مسقط.. عاصمة للتنوير العربي
تاريخ النشر: 25th, November 2023 GMT
في ظل النشاط الثقافي الكبير الذي ينتظم في سلطنة عمان تأتي جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب كمساهمة مضيئة ولمّاحة وشديدة التأثير في المجال الثقافي والإبداعي عُمانيا وعربيا، والجائزة وهي تضع خطوها المتزن، وتراكم خبرتها في عشر سنوات هي عمر انطلاق هذه الجائزة، فإنها تحفر عميقا في تربة الإبداع العربي والعماني وتجعل من «مسقط» عاصمة للثقافة العربية كل عام، فعلى كثرة المنابر الثقافية في المنطقة العربية والجوائز التي تقدم كل عام للمبدعين العرب، يظل ما يميز هذه الجائزة أمران، الأول هو ارتباطها بقائد عربي فذ، استطاع أن يعبر بمجتمعه عبورا آمنا في محيط متلاطم من الصراعات السياسية والاجتماعية، فالسلطان قابوس بن سعيد - رحمه الله - رجل أسس أمة عظيمة في وقت استثنائي، وبنى مجدا عاليا لشعب متنوع ثقافيا صانعا له هوّية متماسكة وتعايشا مثمرا، وارتبط جهده لتحسين حياة شعبه ورفع مستوى معيشته، ولذا فإن ارتباط الجائزة باسمه شرف كبير، ودعوة لكل مثقف عربي يمارس دوره التنويري بعيدا عن الانحيازات والرهانات الأيديولوجية والتي أودت بالفضاء الثقافي في وطننا العربي إلى جهود لا تؤسس لمعرفة منتجة، وزيارة مسقط تضعك أمام مدينة من أجمل المدن، حيث كل شيء فيها مرتب بإيقاع منظم، ويكشف لك سلوك الشخصية العمانية عن استقرار وجداني ينعكس في التعامل الراقي والتهذيب غير الملقن.
أمر آخر ميز هذه الجائزة وهو القيمة المادية التي تقدم للفائزين وهي أعلى قيمة مالية تقدم لمبدع عربي، لكن الجوائز لا تنال قوتها فقط من القيمة المادية لها بل يضاف إلى القيمة المعنوية لهذه الجائزة أمر آخر لمسته خلال مشاركتي هذا العام في المؤتمر الصحفي لإعلان الفائزين كضيف شرف لهذه الجائزة، وهو تنوع مجالاتها والشروط التي وُضعت لصالح استقطاب أعمال جادة وعالية المهنية سواء في الرواية أو المقال أو السينما أو المسرح أو علم الاجتماع، ونظرة بسيطة لقائمة الذين تشرفوا بنيل هذه الجائزة تضع أمامك حقيقة جدارتها وقوتها الفكرية وليس الأمر مجرد احتفاء بالأدب أو المعرفة فقط بل هو السعي لبناء سياق معرفي ثقافي/عربي يمتاز عن بقية الجوائز بأنه يصنع شروطا عالية الهدف لصالح تطوير البنى المعرفية في الثقافة العربية، وقد وقفت على فوز أسماء لامعة في محيطنا الثقافي ومنها المفكر المغربي الكبير د. ﻋﺒﺪ اﻹﻟﻪ ﺑﻠﻘﺰﻳﺰ ويعد بلقزيز أحد أهم الأسماء الفكرية في الثقافة العربية، ومجهوداته عظيمة لصالح الاستنارة والنهضة، وكذلك الشاعر العماني سيف بن ناصر الرحبي في مجال الشعر الفصيح، والدكتور عبد السلام المسدي الأكاديمي والكاتب والدبلوماسي التونسي وأحد أهم أعلام اللسانيات في الثقافة المعاصرة، ود. ﺟﻮﺧﺔ ﺑﻨﺖ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺤﺎرﺛﻴﺔ وهي ممن نعدهم الآن ألمع قلم روائي حقق انتشارا واسعا في الفضاءين العربي والعالمي، والأسماء كثيرة تجل عن الحصر.
في مركز السُّلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم بمدينة مسقط، حضرت المؤتمر الصحفي والذي أعلن فيه عن أسماء الفائزين بالدورة العاشرة في مجالات (الرواية والفنون والثقافة) وقد أعلن أسماء الفائزين سعادة حبيب بن محمد الريامي رئيس المركز، في حضور كبير من المثقفين وأعضاء لجنة التحكيم والصحفيين، وحصل الدكتور عبد الله بن خميس الكندي من عُمان على الجائزة في مجال (دراسات الإعلام والاتصال) والروائي الجزائري الكبير واسيني الأعرج في (مجال الرواية)، وحجبت لجنة التحكيم جائزة (فرع الفنون) والذي خصص في هذه الدورة لمجال الإخراج السينمائي، بفضل أن الأعمال التي قدمت لم تستوف الشروط العلمية والإبداعية، وهذا يحسب للجائزة كونها حريصة على تقديم أعمال رائدة وجادة، وتداولت الصحافة العمانية والعربية مع رئاسة الجائزة هموم العمل والسعي لتطويرها والتأكيد على ريادة سلطنة عمان في الثقافة العربية المعاصرة.
إن ما يميز هذه الجائزة دقة تنظيمها واختيار أعضاء لجان التحكيم من المتخصصين والمبدعين العمانيين والعرب، وهو جهد كبير لأمينها العام وفريقه المهني من أعضاء مجلس الأمناء، وأيضا إحسان اختيار المجالات الإبداعية خدمة لعمليات التنوير العربي، وقد لفت انتباهي تكرار حجب بعض الجوائز خلال العشر سنوات من عمر الجائزة، وقد عرفت أن بعض الأعمال لا تستوفي الشروط، ولذا فإنها تستبعد وهذا كاشف جدا عن جدارة لجنة التحكيم وأهليّتها، وثمة ملاحظة أخرى حول المجتمع الثقافي العماني وهي أنني وجدت انشغالات عالية ومنتجة لدى المثقفين العمانيين وهذا أمر لا يكشف إلا عن تقصيرنا في التعرف على المجال الثقافي العماني والذي يعود إلى ضعف قنوات الاتصال بين المثقفين العرب والعمانيين وهذا ما يفوّت الفرصة على معرفة مجتمع ناهض بقوة في مجال الثقافة والمعرفة، وتشهد على ذلك كثرة الإصدارات المتنوعة في مجالات الأدب والفكر والثقافة العامة والتي تطل عليك بقوة من خلال المكتبات المتخصصة في الثقافة العمانية.
إن مسقط عاصمة للثقافة العربية بفضل هذه الجائزة التي تعقد كل عام، وينبغي التعريف أكثر بها في الأوساط الثقافية العربية كونها واحدة من أهم الفعاليات الثقافية العربية التي تنتظم كل عام، وقد كانت مشاركتي شرفا كبيرا نلته بفضل كرم أهلي في عُمان، وهم أهل كرم فطري يعيش فيهم ويعيشون فيه.
غسان علي عثمان كاتب سوداني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هذه الجائزة فی الثقافة فی مجال کل عام
إقرأ أيضاً:
انطلاق "الملتقى الإقليمي لحماية التراث الثقافي البحري المغمور بالمياه في الدول العربية" الإسكندرية
شهدت مكتبة الإسكندرية اليوم انطلاق الملتقى الإقليمي حول "حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه في الدول العربية"، وذلك بحضور الدكتور أحمد زايد؛ مدير مكتبة الإسكندرية، والدكتور حميد النوفلي؛ مدير إدارة الثقافة بالمنظمة العربية للعلوم والفنون والثقافة، والدكتور عماد خليل؛ رئيس الملتقى ورئيس كرسي اليونسكو بجامعة الإسكندرية، والدكتورة سمية السيد؛ مساعد الأمين العام للجنة الوطنية المصرية للعلوم والثقافة، وعدد من الخبراء والمتخصصين من ١١ دولة عربية.
وقال الدكتور أحمد زايد، إن مكتبة الإسكندرية تسعى في محيطها العربي إلى النهوض ورفع شأن الثقافة، لافتاً إلى أن المكتبة ليست مكانا للقراءة ووعاء للكتب فقط ولكنها مؤسسة ثقافية كبيرة. وأضاف أن المكتبة نافذة لمصر على العالم ونافذة العالم على مصر أيضا، لافتاً إلى أن وجود المكتبة على شاطئ البحر المتوسط له دلالة ثقافية لجمع ثقافات البحر المتوسط.
وأشار زايد إلى أهمية عملية التوثيق الثقافي التي تتم في مكتبة الإسكندرية، قائلا "مكتبة الإسكندرية لا تدخر جهداً للحفاظ على التراث الثقافي المغمور بالمياه في البحر المتوسط".
وأوضح أنه ربما مع الاكتشافات القادمة نعيد كتابة التاريخ لأن هذا التراث لا زال به الكثير من الغموض، مؤكداً علي ضرورة تكثيف الجهود العلمية والبحثية لاكتشاف هذه المناطق وكشف أسرارها.
كما أكد علي ضرورة التسويق السياحي للمناطق التراثية والتاريخية الموجودة في حوض البحر المتوسط.
ومن جانبه، قال الدكتور حميد النوفلي؛ مدير إدارة الثقافة بالمنظمة العربية للعلوم والثقافة، إن الملتقي يجمع بين الأمل والإبداع وروح التحدي للحفاظ على التراث الغارق، لافتاً إلى أن التراث الغارق جزء من ثقافتنا.
وأشار إلى ضرورة تكثيف الجهود الدولية من أجل الكشف عن تفاصيل هذه الآثار التي تشكل جزءً من ثقافتنا وهويتنا وليس مجرد آثار غارقة فقط.
وأوضح أن الملتقى يسهم في الحفاظ على التراث من خلال تبادل الخبرات بين المشاركين والاطلاع على التجارب المختلفة.
كما شدد على ضرورة استخدام التكنولوجيا الحديثة في معرفة أسرار هذه الآثار التي تشكل قيمة حضارية وفرصة للباحثين فضلاً عن دورها في الترويج السياحي.
وقالت الدكتورة سمية السيد؛ مساعد الأمين العام للجنة الوطنية المصرية للعلوم والفنون والثقافة، إن العالم اكتشف نحو ٢٠٠ مدينة غارقة حول العالم، وأن هناك الآلاف من المدن التي لم يتم اكتشافها بعد. وأضافت أن الحياة البحرية ليست موطنا للكائنات البحرية فقط ولكنها أيضا مكانا لمدن غارقة.
كما تحدثت عن التحديات التي تواجه عمليات اكتشاف الآثار البحرية الغارقة والتي تتمثل في نقص الموارد أمام الباحثين وكذلك الحدود البحرية الدولية التي تحتاج إلى موافقات واتفاقات بين الدول، موضحة أن الذكاء الاصطناعي ساهم إلى حد ما في المساعدة في الاستكشافات ولكن هناك الكثير من التحديات التي تواجه الباحثين.
وأبدت تطلعها أن يخرج المنتدى بتوصيات قابلة للتنفيذ وتكون نواة لمشروعات تساهم في الكشف عن التراث الغارق في البحر.
ومن جانبه، ثمن اللواء عمرو عبد المنعم؛ معاون محافظ الإسكندرية، فكرة المنتدى التي تعد فرصة لتبادل المعلومات والخبرات في الدول العربية في هذا المجال، وقال إن التراث المغمور بالمياه يشكل جزءا هاما من تاريخ المنطقة التي تعرضت لمخاطر كبيرة خلال الفترة الماضية ما يحتم ضرورة وضع آليات لحمايتها والحفاظ عليها.
كما أضاف إن الاسكندرية يوجد بها 5 مناطق للآثار الغارقة بداية من أبو قير وحتى قلعة قايتباي، مشيرا إلى ضرورة تضافر الجهود للحفاظ على هذه الكنوز من خلال تنفيذ برامج فعالة للترميم.
من جانبه، تحدث الدكتور عماد خليل، رئيس كرسي اليونسكو في جامعة الإسكندرية، عن تعريف الآثار الغارقة الصادر من منظمة اليونسكو، لافتا إلى أن المنظمة اتاحت للدول تعريف وتحديد المناطق التي ترى فيها أنها تحمل قيمة تراثية للمناطق الغارقة.
وأوضح أن أهداف التنمية المستدامة التي حددتها الأمم المتحدة والبالغ عددها 17 هدف، يتناول جزء منها الحفاظ على التراث الثقافي ومن بينها الحفاظ على الآثار الغارقة.