لم يكن «الجمعة» إجازة من الموت
تاريخ النشر: 25th, November 2023 GMT
المفاجآت المأساوية المفجعة المرتبطة برحيل الزملاء والأحبة وقعها يفقد الإنسان توازنه ويصيبه بصدمات نفسية عنيفة تستدعى من العقل الباطن مواقف شبيهة تفجر بداخله براكين من الحزن والألم قد تمتد لفترات طويلة.
أمس الأول كان يوماً غير عادى بالنسبة لجميع الزملاء بمؤسسة الوفد الصحفية «جريدة وبوابة إلكترونية»، كنا جميعاً على موعد مع الأحزان التى اقتحمت المؤسسة دون استئذان فحوّلت السكينة إلى بركان من الحزن والدموع لفراق زميلنا الشاب الصحفى حسن المنياوى فى حادث أليم.
بعد صلاة الجمعة، وأثناء تجهيزنا لعدد الجريدة الورقية ليوم السبت، هجم علينا الحزن برقاً وبلا مقدمات، حسن المنياوى مات!
ثلاث كلمات فقط تحتوى على 14 حرفاً ما أثقلها على القلب وما أشد وقعها ضراوة على النفس، حيث تتوه الحروف فوق الألسن وتتحجر الأعين وتزداد دقات القلوب وتدور الدنيا وتجد نفسك تبحث عن متكأ قبل أن تخور قواك، ولا يسعف النفس ليعيد إليها السكينة إلا ما أمرنا به الله سبحانه وتعالى «والَّذِينَ إذا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إنا لِلَّهِ وإنا إليه رَاجِعُونَ».
الشيخ حسن كما كنت أناديه دائماً وأداعبه شاب مهذب خلوق من رعيل الصحفيين الشباب لا يختلف على دماثة خلقه اثنان تجد البسمة والراحة النفسية أينما وجد، كما أنه نقطة ارتكاز فاعلة بالنسبة لجيله وأصدقائه، الكل يبحث عنه، ويتودد إليه إما مستأنساً بقربه أو مشتاقاً لحديثه أو ناهلاً من علمه أو باحثاً عن نصيحة.
حسن المنياوى رحمه الله من أكفأ شباب الصحفيين فى مؤسسة الوفد الصحفية فقد جمع بين قدوة العمل وحسن الخلق.
لم يستوعب الزملاء الخبر فهرعنا جميعاً نبحث عنه فى الشوارع والمستشفيات على أمل أن يكون الأمر غير صحيح، فمن عثر على هاتفه اتصل بآخر رقم وأبلغ زميلنا باسل عاطف الخبر المشؤوم وأغلق الهاتف واحتفظ به لنفسه ثمناً لهذا الخبر الكارثة.
وزاد الأمر صعوبة حيث قام أحد الأشخاص بوضع صورة بطاقة زميلنا رحمه الله على الفيسبوك معلقاً من يعرف صاحب هذه البطاقة فإنه قد تعرض لحادث أليم.. المهم مرت الدقائق والساعات ثقيلة وكتيبة الوفد الصحفية خلية نحل تبحث عن قلبها الذى توقف نبضه، والتقينا جميعا على أبواب مشرحة زينهم لنقضى ساعات طوالًا حتى انتهت كل الإجراءات.
الكل على الباب ما بين باك وغير مصدق، كلنا نعزى أنفسنا ونعزى بعضنا البعض، لنصلى الجنازة جميعاً على فقيدنا الشاب لتتحرك سيارة الإسعاف ليدفن فى مدافن الأسرة بمحافظة المنيا تلاحقه دعواتنا لله أن يتقبله شهيداً مع الأنبياء والصديقين والأبرار.
على أبواب مشرحة زينهم كانت ملحمة إنسانية رائعة للعاملين فى الوفد صحفيين وإداريين بوجود قيادات المؤسسة النائب الدكتور أيمن محسب، رئيس مجلس الإدارة، والدكتور وجدى زين الدين، رئيس التحرير والزميل مجدى حلمى، المشرف العام على البوابة الإلكترونية، والنائب الزميل طارق تهامى، والزميل الدكتور محمد عادل العجمى، رئيس اللجنة النقابية، ولا ننسى الموقف الإنسانى النبيل للزملاء السباقين دائماً وأصحاب المواقف الإنسانية النبيلة الزميل جمال عبدالرحيم، سكرتير عام نقابة الصحفيين، والزميل محمد الجارحى، عضو مجلس النقابة رئيس لجنة الرعاية الصحية والاجتماعية.
وداعا يا شيخ حسن ونلتقى فى جنة الخلد.. أحسن الله مثواك وتغمدك بواسع رحمته وأسكنك فسيح جناته.
تبقى كلمة.. أمس الجمعة، كتبت مقالاً فى هذه المساحة تحت عنوان إجازة من الموت بمناسبة بدء الهدنة الإنسانية فى غزة، إلا أن الأقدار أبت أن يمر يوم الجمعة إجازة من الموت كما تمنيت وخيبت آمالى ليرحل فيه القلب الطيب حسن المنياوى، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا: إنا لله وإنا إليه راجعون.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: لم يكن الجمعة باختصار حسن المنياوي صدمات نفسية العقل الباطن الحزن والألم
إقرأ أيضاً:
يناجي الله في سجود التلاوة
في يوم الجمعة الرابعة عشرة من رمضان لعام ألف وأربعمائة وستة وأربعون للهجرة، كان يوماً جميلاً حين انطلقت لصلاة الجمعة في جامع الراجحي بمدينة الرياض، وإذ بالخطيب يستفتح تلك الخطبة الرائعة العميقة في معانيها، تثير الشغف في آذاننا، حدثنا عن قصة الصحابيين الجليلين اللذين حميا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في فم الشعب خلال غزوة ذات الرقاع، وفي عتمة الليل، اختار الأنصاري أن يتولى الحراسة، بينما نام المهاجر، أراد ذلك الأنصاري أن يخلو مع ربه ويتلذذ بمناجاته، فقام يصلي ويستفتح كتاب الله، يقرأ ويرتّل، ويحلق في أجواء القرآن، ويعيش مع آياته وهو قائم، وإذ بالعدو يتربص بهم، فيرمونه بسهم، فينزعه ويواصل قراءة تلك الآيات الكريمات، ثم يسدد العدو مرة أخرى، فينزعه ويستمر، ثم يُرمى ثالثاً فينزعه، ثم يركع ويسجد ويوقظ صاحبه. فلما أفاق الأخير، عاتبه على عدم إيقاظه، قال له: “كنت في سورة أقرأها، فلم أحب أن أقطعها حتى أنفذها. فلما ركعت، أريتك، وأيم الله لولا أن أضيع ثغراً أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه، لقطعت نفسي أحب إليّ من أن أقطعها وأنفذها.” انتهت القصة، فهي حقاً عظيمة، وداخل ذلك الجامع، أزعم أن المصلين كانوا يتأملون في حال ذلك الصحابي الذي ضحى بنفسه وعاش مع الله، وكان من الممكن أن يقدم روحه في سبيله. ما الآيات التي كانت تتردد في أذنه؟ وما الشعور الذي كان يستشعره؟ لا يمكن أن أصف شعوره في بضع أسطر أكتبها الآن، لكنني أزعم أنه كان يعيش في سماء عالية في مناجاة الله.
انتهينا من صلاة الجمعة، وانطلقت لأحد المحافظات، حيث كان لدينا موعد لنطق الشهادة مع اثنين وثلاثين قد منّ الله عليهم وفتح قلوبهم للدخول في الإسلام، وقد استضافهم رجل زاهد عابد قد فتح بابه لإكرامهم، حضرت بعد العصر، ووجدته في المسجد، يجلس على كرسيه يحلق ويرتّل في الجزء الأخير من القرآن، وبينما هو يقرأ، إذا مرت به آية سجدة تلاوة، فأومأ برأسه ساجداً على كرسيه، وبدا يدعو بدعاء سجود التلاوة، ثم أخذ في مناجاة الله تعالى لأكثر من خمس عشرة دقيقة، وهو مومئ في سجود التلاوة على كرسيه، لا ينقطع عن الدعاء، حتى جاءه سائل فاستوقفه، كنت أقول في نفسي: ماذا عاش ذلك الرجل مع الله في دعاء سجود التلاوة؟ واستمر الوقت الطويل يدعو الله ويناجيه ويبتهل إليه ويسأله وهو في سجود تلاوة، كان مشهداً مهيباً، تذكرت قصة الصحابي في خطبة الجمعة، فمن عاش مع الله استلذ بمناجاته، ومع اقتراب المغرب، انطلقت معه لاستقبال المسلمين الجدد قبيل الإفطار في منزله، حيث يكرم ضيوفه، وبعد الإفطار، ذهبنا لصلاة المغرب، وما زال المشهد يتحدث، فقد نطق الشهادة بعد الصلاة اثنان وثلاثون رجلاً دخلوا في الإسلام، وكان قد استضافهم الكريم ابن الكريم، وهو من أشهدهم وأنطقهم الشهادة بعد الصلاة، وكان وجهه متهللاً ، فقد دخلوا في رحاب الإسلام، كان يوماً جميلاً، لا يسعني وصفه في أسطر، فقصصنا ومشاعرنا الإيمانية تنبض بالحياة، عندما تعيش نفسك مع الله، تهون عليها كل الصعاب، فقد أدرك هؤلاء قيمة الحياة الدنيا البسيطة، وكانت همتهم عالية تسعى لما عند الله، تذكرت مقولة ابن تيمية: “إن في الدنيا جنة، من لم يدخلها لن يدخل جنة الآخرة.” جعلنا الله وإياكم ممن طال عمره وحسن عمله.