صحيفة التغيير السودانية:
2025-02-04@22:50:25 GMT

المجتمع السوداني ومشهد الانقسام

تاريخ النشر: 25th, November 2023 GMT

المجتمع السوداني ومشهد الانقسام

فيصل محمد صالح

منذ بداية حرب 15 أبريل (نيسان) الماضي في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، انقسم المجتمع السوداني كما لم ينقسم من قبل، وصاحبت ذلك مواقف حدية لا تقبل النقاش أو المساومة، وإنما تتبادل اتهامات الخيانة والعمالة والتفريط في وحدة الوطن والارتهان لقوى خارجية…. إلخ.

الغريب عن المشهد السوداني سيفترض ببساطة، وله الحق في ذلك، أن الانقسام بين مؤيدي الجيش من جانب ومؤيدي الدعم السريع، ولكن الحقيقة الغريبة والمدهشة تقول بغير ذلك، فمنذ بداية اندلاع الحرب لم تعلن أي جهة تأييدها للدعم السريع، ولم يحدث ذلك إلا بعد مرور أشهر من الحرب، وبعد بروز حقيقة تقدم قوات الدعم السريع، إذ أعلنت بعض المجموعات القبلية في دارفور تأييدها للدعم السريع، كذلك أعلنت ذلك بعض المجموعات المسلحة التي خلقتها الاستخبارات العسكرية، مثل قوات درع السودان في البطانة بقيادة أبو عاقلة كيكل، وقوات تمازج بقيادة محمد علي قرشي.

كان الانقسام الحقيقي منذ اليوم الأول للحرب بين مجموعات سياسية واجتماعية وناشطين سياسيين مؤثرين على السوشيال ميديا أعلنوا تأييدهم القوي للجيش وللحرب كوسيلة لحل إشكالات كثيرة، وبين قوى سياسية واجتماعية ومدنية أعلنت معارضتها للحرب من حيث المبدأ وقالت إنه لا رابح في هذه الحرب وإن الخاسر الوحيد هو الوطن.

كانت القوى التي أعلنت الحرب تعتبر أن الموقف الوطني الوحيد والصحيح هو الوقوف مع الجيش في الحرب، وأن أي موقف غير ذلك، بما في ذلك معارضة الحرب والمطالبة بوقفها، هو موقف خائن للوطن والشعب، وأن من يطالبون بذلك يخشون من قضاء الجيش على قوات الدعم السريع التي كانت قد أخذت موقفاً تكتيكياً قبل الحرب بأسابيع، تبنت فيه كل مطالب القوى المدنية الديمقراطية.

وللحقيقة والإنصاف فإن دوافع مواقف ومنطلقات هذه القوى لم تكن واحدة، فبعضها انطلق من دوافع وطنية صرفة، يشارك كثير من القوى المدنية الديمقراطية الدعوة إلى وجود مؤسسة عسكرية واحدة وتصفية كل الميليشيات والقوى المسلحة، ورأى أن الحرب فرصة لا يمكن تفويتها، يمكنها أن تنتهي من خطر وجود قوات الدعم السريع في أسبوع أو 10 أيام، بدلاً من مسألة الدخول في تفاوض مطول وورش عمل ومناقشات، كما بادرت القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري، وأن الخلافات مع قيادة الجيش يمكن حلها بعد ذلك. ومن ضمن هؤلاء شباب وطنيون هالهم ما ارتكبته قوات الدعم السريع من انتهاكات وعمليات نهب وسرقة، ورأوا في محاربتها حلاً واحداً وناجعاً.

وكانت هناك مجموعات من المنتمين لوسط وشمال السودان لديهم تخوفات من تمدد أبناء دارفور وغرب السودان بشكل عام على الساحة السياسية والعسكرية، ويشمل ذلك الحركات المسلحة وقوات الدعم السريع وأنهم يفعلون ذلك على حساب أبناء الشمال والوسط، الذين سيتعرضون لتصفيات عرقية، وشواهدهم على ذلك تسجيلات وتصريحات غير مسؤولة لبعض أبناء دارفور من السياسيين والناشطين. ويرى هؤلاء أن هذه الحرب فرصة لإعادة التوازن بإضعاف الميليشيات والحركات المنتمية لغرب السودان، بينما يطالب بعضهم بفصل دارفور وغرب السودان وإقامة «دولة البحر والنهر» التي تشمل وسط وشرق وشمال السودان.

المجموعة الثالثة تنتمي لتيار الحركة الإسلامية، وهؤلاء كان هدفهم الأساسي العودة للساحة السياسية عبر التحالف مع قيادة الجيش وتشكيل ظهير سياسي لها، ومدّ الجيش بمتطوعين من كتائب الإسلاميين المسلحة تؤثر في القرار السياسي والعسكري، وبالتالي تضمن لهم نصيبهم من السلطة بعد النصر. والغريب أن هؤلاء لم يقدموا كوادرهم للجيش كأفراد، وإنما ككتائب لها مسميات مثل «كتيبة البراء بن مالك» ولها أمراء وشعارات وأعلام وأناشيد مميزة، وكان مدهشاً أن الجيش يريد أن يحارب ميليشيا بميليشيا جديدة، وكأنه لم يتعلم الدرس.

المشترك بين كل هذه المجموعات كان الاعتقاد أن الجيش قادر على هزيمة بل إبادة الدعم السريع في أسبوع أو 10 أيام، كيف لا، وهو يمتلك سلاح طيران وسلاح مدرعات وأسلحة ثقيلة، بينما لا تملك ميليشيا الدعم السريع غير سيارات الدفع الرباعي المعروفة شعبياً باسم «تاتشر». هذا الاعتقاد هو السبب في أنهم افترضوا أن كل من يعارض الحرب هو ظهير للدعم السريع يخاف من انتصار الجيش عليه.

في المقابل، فإن المجموعات الرافضة للحرب كانت أكثر واقعية في حساباتها، إذ كانت ترى أن الجيش السوداني قد ترهل كما ترهلت قياداته، وانشغلت بالعمل السياسي والأعمال الضخمة لمؤسسة الصناعات الدفاعية، وتركت الساحة خالية لقوات الدعم السريع لتنمو وتتسلح وتستقطب عشرات الآلاف من المقاتلين. وبالتالي فإن الظن بأن هذه الحرب ستأخذ أسبوعاً أو 10 أيام هو ظن خائب، وإن الأمر سيطول وستدفع البلاد ثمناً باهظاً لذلك، ولو انتصر الجيش في الخرطوم بعد زمن طويل، وكان هذا اعتقاداً سائداً، فإن قوات الدعم السريع ستتجه لبوادي دارفور وكردفان لتصبح مشكلة دائمة وصعب احتواؤها لأي حكومة مركزية.

ولعل المأخذ الجدي الوحيد والقابل للنقاش في موقف مؤيدي الحرب من المجموعة الرافضة للحرب، ومن ضمنها قوى الحرية والتغيير، هو أنها لم تقم بإدانة قوات الدعم السريع على الانتهاكات الكبيرة التي ارتكبتها، وأنها اكتفت بعبارات عامة، ساوت في بعض الأحيان بين الجيش والدعم السريع في حجم ونوع الانتهاكات، وهذا قول فيه بعض الصحة، لكنها اتخذته دليلاً على موالاة هذه المجموعات للدعم السريع، وهذا أيضاً أمر فيه أخذ ورد.

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: قوات الدعم السریع للدعم السریع

إقرأ أيضاً:

مجـ.ـزرة في مستشفى .. قصف قوات الدعم السريع يودي بحياة 6 ويصيب 38 في الخرطوم

في تصعيد خطير للأوضاع الأمنية في السودان، أعلنت وزارة الصحة السودانية عن مقتل ستة أشخاص وإصابة 38 آخرين جراء قصف نفذته قوات الدعم السريع على أحد المستشفيات في العاصمة الخرطوم.

 يأتي هذا الهجوم وسط استمرار المواجهات العنيفة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، التي دخلت شهرها العاشر، متسببة في كارثة إنسانية غير مسبوقة.  

بحسب بيان صادر عن وزارة الصحة السودانية، تعرض أحد المستشفيات الكبرى في الخرطوم لقصف مباشر أدى إلى وقوع عدد كبير من القتلى والجرحى، بينهم مرضى وطواقم طبية. ولم يتم الكشف بعد عن اسم المستشفى المستهدف، لكن تقارير محلية تشير إلى أنه كان لا يزال يقدم خدمات طبية محدودة رغم القتال الدائر في العاصمة.  

كارثة إنسانية متفاقمة 
 

الهجوم على المنشآت الصحية في السودان ليس الأول من نوعه، حيث سبق أن تعرضت العديد من المستشفيات للقصف أو الإغلاق القسري بسبب الاشتباكات. 

وتؤكد منظمات حقوقية وإنسانية أن استهداف المستشفيات والبنية التحتية الطبية يعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، ويزيد من تفاقم الأوضاع الصحية المتدهورة في البلاد.  

  
أثار الهجوم ردود فعل غاضبة على المستويين المحلي والدولي. فقد نددت نقابة الأطباء السودانية بالاعتداء على المنشآت الطبية، معتبرة أنه جريمة حرب تستوجب محاسبة المسؤولين عنها. 

كما طالبت المنظمات الإنسانية الدولية بوقف استهداف المرافق الصحية وضمان وصول المساعدات الطبية إلى المدنيين المتضررين.  

الوضع الميداني المتدهور

  منذ اندلاع القتال في أبريل 2023، تشهد الخرطوم ومدن سودانية أخرى صراعًا دمويًا بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، ما أدى إلى مقتل وإصابة الآلاف، إضافة إلى نزوح الملايين داخل وخارج البلاد. 

ومع غياب أي حل سياسي في الأفق، تتواصل معاناة المدنيين وسط تصاعد الانتهاكات والهجمات العشوائية.  

ومع استمرار القتال، يحذر الخبراء من أن السودان يسير نحو كارثة إنسانية أكبر، حيث تنهار الخدمات الأساسية، بما فيها النظام الصحي. في ظل هذا الواقع، تتزايد المطالبات للمجتمع الدولي بالتدخل العاجل لوقف العنف وحماية المدنيين.

مقالات مشابهة

  • الجيش السوداني يستعيد آخر معاقل الدعم السريع بولاية الجزيرة
  • مجـ.ـزرة في مستشفى .. قصف قوات الدعم السريع يودي بحياة 6 ويصيب 38 في الخرطوم
  • الجيش السوداني يستعيد آخر معاقل الدعم السريع بالجزيرة
  • السودان.. مصرع 6 أشخاص في قصف مليشيا الدعم السريع مستشفي بالخرطوم
  • مصادر: مقـ.تل قائد كبير لميليشيا الدعم السريع
  • الجيش السوداني يتقدم وسط الجزيرة وتأكيد مقتل قائد كبير بالدعم السريع
  • هزائم متلاحقة للدعم السريع.. الجيش السوداني يستعيد مدينة "الحصاحيصا" ويتقدم نحو جنوب الخرطوم
  • الجيش السوداني: 40 قتيلا بالفاشر جراء قصف الدعم السريع
  • حزب الأمة القومي: نطالب قوات الدعم السريع بوقف هذه الهجمات
  • الجيش السوداني يواصل تقدمه في ولاية الجزيرة والدعم السريع يرد بالمسيرات