لجريدة عمان:
2025-06-30@22:00:21 GMT

الأسرة نافذة السياسات العامة

تاريخ النشر: 25th, November 2023 GMT

تستخلص هذه المقالة بعض أفكارها من الورقة البحثية التي ناقشتها الأسبوع الفائت في المؤتمر الدولي السنوي الثامن متعدد التخصصات لمركز دراسات الخليج في جامعة قطر، والذي عقد بالتعاون مع معهد الدوحة الدولي للأسرة تحت عنوان: الأسرة في منطقة الخليج: الاستمرارية والتغيير. حملت الورقة التي قدمتها عنوان: «الأسرة والسياسات العامة المستجدة في سلطنة عُمان: أي تغير في التركيب؟»، وناقشت جملة من السياسات الاجتماعية والاقتصادية التي انتهجتها الدولة في عُمان منذ عام 2020 حتى 2023 وما التأثيرات المحتملة لها على تركيب الأسرة.

في الواقع هناك سؤال محوري: لماذا نفكر في الأسرة في اللحظة الراهنة من تركيب المجتمع في عُمان؟ وأزعم أن هنالك أربعة دوافع تُلح بضرورة توسيع النقاش حول وضع وتركيب الأسرة في عُمان اليوم: أولها حداثة السياسات العامة وجدتها، وضرورة توقع وقياس تأثيرها المباشر وغير المباشر على (البنى - الاتجاهات - التركيب - التفضيلات - التماسك) الأسري، قد يبدو لبعض الراصدين علامتين أساسيتين؛ أولهما صعوبة القياس في اللحظة الراهنة لحداثة السياسات، وثانيهما الحاجة إلى نهج يستطيع التفريق بين قياس تأثير السياسات على الأفراد، وعلى الأسرة. وفي كلتا الحالتين نعتقد أن اللحظة الراهنة تتطلب تكثيف الدراسة عن موضوع الأسرة من خلال أربع خطوات أساسية: الأول فهم تغيرات التركيب الاجتماعي والاقتصادي الذي مرت به الأسرة -خلال عقد على الأقل- والثانية: استطلاع رأي الأفراد وأرباب الأسر حول رؤيتهم إزاء السياسات العامة المستجدة وإمكانية تأثيرها على التركيب الأسري، أما المرحلة الثالثة: فهي التعمق في دراسة الممارسات المباشرة التي انتهجتها الأسرة للتكيف أو للاستثمار في السياسات العامة المستجدة، وصولا للمرحلة الرابعة التي تعنى بالقياس الفعلي للتأثير، والذي قد يكون على موجات زمنية دورية متعاقبة.

ولنقرّب الصورة بمثال عملي، فسياسات العمل الجديدة، وسياسات دعم العمل الحر، وتحفيز إنشاء المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي أقرت خلال الثلاث سنوات الماضية، يفترض بها أن تدفع عددا أوسع من أفراد الأسرة للالتحاق بالفرص الوظيفية المتاحة في القطاع الخاص (متى ما توفرت تلك الفرص وقُرنت بما يناسب مؤهلاتهم)، وأن تدعم الأسر أفرادها وخصوصا في مراحل التخرج وتهيئ لهم البيئة المناسبة للانخراط في تأسيس مشروعاتهم الصغيرة والمتوسطة، كما تدعم من لديهم مهارات ومواهب للاستثمار في تهيئة بيئة أعمال العمل الحر وتنشيطها، وتؤكد على استقرار الفرد وتقليل اتجاهات تفكيره في الدوران الوظيفي في القطاع الخاص، وتمنح الأسرة فرصا أفضل للاعتناء ورعاية مرحلة الطفولة المبكرة، وتحسن اتجاهات ومفاهيم الصحة الإنجابية لدى الأسر، وتدفع بجزء من التشاركية بين الآباء والأمهات في تقاسم الأدوار، والانسجام مع الموازنة بين الحياة الأسرية والحياة المهنية.

هذه (بعض) الآثار المحتملة، وكل أثر يمكن قرنه بمادة من القوانين واللوائح أو سياسة تم إقرارها. فهل سيحدث هذا فعلا في ظل توقعات الأسر؟ وهل سيتحقق حتما بعد مدة من أقرار هذه السياسات ونفادها؟ يمكن قياس نموذج هذه السياسات على أشكال أخرى من السياسات، وقد نجد من بينها: سياسات اللامركزية، التي يفترض أن تدفع في جانب من جوانبها للحد من الهجرات الأسرية إلى المركز، وتستطيع تحقيق توطين الخبرات والإنفاق والكتلة السكانية والاقتصادية داخل سياق المحافظة الجغرافي، وبالتالي تمكين الأسرة من المحافظة على امتدادها داخل حيزها الثقافي والجغرافي وتحقيق الانسجام والتربية الجيدة للأبناء. ونماذج أخرى يمكن قياسها مثل: سياسات الزواج من الخارج، والسياسات الضريبية ومدى تأثيرها على السلة الاستهلاكية للأسر، وكذلك سياسات التدرج في رفع الدعم وعلاقتها بالقدرة الاقتصادية للأسرة، عوضا عن الموضوع الموسع في سياسات الحماية الاجتماعية.

أما الدافع الثاني الذي يُلح للتفكير في الأسرة في الوقت الراهن فهي جدلية (هل نوسع الكتلة السكانية لنخلق قدرة اقتصادية استهلاكية) أم (نظل على مقاربة الاستثمار في تحسين رأس المال البشري). في الواقع -كمحللين للسياسات العامة- فإن ما نقرأه من مجمل سياسات التنمية الاجتماعية والاقتصادية خلال خمسة عقود ماضية في سلطنة عُمان هو ترجيح واضح لسياسات الاستثمار في تحسين رأس المال البشري، ولكن هل هناك اتجاه آخر يمكن اليوم تبينه؟ نعتقد أن وجود سياسة أسرية -كما ألمحنا إلى ضرورة ذلك في مقالات عديدة سابقة- هو الكفيل بالإجابة على هذا التساؤل وحسمه، وهذا التساؤل في ذاته سيصوغ ويوجه مسار واتساق العديد من السياسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي يمكن تبينها في السنوات والعقود القادمة.

لا يمكن أن نغفل الدافع الثالث الذي يمثل في «الانتقال الأسري»، وهو غالبا ما يُمثل بمعدلات الخصوبة، والتي هي أيضا سؤال يصعب التنبؤ به على مستوى الأسرة في عُمان، حيث تشير بيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات إلى انخفاض خصوبة العُمانيات خلال الفترة بين 1993 و 2003 بشكل كبير من حوالي 6.2 مولود في تعداد 1993 ثم إلى 3.4 مولود في تعداد 2003 ثم ارتفعت إلى 3.7 في 2010. فيما تشير بيانات عام 2022 إلى أن معدلات الخصوبة وصلت إلى حدود 3.2 وبعيدا عن مقارنة المعدل في سياقه الخليجي، السؤال الذي يطرح في هذا السياق: هل تأتي حالات الارتفاع والانخفاض هنا كنتيجة مباشرة للسياسات المقرة، سواء تلك السياسات التي تعنى بشكل مباشر بالمباعدة بين الولادات وتنظيم الأسرة، أو الأوضاع الاقتصادية والمفاهيم والقيم الموجهة للأجيال، أو الأفكار المتبناة عبر الثقافة الفرعية، أم أن كل هذه الارتفاعات والانخفاضات هي تطور طبيعي للمجتمع؟ نعتقد أن هذه المسائل في ذاتها تدفع للتفكير كذلك في صلب السياسة الأسرية.

أما الدافع الرابع والأخير، فهو الدافع القيمي والتربوي -والذي أكدت عليه القيادة السياسية في أكثر من موضع وخطاب- ونعتقد أن فهم الوضع القيمي للأسرة يرتبط أيضا بتوسيع نطاق البحث حول المصادر القيمية المهيمنة والغالبة على تكوين منظومة القيم داخل الأسرة وحولها، وتحديد ماهية القيم المطلوبة والمؤكدة والتوافق عليها، وإعادة التفكير في الآليات التي تقدم بها القيم. قد يكون الوقت الراهن يتطلب ربط تلك القيم برموز معاينة، أو بشخصيات ملهمة ومؤثرة، وقد يتطلب إعادة التفكير في الآليات التي تقدم بها في مؤسسات العلم والمعرفة، أو وسائط الإعلام. كل ذلك نعتقد بأنه مرتهن بإعادة دراستها والتوافق عليها. وفي المجمل العام فإننا نعتقد أنه بات من الضرورة إفراد مساحات مؤسسية لدراسة الأسرة، وقد يرقى الأمر لإيجاد مركز وطني متخصص يعنى بذلك. ويمكن من الربط المباشر بصناعة السياسات العامة، كما يكون دوره في توليد بيانات وأفكار واقتراح سياسات مباشرة لمواجهة التحديات التي تواجه الأسرة، أو تعزيز الاستثمار في تكوينها واستمرارها وتضامنها.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: السیاسات العامة الأسرة فی نعتقد أن فی ع مان

إقرأ أيضاً:

حفلات التخرج الخاصة.. عرف فرضه مجتمع وسائل التواصل

العين: منى البدوي

بذخ وخروج عن نطاق المعقول، تحت مسمى «حفل تخرج»، يقيمه الأهالي لأبنائهم، حيث لا تكتفي بعض الأسر بالحفل الذي تقيمه المؤسسة التعليمية للطلبة الخريجين، بهدف مشاركتهم الفرحة وتحفيزهم لمواصلة المشوار الدراسي، بل عمدت إلى إقامة حفلات خاصة ترتدي ثوب حفلات الزفاف، سواء في التجهيزات داخل قاعة الاحتفال، أو الاستعدادات المصاحبة من ملابس وبوفيه عشاء وفرق فولكلورية.

بالرغم من أن مشاركة الطالب وأسرته فرحة التخرج تكون لها انعكاسات إيجابية نفسية واجتماعية، فإن الخروج عن نطاق الإمكانات المادية قد يسبب ضغطاً على ولي الأمر، ويرى البعض أن حفلات التخرج الخاصة التي يقيمها بعض الأسر للاحتفاء بأبنائهم، باتت عرفاً فرضه مجتمع وسائل التواصل الاجتماعي الذي بات مضماراً للتنافس في عرض الإمكانات المادية والمكانة الاجتماعية.

50 ألف درهم

ارتدت حفلات التخرج الخاصة، التي غالباً ما يتم عرض مقاطع منها على وسائل التواصل الاجتماعي للتباهي والتفاخر، ثوب حفلات الزفاف، ليس فقط من حيث إرسال بطاقة دعوة إلكترونية تتضمن اسم الفندق أو القاعة والموعد المحدد للحفل وبوفيه العشاء والفرق الفولكلورية وترتيبات القاعة، وإنما من حيث التكلفة المالية التي قد تصل إلى 50 ألف درهم، بحسب ما أشار البعض، وهو إجمالي المدفوع الذي يتضمن التجهيزات داخل الصالة والاستعدادات المصاحبة التي يحتاجها أفراد الأسرة من ملابس وغيرها.

وقالت رشا درويش، موظفة، من الطبيعي أن نحتفل بإنجازات أبنائنا ضمن حدود المعقول والإمكانيات ودون الخروج عن نطاق ثقافتنا المحلية، وذلك لتحقيق عدة أهداف، أولها إفساح المجال لجميع أفراد العائلة للمشاركة في الفرح، وهو ما يسهم في بث مشاعر الفرح في نفس الخريج وشحذه بالهمة لمواصلة مشواره التعليمي أو العملي وأيضاً إشعاره بالإنجاز الذي حققه.

وأضافت أن ما نراه اليوم من مظاهر دخيلة امتدت لحفلات التخرج، يجعلنا نشعر بالاستياء، وهو ما أعتقد أن أسبابه تعود إلى وسائل التواصل الاجتماعي، والتي خلقت عرفاً دخيلاً على مجتمعنا يتمثل بضرورة إقامة حفل فاخر جداً، وإن كان ذلك يفوق الإمكانيات المادية أو يدفع ولي الأمر للاقتراض.

وأكدت ضرورة أن يكون ولي الأمر على درجة عالية من الوعي، والاكتفاء بالحفل المدرسي أو إقامة حفل عائلي بسيط يُشعر الطالب بإنجازه وهو ما سيحقق العديد من الأهداف المعنوية المرجوة.

الرغبات والإمكانيات

ذكرت فادية سويدان، موظفة، أن حفلات التخرج باتت عرفاً رائجاً بين أفراد المجتمع، وذلك لأن الحفلة التي تتم إقامتها في المؤسسة التعليمية تقتصر على الطالب وأسرته، بينما حفل التخرج يجمع الأهل والأصدقاء الذين يرغبون بمجاملة أسرة الطالب وتقديم التهاني لهم.

وأشارت إلى أنه بالرغم من إيجابيات إقامة حفل يجتمع فيه الضيوف في يوم واحد، فإن البعض بدأ يأخذ منحنيات أخرى من حيث الهدف الرئيسي وهو المشاركة في الفرحة وتقديم المجاملات، وذلك بالمبالغة في دفع تكاليف الصالة وأعداد الضيوف وإكسسوارات الزينة والهدايا الرمزية التذكارية التي يتم تقديمها للضيوف وغيرها.

وقالت إن الأسرة يجب أن تكون قادرة على التنسيق ما بين رغبات الابن وإمكانياتها المادية، بحيث لا يكون الظهور بمستوى اجتماعي مرتفع على حساب ضغط الأسرة، خاصة أن التكاليف لا تقتصر فقط على الاستعدادات داخل القاعة، إنما تمتد للملابس وتكاليف التزيين بالصالونات النسائية وغيرها من التحضيرات الأخرى المصاحبة لأي حفل.

المبالغة

قالت عبير صبري، ولية أمر، إن ابنتها تطالبها بإقامة حفل خاص، لأن جميع زميلاتها بالفصل سيقمن حفلات، بالرغم من أن المدرسة قد نظمت حفلاً رائعاً، وهو ما يجعلها ترضخ لطلبها، ولكن مع الأخذ في الاعتبار أن يتناسب الحفل البسيط مع الإمكانيات المادية.

وأشارت إلى أن إقامة حفل لا يعني بالضرورة البذخ أو تقليد الغير على حساب ضغط الأسرة مادياً، وهو ما أحاول أن أقنع به أبنائي، خاصة أن المبالغة في الحفلات يتنافى مع عاداتنا وتقاليدنا وقيمنا، إضافة إلى أن المبلغ المادي الذي سيتم دفعه من الأولى أن يتم صرفه على التعليم أو الحياة المعيشية بشكل عام.

اختيارات الزبون

قال غسان النمر صاحب إحدى شركات خدمات الأفراح، إن حفلات التخرج واحدة من سبل التعبير عن مشاعر الفرح بتخرج الابن أو الابنة، كما أنه فرصة لاجتماع المهنئين في يوم واحد بدلاً من أن تستعد الأسرة يومياً لاستقبالهم في المنزل.

وأضاف أن طلبات تنظيم هذه الحفلات تندرج ضمن الخدمات التي نقدمها للزبائن وفقاً لطلباتهم وإمكانياتهم المادية، وهو ما يتراوح بين 4 إلى 30 ألف درهم، ويتم تحديد السعر بناء على ما يتم إدراجه من طلبات، سواء تقديم بوفيه عشاء فاخر أو متوسط ومنصة تخرج تتضمن صورة للخريج إضافة إلى شخص يقوم بتشغيل وتنسيق الأغاني ومقاعد معينة للضيوف وعاملات لتقديم الضيافة وغيرها، ويبقى الاختيار في نهاية المطاف للزبون.

مقالات مشابهة

  • «شؤون الوطني» تعتمد محاور موضوع حماية الأسرة ومفهومها
  • الأسرة والمجتمع في فكر المسيرة القرآنية
  • حفلات التخرج الخاصة.. عرف فرضه مجتمع وسائل التواصل
  • إنقاذ حياة شاب مصاب بإصابات حرجة بمستشفى الأمير عبدالمحسن بالعلا
  • قوة المجتمع في ترابطه الأسري وتماسكه
  • نهر النيل: بداية التقديم الإلكتروني للجامعات عبر نافذة الوزارة بالدامر اعتباراً من السبت
  • نتنياهو: النصر على إيران يفتح نافذة لتوسيع اتفاقيات السلام
  • بالفيديو.. مختص: الصين تشترط المشاورات المتكافئة لحل الخلافات مع الولايات المتحدة وترفض سياسات ترامب
  • اختبار دم بسيط يمكن أن يحدد المدة التي قد تعيشها
  • تركيا.. وزيرة الأسرة: الشباب يتجنبون الزواج!