صحيفة التغيير السودانية:
2025-03-19@21:38:01 GMT

المجتمع السوداني ومشهد الانقسام

تاريخ النشر: 25th, November 2023 GMT

المجتمع السوداني ومشهد الانقسام

فيصل محمد صالح

منذ بداية حرب 15 أبريل (نيسان) الماضي في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، انقسم المجتمع السوداني كما لم ينقسم من قبل، وصاحبت ذلك مواقف حدية لا تقبل النقاش أو المساومة، وإنما تتبادل اتهامات الخيانة والعمالة والتفريط في وحدة الوطن والارتهان لقوى خارجية…. إلخ.

الغريب عن المشهد السوداني سيفترض ببساطة، وله الحق في ذلك، أن الانقسام بين مؤيدي الجيش من جانب ومؤيدي الدعم السريع، ولكن الحقيقة الغريبة والمدهشة تقول بغير ذلك، فمنذ بداية اندلاع الحرب لم تعلن أي جهة تأييدها للدعم السريع، ولم يحدث ذلك إلا بعد مرور أشهر من الحرب، وبعد بروز حقيقة تقدم قوات الدعم السريع، إذ أعلنت بعض المجموعات القبلية في دارفور تأييدها للدعم السريع، كذلك أعلنت ذلك بعض المجموعات المسلحة التي خلقتها الاستخبارات العسكرية، مثل قوات درع السودان في البطانة بقيادة أبو عاقلة كيكل، وقوات تمازج بقيادة محمد علي قرشي.

كان الانقسام الحقيقي منذ اليوم الأول للحرب بين مجموعات سياسية واجتماعية وناشطين سياسيين مؤثرين على السوشيال ميديا أعلنوا تأييدهم القوي للجيش وللحرب كوسيلة لحل إشكالات كثيرة، وبين قوى سياسية واجتماعية ومدنية أعلنت معارضتها للحرب من حيث المبدأ وقالت إنه لا رابح في هذه الحرب وإن الخاسر الوحيد هو الوطن.

كانت القوى التي أعلنت الحرب تعتبر أن الموقف الوطني الوحيد والصحيح هو الوقوف مع الجيش في الحرب، وأن أي موقف غير ذلك، بما في ذلك معارضة الحرب والمطالبة بوقفها، هو موقف خائن للوطن والشعب، وأن من يطالبون بذلك يخشون من قضاء الجيش على قوات الدعم السريع التي كانت قد أخذت موقفاً تكتيكياً قبل الحرب بأسابيع، تبنت فيه كل مطالب القوى المدنية الديمقراطية.

وللحقيقة والإنصاف فإن دوافع مواقف ومنطلقات هذه القوى لم تكن واحدة، فبعضها انطلق من دوافع وطنية صرفة، يشارك كثير من القوى المدنية الديمقراطية الدعوة إلى وجود مؤسسة عسكرية واحدة وتصفية كل الميليشيات والقوى المسلحة، ورأى أن الحرب فرصة لا يمكن تفويتها، يمكنها أن تنتهي من خطر وجود قوات الدعم السريع في أسبوع أو 10 أيام، بدلاً من مسألة الدخول في تفاوض مطول وورش عمل ومناقشات، كما بادرت القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري، وأن الخلافات مع قيادة الجيش يمكن حلها بعد ذلك. ومن ضمن هؤلاء شباب وطنيون هالهم ما ارتكبته قوات الدعم السريع من انتهاكات وعمليات نهب وسرقة، ورأوا في محاربتها حلاً واحداً وناجعاً.

وكانت هناك مجموعات من المنتمين لوسط وشمال السودان لديهم تخوفات من تمدد أبناء دارفور وغرب السودان بشكل عام على الساحة السياسية والعسكرية، ويشمل ذلك الحركات المسلحة وقوات الدعم السريع وأنهم يفعلون ذلك على حساب أبناء الشمال والوسط، الذين سيتعرضون لتصفيات عرقية، وشواهدهم على ذلك تسجيلات وتصريحات غير مسؤولة لبعض أبناء دارفور من السياسيين والناشطين. ويرى هؤلاء أن هذه الحرب فرصة لإعادة التوازن بإضعاف الميليشيات والحركات المنتمية لغرب السودان، بينما يطالب بعضهم بفصل دارفور وغرب السودان وإقامة «دولة البحر والنهر» التي تشمل وسط وشرق وشمال السودان.

المجموعة الثالثة تنتمي لتيار الحركة الإسلامية، وهؤلاء كان هدفهم الأساسي العودة للساحة السياسية عبر التحالف مع قيادة الجيش وتشكيل ظهير سياسي لها، ومدّ الجيش بمتطوعين من كتائب الإسلاميين المسلحة تؤثر في القرار السياسي والعسكري، وبالتالي تضمن لهم نصيبهم من السلطة بعد النصر. والغريب أن هؤلاء لم يقدموا كوادرهم للجيش كأفراد، وإنما ككتائب لها مسميات مثل «كتيبة البراء بن مالك» ولها أمراء وشعارات وأعلام وأناشيد مميزة، وكان مدهشاً أن الجيش يريد أن يحارب ميليشيا بميليشيا جديدة، وكأنه لم يتعلم الدرس.

المشترك بين كل هذه المجموعات كان الاعتقاد أن الجيش قادر على هزيمة بل إبادة الدعم السريع في أسبوع أو 10 أيام، كيف لا، وهو يمتلك سلاح طيران وسلاح مدرعات وأسلحة ثقيلة، بينما لا تملك ميليشيا الدعم السريع غير سيارات الدفع الرباعي المعروفة شعبياً باسم «تاتشر». هذا الاعتقاد هو السبب في أنهم افترضوا أن كل من يعارض الحرب هو ظهير للدعم السريع يخاف من انتصار الجيش عليه.

في المقابل، فإن المجموعات الرافضة للحرب كانت أكثر واقعية في حساباتها، إذ كانت ترى أن الجيش السوداني قد ترهل كما ترهلت قياداته، وانشغلت بالعمل السياسي والأعمال الضخمة لمؤسسة الصناعات الدفاعية، وتركت الساحة خالية لقوات الدعم السريع لتنمو وتتسلح وتستقطب عشرات الآلاف من المقاتلين. وبالتالي فإن الظن بأن هذه الحرب ستأخذ أسبوعاً أو 10 أيام هو ظن خائب، وإن الأمر سيطول وستدفع البلاد ثمناً باهظاً لذلك، ولو انتصر الجيش في الخرطوم بعد زمن طويل، وكان هذا اعتقاداً سائداً، فإن قوات الدعم السريع ستتجه لبوادي دارفور وكردفان لتصبح مشكلة دائمة وصعب احتواؤها لأي حكومة مركزية.

ولعل المأخذ الجدي الوحيد والقابل للنقاش في موقف مؤيدي الحرب من المجموعة الرافضة للحرب، ومن ضمنها قوى الحرية والتغيير، هو أنها لم تقم بإدانة قوات الدعم السريع على الانتهاكات الكبيرة التي ارتكبتها، وأنها اكتفت بعبارات عامة، ساوت في بعض الأحيان بين الجيش والدعم السريع في حجم ونوع الانتهاكات، وهذا قول فيه بعض الصحة، لكنها اتخذته دليلاً على موالاة هذه المجموعات للدعم السريع، وهذا أيضاً أمر فيه أخذ ورد.

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: قوات الدعم السریع للدعم السریع

إقرأ أيضاً:

الجيش يتقدم وسط الخرطوم و10 قتلى بقصف الدعم السريع أم درمان

أعلن الجيش السوداني أن قواته تمكنت من السيطرة على مواقع إستراتيجية جديدة وسط العاصمة الخرطوم، في حين أفادت وزارة الصحة السودانية اليوم الثلاثاء بمقتل 10 مدنيين في قصف مدفعي شنته قوات الدعم السريع على أم درمان.

وقال الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية العميد ركن نبيل عبد الله علي في بيان إن "قوات سلاح المدرعات تقدمت من جسر الحرية الذي يربط بين أحياء جنوب الخرطوم ووسط المدينة، ونجحت في السيطرة على مواقع إستراتيجية كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع".

وأضاف أن "قوات سلاح المدرعات التحمت مع أبطال الجيش الصامدين في مبنى القيادة العامة بعد تنفيذ عملية ناجحة لتطهير مستشفى الشعب التعليمي من عناصر مليشيا آل دقلو".

وفي ولاية الخرطوم المكونة من 3 مدن بات الجيش يسيطر بالكامل على مدينة بحري (شمال) ومعظم أنحاء مدينة أم درمان (غرب) و75% من عمق مدينة الخرطوم التي تتوسط الولاية وتحوي القصر الرئاسي والمطار الدولي، في حين لا تزال قوات الدعم السريع في أحياء شرق المدينة وجنوبها.

في الأثناء، قالت غرف طوارئ محلية محافظة الخرطوم في بيان اليوم الثلاثاء إن "قوات الدعم السريع ارتكبت خلال الأيام الماضية انتهاكات واسعة النطاق في أحياء الخرطوم راح ضحيتها نحو 50 قتيلا، بينهم 10 من المتطوعين".

إعلان

وأشارت غرف الطوارئ إلى اختطاف الدعم السريع ما لا يقل عن 70 مواطنا -بينهم نساء- إضافة إلى 12 متطوعا ومتطوعة، فضلا عن الإبلاغ عن حالات اغتصاب لم يتم حصرها بشكل دقيق حتى الآن.

وأفاد البيان بأن التضييق الذي تمارسه قوات الدعم السريع على أحياء الخرطوم أدى إلى تزايد خطير في حالات سوء التغذية بين الأطفال وكبار السن والحوامل، مما أسفر عن وفاة 7 أطفال خلال مارس/آذار الحالي.

قصف مدفعي

وفي سياق متصل، أعلنت وزارة الصحة السودانية اليوم الثلاثاء مقتل 10 مدنيين وإصابة آخرين جراء قصف مدفعي شنته قوات الدعم السريع على أم درمان غربي العاصمة الخرطوم.

وقالت الوزارة في بيان إن "المليشيا المتمردة (الدعم السريع) تواصل القصف العنيف والممنهج على الأحياء السكنية بأم درمان لليوم الثاني على التوالي".

وأضافت أن القصف يتركز خلال ساعات الليل، ويستهدف المدنيين في الحارتين الثامنة والعاشرة بحي الثورة، دون ذكر أسباب استهداف هاتين المنطقتين.

وأمس الاثنين، أعلنت السلطات السودانية أيضا مقتل 4 مدنيين وإصابة 30 آخرين إثر قصف مدفعي مكثف نفذته قوات الدعم السريع على مدينة أم درمان.

ويتزامن هذا القصف مع توسع رقعة سيطرة الجيش في العاصمة، وتطويقه قوات الدعم السريع وسط الخرطوم حيث يوجد القصر الرئاسي والمؤسسات الحكومية.

ومنذ أسابيع وبوتيرة متسارعة بدأت تتناقص مساحات سيطرة الدعم السريع لصالح الجيش في ولايات الخرطوم والجزيرة والنيل الأبيض وشمال كردفان وسنار والنيل الأزرق.

ومنذ أبريل/نيسان 2023 يخوض الجيش والدعم السريع حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، في حين قدّر بحث لجامعات أميركية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.

مقالات مشابهة

  • الجيش السوداني يتمدد جنوب الخرطوم ويضيق الخناق على الدعم السريع في القصر
  • الجيش السوداني يحبط محاولة الدعم السريع لفك الحصار عن قواته في القصر
  • الجيش السوداني يستعيد مواقع حيوية في الخرطوم و”الدعم السريع” ترد بقصف أم درمان
  • الجيش يتقدم وسط الخرطوم و10 قتلى بقصف الدعم السريع أم درمان
  • قائد في الجيش السوداني يكشف عن خيارين أمام الدعم السريع وسط الخرطوم
  • قائد «درع السودان» يتبرأ من جرائم «الدعم السريع» ويؤكد أنه جزء من الجيش
  • رائحة الموت تنبعث من أحد أحياء الخرطوم على وقْع المعارك بين الجيش و«الدعم السريع»
  • مقتل وجرح العشرات بقصف لـ«قوات الدعم السريع» في السودان
  • الجيش السوداني يحاصر الدعم السريع بالخرطوم والسلطات تكتشف مقبرة جماعية
  • الجيش السوداني يضيق الحصار على الدعم السريع ويقترب من القصر الرئاسي