مشاهد من غزة بعد التهدئة… نازية الاحتلال مقابل التمسك بالحياة
تاريخ النشر: 25th, November 2023 GMT
القدس المحتلة-سانا
في قطاع غزة وقبل 50 يوماً كانت هناك منازل ومدارس ومستشفيات ومحال تجارية ومساجد وشوارع تضج بالحركة والحياة، واليوم تحول كل ذلك إلى ركام، لم يبق حجر فوق حجر، والخراب بات صفة جميع الأحياء والشوارع في معظم مناطق القطاع وخاصةً وسطه وشماله.
أن تقف حائراً تبحث عن الطريق الذي يوصلك إلى أنقاض ما كان منزلك، وجه آخر للمعاناة في القطاع، فعدوان الاحتلال الإسرائيلي دمر كل المعالم.
يلملم أهالي القطاع جراحهم، يبحثون عن جثامين أحبة استشهدوا وظلوا تحت الأنقاض أو في الشوارع لدفنهم، عن ملابس لعائلاتهم تحت الركام، عن بقايا صور وألعاب، أقلام ودفاتر وكتب، ويؤكدون رغم الألم أنهم باقون على أرضهم وسيعيدون تعمير ما دمره الاحتلال.
نيران الاحتلال التي استهدفت القطاع براً وبحراً وجواً منذ السابع من تشرين الأول الماضي، واستمرت بلا توقف طيلة 48 يوماً، سوت أحياءً سكنيةً بأكملها بالأرض، من الرمال وتل الهوا والشيخ عجلين ومحيط مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة إلى جباليا وبيت لاهيا وبئر النعجة وبيت حانون شمال القطاع، وخان يونس جنوبه، ومخيم الشاطئ غربه، آلاف البيوت تحولت إلى أثر بعد عين، ما بقي منها واقفاً ما هو إلا هيكل لا يصلح للعيش، غبار ورماد في كل شبر، ورائحة الموت تملأ المكان.
مشاهد أفظع مما خلفته الحرب العالمية الثانية، كشف عنها اتفاق التهدئة المؤقتة الذي دخل حيز التنفيذ في السابعة من صباح أمس، بعد 48 يوماً من العدوان الذي استخدم فيه الاحتلال أطناناً من المتفجرات تعادل ثلاث قنابل نووية بما فيها الأسلحة المحرمة دولياً، محولاً القطاع إلى مقبرة جماعية لآلاف الفلسطينيين، وليدفن تحت أنقاضه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بينما لم تبادر الدول التي تدعي رفع راية الدفاع عن تلك الحقوق، إلى الدفاع عنها وحماية الفلسطينيين، بل كانت أول من يغتال حقوق الإنسان بدعمها الاحتلال في عدوانه.
في الساعات الأولى للتهدئة المؤقتة توجه عشرات آلاف النازحين الفلسطينيين إلى أحيائهم، رغم رصاص الاحتلال الذي انهمر عليهم من جميع الجهات، لمنعهم من تفقد منازلهم، وخاصةً في المناطق التي توغلت فيها قوات الاحتلال براً، وعند وصولهم اكتشفوا حجم الكارثة والجرائم والدمار الهائل، حيث وجدوا أحياءً سكنيةً كاملةً تضم مئات المباني وعشرات آلاف الوحدات السكنية مدمرةً بشكل كلي، إضافةً إلى دمار هائل لحق بالطرق ومباني المؤسسات الخدمية والبنى التحتية وشبكات المياه والكهرباء والاتصالات، كما عثروا في طريق عودتهم إلى منازلهم على جثامين عشرات الشهداء، كانت متحللةً ، ما يشير إلى استشهادهم قبل أسابيع بسبب عدم تمكن الأهالي من دفنها جراء شدة قصف الاحتلال الذي لم يستثن أي شيء في القطاع.
ويوضح أحد أبناء جباليا شمال القطاع أنه صدم عندما اكتشف أن منزله الذي تركه سليماً قبل نحو أسبوعين، عندما نزح إلى شرق غزة، قد دمر تماماً، قائلاً: خرجت صباحاً مشياً على الأقدام من إحدى المدارس التي كنت فيها مع عائلتي في حي التفاح، وبعد ساعتين وصلت لأكتشف أن منزلي مدمر بشكل كامل، كما عثرنا على جثامين شهداء هم أفراد عائلات حاولوا النزوح من المنطقة قبل أيام، واستهدفهم الاحتلال بقذائف المدفعية والطيران.
وتقول سيدة فلسطينية من مدينة غزة وهي تذرف الدموع: كل بيت في غزة انتكب، أولاد خالي ما زالوا تحت الأنقاض إلى الآن، ولا نستطيع إخراجهم، والمشهد واحد في كل أنحاء القطاع، فالاحتلال اتخذ قراره بتدمير كل مقومات الحياة في القطاع وبطمر قاطنيه تحت الركام أو تهجيرهم، مشيرةً إلى أنه إذا تمكن الاحتلال بسبب تخاذل المجتمع الدولي من ارتكاب مئات المجازر بحق آلاف الفلسطينيين، وتدمير جزء كبير من القطاع، فإنه لن يستطيع تهجير الأهالي من أرضهم، فهم باقون عليها إلى أبد الدهر، أما الاحتلال فهو الزائل
المكتب الإعلامي في قطاع غزة كان أعلن أن العدوان الإسرائيلي على القطاع دمر 46 ألف وحدة سكنية بشكل كلي و234 ألفاً بشكل جزئي، وهذا يعني أن أكثر من 60 بالمئة من الوحدات السكنية باتت غير صالحة للسكن، بينما أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن نحو مليون فلسطيني في غزة يبحثون عن ملجأ أممي، وهو رقم يفوق طاقة ملاجئها الاستيعابية، ما يضطر أعداداً كبيرةً للنوم في العراء أو ساحات المدارس أو الشوارع.
رغم حجم المعاناة والكارثة الإنسانية التي يعيشها قطاع غزة جراء تقاعس المجتمع الدولي عن وقف العدوان الإسرائيلي، إلا أن المقاومة الفلسطينية نجحت بإفشال ما سعى الاحتلال لتحقيقه، وهو تهجير أهالي القطاع والقضاء على المقاومة لتمرير وتنفيذ مخططاته الخبيثة، فأن تقاتل من أجل حقك في الحياة فهذا هو النصر بعينه، وهذا ما جسدته المقاومة منذ اليوم الأول للعدوان الذي لم ينته بإعلان التهدئة المؤقتة، أما الوحشية فهي أن تنشر الموت والدمار وهذا ما فعله الاحتلال.
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
إقرأ أيضاً:
فيلادلفيا.. محور الموت الذي يمنع أهالي رفح من العودة
غزة- منذ نزوحها قسرا قبل 10 شهور، لم تتمكن الفلسطينية هدية أبو عبيد من العودة لمدينتها رفح، حيث لا تزال إسرائيل تسيطر على محور صلاح الدين (فيلادلفيا) الممتد بين قطاع غزة ومصر.
ويفرض جيش الاحتلال بقوة النيران وعمليات التوغل المستمرة حدودا غير ثابتة لما توصف بـ"المناطق الحمراء" في رفح، صغرى مدن القطاع، ويستهدف كل من يحاول الاقتراب منها بعمق يصل لنحو كيلومترين اثنين.
وخلال المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية في غزة وإسرائيل، قتل الاحتلال نحو 50 فلسطينيا أثناء محاولتهم العودة لمنازلهم في رفح.
هذه المخاطر تمنع أبو عبيد (55 عاما)، والغالبية من حوالي 300 ألف نسمة من سكان رفح، من العودة إليها، ولا يزال أكثرهم يقيمون في خيام بمنطقة المواصي غرب مدينة خان يونس.
وتقول أبو عبيد، التي تقيم بخيمة مع أسرتها المكونة من 5 أفراد، للجزيرة نت "كل النازحين رجعوا إلى غزة والشمال ولكل المناطق، إلا نحن سكان رفح"، وتتساءل "فهمونا يا ناس، هل رفح خارج الاتفاق؟".
وتنتشر على حسابات سكان المدينة على منصات التواصل الاجتماعي تساؤلات كثيرة حول واقع رفح، وسط غضب كبير لعدم قدرتهم على العودة إليها.
إعلانوتعلم هدية أن منزلها في "مخيم يبنا" للاجئين الملاصق للحدود مع مصر قد دُمر كليا، وتقول "الاحتلال مسح المنطقة عن الوجود، ولكني أريد العودة لبيتي والعيش فوق أنقاضه، ليس هناك أجمل من رفح ولا أطيب من أهلها".
واحتضنت رفح، بعد الحرب، أكثر من مليون نازح لجؤوا إليها من مدينة خان يونس ومناطق شمال القطاع، ونزحوا عنها جميعا مع أهلها عشية اجتياح المدينة في 6 مايو/أيار الماضي.
وردا على سؤال حول توقعها بالعودة لرفح؟ قالت أبو عبيد "لا عودة دون انسحاب الاحتلال من الحدود، من حاول العودة قتلوه".
كارثة وقتلبموجب اتفاق وقف إطلاق النار، ينطلق الانسحاب التدريجي من محور "فيلادلفيا" بداية من اليوم الـ42 للمرحلة الأولى منه، وتستكمل إسرائيل انسحابها، على طول المحور الممتد 14 كيلومترا بين الحدود المصرية والفلسطينية، بحلول اليوم الـ50 من الاتفاق.
وكانت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قد نددت بخرق الاحتلال للاتفاق، وبعدم التزامه بالجدول الزمني للانسحاب من المحور.
وقالت، في بيان لها الاثنين الماضي، "لم يلتزم الاحتلال بالخفض التدريجي لقواته خلال المرحلة الأولى، وبالانسحاب بالموعد المحدد، وكان المفترض اكتمال الانسحاب في اليوم الـ50 للاتفاق، الذي يصادف التاسع من مارس/آذار الجاري".
وتعاني رفح، حسب وصف المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، من "كارثة إنسانية متجددة، إذ حولت الحرب الإسرائيلية معظم أحيائها إلى ركام، ورغم وقف إطلاق النار لا يزال الاحتلال يواصل هجماته العسكرية، ويسيطر على نحو 60% من المدينة، سواء عبر تمركز الآليات أو السيطرة النارية، ويستهدف المدنيين العزل بالقصف وإطلاق النار، ما يوقع يوميا مزيدا من الشهداء والجرحى".
ومنذ سريان الاتفاق، قتلت إسرائيل -وفق توثيق هيئات محلية ودولية- 150 فلسطينيا، وجرحت زهاء 605 آخرين، على مستوى القطاع، بمعدل 3 شهداء يوميا، ثلثهم من سكان رفح.
من جانبه، يقول المواطن فادي داوود للجزيرة نت إن أقارب وأصدقاء له استشهدوا وأصيبوا أثناء محاولتهم الوصول لـ"حي البرازيل" المتاخم للحدود مع مصر جنوب شرقي رفح، لتفقد ما تبقى من منازلهم في الحي المدمر كليا.
إعلانورغم قساوة النزوح، يفضل داوود (31 عاما) المتزوج حديثا، والذي يقيم مع زوجته الحامل بخيمة في خان يونس، البقاء مع أسرته على "المغامرة بالعودة إلى رفح".
ومنذ اندلاع الحرب، نزح داوود 5 مرات، ويقول "الحياة قاسية في الخيمة، خاصة وأن زوجتي حامل بابننا الأول، ونفتقد للخصوصية والاحتياجات الأساسية".
وأعلنت بلدية رفح، أمس الخميس، عن التوقف التام لخدمات فتح الشوارع وترحيل الركام، فيما أصبحت مولدات آبار المياه مهددة بالتوقف الكلي بسبب نفاد الوقود واستمرار إغلاق الاحتلال للمعابر منذ الثاني من مارس/آذار الجاري، وهو ما ينذر بكارثة إنسانية وشيكة تهدد حياة السكان.
وحذر أحمد الصوفي رئيس بلدية رفح من أن المدينة تعيش أوضاعا مأساوية غير مسبوقة، حيث يواجه عشرات الآلاف من السكان خطر العطش وانتشار الأوبئة مع تصاعد أزمة المياه، مع شلل تام للخدمات البلدية الأساسية وتدمير البنية التحتية.
وأكد أن البلدية بذلت كل الجهود الممكنة للحفاظ على الحد الأدنى من الخدمات رغم الدمار الكبير، إلا أن نفاد السولار يهدد بتوقف تشغيل آبار المياه بالكامل، مما يفاقم معاناة السكان المحاصرين الذين يعتمدون على هذه "المصادر المحدودة" في ظل الحصار الخانق.
وتحولت رفح لمدينة "منكوبة" حسب صافي، بسبب الحرب والتشريد، وتواجه الآن خطرا مضاعفا بحرمانها من أبسط مقومات الحياة، وأكد أن عدم إيجاد حلول عاجلة قد يؤدي إلى كارثة لا يمكن تداركها.
ويتمركز وجود أعداد محدودة من سكان المدينة حاليا بمناطق وأحياء تقع في الجهة الشمالية منها، بعيدة نسبيا عن الحدود الفلسطينية المصرية، غير أنهم يواجهون مخاطر ويكابدون معاناة يومية شديدة لتحصيل المياه وشؤون الحياة الأساسية.
إعلانويقول حذيفة عبد الله، الذي عاد مع أسرته قبل نحو شهر للإقامة بمنزله المدمر جزئيا في حي الجنينة شمال رفح، "للأسف يوميا يصلنا الرصاص، اليوم قذيفة مباشرة أصابت المنزل، ولا أحد يتحدث عن وضع رفح وما تتعرض له".