لجريدة عمان:
2025-04-07@01:02:45 GMT

إخراج الفلسطينيين من غزة

تاريخ النشر: 25th, November 2023 GMT

ترجمة: بدر بن خميس الظفري -

قبل ستة وخمسين عاما، بعد انتصار إسرائيل في حرب الأيام الستة عام 1967، دار نقاش طويل بشأن مستقبل الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلتين حديثا في ذلك الوقت. وتعددت الآراء بين ضم إسرائيل للأراضي بشكل كامل، أو إعادة الضفة الغربية إلى الأردن، أو إقامة دولة فلسطينية.

والدي، عزيز شحادة، كان من أنصار الرأي الأخير، فكونه محاميا وناشطا في مجال حقوق اللاجئين، اقترح إقامة دولة فلسطينية تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل.

وحثت واشنطن حينها إسرائيل على ترجمة موقفها غير المحدد بشأن التسوية إلى شروط واضحة ملموسة.

وفي خضم الهجوم الإسرائيلي الوحشي على غزة، تحث الولايات المتحدة إسرائيل مرة أخرى على وضع خطة للمستقبل، إلا أن إسرائيل، كما كان الحال في عام 1967، تركز طموحاتها المندفعة الآن على الاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من الأراضي، والتخلص من أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين.

في عام 1967، كان السياسيون الإسرائيليون مُصَرِّينَ على الاحتفاظ بقطاع غزة المحتل، ففي وقت مبكر من 8 يونيو 1967، صرحت غولدا مائير، الأمينة العامة لحزب (ماباي) الحاكم آنذاك، في اجتماع للجنة السياسية للحزب بأنها تؤيد «التخلص من العرب». وقد نص قرار مجلس الوزراء الإسرائيلي رقم 563، الصادر في 19 يونيو 1967، على أنه «بحسب الحدود الدولية، يقع قطاع غزة داخل أراضي دولة إسرائيل». ومع ذلك، ونظرا للعدد الكبير من السكان الفلسطينيين في غزة، فإن ضم الأراضي، كما حدث في القدس الشرقية، لم يكن خيارا قابلا للتطبيق.

ولم يكن الطرد الجماعي للفلسطينيين من غزة ممكنا أيضا بينما كان العالم يراقب. لذلك استخدمت استراتيجيات أخرى، كان أولها جعل الحياة لا تطاق، من خلال الحكم بقبضة من حديد وإبقاء مستوى المعيشة منخفضا للغاية. والثاني: تشجيع الهجرة وقد اعتمدت هذه الاستراتيجية، التي أشرف عليها شخصيا رئيس الوزراء ليفي إشكول، على الحوافز المالية. وبحلول منتصف عام 1968، كان عشرات الآلاف قد غادروا قطاع غزة، معظمهم إلى الأردن التي قررت لاحقا التوقف عن قبولهم، فكثفت إسرائيل محاولاتها لتعزيز هجرة الفلسطينيين إلى دول غير عربية مثل البرازيل ودول أخرى في أمريكا الجنوبية، وكذلك كندا وأستراليا، ولكن دون نجاح يذكر. وفي النهاية، لم تحقق أي من هذه الاستراتيجيات نتائج مهمة، مما دفع (إشكول) إلى الرثاء قائلا: «ما زلت لا أعرف كيف أتخلص منهم».

وبعد مرور أكثر من خمسة عقود، وحتى مع فرض حصار دام 16 عاما على القطاع، فمن الواضح أن أيا من هذه الاستراتيجيات لم ينجح، بل إنّ معظم السكان الفلسطينيين في غزة، الذين يتألفون بشكل رئيسي من لاجئي عام 1948 عند الإعلان عن قيام دولة إسرائيل، بقوا هناك وازداد عددهم من 400 ألف إلى 2.2 مليون. والآن، ومع الحرب على غزة، يبدو أن إسرائيل تغتنم الفرصة لتنفيذ ما لم يكن ممكنا في كل السنوات السابقة.

في أعقاب عمليات القتل التي وقعت في السابع من أكتوبر، شنت إسرائيل ضربة موسعة ضد حماس، بدعوى تدمير قوتها العسكرية، مدعومة بدعم شعبي متعاطف. لكن كما أخبرني زميلي الناشط في مجال حقوق الإنسان (راجي الصوراني)، الذي يعيش في مدينة غزة، عبر الهاتف قبل أيام، فإن الحرب التي يعيشها ليست ضد حماس؛ فإسرائيل تقصف بالقنابل مواقع مكتظة بالسكان المدنيين.

تشير الأحداث إلى استراتيجية إسرائيلية تتمثل في إفراغ شمال غزة من سكانها الفلسطينيين. ففي ظل القصف الهائل الذي ألحق أضرارا بما لا يقل عن 222 ألف وحدة سكنية، ورفض قبول وقف إطلاق النار لمنع دخول الإمدادات الأساسية المنقذة للحياة، كل هذا يدل على الضغط الهائل الذي يتعرض له السكان الفلسطينيون للتحرك جنوبا، وبالتالي التطهير العرقي لسكان الشمال. وليس صحيحا أنّ هذه الاستراتيجية تهدف إلى إبقاء المدنيين بعيدا عن الأذى، كما أعلنت إسرائيل، أو أنّ إسرائيل ستتراجع عنها بعد انتهاء الحرب، فعندما يتوقف القتال، لن يكون هناك سوى عدد قليل من المباني في الشمال التي لا تزال قائمة ليعود إليها الناس لاستعادة منازلهم وسبل عيشهم.

اليوم، بعد ما يقرب من ستة عقود من الجهود الفاشلة التي بذلها والدي لإقناع الحكومة الإسرائيلية بصنع السلام مع الفلسطينيين على أساس تقاسم الأرض، أشعر بالعواقب المروعة لهذا الفشل. إن مقتل 11 ألف شخص على يد القوات الإسرائيلية، والهجمات التي تجري في الضفة الغربية من قبل كل من الجيش الإسرائيلي والمستوطنين اليهود والتي أدت إلى مقتل 200 فلسطيني، وفشل العالم في ردع تجاوزات إسرائيل، كل هذا بث خوفا عميقا في نفسي.

إنّ صرخات ذاك الرجل الذي يحمل الجنسية الأيرلندية الفلسطينية المزدوجة، ويعيش في مخيم الشاطئ في غزة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط لا تزال ترن في أذني، إذ قال لمراسل الجزيرة: إن مخيمه يتعرض للقصف من جميع الجهات من قبل إسرائيل، وتساءل عما إذا كان سينجو، فقد كان في الظلام ولم يكن هناك سوى شعلة تضيء وجهه، وتساءل عن مقدار المعاناة التي يجب أن يتحملها قبل أن يوقف العالم هذه الحرب، ثم سأل المشاهدين بشكل مؤثر: «هل تستمتعون بهذا؟» ولا أدري إن كان قد نجا من القصف الإسرائيلي. وكان هناك رجل آخر يقول: «إنهم يقصفون المخيم بشكل مستمر، ونحن نخرج من منزلنا، وسننتقل إلى مستشفى الشفاء». ثم خاطب المراسل متوسلا: «افعلوا شيئا، قوموا بعمل ما». لقد فكرت فيه بينما كان المستشفى محاصرا من قبل الجيش الإسرائيلي.

لقد تحطم الآن كل ما كان يمنحني الأمل في أنه عندما يصل العنف إلى نقطة غير معقولة وتُرتكب انتهاكات مفرطة لحقوق الإنسان، فإن إسرائيل ستتوقف. لقد كنت أؤمن بأننا سنحظى بالحماية بموجب القانون الإنساني الدولي، أو بصرخة احتجاج من الجمهور الإسرائيلي ضد تجاوزات حكومتهم ، ولكن في هذه المرحلة لا أرى أي أمل في أي منهما. ولا يبدو أن هناك أملا في أن تستيقظ إسرائيل من وهم مفاده أن الحرب والعنف ضد الفلسطينيين، وقوتها العسكرية المنيعة، من شأنها أن يمنحها السلام والأمن. إن هذا الحال يتركنا، نحن الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ضعفاء ونواجه خطرا جسيما على حياتنا ووجودنا المستقبلي في هذه الأرض.

ومع ذلك، وعلى الرغم من كل ذلك، أجد نفسي أردد كلمات صديقي (راجي الصوراني)، الصديق الذي مررنا معا بالكثير من المآسي على مدى العقود الماضية، والذي كتب الأسبوع الماضي في مجلة جاكوبين: «نحن نستحق العدالة ونستحق الحرية، ونعتقد أننا على الجانب الصحيح من التاريخ وأننا حجارة الوادي، وعلى الرغم من ضخامة التحديات التي نواجهها، فإن الناس هنا لا يستسلمون.

رجا شحادة محام وكاتب فلسطيني، ومؤسس منظمة (الحق) لحقوق الإنسان.

عن ذي جارديان البريطانية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الفلسطینیین فی ما کان لم یکن

إقرأ أيضاً:

حماس: لن ننقل "الرهائن" من المناطق التي طلبت إسرائيل إخلائها

حذرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، إسرائيل الجمعة من أن هجومها العسكري في قطاع غزة يجعل الرهائن في ظروف "خطيرة للغاية"، موضحة أن نصفهم موجود في مناطق طلب الجيش الإسرائيلي إخلاءها.

وقال المتحدث باسم الكتائب أبو عبيدة في بيان إن "نصف أسرى العدو الأحياء يتواجدون في مناطق طلب جيش الاحتلال إخلاءها في الأيام الأخيرة".

وأضاف "قررنا عدم نقل هؤلاء الأسرى من هذه المناطق، وإبقاءهم ضمن إجراءات تأمين مشددة لكنها خطيرة للغاية على حياتهم".

وتابع أبو عبيدة "إذا كان العدو معنياً بحياة هؤلاء الأسرى فعليه التفاوض فوراً من أجل إجلائهم أو الإفراج عنهم"، مُحملاً "كامل المسؤولية عن حياة الأسرى" لحكومة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو.

الجيش الإسرائيلي يوسع عملياته في شرق مدينة غزة - موقع 24أعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم الجمعة، توسيع عمليته البرية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، قائلاً إن قواته بدأت العمل في المنطقة خلال الساعات الماضية "بهدف تعميق السيطرة وتوسيع منطقة التأمين الدفاعية".

بعد شهرين من هدنة هشة أتاحت الإفراج عن 33 رهينة (ثمانية منهم أموات) مقابل إطلاق سراح نحو 1800 معتقل فلسطيني في السجون الإسرائيلية، استأنفت إسرائيل هجومها العسكري في قطاع غزة، وزادت من وتيرة القصف وأعادت جنودها إلى العديد من المناطق التي انسحبت منها خلال وقف إطلاق النار.

ويصر نتانياهو وحكومته، على عكس رغبة معظم عائلات الرهائن وأقاربهم وفئة كبيرة من الإسرائيليين، على أن زيادة الضغط العسكري هو السبيل الوحيد لإجبار حماس على إعادة حوالى ستين رهينة، أحياء وأمواتا، ما زالوا في قطاع غزة.

مقالات مشابهة

  • «باحث أمريكي»: الإعلام الإسرائيلي يهدف إلى شق الصف العربي بترويج قبول دول استقبال الفلسطينيين
  • حماس: لن ننقل "الرهائن" من المناطق التي طلبت إسرائيل إخلائها
  • خبير سياسي لـ «الأسبوع»: تصريحات إسرائيل حول موافقة دول على استقبال الفلسطينيين تستوجب تحركا عربيا ودوليا حازما
  • حماس: لن ننقل "الرهائن" من المناطق التي طلبت إسرائيل إخلائها
  • خبير: إسرائيل تهدف لتحويل غزة إلى منطقة استعمارية عبر إخلائها من الفلسطينيين
  • خبير عسكري: إسرائيل تدفع الفلسطينيين للموت أو الهجرة القسرية
  • مسئولة أممية تدعو المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل لوقف العدوان وحماية الفلسطينيين
  • عاجل | السيد القائد: العدو الإسرائيلي استأنف الإجرام منذ أكثر من نصف شهر بذات الوحشية والعدوانية التي كان عليها لمدة 15 شهرا
  • الرياض تدين التصعيد الإسرائيلي بحق الفلسطينيين
  • الديب أبوعلي: إسرائيل تعمل على تطهير غزة عرقيا والقاهرة تدافع وحدها عن الفلسطينيين