الخلط الضار بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية
تاريخ النشر: 25th, November 2023 GMT
ترجمة: أحمد بن عبدالله الكلباني -
هناك قصة مشهورة حول مؤسس ما يعرف بـ«الصهيونية الجديدة» وهو الصحفي «تيودور هرتزل» الذي عاش في فيينا نهايات القرن التاسع عشر، كان ينظر إلى أن خلاص اليهود من أوروبا يتمثل في إقامة دولة لهم، ولكن فكرته ظلت لسنوات كفكرة ليس لها أهمية أو قبول بين اليهود المقيمين في أوروبا، حتى بعد المحرقة، في حين أن أفكاره بعد مدة أثار حماس بعض الزعماء اليهود.
وحول هذا الأمر تحدث البروفيسور «آفي شلايم»، وهو أحد العلماء الإسرائيليين المعروفين بأنهم «مؤرخون جدد»، عن الاختلافات بين معاداة «الصهيونية»، ومعاداة «السامية»، وذلك عبر مقطع فيديو انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث قال: إن معاداة السامية تعني كراهية الشعب اليهودي لأنهم فقط «يهود»، أما معاداة «الصهيونية» فهي تعني معارضة واحد من أمرين، إما الأيديولوجية الصهيونية، أو معاداة سياسات الحكومة الإسرائيلية، والأمر الأخير هو الأكثر شيوعا.
كما أشار إلى أن معاداة السامية هو شكل بشع من الكراهية لا يجب تبريره بأي حال من الأحوال، أما معاداة الصهيونية يكون مستندا إلى البراهين.
أما الحكومة الإسرائيلية ومن يؤيدها فهم في سعي متواصل لترويج فكرة أن معاداة الصهيونية تؤدي إلى حرمان اليهود من العيش في دولة خاصة بهم لأنهم فقط «يهود»، وبالتالي -بوجهة نظرهم- فإن معاداة الصهيونية هي معاداة السامية لأنها ببساطة تقصد مجموعة محددة.
إلا أن حجج الحكومة الإسرائيلية لا أساس لها من الصحة أبدا؛ لأن القضية ليست في تقرير اليهود لمصيرهم، بل في كيف تسعى الصهيونية إلى ممارسة «حق المصير» على حساب «حق مصير» شعب آخر وفي مكانه.
إنها قضية عميقة، فكيف لحكومة إسرائيل أن تتعمد صناعة الخلط بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية، كل ذلك من أجل إسكات أي صوت منتقد لحكومتها وأي صوت منتقد لسياسات الاحتلال التي تنتهجها ضد الفلسطينيين.
ومثال ذلك بشكل واضح ما حدث في وقت مبكر من حرب غزة، حيث دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى وقف إطلاق النار، حمايةً للمدنيين، وبشكل مباشر أتهمه أحد ممثلي الحكومة الإسرائيلية بأنه معاد للسامية، وهذا يدل بوضوح أن إسرائيل لديها استراتيجية لصنع هذا الخلط بين الأمرين، بهدف صد الانتقادات -المشروعة بطبيعة الحال- التي توجه إلى إسرائيل.
إن العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل واليمين المتطرف هي ذاتها قد فرقت بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية، حيث سمحت بأن يروج اليمين المتطرف لأفكاره المعادية للسامية دون الوقوع في مشاكل لعقود من الزمن، وطالما أدعى اليمين المتطرف في كافة دول العالم أنهم مؤيدون لإسرائيل، في حين أنهم معادون للسامية بشكل مباشر أو غير مباشر، ومنهم «فيكتور أوربان» رئيس المجر واحد من أكثر المؤيدين لإسرائيل في الاتحاد الأوروبي، إلا أنه معادٍ للسامية في داخله.
واليوم تخلط إسرائيل بين الأمرين، حتى أن «إيلون ماسك» قد وجد نفسه في مأزق مؤخرا بعد أن وافق على التعليقات المعادية للسامية في منصته «إكس» للتواصل الاجتماعي -تويتر سابقا- ومنذ حينها وهيئات الرقابة على وسائل الاعلام تقول بأن «معاداة السامية» تزدهر على «إكس»، المنصة التي يجب أن تكون مكانا لحرية التعبير كما يقول «ماسك»، وعلى ضوء ذلك هرب كبار المعلنين عن المنصة، وليتفادى «ماسك» هذا الهروب أعلن أن استخدام عبارات مثل «إنهاء الاستعمار»، و«من النهر إلى البحر» وغيرها في دعم فلسطين أنها عبارات تنتهك قواعد استخدام المنصة، بالتالي المنع من النشر في المنصة، كما سارع «ماسك» إلى تبني مواقف مؤيدة لإسرائيل، متأملا أنه بذلك سيجعلها تنسى ميوله المعادية للسامية، ما يحدث لإيلون ماسك نتيجة للخلط الذي تقوم به الحكومة الإسرائيلية بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية.
لم يقم كل اليهود في العالم بانتخاب الحكومة الإسرائيلية لتمثلهم جميعا، وذلك نظرا للطبيعة المتنوعة لليهود اليوم التي تجعل أمر انتخاب كافة اليهود مستحيلا، ورغم ذلك فإن إسرائيل تتحدث باسم كافة اليهود في العالم لتوفر لها غطاء على سياستها مع الفلسطينيين.
ومع هذا السعي الإسرائيلي لتصوير أن معاداة السامية والصهيونية أمر واحد، تصاعدت معاداة السامية فعلا في مختلف أنحاء العالم، هذا الأمر يُوَلِّد الحاجة في أن تقوم المجتمعات اليهودية بمحاسبة إسرائيل، ولكن يبدو أن هذا أمر بعيد المنال.
جوزيف دانا رئيس تحرير سابق لمجلة «إيمرجي 85»
ترجمة من آسيا تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الحکومة الإسرائیلیة معاداة السامیة بین معاداة
إقرأ أيضاً: