأسقف نجف مزين بآيات من القرآن الكريم، ويتميز المكان بالمفروشات الفاخرة يجعلك تشعر أنك عدت بالزمن إلى العصر الفاطمي، خاصة مع لحظة دخلوك المطعم ليستقبل موظف الاستقبال بالزي القديم والطربوش.

وعلى جدران الحوائط توجد صور نجيب محفوظ في كل مكان، تجعل من يجلس بداخله يعتقد أنه المالك الأصلي للمكان، لكن الحقيقة أن المقهى كرس جدرانه وتاريخه لتكريم نجيب محفوظ بالشكل الذي يليق به . 

مطعم نجيب محفوظ

يعمل المطعم والمقهى من 10 صباحاً وحتى الثانية بعد منتصف الليل بسبب طبيعة المكان وسط قلب القاهرة والمناسبة للسهر وقضاء أمسيات مختلفة، وبمجرد أن تدق الساعة التاسعة مساءً تبدأ فرقة موسيقية شرقية في عزف وغناء الأغاني القديمة والطرب، لتجد نفسك في أجواء مصرية قديمة ناسياً عصر التكنولوجيا الحالي . 

مقهى نجيب محفوظمنيو مطعم نجيب محفوظ

أما عن الطعام، فيقدم مطعم نجيب محفوظ كافة الأكلات المصرية الأصيلة الشهيرة، بداية من الكشري وحتى الممبار والكبدة الاسكندراني والفتة والملوخية المصرية على أصولها . 

السيسي وماكرون في خان الخليلي

مقالات مشابهة

  • الخطوط الجوية السورية ‏تعلن عن مسابقة مفتوحة لتحديث هويتها البصرية
  • تشييع طالب تونسي قضى أثناء تعليقه العلم الفلسطيني فوق مبنى كلّيته  
  • ندوة صلاح أبو سيف بمحبي الفنون الجميلة.. غدا
  • القاهرة الإخبارية ترصد تفاصيل خطة إسرائيل لجعل رفح الفلسطينية منطقة عازلة
  • تفاصيل زيارة السيسي وماكرون للعريش.. صور ترصد الجولة التاريخية
  • وفاة شاب تونسي أثناء محاولته رفع علم فلسطين فوق بناية عالية
  • سعد آباد.. حكاية القصور الملكية في قلب طهران
  • سقط وهو يرفع الراية .. استشهاد طالب تونسي خلال تعليق العلم الفلسطيني
  • 6 صور ترصد تفاصيل القمة المصرية الفرنسية الأردنية بشأن الوضع في غزة
  • عشاء السيسي وماكرون .. حكاية مطعم نجيب محفوظ في خان الخليلي