لجريدة عمان:
2024-06-29@22:59:30 GMT

الأسرة نافذة السياسات العامة

تاريخ النشر: 25th, November 2023 GMT

تستخلص هذه المقالة بعض أفكارها من الورقة البحثية التي ناقشتها الأسبوع الفائت في المؤتمر الدولي السنوي الثامن متعدد التخصصات لمركز دراسات الخليج في جامعة قطر، والذي عقد بالتعاون مع معهد الدوحة الدولي للأسرة تحت عنوان: الأسرة في منطقة الخليج: الاستمرارية والتغيير. حملت الورقة التي قدمتها عنوان: «الأسرة والسياسات العامة المستجدة في سلطنة عُمان: أي تغير في التركيب؟»، وناقشت جملة من السياسات الاجتماعية والاقتصادية التي انتهجتها الدولة في عُمان منذ عام 2020 حتى 2023 وما التأثيرات المحتملة لها على تركيب الأسرة.

في الواقع هناك سؤال محوري: لماذا نفكر في الأسرة في اللحظة الراهنة من تركيب المجتمع في عُمان؟ وأزعم أن هنالك أربعة دوافع تُلح بضرورة توسيع النقاش حول وضع وتركيب الأسرة في عُمان اليوم: أولها حداثة السياسات العامة وجدتها، وضرورة توقع وقياس تأثيرها المباشر وغير المباشر على (البنى - الاتجاهات - التركيب - التفضيلات - التماسك) الأسري، قد يبدو لبعض الراصدين علامتين أساسيتين؛ أولهما صعوبة القياس في اللحظة الراهنة لحداثة السياسات، وثانيهما الحاجة إلى نهج يستطيع التفريق بين قياس تأثير السياسات على الأفراد، وعلى الأسرة. وفي كلتا الحالتين نعتقد أن اللحظة الراهنة تتطلب تكثيف الدراسة عن موضوع الأسرة من خلال أربع خطوات أساسية: الأول فهم تغيرات التركيب الاجتماعي والاقتصادي الذي مرت به الأسرة -خلال عقد على الأقل- والثانية: استطلاع رأي الأفراد وأرباب الأسر حول رؤيتهم إزاء السياسات العامة المستجدة وإمكانية تأثيرها على التركيب الأسري، أما المرحلة الثالثة: فهي التعمق في دراسة الممارسات المباشرة التي انتهجتها الأسرة للتكيف أو للاستثمار في السياسات العامة المستجدة، وصولا للمرحلة الرابعة التي تعنى بالقياس الفعلي للتأثير، والذي قد يكون على موجات زمنية دورية متعاقبة.

ولنقرّب الصورة بمثال عملي، فسياسات العمل الجديدة، وسياسات دعم العمل الحر، وتحفيز إنشاء المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي أقرت خلال الثلاث سنوات الماضية، يفترض بها أن تدفع عددا أوسع من أفراد الأسرة للالتحاق بالفرص الوظيفية المتاحة في القطاع الخاص (متى ما توفرت تلك الفرص وقُرنت بما يناسب مؤهلاتهم)، وأن تدعم الأسر أفرادها وخصوصا في مراحل التخرج وتهيئ لهم البيئة المناسبة للانخراط في تأسيس مشروعاتهم الصغيرة والمتوسطة، كما تدعم من لديهم مهارات ومواهب للاستثمار في تهيئة بيئة أعمال العمل الحر وتنشيطها، وتؤكد على استقرار الفرد وتقليل اتجاهات تفكيره في الدوران الوظيفي في القطاع الخاص، وتمنح الأسرة فرصا أفضل للاعتناء ورعاية مرحلة الطفولة المبكرة، وتحسن اتجاهات ومفاهيم الصحة الإنجابية لدى الأسر، وتدفع بجزء من التشاركية بين الآباء والأمهات في تقاسم الأدوار، والانسجام مع الموازنة بين الحياة الأسرية والحياة المهنية.

هذه (بعض) الآثار المحتملة، وكل أثر يمكن قرنه بمادة من القوانين واللوائح أو سياسة تم إقرارها. فهل سيحدث هذا فعلا في ظل توقعات الأسر؟ وهل سيتحقق حتما بعد مدة من أقرار هذه السياسات ونفادها؟ يمكن قياس نموذج هذه السياسات على أشكال أخرى من السياسات، وقد نجد من بينها: سياسات اللامركزية، التي يفترض أن تدفع في جانب من جوانبها للحد من الهجرات الأسرية إلى المركز، وتستطيع تحقيق توطين الخبرات والإنفاق والكتلة السكانية والاقتصادية داخل سياق المحافظة الجغرافي، وبالتالي تمكين الأسرة من المحافظة على امتدادها داخل حيزها الثقافي والجغرافي وتحقيق الانسجام والتربية الجيدة للأبناء. ونماذج أخرى يمكن قياسها مثل: سياسات الزواج من الخارج، والسياسات الضريبية ومدى تأثيرها على السلة الاستهلاكية للأسر، وكذلك سياسات التدرج في رفع الدعم وعلاقتها بالقدرة الاقتصادية للأسرة، عوضا عن الموضوع الموسع في سياسات الحماية الاجتماعية.

أما الدافع الثاني الذي يُلح للتفكير في الأسرة في الوقت الراهن فهي جدلية (هل نوسع الكتلة السكانية لنخلق قدرة اقتصادية استهلاكية) أم (نظل على مقاربة الاستثمار في تحسين رأس المال البشري). في الواقع -كمحللين للسياسات العامة- فإن ما نقرأه من مجمل سياسات التنمية الاجتماعية والاقتصادية خلال خمسة عقود ماضية في سلطنة عُمان هو ترجيح واضح لسياسات الاستثمار في تحسين رأس المال البشري، ولكن هل هناك اتجاه آخر يمكن اليوم تبينه؟ نعتقد أن وجود سياسة أسرية -كما ألمحنا إلى ضرورة ذلك في مقالات عديدة سابقة- هو الكفيل بالإجابة على هذا التساؤل وحسمه، وهذا التساؤل في ذاته سيصوغ ويوجه مسار واتساق العديد من السياسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي يمكن تبينها في السنوات والعقود القادمة.

لا يمكن أن نغفل الدافع الثالث الذي يمثل في «الانتقال الأسري»، وهو غالبا ما يُمثل بمعدلات الخصوبة، والتي هي أيضا سؤال يصعب التنبؤ به على مستوى الأسرة في عُمان، حيث تشير بيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات إلى انخفاض خصوبة العُمانيات خلال الفترة بين 1993 و 2003 بشكل كبير من حوالي 6.2 مولود في تعداد 1993 ثم إلى 3.4 مولود في تعداد 2003 ثم ارتفعت إلى 3.7 في 2010. فيما تشير بيانات عام 2022 إلى أن معدلات الخصوبة وصلت إلى حدود 3.2 وبعيدا عن مقارنة المعدل في سياقه الخليجي، السؤال الذي يطرح في هذا السياق: هل تأتي حالات الارتفاع والانخفاض هنا كنتيجة مباشرة للسياسات المقرة، سواء تلك السياسات التي تعنى بشكل مباشر بالمباعدة بين الولادات وتنظيم الأسرة، أو الأوضاع الاقتصادية والمفاهيم والقيم الموجهة للأجيال، أو الأفكار المتبناة عبر الثقافة الفرعية، أم أن كل هذه الارتفاعات والانخفاضات هي تطور طبيعي للمجتمع؟ نعتقد أن هذه المسائل في ذاتها تدفع للتفكير كذلك في صلب السياسة الأسرية.

أما الدافع الرابع والأخير، فهو الدافع القيمي والتربوي -والذي أكدت عليه القيادة السياسية في أكثر من موضع وخطاب- ونعتقد أن فهم الوضع القيمي للأسرة يرتبط أيضا بتوسيع نطاق البحث حول المصادر القيمية المهيمنة والغالبة على تكوين منظومة القيم داخل الأسرة وحولها، وتحديد ماهية القيم المطلوبة والمؤكدة والتوافق عليها، وإعادة التفكير في الآليات التي تقدم بها القيم. قد يكون الوقت الراهن يتطلب ربط تلك القيم برموز معاينة، أو بشخصيات ملهمة ومؤثرة، وقد يتطلب إعادة التفكير في الآليات التي تقدم بها في مؤسسات العلم والمعرفة، أو وسائط الإعلام. كل ذلك نعتقد بأنه مرتهن بإعادة دراستها والتوافق عليها. وفي المجمل العام فإننا نعتقد أنه بات من الضرورة إفراد مساحات مؤسسية لدراسة الأسرة، وقد يرقى الأمر لإيجاد مركز وطني متخصص يعنى بذلك. ويمكن من الربط المباشر بصناعة السياسات العامة، كما يكون دوره في توليد بيانات وأفكار واقتراح سياسات مباشرة لمواجهة التحديات التي تواجه الأسرة، أو تعزيز الاستثمار في تكوينها واستمرارها وتضامنها.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: السیاسات العامة الأسرة فی نعتقد أن فی ع مان

إقرأ أيضاً:

محكمة كويتية تؤيد حبس أحد أفراد الأسرة الحاكمة في قضية الصندوق الماليزي

أيدت محكمة التمييز الكويتية حكما يقضي بحبس أحد أفراد الأسرة الحاكمة في الكويت لـ 10 سنوات، في القضية المعروفة بقضية "الصندوق الماليزي".

ونقلت وكالة "رويترز" عن مصادر قولها: إن "المحكمة أيدت اليوم الحكم، القاضي بحبس أحد أفراد الأسرة الحاكمة وهو نجل رئيس وزراء أسبق، وشريكه ووافدان اثنان 10 سنوات، وحبس محام سبع سنوات".

ويأتي الحبس حول تهم تتعلق بغسل الأموال في القضية المعروفة بقضية "الصندوق الماليزي"، كما ألزمت المحكمة المتهمين الخمسة برد مليار دولار وتغريمهم متضامنين مبلغ 183 مليون دينار.
وقال المحامي فواز الخطيب إن هذا الحكم نهائي، مضيفا أن هذا الحكم أصبح عنوانا للحقيقة ولا توجد وسيلة طعن عادية أخرى عليه.


ويقدر محققون ماليزيون وأمريكيون أنه تم اختلاس نحو 4.5 مليار دولار من الصندوق منذ تأسيسه في 2009، وأشاروا إلى تورط رئيس وزراء ماليزيا السابق نجيب عبدالرزاق وموظفين في بنك غولدمان ساكس ومسؤولين كبار في دول أخرى.

وتعتبر قضية الصندوق الماليزي من قضايا الفساد الكبيرة التي شغلت الرأي العام الكويتي، واتُهم بها عدد من الشخصيات الكويتية المعروفة، وامتدت خيوطها إلى دول عدة من بينها الكويت، واستغرقت القضية سنوات أمام المحاكم.

وكانت صحيفة "القبس" الكويتية، قد نشرت بتاريخ 18 آب/ أغسطس 2020 تحت عنوان "الكويت تطلب الأدلة من كوالالمبور"، حيث كشف ذلك التقرير عن مخاطبة النيابة العامة في الكويت للجهات القضائية في ماليزيا، وبعض المنظمات الدولية، من أجل الحصول على بعض المستندات المهمة، التي ستسهم في حسم هذه القضية.


وجمدت النيابة العامة حسابات المتهمين بتاريخ 6 حزيران/ يونيو 2020 بعد اشتباهها بمبالغ تتجاوز 1.8 مليار دولار دخلت حسابات المتهمين في الكويت، بلا تحديد لمصدر هذه الأموال.

وكانت النيابة العامة قد أعادت فتح ملف القضية في 2023، وذلك بعد توقف لمدة عامين بسبب تعثر وصول معلومات من جهات عالمية، لكن القضية لم يتم حفظها، إنما جُمدت لعدم توافر المعلومات خلال الفترة السابقة.

مقالات مشابهة

  • لماذا يجب علينا اليوم الاهتمام بالسياسات العامة؟
  • خبير سياسات دولية: ثورة 30 يونيو أعطت السيسي كل الصلاحيات لإعادة الاستقرار والأمن
  • أصبح مثل فلسطينيّ.. ترامب ينتقد سياسات بايدن بحرب إسرائيل وحماس
  • من هي الفتاة التي أشعلت الخلاف بين ترامب وبايدن خلال المناظرة الرئاسية؟
  • محكمة كويتية تؤيد حبس أحد أفراد الأسرة الحاكمة في قضية الصندوق الماليزي
  • الاتحاد الوطني للشغل يعاود الاحتجاج قبالة البرلمان ضد سياسات الحكومة
  • تقرير لـ"مطروح للنقاش".. هل تتسبب سياسات نتنياهو في غرق إسرائيل؟
  • تقرير لـ«مطروح للنقاش».. هل تتسبب سياسات نتنياهو في غرق إسرائيل؟
  • طعنة نافذة تنهى حياة شاب تدخل لفض مشاجرة بين أقاربه وآخرين فى المحلة
  • دعاء الامتحان لطلاب الثانوية العامة.. ردده الآن